الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 42 سنة 6 ق – جلسة 06 /01 /1936 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) – صـ 529

جلسة 6 يناير سنة 1936

برياسة حضرة مصطفى محمد بك وحضور حضرات زكي برزي بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك ومحمود سامي بك.


القضية رقم 42 سنة 6 القضائية

تشرد. إنذار تشرد. لا يكون نافذاً إلا بعد صيرورته نهائياً. متى يعتبر الشخص المنذر في حالة تشرد؟
(قرار وزير الحقانية الصادر في 16 فبراير سنة 1924 المعدّل في 31 أغسطس سنة 1933 والقانون رقم 24 لسنة 1923 عن المتشردين والأشخاص المشتبه فيهم)
إن ما جاء بالمادة الخامسة من قرار وزير الحقانية الصادر في 16 فبراير سنة 1924 المعدّل في 31 أغسطس سنة 1933 من أن الإنذار الذي يوجهه البوليس إلى شخص يشتبه في أنه من المتشردين هو، رغم جواز الطعن فيه، إنذار مشمول بالنفاذ المؤقت – ما جاء بها من ذلك إنما هو من الأحكام الأصيلة التي لا يقرّرها ولا يوجبها إلا قانون خاص يصدر بها. أما وزير الحقانية فلا يملك تقريرها ولا إيجابها لخروج ذلك عن حدود السلطة المخوّلة له بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من قانون التشرد والمادة 34 منه.
وإذاً فجريمة التشرد لا تعتبر واقعة إلا إذا لم يغير الشخص المنذر أحوال معيشته المخالفة للقانون في مدى عشرين يوماً من تاريخ صيرورة الإنذار نهائياً. فإذا تسلم شخص إنذار البوليس في 31 يناير سنة 1935 مثلاً، ثم طعن فيه بتاريخ 2 فبراير سنة 1935، فأيدته النيابة العامة في 26 فبراير نفسه، ثم قدّمت الشخص المنذر للقضاء لمحاكمته بوصف أنه في 7 مارس سنة 1935 وجد بحالة تشرد رغم إنذاره، فهذا الشخص الذي لم يمهل إلا ثمانية أيام من تاريخ تأييد الإنذار خلافاً لما يقضي به القانون من تحديد تلك المهلة بعشرين يوماً لا تصح إدانته، والحكم الذي يعاقبه على اعتبار أنه متشرد يكون حكماً مخالفاً للقانون متعيناً نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة هذا الطاعن بأنه في يوم 7 مارس سنة 1935 بإمبابه وجد بحالة تشرد ولم يتخذ له وسيلة مشروعة للتعيش رغم إنذاره متشرداً في 31 مارس سنة 1935، وطلبت من محكمة جنح إمبابة الجزئية محاكمته بالمواد 1 و3 و6 فقرة أولى من القانون رقم 24 لسنة 1923. سمعت المحكمة هذه الدعوى وقضت فيها حضورياً بتاريخ 17 إبريل سنة 1935 عملاً بمواد الاتهام بحبسه شهراً مع الشغل والنفاذ وبوضعه تحت مراقبة البوليس لمدة ستة شهور ابتداء من تاريخ انتهاء العقوبة البدنية. استأنف المتهم هذا الحكم في يوم صدوره واستأنفته النيابة في 23 إبريل سنة 1935، ولدى نظر الدعوى أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية منعقدة بهيئة استئنافية طلبت النيابة التشديد. وبعد أن أتمت المحكمة سماع الدعوى قضت فيها حضورياً بتاريخ 20 يوليه سنة 1935 عملاً بمواد الاتهام بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للعقوبة البدنية المحكوم بها وتعديله فيما يختص بالمراقبة والاكتفاء بوضعه تحت المراقبة شهرين من تاريخ التنفيذ بها عليه وأعفته من المصاريف.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في 5 أغسطس سنة 1935 وقدّم تقريراً بأسباب طعنه في ذات التاريخ.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوي والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن حاز شكله القانوني.
ومن حيث إن محصل الوجه الرابع من أوجه الطعن أن تهمة التشرد وجهت للطاعن قبل مضي عشرين يوماً من تاريخ قرار النيابة الصادر بتأييد قرار الإنذار المسلم إليه من البوليس.
ومن حيث إن المادة الثالثة من قانون التشرد رقم 24 لسنة 1923 نصت على أنه إذا تبين للبوليس أن شخصاً في حالة تشرد استدعاه لكي يسلمه إنذاراً صريحاً بأن يغير في مدى عشرين يوماً أحوال معيشته التي تنافي القانون وتجعله في حالة التشرد وإلا قدّم للقضاء لتوقيع العقوبات المنصوص عليها في المادة السادسة، كما نصت على أنه يجوز لمن يفترض فيه التشرد أن يطعن في قرار البوليس أمام النيابة، وعلى النيابة بعد عمل تحقيق عند الاقتضاء أن تؤيد الإنذار الصادر من البوليس أو أن تلغيه.
ومن حيث إنه يبين من هذا النص أن القانون أعطى الشخص المنذر حق الطعن في إنذار البوليس أمام النيابة ولهذه الأخيرة أن تؤيد الإنذار أو تلغيه. ويترتب على ذلك قانوناً أن إنذار البوليس لا يكون نافذاً إلا إذا أصبح نهائياً، إما بعدم الطعن فيه في الميعاد القانوني، وإما بتأييده من الجهة المختصة. وذلك لأنه من المبادئ العامة أن الأحكام والقرارات لا تكون نافذة إلا إذا كانت نهائية، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ينص عليه القانون بصفة خاصة، ولم يرد في أحكام قانون التشرد ما يخالف تلك المبادئ العامة.
ومن حيث إن المادة الخامسة من قرار وزير الحقانية الرقيم 16 فبراير سنة 1924 المعدّل في 31 أغسطس سنة 1933 تنص على أن الطعن أمام النيابة لا يوقف سريان مدّة العشرين يوماً الواردة في المادة الثالثة من قانون التشرد. ومعنى ذلك أن إنذار البوليس واجب النفاذ من يوم صدوره رغم أنه قابل للطعن، وهو معنى جديد أضافه قرار وزير الحقانية إلى قانون التشرد على خلاف المبادئ العامة ودون أن يكون له أساس في هذا القانون.
ومن حيث إن قانون التشرد فضلاً عن أنه لم يستثن إنذارات البوليس من أحكام القواعد العامة الخاصة بالتنفيذ فإنه لم يخوّل وزير الحقانية إضافة أحكام جديدة لهذا القانون. وكل ما نص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة منه وفي المادة 34 هو تكليف وزيري الحقانية والداخلية بإصدار قرارات بما يريانه ضرورياً من الأحكام لتنفيذ القانون ولبيان الإجراءات الخاصة بالطعن في إنذار البوليس. وظاهر أن تقرير شمول إنذار البوليس بالنفاذ المؤقت رغم جواز الطعن فيه لا يدخل ضمن إجراءات الطعن ولا إجراءات تنفيذ القانون، بل هو حكم أصيل يجب أن يصدر به قانون خاص. ومن ثم يكون ذلك القرار عديم الأثر في هذا الشأن لخروجه عن حدود السلطة المخوّلة لوزير الحقانية.
ومن حيث إن القول بأن إنذار البوليس نافذ من يوم صدوره يؤدّي إلى نتائج لا تتفق مع المعقول إذ يترتب عليه أن جريمة مخالفة إنذار البوليس تتم بمضي عشرين يوماً على تاريخ الإنذار رغم قيام الطعن فيه فيصبح الأشخاص المنذرون مستحقين للعقاب ولو ألغي الإنذار فيما بعد، كما يترتب عليه جواز محاكمتهم عن الجرائم الخاصة بالمتشردين والمبينة في المادة 27 من القانون واتخاذ الإجراءات القانونية ضدّهم من تفتيش وتحقيق وحبس احتياطي عن تلك الجرائم بالرغم من قيام معارضتهم في إنذار البوليس وجواز إلغائه فيما بعد بناء على تلك المعارضة، وهي نتيجة غير مقبولة ولا تتفق مع مفهوم نصوص قانون التشرد نفسه والتي يؤخذ منها أنها ميزت بين حالتين مختلفتين: أولاهما حالة الشخص الذي يستلم إنذار البوليس وقد وصفه القانون بأنه مفروض فيه التشرد (مادة 3/ 3 من القانون) وحالة من يصبح إنذاره نهائياً وقد وصفه بأنه متشرد (مادة 27 و29 من القانون) وأجرى عليه بهذا الوصف أحكام المادتين المذكورتين.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدّم أن جريمة قيام حالة التشرد لا تقع إلا إذا لم يغير الشخص المنذر أحوال معيشته المخالفة للقانون في مدى عشرين يوماً من تاريخ صيرورة الإنذار نهائياً.
ومن حيث إن الطاعن تسلم إنذار البوليس في 31 يناير سنة 1935 فطعن فيه بتاريخ 2 فبراير سنة 1935 فأيدته النيابة العامة في 26 فبراير سنة 1935 ثم قدّمت الطاعن للقضاء لمحاكمته بوصف أنه في 7 مارس سنة 1935 وجد بحالة تشرد رغم إنذاره متشرداً أي أنها لم تمهله إلا ثمانية أيام من تاريخ تأييد الإنذار خلافاً لما يقضي به القانون من تحديد تلك المهلة بعشرين يوماً. ولذلك يكون الحكم إذ أدان الطاعن على هذا الأساس قد خالف القانون فيتعين نقضه وبراءة الطاعن مما نسب إليه.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات