الطعن رقم 1022 سنة 6 ق – جلسة 30 /03 /1936
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) – صـ 585
جلسة 30 مارس سنة 1936
تحت رياسة حضرة صاحب السعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة زكي برزي بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك ومحمود سامي بك المستشارين.
القضية رقم 1022 سنة 6 القضائية
مراقبة. المراقبة الخاصة. المراد منها.
(المواد 6 و9 و14 و27 من القانون رقم 24 لسنة 1923)
إن المراد من عبارة "المراقبة الخاصة" الواردة في المادة التاسعة من قانون المتشردين
والمشتبه فيهم هو عين المراد من المراقبة المنصوص عنها في الفقرة الرابعة من المادة
السادسة من القانون ذاته أي المراقبة التي يوضع فيها الشخص في جهة يعينها وزير الداخلية
لا المراقبة العادية. والغرض من وصف هذه المراقبة بكلمة "الخاصة" هو تمييزها عن المراقبة
العادية التي يترك فيها للمحكوم عليه اختيار الجهة التي ينوي الإقامة فيها مدّة المراقبة.
والمراقبة المنصوص عليها في تينك المادتين هي عقوبة أصلية يكفي الحكم بها عند الحكم
بالحبس كعقوبة أصلية ثم الحكم بالمراقبة كعقوبة تكميلية، بخلاف المراقبة العادية فإنها
عقوبة تكميلية لا غناء فيها عن العقوبة الأصلية.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة هذا المتهم بأنه في يوم 25 مارس سنة 1935 ببندر الفيوم اتهم في قضية الجناية رقم 640 ب سنة 1935 رغم سابقة إنذاره مشبوهاً من مركز الفيوم بتاريخ 11 ديسمبر سنة 1931، وطلبت عقابه بالمواد 2 و9 و10 و11 من القانون رقم 24 لسنة 1923، ومحكمة جنح الفيوم الجزئية أتمت نظر هذه الدعوى وقضت غيابياً في 10 يوليه سنة 1935 عملاً بالمادة السادسة من القانون السالف الذكر بوضع المتهم تحت مراقبة البوليس في الجهة التي يعينها وزير الداخلية لمدّة سنة تبتدئ من صيرورة هذا الحكم حضورياً ما لم يكن المتهم محبوساً فتبدأ بعد انتهاء حبسه والنفاذ بلا مصاريف. فعارض المتهم في هذا الحكم وقضت المحكمة السالفة الذكر في 8 أكتوبر سنة 1935 بقبول المعارضة شكلاً ورفضها موضوعاً وتأييد الحكم المعارض فيه بلا مصاريف. فاستأنف المتهم هذا الحكم في يوم صدوره. واستأنفت النيابة الحكم الغيابي في 15 يوليه سنة 1935 طالبة التشديد. ومحكمة بني سويف الابتدائية الأهلية بهيئة استئنافية قضت حضورياً في 31 ديسمبر سنة 1935 بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة لمدّة المراقبة وإلغائه بالنسبة لتعيين مكانها بمعرفة وزير الداخلية. فطعن حضرة رئيس نيابة بني سويف في هذا الحكم بطريق النقض في 18 يناير سنة 1936 وقدّم تقريراً بالأسباب في نفس التاريخ.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن محصل الطعن المقدّم من النيابة أن المحكمة الاستئنافية حين ألغت الحكم الابتدائي
فيما يتعلق بتعيين مكان المراقبة بمعرفة وزير الداخلية قالت إن الحكم طبقاً للمادة
التاسعة من القانون رقم 24 لسنة 1923 لا يلزم معه القضاء بالمراقبة في مكان معين تمشياً
مع ما هو منصوص عليه بالفقرة الأخيرة من المادة السادسة من القانون المذكور. وفي سبيل
التدليل على صحة ما ذهبت إليه قالت المحكمة إن المادة التاسعة السالفة الذكر حين أرادت
أن توضح المقصود من عبارة "المراقبة الخاصة" أحالت في ختامها إلى "أحكام الباب التالي"
مع أنه ليس في أحكام الباب التالي ما يوضح المعنى المراد من عبارة المراقبة الخاصة.
كذلك قالت المحكمة إن نص المادة 14 من قانون المتشردين والمشتبه فيهم يشير إلى أن من
يحكم عليه بوضعه تحت مراقبة البوليس باعتباره مشتبهاً فيه يجب أن يتقدّم بنفسه في ظرف
24 ساعة من وقت الحكم عليه إلى مكتب البوليس ليخبره عن الجهة التي ينوي اتخاذها محلاً
لإقامته إلخ. فلو أن المراقبة الخاصة التي تشير إليها المادة التاسعة هي المراقبة في
مكان معين يختاره وزير الداخلية لما كان هناك معنى للنص في المادة 14 على أن المشتبه
فيه الذي حكم عليه بهذه المراقبة يجب أن يتقدّم إلى مركز البوليس عقب الحكم ليخبره
بالمكان الذي يختاره هو محلاً لإقامته. وتقول النيابة إن هذا الذي ذهبت إليه المحكمة
الاستئنافية مخالف لما سبق أن حكمت به محكمة النقض بحكميها الصادرين في 21 نوفمبر سنة
1929 و26 ديسمبر سنة 1932، كما أنه لا يتفق مع المبادئ القانونية المقررة، ويكون حكمها
المطعون فيه واجب النقض لما انطوى عليه من خطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إنه بالاطلاع على الحكم المطعون فيه يبين أنه قضى بتأييد الحكم المستأنف فيما
حكم به من وضع المحكوم عليه تحت مراقبة البوليس مدة سنة ولكنه ألغاه بالنسبة لتعيين
مكانها بمعرفة وزير الداخلية مستنداً في ذلك: (أوّلاً) إلى أن ترك تعيين مكان المراقبة
لوزير الداخلية إنما يكون في الحالات المنصوص عليها في القانون رقم 24 لسنة 1923، وأنه
ليس بين هذه الحالات حالة تنطبق على المحكوم عليه في القضية الحالية. (وثانياً) إلى
أن عبارة المراقبة الخاصة المنصوص عليها في المادة التاسعة لا يمكن أن تنصرف إلى المراقبة
التي يعين مكانها وزير الداخلية لأن القانون أحال في بيان مدلول هذه العبارة إلى أحكام
الباب التالي (أي الباب الثالث من القانون). وقد عدّد القانون في هذا الباب طوائف الأشخاص
الذين يخضعون لنظام مراقبة البوليس وذكر من بينهم الأشخاص الذين يوضعون تحت المراقبة
باعتبارهم مشتبهاً فيهم، ولم يفرد لهؤلاء حكماً خاصاً بل سوّى بينهم وبين غيرهم فيما
يتعلق بنوع المراقبة التي تجري عليهم. بل قد يتضح من المقابلة بين مختلف الطوائف التي
يمكن أن تخضع لمراقبة البوليس كما عدّدتها المادة العاشرة أنه لا يمكن اعتبار الأشخاص
المشتبه فيهم أسوأ حالاً من طوائف أخرى ينص القانون على وضعهم تحت المراقبة بدون أن
يحدّد وزير الداخلية لهم مكاناً خاصاً يقضون فيه مدة هذه المراقبة. (وثالثاً) إلى أنه
يبين من مواجهة نص المادة الرابعة عشرة وما فيها من إحالة على المادة الثانية عشرة
أن القانون يوجب على من يحكم عليه بوضعه تحت مراقبة البوليس باعتباره مشتبهاً فيه أن
يتقدّم إلى سلطة البوليس عقب الحكم عليه ليخبرها عن الجهة التي ينوي اتخاذها محلاً
لإقامته. ولا يمكن أن يكون لهذا الإخبار معنى إذا كان مقضياً عليه بالمراقبة في جهة
يعينها له وزير الداخلية.
ومن حيث إن عبارة "المراقبة الخاصة" الواردة في المادة التاسعة من قانون المتشردين
والمشتبه فيهم قد أثارت كثيراً من اللبس فيما يتعلق بمدلولها، وذلك لانفراد المادة
التاسعة بذكرها دون سائر مواد ذلك القانون ولما يشوبها من غموض لم يساعد على جلائه
الباب الثالث من القانون الذي أحالت عليه المادة التاسعة في ختامها بما قد يفيد أن
ذلك الباب قد تكفل بتوضيح معنى "المراقبة الخاصة" وتحديد مدلولها على حين أن أحكام
هذا الباب جاءت خلواً من كل ما يمكن أن يساعد على جلاء غامضها. لكن محكمة النقض قد
استقر رأيها على تفسير هذه العبارة بأنها يراد بها ما أرادته المادة السادسة من القانون
في فقرتها الرابعة، أي المراقبة التي يوضع فيها الشخص المراقب في جهة يعينها وزير الداخلية،
ويكون الغرض من وصف هذه المراقبة بكلمة "الخاصة" هو تمييزها عن المراقبة العادية التي
يترك فيها للمحكوم عليه اختيار الجهة التي ينوي الإقامة فيها مدة المراقبة.
ومن حيث إن مما يؤكد صحة هذا المعنى ويبعد شبهة أن عبارة "المراقبة الخاصة" التي جاءت
بالمادة التاسعة لا يراد بها سوى المراقبة العادية كما ذهب إليه الحكم المطعون فيه،
أن المراقبة مفروضة في هذه المادة كعقوبة أصلية أسوة بالحالة المنصوص عليها في الفقرة
الرابعة من المادة السادسة بالنسبة للمتشردين. فإذا لوحظ أن المشرع المصري في جميع
أدوار التشريعات المختلفة الخاصة بالمتشردين والمشتبه فيهم كان كلما اختار أن يقضي
بالمراقبة كعقوبة أصلية تخير لذلك المراقبة التي يقضيها المحكوم عليه في جهة تعينها
له الحكومة، وأنه لم ينص مطلقاً على المراقبة العادية كعقوبة أصلية (تراجع الفقرة الثانية
من المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 13 يوليه سنة 1891 المعدّل بالأمر العالي
الصادر في 13 فبراير سنة 1894 وكذا الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من الأمر المذكور)
تعين القول بأن المراقبة المنصوص عليها في المادة التاسعة من القانون رقم 24 لسنة 1923
كعقوبة أصلية لا يمكن أن تكون إلا من نوع المراقبة التي تختار الحكومة فيها للمحكوم
عليه جهة خاصة يقضي فيها هذه المراقبة، ومن أجل ذلك عبر عنها القانون في المادة المذكورة
بالمراقبة الخاصة، وأن الشك الذي قام حول المعنى المراد من هذه العبارة إنما كان منشأه
أن القانون اختار للتعبير عن هذا المعنى بعينه في نصوص أخرى منه عبارات أوضح دلالة
من العبارة التي تخيرها في المادة التاسعة.
ومن حيث إنه يبين مما تقدّم أن المراقبة الخاصة لا تخرج في معناها عن المراقبة التي
يوضع فيها المحكوم عليه في جهة خاصة تعينها له الحكومة.
ومن حيث إن لاختيار المراقبة الخاصة كعقوبة أصلية دون المراقبة العادية حكمة ظاهرة
لأنها تؤدّي غرضين في آن واحد ففيها معنى اعتقال الشخص وإبعاده عن مسكنه وذويه وهو
المعنى المستفاد من الحبس، كما أن فيها معنى وضع المحكوم عليه تحت مراقبة البوليس.
ففي الحكم بالمراقبة الخاصة الغناء عن الحكم بالحبس كعقوبة أصلية ثم الحكم بالمراقبة
كعقوبة تكميلية. لذلك كان من المعقول أن يقضى بها باعتبارها عقوبة أصلية. أما المراقبة
العادية فلا غناء فيها عن العقوبة الأصلية.
ومن حيث إن ما أثاره الحكم المطعون فيه من الاعتراضات على جواز تفسير عبارة المراقبة
الخاصة بالمعنى المتقدّم لا محل له، إذ الاحتجاج بعدم جواز الحكم بالمراقبة التي يعين
مكانها وزير الداخلية إلا بنص صريح في القانون مدفوع بما سبق بيانه مما لا محل بعده
للشك في أن الحالة المنصوص عليها في المادة التاسعة هي من الأحوال التي يوجب القانون
فيها هذا النوع من المراقبة خلافاً لما ذهب إليه الحكم. وأما الاحتجاج بأن من بين الطوائف
التي أخضعتها المادة العاشرة لمراقبة البوليس من هم أسوأ حالاً من الأشخاص المشتبه
فيهم ومع ذلك فالقانون يقضي بوضعهم تحت المراقبة العادية، فهذا الاحتجاج لا يعدو أن
يكون اعتراضاً على المشرع في اختيار العقوبة التي يراها مناسبة للجريمة وهو ما لا يصح
أن يعرض له القاضي الذي يجب أن تنتهي مهمته عند تطبيق القانون كما وضع لا كما كان يجب
أن يوضع بحسب نظره. وأما الاحتجاج بعموم نص المادة الرابعة عشرة فلا يغني في هذا المقام
شيئاً لجواز الاحتجاج بهذا العموم نفسه في حالة المتشردين الذين تقضي المادة السادسة
على بعضهم بالمراقبة العادية (المادة 6 فقرة 1 و2) وعلى بعضهم بالمراقبة في مكان تعينه
الحكومة (فقرة 3 و4). ولو أخذ بعموم نص المادة الرابعة عشرة لوجب أن يترك لجميع من
يحكم عليهم بالمراقبة للتشرد حق اختيار الجهة التي ينوون اتخاذها محلاً لإقامتهم وهو
أمر ظاهر البطلان. والواقع أن ما يبدو في نص المادة 14 من عموم يجب أن يقصر على الحالات
التي يقضى فيها بالمراقبة العادية سواء كان المحكوم عليه متشرداً أو مشتبهاً في أمره
وإلا تعارض نصها مع نص مواد أخرى من القانون. ويجب أن يلاحظ في هذا المقام أن القانون
رقم 24 لسنة 1923 قد نص على حالات يقضى فيها على المشتبه في أمره بالرقابة العادية
كالمتشرد سواء بسواء كالحالة المنصوص عليها في نهاية المادة 27 ولا شك أن تعيين مكان
المراقبة في هذه الحالة متروك لاختيار المحكوم عليه. فلا يبقى بعد هذا إلا الرجوع في
تعرّف ماهية المراقبة وصاحب الحق في اختيار مكانها إلى نص المادة المنطبقة على كل حالة
على حدتها. أما الاحتجاج بظاهر المادة 14 فهو احتجاج ظاهر الفساد.
ومن حيث إنه مما تقدّم يبين أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ حكم بإلغاء
الحكم المستأنف فيما قضى به من أن تعيين محل المراقبة يكون بمعرفة وزير الداخلية ويتعين
نقضه بالنسبة لذلك وإرجاع الحالة إلى ما قضى به الحكم المستأنف.
