الطعن رقم 57 سنة 23 ق – جلسة 24 /01 /1957
أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الأول – السنة 8 – صـ 79
جلسة 24 من يناير سنة 1957
برياسة السيد أحمد العروسي المستشار، وبحضور السادة اسحق عبد السيد، وأحمد قوشه، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.
القضية رقم 57 سنة 23 القضائية
( أ ) فوائد. نزع ملكية. تعويض. خبير. صيرورة عمل الخبير المنتدب
لتقدير التعويض عن الأرض المنزوعة ملكيتها نهائياً والقضاء في النزاع الخاص بملكية
هذه الأرض. استحقاق الفوائد عن مبلغ التعويض. حلوله.
(ب) فسخ. عقد. إثبات "قرائن". محكمة الموضوع. سلطتها في استخلاص نية المتعاقدين على
التفاسخ من قرائن موضوعية مؤدية.
1 – إذا كان عمل الخبير الذي ندب لتقدير التعويض عن الأرض المنزوعة ملكيتها قد أصبح
نهائياً وكان قد قضى في النزاع الخاص بملكية هذه الأرض فلا يقوم من القانون سبب لحبس
التعويض الذي قدره الخبير وبالتالي يكون استحقاق الفوائد عنه قد أصبح حال الأداء. فإذا
كان الحكم قد قضى بعد ذلك بالفوائد من تاريخ التكليف الرسمي فإنه لا يكون قد أخطأ في
تطبيق القانون.
2 – متى كان الحكم قد استخلص نية المتعاقدين على التفاسخ وحصل فهم الواقع فيها من قرائن
موضوعية مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها فان ذلك مما يستقل به قاضي الموضوع.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في
أن المطعون عليهم وآخرين كانوا يملكون أطياناً بجهة الدخيلة مركز كفر الدوار. وفي 15
من يونيه سنة 1941 صدر مرسوم بنزع ملكيتهم من هذه الأطيان ثم ندب خبير لتقدير ثمن ما
عليها من أشجار فاكهة ونخيل ولتحقيق ملكية واضعي اليد عليها باشر الخبير مهمته وأودع
تقريراً بما رآه فأودعت الحكومة بتاريخ 10 من أكتوبر سنة 1945 المبلغ الذي قدره الخبير
وصرحت للمطعون عليهم بأن يصرف كل منهم المبلغ الذي قدرته الحكومة ثمناً لما نزعت ملكيته
أما الفرق بين هذا الثمن وما قدره الخبير فحظرت صرفه إليهم إلا بعد المعارضة في تقدير
الخبير والفصل فيها، وفي 17 من يناير سنة 1946 اتفقت الحكومة مع المطعون عليهم على
مبالغ تقل عما قدره الخبير ووقعوا على إقرارات بذلك ثم تقدموا الصرف المبالغ التي صرح
لهم بصرفها فأبت عليهم مصلحة المساحة ذلك بحجة أنهم لا يملكون الأطيان المنزوع ملكيتها
فاضطروا إلى رفع الدعوى رقم 244 سنة 1947 كلي إسكندرية بطلب الحكم بأحقيتهم لصرف تلك
المبالغ فقضى في 3 من نوفمبر سنة 1947 بأحقيتهم بصرف مبلغ 876 جنيهاً و265 مليماً قيمة
التعويض عن الأشجار إذ لم يقم بينهم وبين الحكومة خلاف بشأنها أما عن ثمن الأطيان فقد
رأت المحكمة أن تحيل الدعوى إلى التحقيق ليثبتوا ملكيتهم لها ثم انتهت المحكمة في 10
من يناير سنة 1949 إلى الحكم بأحقيتهم لصرف ثمنها وهو مبلغ 779 ج و739 م بعد أن ثبتت
هذه الملكية، وقد حدث في 17 من نوفمبر سنة 1949 أن تسلمت الطاعنة الأطيان تنفيذاً لكتاب
أرسله كبير مفتشي المساحة إلى مأمور قسم مينا البصل بتاريخ 8 من نوفمبر سنة 1949 فطالب
المطعون عليهم بباقي المبلغ المودع على ذمتهم بناءً على تقرير الخبير ولكن الحكومة
لم تستجب إلى طلبهم فاضطروا إلى رفع الدعوى رقم 1337 كلي إسكندرية سنة 1949 طالبين
الحكم بإلزام الطاعن ومفتش المساحة بإسكندرية ومدير عام مصلحة المساحة في مواجهة كبير
كتاب محكمة إسكندرية بأن يدفعوا لهم متضامنين مبلغ 1658 ج و968 م وفوائد هذا المبلغ
من أول فبراير سنة 1950 حتى الوفاء. وفي 29 من إبريل سنة 1951 قضى بإلزام الطاعن بأن
يدفع هذا المبلغ إلى المطعون عليهم. فاستأنف الطاعن هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 307/
7 ق استئناف إسكندرية طالباً تعديل الحكم إلى ما يوازي المبالغ الواردة في الإقرارات
ومقدارها 892 ج و585 م على ألا تصرف لهم إلا بعد استيفاء مستندات الملكية واحتياطياً
إيقاف الدعوى حتى يفصل في المعارضة المرفوعة من الحكومة في تقديرات الخبير. ورفع المطعون
عليهم استئنافاً فرعياً بجلسة 18 من مارس سنة 1952 طالبين تعديل الحكم المستأنف والحكم
لهم بالفوائد بواقع 4% عن المبلغ المحكوم به من أول فبراير سنة 1950 حتى الوفاء وفي
25 من مارس سنة 1952 قضي برفض الاستئناف الأصلي للأسباب التي بني عليها الحكم المستأنف
ولما أضافته المحكمة من أسباب أخرى وبالنسبة للاستئناف الفرعي بإلزام المستأنف عليه
بصفته (الطاعن) في مواجهة كبير كتاب محكمة إسكندرية بأن يدفع إلى المطعون عليهم فوائد
عن المبلغ المحكوم به بواقع 4% سنوياً من أول فبراير سنة 1950 حتى الوفاء. فطعن الطاعن
في هذا الحكم بطريق النقض، وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فطلب الحاضر عن الطاعن
كما طلبت النيابة إحالة الطعن على الدائرة المدنية. فقررت المحكمة إحالته على هذه الدائرة
لنظره بجلسة 3 من يناير سنة 1957.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول مخالفة
القانون والخطأ في تطبيقه وقصور في التسبيب ذلك أنه قضى بالتعويض على أساس تقدير الخبير
المعين بأمر رئيس المحكمة الابتدائية على الرغم من الإقرارات التي وقع عليها المطعون
عليهم بعد أن قدم الخبير تقريره وهي اتفاقات ملزمة لهم فالقضاء بما يخالفها قضاء مخالف
للقانون، كما أن الحكم أقام قضاءه هذا على أن الطاعن والمطعون عليهم قد تفاسخوا في
الاتفاقات التي بنيت عليها هذه الإقرارات واستند في ذلك إلى قرائن يستحيل بداهة أن
تؤدي إلى هذه النتيجة وفي تأسيسه قضاءه على تفاسخ الطرفين في هذه الاتفاقات للأدلة
التي استند إليها مخالفة أخرى هي القصور في التسبيب.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على حكم محكمة الدرجة الأولى المؤيد بالحكم المطعون فيه
أنه إذ تحدث عن الإقرارات التي وقع عليها المطعون عليهم قال: "فالذي يبدو من المراحل
التي مر بها هذا النزاع بين طرفي الدعوى أنه عقب تحرير هذه الإقرارات التي تعتد بها
الحكومة الآن وتعول عليها حاول المدعون – المطعون عليهم – أن يصرفوا المبالغ التي أباحت
لهم مصلحة المساحة صرفها بمقتضى محضر الإيداع في 10 من أكتوبر سنة 1945 فإذا الحكومة
تأبى عليهم ذلك وتثير منازعة في ملكية المدعين بالذات للأرض المنزوع ملكيتها مما حداهم
إلى رفع دعوى أشير إليها فيما سلف وهذا النكول من جانب الحكومة عن الأخذ بهذه الإقرارات
التي تحوي بين ثناياها عقداً ملزماً للجانبين يلزم كل طرفيه بالتزامات متبادلة هو في
ذاته تفاسخ بدليل أن الحكومة لم تستطيع الإشارة إليه طوال مدة التداعي الأول بل اعتبرت
منازعتها في مدى أحقية المدعين للتعويض إصالة جعل التعاقد الأول غير ذي موضوع وعلى
هذا الأساس فإن المحكمة ترى أن هذه الاتفاقات التي تتذرع بها الحكومة قد اعتبرت مفسوخة
وذلك باستيحاء إرادة الطرفين وما تنبئ عنه السبيل التي اختطها كل من الطرفين لتأييد
دعواه – وقد أخذ الحكم المطعون فيه بهذه الأسباب وأضاف إليها قوله: "إن الاتفاقات المبرمة
بين المستأنف عليهم – المطعون عليهم – والحكومة قد عدل عنها لأن الحكومة لم تتمسك بها
ولم تشر إليها في القضية 244 كلي سنة 1947 وهي عن ذات الموضوع وبين نفس الطرفين كما
أنها أكملت إيداع باقي الثمن وفقاً لتقرير الخبير في 9 من فبراير سنة 1946 أي بعد تاريخ
الاتفاقات بشهر تقريباً مما يدل على العدول عنها واعتبارها مفسوخة". ويبين من هذا الذي
أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليه في هذا السبب من سببي النعي أنه استخلص منه نية
المتعاقدين على التفاسخ في الإقرارات وحصل فهم الواقع فيها من قرائن موضوعية مؤدية
إلى النتيجة التي انتهى إليها مما يستقل به قاضي الموضوع وهي في ذاتها كافية لحمله
يستقيم بها قضاؤه ولا مخالفة فيها للقانون، ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذا السبب
نعياً في غير محله فيتعين رفضه.
ومن حيث إن حاصل السبب الآخر من سببي النعي الحكم المطعون فيه هو أنه خالف القانون
وأخطأ في تطبيقه إذ قضى بالفوائد عن مبلغ التعويض المحكوم به استناداً إلى أن الحكومة
منعت صرفه إلى المطعون عليهم بعد أن أودعته على ذمتهم متذرعة في ذلك بمنازعتها في ملكيتهم
للأطيان التي نزعت ملكيتها بينما هي قد استولت عليها وبذلك جمعت بين الثمن والمبيع
ووجه الخطأ في ذلك هو أن منازعة الطاعنة في الملكية كان سببها ظهور تسجيلات على الأطيان
المنزوع ملكيتها ولا يقوم للمطعون عليهم حق في صرف تلك المبالغ إلا بعد أن يقضى لهم
بذلك.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ اعتمد تقرير الخبير ولم يأخذ
بدفاع الطاعن من أن ميعاد المعارضة في هذا التقرير لا يزال مفتوحاً لأنه لا ينقضي إلا
بعد انقضاء ثلاثين يوماً من إعلان القرار الذي يصدره وزير الأشغال بالاستيلاء على العقار
المنزوعة ملكيته وفقاً للمواد 18 و19 و20 من القانون رقم 5 لسنة 1907 بشأن نزع الملكية
للمنافع العمومية والمعدل بمرسوم بقانون الصادر في سنة 1931 والذي يسري على واقعة الدعوى
إذ لم يأخذ الحكم بهذا الدفاع فقد أورد في وقائع الدعوى: "أنه بتاريخ 8 من نوفمبر سنة
1946 أرسل كبير مفتشي المساحة بإسكندرية خطاباً رقم 8381 لمأمور قسم مينا البصل يعلنهم
فيه بتسليم الأرض المنزوع ملكيتها إلى وزارة الحربية، وفي 17 من نوفمبر سنة 1946 رضخ
المستأنف عليهم – المطعون عليهم – وسلموا الأرض فعلاً في هذا التاريخ بحضور مندوب المساحة
والعُمد والمشايخ ومندوب وزارة الدفاع ومندوب البوليس الذي أثبت قيامة لأداء المأمورية
في المذكرة رقم 18 أحوال نقطة بوليس الدخيلة" ثم استند الحكم في رفض دفاع الحكومة إلى
أن "الثابت من الأوراق أن الحكومة قد تسلمت الأرض المنزوع ملكيتها من المستأنف عليهم
في يوم 17 من نوفمبر سنة 1946 بوساطة البوليس كما سلف بيانه ووضعت اليد عليها واقتلعت
الأشجار والنخيل وتهيأت للمطار فعلاً فإذا فرض جدلاً بأنه لم يصدر قرار وزير الأشغال
بالاستيلاء فإن العبرة بالاستيلاء الفعلي وقد انقضت سنوات على تاريخ هذا الاستيلاء
ولم تطعن الحكومة في تقرير الخبير حتى الآن ويكون حكم محكمة أول درجة باتخاذه أساساً
لتقدير التعويض قد أصاب وجه الحق ولا خطأ في المبالغ التي وردت به"، ولما كان الطاعن
لم يورد في أسباب الطعن ما يعيب به تقدير الحكم في هذا الخصوص والذي يستفاد منه أن
تقرير الخبير الذي أخذت به المحكمة أصبح نهائياً كما أن منازعة الطاعن للمطعون عليهم
في ملكية الأطيان المنزوعة ملكيتها بحجة ظهور تسجيلات على هذه الأطيان وحظر صرف المبالغ
المودعة استناداً إلى هذه المنازعة لم يكن يستند إلى حق بعد أن ثبتت ملكيتهم واستقر
حقهم بالحكم الصادر في الدعوى رقم 244 سنة 1947 على ما سلف بيانه – ومن ثم لا يكون
الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بالفوائد بواقع 4% من تاريخ التكليف الرسمي
الحاصل في أول فبراير سنة 1950 أي بعد أن قضى في النزاع الخاص بملكية المطعون عليهم
للأرض المنزوعة ملكيتها وبعد أن أصبح عمل الخبير نهائياً، وبذلك لا يقوم من القانون
سبب لحبس التعويض الذي قدره الخبير وبالتالي يكون استحقاق الفوائد عنه قد أصبح حال
الأداء كما هو الحال في خصوصية هذه الدعوى، ولما كان ذلك فإن النعي على الحكم بهذا
السبب يكون في غير محله ويتعين رفضه.
