الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1805 لسنة 28 ق – جلسة 17 /02 /1959 

أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الأول – السنة 10 – صـ 213

جلسة 17 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعادل يونس المستشارين.


الطعن رقم 1805 لسنة 28 القضائية

اختلاس أموال أميرية. المقابلة بين المادتين 112, 118 ع قبل تعديلهما بالقانون رقم 69 لسنة 1953. عناصر الواقعة الاجرامية. في جريمة المادة 112 ع قبل التعديل.
إيداع الشئ المختلس في عهدة الموظف أو تسليمه إليه بسبب وظيفته.
صفة الجاني. مأمور التحصيل أو المندوب له. شرط اتصاف الشخص بهذه الصفة.
إقحام المتهم نفسه فيما هو خارج عن نطاق وظيفته التي لا تقتضي تحصيل الرسوم المختلسة يحول دون اتصافه بصفة مأمور التحصيل أو مندوبه مهما استطال به الزمن. وجوب معاقبته في هذه الحالة بالمادة 118ع قبل تعديلها.
المقابلة بين المادتين 118 ع, 113 من قانون 69 لسنة 53.
مخالفة حكم المادة 118 ع قبل تعديلها لا يقتضي توقيع عقوبة العزل والغرامة والرد ولو كانت تهمة اختلاس ورقة متعلقة بالحكومة من بين التهم التي أدين بها المتهم. علة ذلك.
نقض. المصلحة في الطعن. العقوبة المبررة. الحكم الصادر بعقوبة واحدة في تهم متعددة عملا بالمادة 32/ 2 ع. مثال.
نقض. طعن. آثاره. الخروج عن مبدأ التقيد بصفة الطاعن المادة 435/ 2 أ. ج. مثال.
يتطلب القانون لتطبيق المادة 112 من قانون العقوبات أن تكون الأشياء المختلسة قد أودعت في عهدة الموظف المختلس أو سلمت إليه بسبب وظيفته – فإذا كان الثابت مما أورده الحكم عن وظيفة المتهم الأول والطريقة التي تمكن بواسطتها من اختلاس المبالغ التي أدخلها في ذمته أنه لم يكن إلا موظفا كتابيا بحسابات البلدية ولم يكن من مقتضيات عمله تحصيل الرسوم المختلسة من الشركة أو مستمدا صفة التحصيل هذه من القوانين أو اللوائح أو منوطا بها رسميا من رؤسائه أو أية جهة حكومية مختصة, بل أقحم نفسه فيما هو خارج عن نطاق أعمال وظيفته, فلا يمكن أن تضفي عليه صفة مأمور التحصيل أو المندوب له مهما استطال به الزمن وهو موغل في موغل غيه, وتكون المادة المنطبقة على فعلته هى المادة 118 من قانون العقوبات قبل تعديلها بالقانون رقم 69 لسنة 1953 التي تعاقب كل موظف أدخل في ذمته بأية كيفية كانت نقودا للحكومة أو سهل لغيره ارتكاب جريمة من هذا القبيل لا المادة 112 التي أعملها الحكم في حقه, وإذا فلا يصح القضاء بعقوبة العزل والغرامة ورد المبالغ المختلسة التي لم يرد لها ذكر في المادة 118 قبل التعديل المشار إليه, ولا يغير من هذا النظر أن من بين التهم التي دين بها المتهم الأول جريمة اختلاس ورقة متعلقة بالحكومة حالة كونه الحافظ لها, ذلك أن هذه الواقعة تندرج تحت حكم المادتين 151, 152 من قانون العقوبات لا تحت حكم المادة 112 من القانون المذكور, ولما كانت عقوبة الأشغال الشاقة المقضي بها محمولة على المواد 211, 212, 214, 40/ 1, 2, 3, 41 من قانون العقوبات – وهى التي طبقها الحكم على الطاعنين بوصفها عقوبة الجريمة الأشد فيكون الحكم سديدا من هذه الناحية بعد استبعاد عقوبة العزل والرد والغرامة التي يتعين نقض الحكم نقضا جزئيا فيما قضى به منها وذلك بالنسبة إلى كلا الطاعنين لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما أولا: اشتركا بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هى صور القسائم. 33 ع ح والقسائم تحصيل المبينة بالمحضر وذلك بإثبات بيانات ومبالغ بها مغايرة للبيانات والمبالغ الثابتة بأصل تلك الاستمارات بأن حرضاه واتفقا معه على ارتكاب جريمة التزوير وقدما له هذه الاستمارات لتحريرها فتمت الجريمة بناء على ذلك. وثانيا: اشتركا بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هى كشف مراقبة منع خلط القطن رقم 1651 عن سنة 1948 و1949 ورقم 1982 عن سنة 1951 – 1952 المرسلة إلى بلدية المنيا وذلك بتغيير الأرقام الثابتة بها بأن حرضاه واتفقا معه على ارتكاب التزوير وقدما له هذين الكشفين لإجراء التغيير بهما فتمت الجريمة بناء على ذلك. وثالثا: اشتركا بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هى كشوف نسبها إلى مكتب مراقبة منع خلط القطن رقم 949 عن سنة 1949 – 1950 ورقم 2717 عن سنة 1950 – 1951 المرسلة إلى بلدية المنيا وذلك باصطناع الكشفين ووضع أختام وإمضاءات مزورة عليها وإثبات أرقام مغايرة للحقيقة بأن حرضاه واتفقا معه على اصطناع هذه الكشوف وساعداه في الأعمال المتممة لهذه الجريمة فتمت الجريمة بناء على ذلك والمتهم الأول أولا: وهو من مأموري التحصيل تجاري على اختلاس مبلغ 29685 جنيها و727 مليما من الأموال الأميرية لمجلس بلدى المنيا والذي كان قد سلم إليه بهذه الصفة. وثانيا: اختلس كشف مراقبة منع خلط القطن برقم 949 عن سنة 1949 – 1950 والمرسل من المراقبة إلى البلدية والمسلم إليه حالة كونه الحافظ لتلك الكشوف. وثالثا: استعمل صور القسائم المزورة الوارد ذكرها في الجريمة الأولى بأن قدمها إلى شركة اسكندرية التجارية مع علمه بتزويرها والمتهم الثاني: اشترك بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب الجرائم الثلاث سالفة الذكر بأن حرضه واتفق معه على ارتكابها وساعده في الأعمال المتممة لها فوقعت الجرائم الثلاث سالفة الذكر بناء على هذا الاتفاق والتحريض وتلك المساعدة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 40/ 1 و2 و3 و41 و112 و151 و152 و211 و212 و214 من قانون العقوبات فقررت بذلك. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضوريا عملا بالمواد 40/ 1 و2 و3 و112 و118 و151 و152 و211 و212 و214 و24 و25 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من عبد الحكيم عبد الحليم حزين وأمين حنا الجاولي بالأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات وبعزلهما من وظيفتهما وإلزامهما متضامنين برد مبلغ 29685جنيها و727 مليما وتغريمهما متضامنين بدفع غرامة مماثلة لما قضى برده.
فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض… الخ.


المحكمة

… وحيث إن مبنى أوجه الطعن المقدم من الطاعن الثاني هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه خطأ في الإسناد وفي الاستدلال وانطوى على غموض وقصور في التسبيب ذلك أنه دان الطاعن الأول بوصفه من مأموري التحصيل تطبيقا للمادة 112 من قانون العقوبات ودان الطاعن الثاني على اعتبار أنه شريك له في حين أن الطاعن الأول لم يكن من مأموري التحصيل, وما ذهب إليه الحكم من أن العمل الذي تبرع به الطاعن الأول خارج نطاق وظيفته بقبضه الرسوم المستحقة – موضوع التهمة التي دانه بها – قد أصبح بتكراره الواقعي من مستلزمات اختصاصه, يجافي القانون لأن هذا التكرار لا يمكن أن يصبغ عليه صفة قانونية بأنه من مأموري التحصيل وبالتالي فما كان يجوز مساءلته على هذا الأساس ومحاسبة الطاعن الثاني بوصفه شريكا له بالوصف المذكور, كما لا يجوز توقيع العقوبات التكميلية المقررة في المادة 112 من قانون العقوبات وهى الرد والغرامة – بغض النظر عما إذا كان الفعل المسند إلى المتهمين يؤثمه وصف قانوني آخر من جرائم خيانة الأمانة – وخصوصا أن المحكمة نوهت في أسباب حكمها أن ما قضت به من عقوبة يستند إلى مواد التزوير لا إلى مواد الاختلاس, كما أخطأ الحكم حين دان الطاعن بجرائم الاشتراك مع الطاعن الأول في جميع جرائم التزوير والاختلاس التي نسب إليه ارتكابهما في خلال الفترة من سنة 1945 إلى سنة 1952 وأوقع عليه الرد والغرامة المادية لجميع المبالغ المقول باختلاسها حينذاك مع أن الطاعن الثاني لم يكن معينا لمراجعة أعمال الطاعن الأول في خلال المدة من 1945 إلى 1948 وقد تجاوزت المبالغ التي اختلست قبل أن يتصل الطاعن الثاني بعملية المراجعة ثلث مجموع المبالغ المذكورة, هذا إلى أن الحكم قد شابه الغموض والقصور وهو يصور تكييف موقف الطاعن الثاني وهل هو فاعل أو شريك وانتهى إلى اعتبار الطاعنين شريكين مع فاعل مجهول في جرائم التزوير واعتبار الطاعن الثاني شريكا مع الطاعن الأول في جرائم الاختلاس دون أن يستظهر صورة الاشتراك التي دانه بها وكيفية حصوله مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أنه بتاريخ 13 يوليو سنة 1444 صدر قرار وزاري رقم 84 المعدل في أول مارس سنة 1951 بفرض ضريبة على المحالج تدفع للبلدية وصلت إلى ثلاث قروش عن كل قنطار من القطن الذي يتم حلجه وقرش عن كل أردب من البذرة وقد اعتادت شركة الاسكندرية بالمنيا على تحرير كشوف بما يتم حلجه وأن ينتقل إليها كاتب البلدية المتهم الأول (الطاعن الأول) للاطلاع عليها واستلام أصولها والضريبة المستحقة من واقع هذه الكشوف ويعطي للشركة قسائم تدل على التسديد فتحتفظ بها الشركة مع صورة كل كشف يسلم إليه ويحتفظ الكاتب المتهم بما تسلمه من كشوف وأصول القسائم بملف البلدية المعد لهذا الغرض للتأكد من صحة ما ورد بها من بيانات وذلك بمراجعتها ومطابقتها على الكشف السنوي الذي يرسله مكتب منع خلط القطن بدوره إلى البلدية بما يتم حلجه من الأقطان وكميات البذرة التي استخلصت حتى إذا ما وجد فرق بينهما طولبت الشركة بتسديد العوائد المتبقية وفي أثناء فحص إحدى عمليات شركة النيل للحليج لاحظ سكرتير البلدية أن الضريبة التي دفعتها شركة الاسكندرية في موسم سنة 1952, 1953 الذي كان الطاعن الأول متغيبا في خلاله تجاوز بكثير ما سبق تحصيله من هذه الشركة في السنوات السابقة مما أثار ريبته في أمر الطاعن المذكور فكلف اثنين من موظفي البلدية بمراجعة الكشوف الخاصة بالشركة المحفوظة بمكتب منع خلط القطن وتبين أنها تختلف اختلافا جسيما عن تلك المحفوظة بالبلدية وظهر أن جملة العجز في الرسوم المحصلة من شركة الاسكندرية التجارية من واقع الكشوف السليمة التي نقلت صورها من مراقبة القطن عن المدة من موسم سنة 1945, 1946 إلى موسم سنة 1952 – 1953 هو 29685 جنيها و727 مليما, وكان سبيل المتهم الأول (الطاعن الأول) في ارتكاب وزره وستره هو الحصول على صور قسائم بيضاء من دفاتر 33 ع. ح. أو 2 (تحصيل) عن طريق استخراج أصل القسيمة بخطه وإمضائه بمبلغ ما عن رسوم ممول حقيقي أو وهمي دون استخراج صورة هذا الأصل وذلك بوضع ورقة بيضاء بين الكربون وصورة القسيمة كي يحبس الكربون عن الطبع في الصورة وتمكينه بذلك استعمال هذه الصور إيصالات بخطه وإمضائه عند استلام رسوم القطن المحلوج والبذرة الناتجة من الشركة سالفة البيان, وكان المتهم المذكور يستولي على الرسوم المختلسة على دفعات شهرية في خلال الموسم القطني من أكتوبر إلى ابريل تقريبا بأن كان يختلس جزءا من الدفعات التي يستلمها دون أن يقوم بتوريدها إلى خزانة البلدية, وسترا لهذا الاختلاس كان يخفي أو يعدم بعض الكشوف ويزور في البعض الآخر بتقليل كميات القطن والبذرة المدونة بها, وكان التوريد يتم بمعرفته من واقع كشف مزور من إنشائه وذلك بمقتضى حافظة 37 ع. ح يستخرجها بنفسه بصفته كاتبا للعملية دون أن يرد بها توقيع مندوب الشركة طبقا للتعليمات, وثمة طريقة أخرى للاختلاس وهى أن يستولي على الدفعات التي حصلها من الشركة في الموسم بمقتضى الكشوف الصحيحة ويقوم بتوريد مبلغ واحد أقل بكثير من مجموع الدفعات المحصلة بمعرفته ويتم التوريد من واقع الكشف الذي يرد من مراقبة التموين ومنع خلط القطن بعد أن يجرى به تزويرا كي يوائم بينه وبين المبلغ الوحيد الذي يورده للبلدية, كما كان المتهم المذكور (الطاعن الأول) يقوم بتزوير الكشوف الواردة من الشركة وتلك الواردة من مراقبة منع خلط القطن تزويرا كليا بأن يستبدل بالكشوف الحقيقية أخرى مزورة ووضع كليشهات وإمضاءات مزورة وتغيير أرقام كميات القطن المحلوجة والبذرة الناتجة من شركة الاسكندرية التجارية دون غيرها من الشركات أو كان يجري تزويرا جزئيا بالاكتفاء بتغيير أرقام الكميات المذكورة بالكشوف الحقيقية عن طريق المحو أو الكشط بطريقة غير ملحوظة أو ظاهرة فمثلا في موسم سنة 1950 – سنة 1951 كان المدون بالكشف الحقيقي لمراقبة القطن 236898.73 قنطارا فقام المتهم بكشط رقم 2 الموجودة في خانة مئات الألوف فأصبح الرقم 36898.73 بعجز 200000 قنطارا كما قام بحالة فريدة في موسم سنة 1945 – 1946 بأن حصل على نماذج صحيحة مطبوعة لكشوف شهرية بقسم مراقبة أصناف القطن ومختومة بختم صحيح لأكليشيه مفتش مراقبة أصناف القطن بمديرية المنيا مما مكنه من تزوير بيان كمية القطن المحلوجة بالشركة لتدوينها في هذه الكشوف والاحتفاظ بها بملفات البلدية على أنها واردة من مراقبة القطن ومنع الخلط, وبهذه الوسائل تمكن من اختلاس المبالغ المختلسة وقد كان المتهم الثاني (الطاعن الثاني) هو المنوط به المراجعة لكل ما يتعلق برسوم القطن والبذرة بنسبة 100% أي أن هذه العملية في صميم اختصاصه الأصلي يشاركه في اقتراف هذا الجرم ويقتسم معه المبالغ المختلسة بأن كان يجعل مراجعته صورية سطحية غير جدية وفي الوقت ذاته كان يتغاضى عن مطالبة شركة الاسكندرية التجارية بالرسوم المتأخرة طيلة 6 سنوات لغرض في نفسه وتنفيذا للاتفاق المعقود بينه وبني المتهم الأول, ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال الشهود ومن ضبط كشف قسم مراقبة منع الخلط رقم 949 والرقيم 3 مايو سنة 1950 والخاص ببيان الأقطان المحلوجة والبذرة الناتجة بمحالج بندر المنيا عن موسم سنة 1949 – 1950 بمنزل المتهم الأول والذي قال عنه فارس حبيب وكيل مكتب منع خلط القطن أنه المرسل من المكتب عن الموسم المذكور وأن ما عليه من أكليشهات وتوقيعات صحيحة ومن اعتراف المتهم الأول (الطاعن الأول) في التحقيقات بالنيابة, وكلها لها أصل في الأوراق, ثم تعرض الحكم إلى دفاع الطاعن الأول من أنه ليس من مأموريته التحصيل فقال "وهذا الدفاع مردود بأن الثابت من اعتراف المتهم المذكور ومن أقوال سكرتير البلدية المنتدب طنبور محمد بادي وأقوال المتهم الثاني إن كل ما يتعلق بتحصيل الرسوم المستحقة قبل المحالج من صميم اختصاص المتهم الأول دون غيره ومقتضى هذا الاختصاص أنه بالنسبة لمحلج شركة الاسكندرية التجارية بالمنيا أن هذه الشركة ترسل مندوبا من موظفيها ومعه الكشف مدرجا فيه كمية ما قامت بحلجه من القطن وما استخرجته من البذرة خلال فترة معينة ومعه الرسوم المستحقة عنها طبقا لهذا الكشف فيقوم المتهم الأول بمراجعة الكشف وتحرير حافظة توريد بالمبالغ المستحقة (رسوم) وتسليمها للمندوب ليدفع بموجبها الرسوم بخزانة المديرية وبعد الدفع يحضر قسيمة بتسليمها معه ويرفقها بالكشف الذي تحتفظ به البلدية ثم يسجل المبالغ المحصلة في الدفتر المعد لذلك وهو المنوط به أيضا طلب الرسوم المتأخرة والفروق إن وجدت وهذا الاختصاص بالصورة سالفة الذكر وإسنادها إلى المتهم دون أي موظف آخر بالبلدية مكنه من الاستيلاء على المبالغ المختلسة بذهابه بنفسه إلى مقر الشركة وتحريره إيصالات موقعا عليها منه باستلامه الرسوم المستحقة وقد استمر على هذا الوضع لمدة سنوات دون أن يلقي أي اعتراض من أحد من موظفي البلدية أو الشركة وكان سنده في هذا الإجراء المؤدي إلى استيلائه على الرسوم مباشرة من الشركة أنه (أي الإجراء) متصل بعمله وأصبح بتكراره الواقعي من مستلزمات اختصاصه وبذلك يكون ما وجد بين يديه من الأموال المختلسة قد حصل بسبب وظيفته ولولاها ما كانت لتصل إلى يده – وعلى أية حال فهذا الجدل الفقهي يفقد أهميته لأن ما قضت به المحكمة من عقوبة يستند إلى مواد التزوير تطبيقا للمادة 32 عقوبات" لما كان ذلك وكان الثابت مما أورده الحكم عن وظيفة المتهم الأول والطريقة التي تمكن بواسطتها من اختلاس المبالغ التي أدخلها في ذمته أنه لم يكن إلا موظفا كتابيا بحسابات بلدية المنيا ولم يكن من مقتضيات عمله تحصيل الرسوم المختلسة من الشركة أو مستمدا صفة التحصيل هذه من القوانين أو اللوائح أو منوطا بها رسميا من رؤسائه أو أية جهة حكومية مختصة, بل أقحم نفسه فيما هو خارج عن نطاق أعمال وظيفته ومن ثم فلا يمكن أن تضفي عليه صفة مأمور التحصيل أو المندوب له مهما استطال به الزمن وهو موغل في غيه وتكون المادة المنطبقة على فعلته هى المادة 118 من قانون العقوبات قبل تعديلها بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953 التي تعاقب كل موظف أدخل في ذمته بأية كيفية كانت نقودا للحكومة أو سهل لغيره ارتكاب جريمة من هذا القبيل, لا المادة 112 التي أعملها الحكم المطعون فيه في حقه والتي يتطلب القانون لتطبيقها أن تكون الأشياء المختلسة قد أودعت في عهدة الموظف المختلس أو سلمت إليه بسبب وظيفته – وهو غير الحاصل في صورة الدعوى – وإذن فلا يصح القضاء بعقوبة العزل والغرامة ورد المبالغ المختلسة التي لم يرد لها ذكر في المادة 118 قبل التعديل المشار إليه – ولا يغير من هذا النظر أن من بين التهم التي دين بها المتهم الأول جريمة اختلاس كشف مراقبة منع خلط القطن رقم 949 عن سنة 1949 – 1950 حالة كونه الحافظ له, ذلك أن هذه الواقعة تندرج تحت حكم المادتين 151, 152 من قانون العقوبات لا تحت حكم المادة 112 من القانون المذكور, ولما كانت عقوبة الأشغال الشاقة المقضي بها محمولة على المواد 211, 212, 214, 40/ 1, 2, 3 و41 من قانون العقوبات, وهى التي طبقها الحكم على الطاعنين بوصفها عقوبة الجريمة الأشد ومن ثم يكون الحكم سديدا في هذه الناحية بعد استبعاد عقوبات العزل والرد والغرامة.
وحيث إنه بالنسبة لما أثاره الطاعن في طعنه من عدم اتصاله بعملية مراجعة أعمال المتهم الأول في خلال المدة من سنة 1945 إلى سنة 1948 فإن هذا الدفع من الأمور الواردة على موضوع الدعوى والتي لا يجوز أن تثار لأول مرة أمام هذه المحكمة, إذ لا يبين من محضر الجلسة أن الطاعن تمسك بها أمام المحكمة, لما كان ذلك, وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى اعتراف المتهم الأول على الطاعن بشأن اشتراكه معه في ارتكاب الجرائم التي دين بها واستقت دليل هذا الاشتراك من عناصر تنتجه وتؤدي إلى ما رتبته عليها فإن المجادلة في ذلك لا تكون لها محل, وكان لا يعيب الحكم أن يستطرد في ذكر ما ارتكبه الطاعن على صوره المختلفة ما دام أن ما استخلصه في النهاية واضحا جليا مما لا يقدح في عبارته بالغموض أو الإبهام, لما كان ما تقدم فإنه يتعين لذلك نقض الحكم نقضا جزئيا فيما قضى به من عقوبات العزل والرد والغرامة وذلك بالنسبة إلى كلا الطاعنين لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة ورفض الطعن فيما عدا ذلك.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات