الطعن رقم 1518 سنة 4 ق – جلسة 15 /10 /1934
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) – صـ 366
جلسة 15 أكتوبر سنة 1934
برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وحضور حضرات مصطفى محمد بك وزكي برزي بك وأحمد أمين بك وعبد الفتاح السيد بك.
القضية رقم 1518 سنة 4 القضائية
هتك عرض. مناط تحقق الجريمة. تقبيل غلام في وجه في غرفة مقفلة وعضه
في موضع التقبيل. لا جريمة.
(المادة 231 عقوبات)
لا يعتبر هتك عرض إلا المساس بجزء من جسم المجني عليه يدخل عرفاً في حكم العورات، وكذلك
الأفعال الأخرى التي تصيب جسمه فتخدش حياءه العرضي لمبلغ ما يصاحبها من فحش.
فإذا قاد المجني عليه شخصان إلى غرفة مقفلة الأبواب والنوافذ، وقبله أحدهما في وجهه،
وقبله الثاني على غرة منه في قفاه وعضه في موضع التقبيل، فهذا الفعل لا يعتبر إذاً
هتك عرض ولا شروعاً فيه، كما أنه لا يدخل تحت حكم أية جريمة أخرى من جرائم إفساد الأخلاق.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن محصل الطعن أن قرار الإحالة المطعون فيه اعتمد على حكمي محكمة النقض الصادر
أوّلهما في 22 نوفمبر سنة 1928 وثانيهما في 22 يناير سنة 1934 مع أن المبدأ الذي قرّره
هذان الحكمان لا يتناول جريمة هتك العرض إلا من ناحية ما يقع على عورات المجني عليه
فقطع بأن كل مساس بهذه العورات هو هتك عرض ولكنه لم يقل إن هتك العرض لا يكون إلا بهذا
المساس. ولا شبهة في أن هناك أفعالاً تعدّ من قبيل هتك العرض وهي مع ذلك لا تصيب من
جسم المجني عليه موضعاً يعدّ عورة. ولقد قصد الشارع بالعقاب على جريمتي هتك العرض والوقاع
كرهاً حماية العرض الذي هو تلك المناعة الأدبية التي يصون بها الرجل أو المرأة بضعه
من اتصال جنسي غير مشروع. والمساس بالعورات لا يهتك العرض إلا لما يهتف به من خطر الوطء
الحال، ذلك الخطر الذي يثير الوجدان فتندفع الجوارح لردّه والفرار منه. وهذا هو المعنى
الذي ينبغي التوسل به في التمييز بين ما يعتبر هتكاً للعرض وما لا يعتبر كذلك. وهذا
المقياس تنطبق عليه ظروف هذه الدعوى لأن العض والتقبيل هما من مقدمات الوطء كما لا
يخفى، خصوصاً وقد تكرر التقبيل.
ومن حيث إنه لا مرية في أن المبدأ الذي قرّرته هذه المحكمة في حكمها الصادر بتاريخ
22 نوفمبر سنة 1928 في القضية رقم 1737 سنة 45 قضائية والذي ردّدته في حكمها الصادر
بتاريخ 22 يناير سنة 1934 في القضية رقم 536 سنة 4 قضائية لم يرد به حصر الحالات التي
يصح أن تندرج تحت جريمة هتك العرض والقول بأن ما عداها خارج حتماً عن الجريمة المذكورة،
وإنما هو مبدأ جنائي تناولت فيه المحكمة جريمة هتك العرض من ناحيتها الأكثر وقوعاً،
تلك الناحية التي يقع فيها المساس بجزء من جسم المجني عليه يدخل عرفاً في حكم العورات.
وقطعت المحكمة بأن مثل هذا المساس يجب حتماً وفي كل الأحوال أن يعدّ من قبيل هتك العرض
لما فيه من الإخلال بحياء المجني عليه العرضي. وظاهر أن هذا لا يفيد أن أفعال هتك العرض
محصورة في هذه الناحية أو أن الجريمة لا يتصوّر وقوعها إلا على هذا النحو بل قد يتصوّر
العقل – في أحوال قد تكون في ذاتها نادرة أو قليلة الوقوع – إمكان الإخلال بحياء المجني
عليه العرضي بأفعال لا تصيب من جسمه موضعاً يعدّ عورة، ولا يجوز مع ذلك التردّد في
اعتبارها من قبيل هتك العرض نظراً لمبلغ ما يصاحبها من فحش، ولأنها من ناحية أخرى أصابت
جسم المجني عليه فخدشت حياءه العرضي وإن لم يقع المساس فيها بشيء من عوراته كما لو
وضع الجاني عضوه التناسلي في يد المجني عليه أو في فمه أو في جزء آخر من جسمه لا يعدّ
عورة. فهذه الأفعال ونظائرها لا يمكن أن يشك في أنها من قبيل هتك العرض. وكل ذلك مما
ينبغي أن يبقى خاضعاً لتقدير المحكمة إذ من المتعذر – إن لم يكن من المستحيل – حصره
في نطاق واحد وإخضاعه لقاعدة واحدة. ولا تغني القاعدة التي تقترحها النيابة في طعنها
الحالي في التمييز بين هتك العرض وغيره لأنها ترتكز في أساسها على إحساس المجني عليه
ومبلغ فهمه لمعنى الأفعال الواقعة على جسمه. وظاهر أن هذا وحده لا يصلح معياراً للتمييز
بين فعل وآخر.
ومن حيث إن واقعة هذه المادة بحسب ما جاء بالقرار المطعون فيه أن محمد عبد النبي مرسي
أحد زملاء المجني عليه قاد المجني عليه إلى منزل المتهم الأول بحجة مشاهدة درّاجة يرغب
المتهم المذكور في بيعها وذلك بقصد شرائها شركة بينهما. فلما هم المجني عليه بالدخول
من باب الشقة قابله المتهم الأوّل وقبله في خدّه مباغتة ثم قاده هو وزميله إلى حجرة
أجلسهما فيها، وبعد برهة دخل عليهم المتهم الثاني وابتدر المجني عليه بأن عضه في رقبته،
ثم قبله فيها. ولما رأى المجني عليه ذلك غادر المكان في الحال رغم معارضة المتهمين
له وإلحاحهما عليه بالبقاء. ورأت النيابة أن الواقعة هتك عرض وقدّمت المتهمين إلى قاضي
الإحالة فقرّر أن الفعل المسند إلى المتهمين لا يكون جريمة هتك العرض ولا الشروع فيها
كما أنه لا يمكن أن يعدّ فعلاً فاضحاً لأنه وقع في غير علانية.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه أصاب فيما رآه لأن الفعل – على ما فيه من إخلال بالحياء
ومخالفة للآداب المتواضع عليها بين الناس – لا يصل في نظر هذه المحكمة بحسب الأقيسة
السابق الإشارة إليها إلى الحدّ الذي يصح معه أن يعدّ جريمة هتك عرض ولا شروعاً فيها،
كما أنه لا يدخل تحت حكم أية جريمة أخرى من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع
من الكتاب الثالث من قانون العقوبات.
