الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 220 سنة 23 ق – جلسة 27 /06 /1957 

أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الثاني – السنة 8 – صـ 643

جلسة 27 من يونيه سنة 1957

برياسة السيد محمد فؤاد جابر المستشار، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد علي، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.


القضية رقم 220 سنة 23 القضائية

( أ ) بيع "البيع بالكونتراتات". اعتبار البيع على الوجه أو بالكونتراتات صحيحاً. مدى اختلافه عن البيع العادي.
(ب) بيع. التزام. عقد. تعهد بالتوريد. ماهيته.
(ج) التزام "انقضاؤه". استبدال الدين. ماهيته. م 186 و187 مدني قديم.
1 – يعتبر البيع على الوجه أو بالكونتراتات صحيحاً لأنه لا يختلف عن البيع العادي إلا في ترك تحديد السعر (الثمن) للسوق أو للبورصة على الأسس التي توضح في تلك العقود والتي تؤدي إلى تعيينه بلا نزاع.
2 – التعهد بالتوريد ليس عقداً قائماً بذاته ولكنه يكون التزاماً يضمنه عقد آخر من العقود المبينة في القانون كعقد البيع وفيه يتعهد البائع بتسليم المبيع (أو بتوريده) في المكان والزمان المتفق عليهما في العقد.
3 – الاستبدال المنصوص عليه في المادتين 186 و187 من القانون المدني القديم هو عقد يتفق فيه الطرفان على أن يقضيا على التزام سابق وأن يحلا محله التزاماً آخر جديداً يختلف عن الأول بأحد عناصره المهمة – العاقدان أو الموضوع أو السبب – ولا يصح استنباط الاستبدال أو افتراضه بل يجب أن تظهر نية العاقدين في القضاء على الالتزام السابق وفي إحلال الالتزام الجديد محله ظهوراً واضحاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذا الطعن – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق – تتحصل في أنه بتاريخ 15 من فبراير سنة 1949 باع المطعون عليه الثاني بضمان وتضامن الطاعن إلى المطعون عليها الأولى خمسمائة قنطار من قطن الكرنك الزهر من محصول زراعته من أول وثاني جنيه بعقد كتب في أعلاه عنوانه (شروط بيع على الوجه) وتضمن اثني عشر بنداً نص فيها على مكان تسليم القطن (محلج ادرعى بالمنصورة) وعلى ميعاد تسليمه (لغاية 10 من أكتوبر سنة 1949) وعلى دفع مبلغ ألف جنيه من الثمن بصفة عربون للصرف منه على الزراعة والجني. وعلى أنه عند تسليم القطن في المحلج المتفق عليه تدفع الشركة المشترية 80% من الثمن حسب سعر محلها في يوم التسليم بعد خصم ما يكون قد دفع إلى البائع من قبل ذلك إلى غير ذلك من الشروط التي انتهت بالبند الثاني عشر الذي نص فيه على أن البائع تعهد ببيع الكمية المتفق عليها (كونتراتات) في بحر مدة غايتها 15 من إبريل سنة 1949 بحسب الأسعار الجارية بمحل الشركة.
ونفاذاً لهذا العقد حرر في 9 من إبريل سنة 1949 عقد بيع القطن (500 قنطار موضوع العقد الأول) كونتراتات وأن السعر يكون هو المعين للقطن طويل التيلة برتبة جود ببورصة الإسكندرية في أي يوم يرغبه البائع بعلاوة 120 قرشاً للقنطار لغاية 15 من نوفمبر سنة 1949 وتسلم البائع بمقتضى هذا العقد الثاني مبلغ 1200 جنيه على دفعتين فأصبح مجموع ما تسلمه من عاجل الثمن 2200 جنيه ولكنه رغم ذلك لم يسلم إلى الشركة ولا إلى المحلج المتفق عليه شيئاً من القطن المبيع – الأمر الذي اضطرت معه الشركة إلى إقامة الدعوى 1730 سنة 1949 مدني كلي المنصورة على المطعون عليه الثاني والطاعن بصحيفة أعلنت في 7 من ديسمبر سنة 1949 وتضمنت إنذارهما بتسليم القطن المبيع في بحر 24 ساعة وإلا فيحكم عليهما متضامنين بأن يدفعا إليها مبلغ 4084 جنيهاً و960 مليماً والفوائد بواقع 8% سنوياً على مبلغ 2200 جنيه ابتداء من 10 من نوفمبر سنة 1949 حتى تمام الوفاء مع المصروفات والأتعاب ومع حفظ كافة الحقوق، وأمام المحكمة طلب المطعون عليه الثاني رفض الدعوى فيما زاد على مبلغ 2200 جنية (المسلم إليه) بحجة أن القطن المبيع توقع عليه حجز من مالك الأرض وأن الدودة أكلت معظمه وأهلكته – وأما الطاعن فقد طلب رفض الدعوى برمتها قبله لمخالفة الشركة لشروط العقد الأول الذي كان ضامناً فيه ولأن العقد الثاني لم يشترك في التوقيع عليه ويعتبر في نظره استبدالاً للعقد الأول فلا يسأل لذلك عن شيء من المبلغ المطالب به.
وبجلسة 19 من فبراير سنة 1951 قضت محكمة المنصورة:
أولاً: – بإلزام المدعى عليه الأول بصفته مديناً والثاني بصفته ضامناً متضامناً بأن يدفعا للمدعية مبلغ 1000 ج وفوائده بواقع 7% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء – والمصروفات المناسبة ومبلغ 500 قرش أتعاباً للمحاماة.
ثانياً: – بإلزام المدعى عليه الأول بأن يدفع للمدعية مبلغ 1200 ج وفوائده بواقع 7% والمصروفات المناسبة، 500 قرش أتعاب محاماة.
ثالثاً: – بإحالة الدعوى على التحقيق بالنسبة لباقي الطلبات ليثبت المدعى عليه الأول أن دودة القطن أكلت محصول الزراعة.
وبجلسة 17 من ديسمبر سنة 1951 قضت بإلزام المدعى عليهما الأول بصفته مديناً والثاني بصفته ضامناً متضامناً بأن يدفعا للمدعية مبلغ 1200 ج والمصروفات المناسبة ومبلغ 500 قرش أتعاباً للمحاماة وبرفض ما خالف ذلك من الطلبات.
استأنف الطاعن الحكم الأول وقيد برقم 136 سنة 3 ق استئناف المنصورة، وبجلسة 9 من فبراير سنة 1952 أقامت الشركة استئنافاً فرعياً على المدعى عليهما أصلاً وقيد برقم 22 سنة 4 ق ولما صدر الحكم الثاني استأنفه الطاعن أيضاً وقيد برقم 161 سنة 4 ق وطلب في استئنافيه إلغاء الحكمين ورفض الدعوى قبله. وبعد أن أعذر المطعون عليه الثاني. قررت المحكمة ضم الاستئنافات ليصدر فيها حكم واحد. وبجلسة 6 من مايو سنة 1953 قضت حضورياً بقبول الاستئنافات الثلاثة شكلاً وفي الموضوع.
أولاً: – في الاستئنافين رقم 136 سنة 3 ق، رقم 22 سنة 4 ق برفضهما وبتأييد الحكم الأول وبإلزام كل مستأنف بمصروفات استئنافه وبالمقاصة في أتعاب المحاماة.
ثانياً: – في الاستئناف 161 سنة 4 ق بتعديل الحكم الثاني إلى إلزام الطاعن بصفته ضامناً متضامناً بأن يدفع للشركة من المبلغ المحكوم به مبلغ 500 ج والمصروفات المناسبة له عن الدرجتين، 200 قرش أتعاب محاماة وبرفض ما زاد على ذلك من الطلبات وبإلزام الشركة بباقي مصروفات هذا الاستئناف ومبلغ 500 قرش أتعاباً للمحاماة للطاعن.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.
عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 3 من إبريل سنة 1957 وفيها طلب الطاعن الإحالة إلى الدائرة المدنية، وطلبت النيابة رفض الطعن فقررت إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية لنظره بجلسة 30 من مايو سنة 1957 وفيها أصر الطاعن والنيابة على طلباتهما الموضحة بالمذكرات ولم يحضر المطعون عليهما ولم يقدما شيئاً.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون في تطبيقه وتأويله من عدة وجوه: –
الوجه الأول: – وصف الحكم المطعون فيه عقد 15 من فبراير سنة 1949 والموقع عليه منه هو بأنه عقد بيع صحيح من قبيل البيوع التي تتناول الحاصلات الزراعية والتي تباع عادة في الأسواق المالية (البورصة) ويترك تقدير الثمن فيها إلى ما يقرر في تلك الأسواق لنوع المحصول للبيع في خلال المدة المتفق عليها في العقد – وهذا الوصف الذي قال به الحكم خطأ في تكييف العقد لأن العقد لم يترك تقدير الثمن للبورصة ولم يحدد المدة الواجب قطع السعر فيها – ولأن ترك الأمر في تحديد السعر للشركة المشترية مبطل للبيع قانوناً.
الوجه الثاني: – تفيد نصوص العقد أنه عقد توريد لا عقد بيع. وأن ما يورد من القطن للمحلج يبقى على ملك البائع حتى يتم الاتفاق على السعر. وإلا صار حلجه على حسابه وحينئذ تكون الشركة المشترية بمثابة وكيل بالعمولة لها أجرها المحدد في العقد إذا كلفت بالبيع أو إذا امتنع البائع عن سداد ما عليه من سلفيات وفوائد ومصروفات ومن ثم يكون العقد الثاني الذي لم يشترك فيه الطاعن ولم يوقع عليه هو المعمول عليه.
الوجه الثالث: – أن العقد الأول حصل استبداله بعقد البيع الثاني ولأن الطاعن لم يكن طرفاً فيه فإن الكفالات والضمانات التي كانت على العقد الأول تنقضي باستبداله – ولا يغير من ذلك قول الحكم المطعون فيه بامتداد تلك الكفالات والضمانات إلى العقد الثاني في الحدود المرسومة بالعقد الأول لأن هذا القول خطأ قانوني ظاهر وعلى خلاف مقتضى المادة 190 مدني قديم التي تشترط رضاء الكفلاء لنقل التأمينات – وعلى ما سلف البيان – فإن الطاعن لم يشترك في العقد الثاني ولم يرض بنقل التأمينات إلى ذلك العقد الثاني.
الوجه الرابع: – الكفالة عقد تبعي وقد انتهت بزوال العقد الأول بالاستبدال فالحكم على المدين بالعقد الثاني وعلى الضامن بالعقد الأول مخالف للقانون.
ومن حيث إن هذا النعي مردود في جميع وجوهه بما قرره الحكم المطعون فيه من أن العقد الأول جعل عنوانه (عقد بيع قطن على الوجه بين شركة أقطان خوريمي بناكي بصفتها مشترية والأستاذ صالح البنا باعتباره بائعاً والطاعن بصفته ضامناً متضامناً في كل ما هو مدون بالعقد وما يتعلق بخصوصه) ثم نقل الحكم شروط العقد الأول التي تقضي باستلام البائع للعربون وقدره 1000 ج وبتعهده بتوريد القطن لمحلج أوغست ادرعى بالمنصورة لحساب المشتري وأن ما يصير تسليمه هناك يدفع 80% من ثمنه بعد خصم ما سبق سداده إلي البائع وما يكون قد صرف على القطن من مصاريف وفوائد – وأن السعر يحدد حسب الأسعار الجارية بمحل المشتري فإذا لم يحصل الاتفاق على السعر أو رغب المشتري في بيعه للغير فمن حقه استلام القطن بعد سداد ما يكون مستحقاً عليه وعلى أن البيع لا يعتبر نهائياً إلا بقطع السعر – فإذا لم يحصل اتفاق على السعر أو انقضت المواعيد المحددة فإن المشتري يقوم بحلج القطن على حساب البائع ثم يقوم ببيعه لحسابه كذلك باعتباره وكيلاً عنه بالعمولة بعد خصم أجرة الحلج والمصاريف وما تسلمه البائع معجلاً من الثمن على حسب الفئات المحددة في العقد – فإذا لم يوافق البائع على ذلك كله فله أن يسحب قطنه قبل حلجه بعد سداد ما يكون مستحقاً عليه من مبالغ وفوائدها ومبلغ 500 جنيه بصفة تعويض كشرط جزائي متفق عليه، ثم تكلم الحكم عن العقد الثاني ونقل بعض نصوصه ثم قال "وحيث إنه يتضح من هذا العرض التفصيلي لأهم ما جاء في العقدين مما يتصل بالنزاع الحالي ومن باقي بنودهما صحة الوصف الذي أسبغ على كل منهما، فالأول هو عقد بيع قطن على الوجه والثاني هو عقد شراء قطن على الكونتراتات. وليس في بنود أيهما ما يتعارض مع وصفه، وقد خلا ثانيهما من أية دلالة على أنه استبدل بالعقد الأول. بل على العكس أثبت في العقد الثاني في صراحة أنه ينصب على الأقطان التي تناولها العقد الأول وقد انعقد إجماع الفقه والقضاء في ظل القانون المدني القديم على إجازة البيع التجاري المعروف بالبيع على الوجه – وهو البيع الذي يتناول الحاصلات الزراعية التي تباع عادة في الأسواق المالية (البورصة) ويترك فيه تقدير الثمن إلى ما يقرر في تلك الأسواق لنوع المبيع خلال المدة المتفق عليها في العقد – والبيع الأول من هذا القبيل وقد خلا عقده مما يتعارض مع طبيعة هذا البيع. أما ما جاء في البنود السادس والسابع والعاشر فلا يتحقق شيء منها إلا إذا فوت البائع الميعاد المحدد لقطع السعر أو اختلف مع الشركة على تحديده فينفسخ البيع عندئذ وتبقى ملكية البائع للقطن وتنقلب الشركة دائنة بما قدمت من دفعات (الثمن) وتكبدت من نفقات واستحقت من تضمينات ولها أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على حقوقها – وقد تعهد البائع في البند الثاني عشر من العقد الأول بأن يبيع القطن كونتراتات في مدة غايتها 15/ 4/ 1949 حسب الأسعار الجارية بمحل الشركة" ثم تكلم الحكم عن دفاع الطاعن في هذا الخصوص وأن هذا البند الأخير يبطل البيع لأنه يسلط إرادة الشركة في تحديد السعر، ثم قال "وحيث إن هذا البند لا يتعارض إطلاقاً مع باقي بنود العقد ولا يخرج عن أن يكون ترديداً للبند الخامس على ما جاء في الصحيفة التاسعة من مذكرة الطاعن الختامية المقدمة في 14/ 3/ 1953 وهذا حق لأن البند الثاني عشر لم يأت بجديد ولكنه جدد تاريخ القطع الذي خلا منه البند الخامس من أن القطع يكون حسب الأسعار الجارية بالشركة، وهذا الشرط بصيغته ليس مجهلاً ولا تحكمياً لأن الأسعار الجارية بالشركة تحددها أسعار البورصة فالشرط صحيح لأن القانون لا يستلزم بيان الثمن في العقد ولكنه يكتفي بأن يكون الثمن قابلاً للتحديد وأن يشتمل العقد على الوسائل المؤدية لتعيينه بلا نزاع بين الطرفين – وقد أورد القانون المدني الجديد في المادة 424 منه نصاً على ذلك – وفضلاً عن ذلك كله فإن البند الخامس لم يترك تحديد السعر لإرادة الشركة بل نص على أن قطع السعر يكون باتفاق الطرفين، ثم نص في البند السابع على حق البائع في الاحتفاظ بقطنه إذا لم يتفق على السعر وأن يبيعه لمشتر آخر (البند العاشر) فلا يمكن والحالة هذه القول بأن العقد حوى شرطاً تحكمياً باطلاً ومبطلاً له"، وبعد أن تكلم الحكم عن التعويض الوارد في صدر العقد الأول وفي باقي بنوده عن ضمانة الطاعن شرح دفاعه الخاص باستبدال العقد الأول وزواله قال "وحيث إن هذا مردود بأن استبدال الدين لا يتم إلا إذا انتوى المتعاقدان أن يستبدلا بالالتزام الأصلي آخر جديداً يغايره ونية التجديد لا تفترض ولا تؤخذ بالظن بل يجب أن يتفق عليها صراحة أو أن تظهر الرغبة فيها ظهوراً واضحاً بيناً من نصوص العقد ولابد أن تنصب هذه النية على تغيير الدين القديم وعلى أن يحل محله آخر يختلف عنه موضوعاً أو محلاً، أما التغيير الذي لا يتناول إلا شرط العقد دون جوهره فلا يعتبر تجديداً على ما يستفاد من المادتين 186، 187 من القانون المدني القديم وعلى ما صرح به القانون المدني الجديد في المواد من 352 إلى 356 ولم تصرح الشركة المشترية ولا البائع بأن نيتهما اتجهت إلى الاستبدال – وليس في نصوص العقد الثاني ما ينم عن تلك الرغبة. بل إن هذا العقد لم يبرم إلا تنفيذاً للبندين الخامس والثاني عشر من العقد الأول، وقد ضمن الطاعن جميع شروط العقد الأول وما يتعلق بخصوصه فضمانته لذلك تمتد إلى العقد اللاحق في الحدود المرسومة في العقد الأول فليس له أن يتنصل منها وليس للشركة أن تجاوزها أو أن تسائله على أساس ما طرأ من شروط جديدة في العقد الثاني الذي لم يساهم فيه ولم يرض عنه، وهذا الذي قرره الحكم لا مخالفة فيه للقانون من اعتبار البيع على الوجه أو بالكونتراتات صحيحاً لأنه لا يختلف عن البيع العادي إلا في ترك تحديد السعر (الثمن) للسوق أو للبورصة على الأسس التي توضح في تلك العقود والتي تؤدي إلى تعيينه بلا نزاع بين الطرفين.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه في باقي أسباب الطعن القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال في عدة وجوه:
الوجه الأول: – استشهد الحكم المطعون فيه بالبند الثاني عشر من العقد الأول على أن هذا العقد حدد ميعاداً لقطع السعر في حين أن ذلك البند خلا من ذلك كلية.
الوجه الثاني: – استشهد الحكم كذلك في سبيل التدليل على صحة العقد الأول وعلى اعتباره بيعاً صحيحاً بالبنود الخامس والسابع والعاشر من ذلك العقد في حين أن تلك البنود بنصوصها الثابتة في العقد تهدم إمكان اعتبار العقد المذكور بيعاً.
الوجه الثالث: – كذلك استشهد الحكم على صحة الشرط الثابت في العقد الأول من أن تحديد سعر البيع يكون على أساس الأسعار الجارية بمحل الشركة. وعلى أن هذا الشرط لا يعتبر تحكمياً ولا يبطل البيع بالتالي بمقولة إن أسعار الشركة هي بعينها أسعار البورصة من غير أن يبين مصدر هذا القول وفي حين أو أوراق الدعوى لا تدل على ذلك.
الوجه الرابع: – قال الطاعن في دفاعه ومذكراته إن الحكم المطعون فيه لم يكن في مقدوره أن يفسر العقد المتنازع حوله بأكثر مما فسره به المتعاقدان فيه فقد أثبتت الشركة في ذلك العقد أنه عقد توريد قطن وبمثل ذلك قالت في صحيفة الدعوى – مع قيام الفرق بين عقد التوريد وعقد البيع – ورغم هذا الدفاع الثابت فإن المحكمة لم ترد عليه بكلمة.
الوجه الخامس: – كذلك أكد الطاعن في دفاعه أن البند الثاني عشر من العقد الأول لا يعدو أن يكون في حقيقته وعداً بالبيع – وأن الوعد بالبيع مثله كمثل البيع تماماً يجب أن يستوفى جميع أركانه القانونية وأهمها الثمن – فإذا خلا من هذا الركن كان العقد باطلاً سواء اعتبرته المحكمة بيعاً أو وعداً بالبيع ولم ترد المحكمة على هذا الدفاع.
الوجه السادس: – قال الطاعن أخيراً أن البند الثاني عشر من العقد الأول تضمن تعهداً ببيع القطن موضوع ذلك العقد بالكونتراتات في بحر مدة غايتها 15/ 4/ 1949 وقد قام البائع في 9/ 4/ 1949 ببيع القطن بالفعل بالكونتراتات إلى الشركة وتم بذلك تنفيذ هذا التعهد وانقضى به ضمان الطاعن بتمام التنفيذ من ناحية وبحصول الاستبدال من الناحية الثانية على ما قال به من قبل. والحكم المطعون فيه عزف عن الرد على ذلك كله ولم يدلل عليه وحين استدل أخطأ في الاستدلال فجاء الحكم لذلك كله قاصر البيان وفاسد الاستدلال مما يعيب الحكم بالقصور ويوجب نقضه.
ومن حيث إن هذا النعي رغم ما فيه من ترديد لما جاء في سبب النعي الأول مما يغني عن تكرار الرد عليه فإنه مردود في جميع وجوهه – أولاً: بأن التعهد بالتوريد ليس عقداً قائماً بذاته ولكنه يكون التزاماً يتضمنه عقد آخر من العقود المبينة في القانون كعقد البيع وفيه يتعهد البائع بتسليم المبيع (أو بتوريده) في المكان والزمان المتفق عليهما في العقد – وقد قطع الحكم المطعون فيه في أن العقد الأول الموقع عليه من الطاعن هو عقد بيع بات مستوفى لجميع أركانه وشرائطه القانونية ولم يعتبره وعداً بالبيع، كما لم يعتبر العقد الثاني استبدالاً للعقد الأول في أسباب سائغة تكفي لحمله وتغني عن تعقب الطاعن في شتى نواحي دفاعه – ومردود ثانياً بأن الاستبدال المنصوص عليه في المادتين 186 و187 من القانون المدني القديم والذي يحكم واقعة النزاع هو عقد يتفق فيه الطرفان على أن يقضيا على التزام سابق وأن يحلا محله التزاماً آخر جديداً يختلف عن الأول بأحد عناصره المهمة العاقدان أو الموضوع أو السبب ولا يصح استنباط الاستبدال أو افتراضه بل يجب أن تظهر نية العاقدين في القضاء على الالتزام السابق وفي إحلال الالتزام الجديد محله ظهوراً واضحاً – ومردود أخيراً بأن الجدل حول الثمن وبطلان الشرط الخاص به – يخرج عن نطاق النزاع القائم حول رد ما سلم إلى البائع من قروض وسلفيات وما استحق عليه من فوائد وتعويضات متفق عليها بصراحة في العقد الأول الموقع عليه من الطاعن عند عدم تسليم القطن المبيع – ولذلك كله يتعين رفض الطعن.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات