الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 2043 سنة 4 ق – جلسة 04 /02 /1935 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) – صـ 417

جلسة 4 فبراير سنة 1935

برياسة حضرة مصطفى محمد بك وعضوية زكي برزي بك ومحمد فهمي حسين بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك.


القضية رقم 2043 سنة 4 القضائية

( أ ) تزوير. التزوير في الدفاتر التجارية. تزوير في محرر عرفي.
(المادتان 183 و186 ع)
(ب) التزوير بطريق الترك. مناط العقاب عليه.
1 – إن الشارع إذا كان رأى أن ينص نصاً خاصاً في المادة 186 من قانون العقوبات على عقاب من يقيدون في دفاترهم من أصحاب اللوكاندات وما يشابهها الأشخاص الساكنين عندهم بأسماء مزوّرة وهم يعلمون ذلك، فليس معنى هذا أنه أراد إعفاء أصحاب الدفاتر التجارية الأخرى – وهي أهم بكثير من دفاتر اللوكاندات – من العقاب على ما يرتكبونه في دفاترهم من التزوير، بل إن هذا التزوير يدخل تحت أحكام المادة 183 من قانون العقوبات التي نصت على عقاب التزوير الحاصل في المحرّرات العرفية إطلاقاً. ومما لا شك فيه أن المحرّرات العرفية تشمل الدفاتر التجارية.
2 – إن الرأي القائل بأن التزوير بطريق الترك لا عقاب عليه لأن الترك لا يعدّ تغييراً للحقيقة، إذ التغيير يقتضي عملاً إيجابياً من جانب مرتكبه، والذي يترك شيئاً كان يجب إثباته لا يأتي عملاً إيجابياً – هذا الرأي على إطلاقه غير سديد، إذ يجب ألا يقصر النظر على الجزء الذي حصل تركه، بل ينظر إلى ما كان يجب أن يتضمنه المحرّر في مجموعه، فإذا ترتب على الترك تغيير في مؤدّى هذا المجموع اعتبر الترك تغييراً للحقيقة وبالتالي تزويراً معاقباً عليه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
حيث إن الطعن صحيح شكلاً.
وحيث إن الوجهين الأوّلين يتحصلان في أن بالحكم المطعون فيه تناقضاً فيما يختص بوقت وقوع التزوير هل هو كان أثناء الحجز التحفظي على الدفتر أم بعد رفع هذا الحجز. ويقول الطاعن إنه إذا كان التزوير حصل بعد رفع الحجز وفي وقت كان الدفتر فيه تحت يد صاحبه كما أثبت الحكم ذلك في بعض مواطنه فإن التزوير يكون منتفياً لأن صاحب الدفتر حرّ في أن يكتب فيه ما يشاء، ولأن التغيير في دفتر خاص ولو كان تجارياً لا عقوبة عليه في القانون المصري لأن هذا القانون لم ينقل النصوص الفرنسية التي تعاقب على التزوير في الدفاتر التجارية ولم ينص إلا على دفاتر اللوكاندات فقط. ويضيف الطاعنان إلى ما تقدّم أنه ما دام القانون لم ينص إلا على عقاب التزوير الحاصل في دفاتر اللوكاندات (كذا)، ولم يذكر شيئاً عن الدفاتر التجارية الأخرى فلا يصح للقاضي مع هذا التخصيص تعميم حكم القانون على الدفاتر الأخرى.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أن المحكمة أثبتت فيه صراحة أن ما سطر بأسفل الصحيفة نمرة 142 من الدفتر – وهو المدعى بتزويره – قد أنشئ بعد تاريخ الحجز، وليس فيما أورده الحكم خاصاً بهذه النقطة أي تناقض كما يدعي الطاعنان. وأما فيما يختص بما نص عليه القانون من عقوبة التزوير الحاصل في دفاتر اللوكاندات وبعدم ذكره أي شيء خاص بالدفاتر التجارية الأخرى يلاحظ بأنه إذا كان الشارع رأى أن ينص نصاً خاصاً في المادة من قانون العقوبات على عقاب من يقيدون في دفاترهم من أصحاب اللوكاندات وما يشابهها الأشخاص الساكنين عندهم بأسماء مزوّرة وهو يعلم ذلك، فليس معنى هذا مطلقاً أن الشارع أراد إعفاء أصحاب الدفاتر التجارية الأخرى – وهي أهم بكثير من دفاتر اللوكاندات – من العقاب على ما يكون وقع في دفاترهم من التزوير، بل إن هذا التزوير يدخل تحت أحكام المادة 183 من قانون العقوبات التي نصت على عقاب التزوير الحاصل في المحرّرات العرفية إطلاقاً. ومما لا شك فيه أن المحرّرات العرفية تشمل الدفاتر التجارية، وهذا على خلاف حكم القانون الفرنسي فإنه شبه المحرّرات التجارية ومحرّرات البنوك بالمحررات الرسمية في باب التزوير ووضعها معاً في مادة واحدة (المادة 147) وجعل عقاب التزوير فيها واحداً. أما القانون المصري فلم ينص عليها خصيصاً في مادة من مواد التزوير فهي داخلة حتماً – كما سلف القول – في المادة 183 الخاصة بالتزوير في المحرّرات العرفية لأنها ليست من قبيل المحرّرات الرسمية. هذا وواضح من سياق النصوص الخاصة بالتزوير أن الشارع، بعد أن نص في المادة 183 على عقوبة التزوير الحاصل في المحرّرات العرفية والتي من ضمنها الدفاتر التجارية بالحبس مع الشغل، رأى أن هناك أحوالاً خطر التزوير فيها أقل منه في أحوال التزوير الأخرى على وجه العموم فاستثناها من حكم المواد 179 و181 و183 من قانون العقوبات، وقرر لها عقوبات أخف من عقوبات التزوير المنصوص عليها في تلك المواد.
وحيث إنه لذلك يكون ما تمسك به الطاعنان في الوجهين الأوّلين في غير محله ويتعين رفضه.
وحيث إن الوجه الثالث حاصله أن خلوّ الدفاتر التجارية من تسديد المبالغ لا يجعلها دفاتر مزوّرة كما ذهب إليه الحكم المطعون فيه.
وحيث إنه يلوح من عبارة الطاعن أنه يقصد التمسك برأي من يقول إن التزوير بطريق الترك لا عقاب عليه لأن الترك لا يعدّ تغييراً للحقيقة، إذ التغير يقتضي عملاً إيجابياً من جانب مرتكبه، والذي يترك شيئاً كان يجب إثباته لا يأتي عملاً من هذا القبيل.
وحيث إن هذا الرأي على إطلاقه غير سديد إذ يجب ألا يقصر النظر على الجزء الذي حصل تركه وإنما ينظر إلى ما كان يجب أن يتضمنه المحرّر في مجموعه، فإذا ترتب على الترك تغيير في مؤدى هذا المجموع اعتبر ذلك تغييراً للحقيقة، وبالتالي تزويراً معاقباً عليه.
وحيث إن هذه النظرية تظهر صحتها بأجلى وضوح إذا ما علمت وقائع المادة التي نحن بصددها.
وحيث إن واقع الأمر الثابت في الحكم المطعون فيه أن الشيخ أحمد أبو شناف المدعى بالحق المدني الأوّل استلم مبلغ مائتي جنيه من المدعو حنا متى بمقتضى إيصال أمانة مؤرخ 13 أكتوبر سنة 1925 لتوصيله إلى يوسف علي الطاعن الأوّل، ثم سلمه فعلاً إلى هذا الأخير، وقد خصم يوسف علي المذكور هذا المبلغ من حساب حنا متى في الصحيفة نمرة 132 من دفتره التجاري. وبعد إتمام هذه العملية أنشأ الطاعنان في أسفل الصحيفة نمرة 142 من الدفتر المذكور حساباً آخر للمدعي المدني المذكور، لم يكن موجوداً بالدفتر من الأصل، وتحت حساب شخص آخر أثبتا فيه واقعة استلام أحمد أبو شناف مبلغ الـ 200 جنيه من حنا متى على سبيل الأمانة ولم يذكرا شيئاً خاصاً بتوصيل نفس هذا المبلغ إلى يوسف علي.
وحيث إنه وإن كان ما أوضحه الطاعنان في الصحيفة نمرة 142 من أن يوسف علي دائن للشيخ أحمد أبو شناف المدعي المدني الأوّل في مبلغ 200 جنيه صحيحاً في حدّ ذاته، إذ الواقع أن أحمد أبو شناف هذا استلم من حنا متى ذلك المبلغ لتوصيله إلى يوسف علي، إلا أنه متى لوحظ أن هناك واقعتين متصلتين ببعضهما اتصالاً كلياً لا يصح فصل إحداهما عن الأخرى، إذ هما تكونان مجموعاً واحداً لا يتجزأ، أي أن هناك واقعة استلام مبلغ 200 جنيه من حنا متى وواقعة تسليم هذا المبلغ عينه إلى يوسف علي – متى لوحظ ذلك يعلم جلياً أن الطاعنين إذ اكتفيا بذكر الواقعة الأولى في الصحيفة نمرة 142 سالفة الذكر وتعمدا عدم ذكر الواقعة الثانية قد عملا على فصل هاتين الواقعتين من بعضهما مع وجوب اتصالهما ببعضهما اتصالاً كلياً – كما سلف القول – واقتضبا حقيقة الواقع بحيث يشعر كل من اطلع على الصحيفة نمرة 142 سالفة الذكر أن مبلغ الـ 200 جنيه لا زال بذمة المدعي المدني الشيخ أحمد أبو شناف. وهذا مغاير للحقيقة كل المغايرة ويعدّ بلا شك من قبيل جعل واقعة مزوّرة في صورة واقعة صحيحة مع العلم بتزويرها.
وحيث إنه لذلك يكون هذا الوجه متعين الرفض أيضاً.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات