الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 565 سنة 3 ق – جلسة 23 /01 /1933 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) – صـ 113

جلسة 23 يناير سنة 1933

برياسة سعادة عبد العزيز فهمي باشا وعضوية حضرات محمد لبيب عطية بك وزكي برزي بك ومحمد فهمي حسين بك وأحمد أمين بك.


القضية رقم 565 سنة 3 القضائية

( أ ) دفاع. حرية المتهم في اختيار المدافع. حق أصيل. تعارض هذا الحق مع ما لرئيس الجلسة من حق إدارتها والمحافظة على عدم تعطيل سير الدعاوى. تخويل الرئيس السلطة في التصرف. لا إخلال مع استيفاء المتهم حقه في الدفاع.
(ب) اتفاق جنائي. المادة 47 المكررة. معناها ومدى انطباقها.
1 – لا نزاع في أن المتهم حر في اختيار من يشاء للدفاع عنه، وحقه في ذلك حق أصيل خاص مقدّم على حق القاضي في اختيار المدافع. فإذا اختار المتهم مدافعاً فليس للقاضي أن يفتات عليه في ذلك وأن يعين له مدافعاً آخر. ولكن هذا المبدأ إذا تعارض مع ما لرئيس الجلسة من حق إدارتها والمحافظة على عدم تعطيل سير الدعاوى وجب بالبداهة إقرار الرئيس في حقه وتخويله الحرّية التامة في التصرف، على شرط واحد هو ألا يترك المتهم بلا دفاع. فإذا امتنع محامي المتهم عن المرافعة وانسحب من الجلسة فندبت المحكمة غيره، وقام المحامي المندوب بالدفاع عن المتهم وأقفل باب المرافعة، ثم فتح هذا الباب ثانية لظرف طرأ، وفي أثناء نظر الدعوى من بعد طلب المتهم أن يترافع عنه محامٍ آخر، فرفضت المحكمة طلبه لأنها وجدت هذا الرفض لازماً اتقاءً لعرقلة سير القضية، ولما لاح لها من ظروف الدعوى من أن هذا الطلب الذي رفضته لم يكن مقصوداً به أية مصلحة حقيقية للدفاع، فإنه يكفي أن يخامر المحكمة مثل هذا الاعتقاد حتى يكون لها الحرية التامة في رفض مثل ذلك الطلب من غير أن يكون لأحد مطعن عليها أو رقابة في ذلك ما دام ثابتاً أن هذا المتهم لم يترك بلا دفاع.
2 – إن النص الفرنسي للمادة 47 المكررة لا يشمل إلا الاتفاق على ارتكاب الجنايات أو الجنح (بالجمع) مطلقاً أو الجنايات أو الجنح التي تكون من نوع خاص، سواء أكانت تلك الجنايات أو الجنح هي المقصودة بالذات من الاتفاق أم كانت وسيلة لتحقيق الغرض المقصود منه. ولكنه ليس من المستطاع الأخذ بمفهوم النص الفرنسي لهذه المادة، لأن نصها العربي الذي يدل على أن الاتفاق الجنائي يتم ولو كان المتفق عليه جناية واحدة بعينها أو جنحة واحدة بعينها، قد تضافرت على تأييده المذكرتان الإيضاحيتان الفرنسية والعربية، وفهمه مجلس شورى القوانين على هذا النحو، واعترض على هذا المفهوم باعتراضات فنية دقيقة، وأبت الحكومة قبول اعتراضه، مما يدل على أن المراد بهذه المادة هو جعلها تنطبق بلا شك ولا ريب على الاتفاق الذي يحصل على ارتكاب جناية واحدة بعينها أو جنحة واحدة بعينها مهما تضاءلت تلك الجناية أو تلك الجنحة. ولئن كان هذا المعنى المحتوم الذي لا محيص عنه لنص المادة المذكورة يتصادم من جهةٍ مع الفقرة الثانية من المادة 45 التي لا توجب عقاباً على العزم والتصميم والأعمال التحضيرية، ومن جهةٍ أخرى يختلط مع الفقرة الثانية من المادة 40 التي تجعل الاتفاق طريقة من طرق الاشتراك في الجريمة التي ترتكب بناء عليه، فإن هذا الخلط وذلك الاصطدام يرجعان إلى اضطراب التشريع وعدم التدقيق فيه. وفهم هذا التشريع على ما هو عليه يقتضي:
(أوّلاً) وجوب القول في الاتفاق الجنائي على ارتكاب جناية بعينها أو جنحة بعينها، مهما تضاءلت تلك الجناية أو تلك الجنحة، إنه في حالة عدم تنفيذ الاتفاق فيكون معاقباً عليه وحده بحسب المادة 47 المكررة. وأما إذا ارتكبت الجناية أو الجنحة بناء على هذا الاتفاق كان هناك جريمتان ناشئتان من حيث الاتفاق في ذاته عن فعل واحد هما جريمة الاتفاق الجنائي المستقل وجريمة الاشتراك بالاتفاق، وإن الفقرة الأولى من المادة 32 عقوبات تنطبق في هذه الحالة فيعاقب الشريك بل الفاعل الأصلي بأشدّ العقوبتين. [(1)]
(وثانياً) إن مجرد الاتفاق على ارتكاب الجناية أو الجنحة، ولو واحدة بعينها، كاف في ذاته لتكوين جريمة الاتفاق بلا حاجة لا إلى تنظيم ولا إلى استمرار، بل عبارات التنظيم والاستمرار هي عبارات اضطرت المحاكم للقول بها هرباً من طغيان هذه المادة. والواقع أن الشرط الوحيد الكافي لتكوين الجريمة هو أن يكون الاتفاق جدياً، فكلما ثبت ذلك للقاضي قامت الجريمة ووجب تطبيق العقاب. [(2)]


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن الوجه الأول وبعض الوجه الثاني من تقرير الأسباب المقدّم من الأستاذ مكرم عبيد عن جميع المتهمين يتحصلان فيما يأتي:
1 – تقريظ متعمل لقاض هو بشخصه وبوصف أنه قاضِ في غنى عن مثله.
2 – تعريض بقاض هو بشخصه وبوصف أنه قاض وبعمله القيم المعروض الآن على محكمة النقض أمنع من أن يصل إلى ثوبه غبار هذا التعريض.
3 – تنديد بممثل النيابة العامة يشبه بعضه أن يكون مصادرة له في أداء واجبه والبعض أن يكون تجريحاً لسلوكه.
4 – تعريض بوزير الحقانية الذي لا شأن له في تصرف القضاة في الدعاوى وما يصدرونه فيها من الأحكام.
ومن حيث إن المحكمة لا ترى في تلك الأمور ما يتصل بالحكم المطعون فيه أو يصلح سبباً قانونياً للطعن عليه بل إنها مقحمة عليه إقحاماً وليست إلا مجرّد توزيع اعتباطي للتقريظ والتعريض والتحبيذ والتنديد على القضاء والنيابة والوزارة ممن لا حق له في شيء من ذلك ولا صفة، فهي إذن من القول اللغو الذي يجب إهداره كل الإهدار.
ومن حيث إن باقي الوجه الثاني وإن اتصل بموضوع الدعوى إلا أن كل ما فيه تصيد لأمور تافهة لا تقدّم ولا تؤخر من حيث صحة الحكم وعدم صحته ولا إنتاج لها في هذا الصدد، فهي أيضاً لا تستحق ذكراً ولا رداً؛ وذلك فيما عدا مسألة واحدة هي ما قيل من أن محكمة الجنايات رفضت ما طلبه المتهم محمد علي محمد من توكيل الأستاذ زهير صبري وما طلبه المتهم محمد قاسم من توكيل الأستاذ مكرم عبيد دون أن يكون لها حق في رفض هذين الطلبين، وأن في هذا الرفض تجاوزاً لحدود القانون وإخلالاً بحق الدفاع.
ومن حيث إن الواقع في تلك المسألة بحسب الثابت بمحضر الجلسة وبالحكم هو أن الأستاذين مكرم عبيد وزهير صبري وغيرهما من المحامين امتنعوا عن المرافعة وانسحبوا من الجلسة فندبت المحكمة غيرهم، وقام المندوبون بالدفاع عن المتهمين الذين تنحى عنهم المحامون المنسحبون، ومن هؤلاء المتهمين محمد علي محمد ومحمد قاسم. وقد استوفى الدفاع عن الجميع حقه، وأقفل باب المرافعة. ولكن المحكمة فتحت هذا الباب ثانية لظرف طرأ هو عدول إبراهيم الفلاح أحد الطاعنين عن اعترافه. وفي أثناء نظر الدعوى من بعد جاء المتهمان المذكوران وطلبا من المحكمة أن يترافع عنهما الأستاذان زهير صبري ومكرم عبيد فرفضت المحكمة طلبهما مكتفية بالمندوبين عنهما.
ومن حيث إنه لا نزاع في أن المتهم حرّ في اختيار من يشاء للدفاع عنه، وحقه في ذلك حق أصيل خاص مقدم على حق القاضي في اختيار المدافع. فإذا اختار المتهم مدافعاً فليس للقاضي أن يفتات عليه في ذلك وأن يعين له مدافعاً آخر. ولكن هذا المبدأ إذا تعارض مع ما لرئيس الجلسة من حق إدارتها والمحافظة على عدم تعطيل سير الدعاوى وجب بالبداهة إقرار الرئيس في حقه وتخويله الحرّية التامة في التصرف على شرط واحد هو ألا يترك المتهم بلا دفاع.
ومن حيث إن المحكمة أشارت في حكمها إلى ما كان من رفضها طلب هذين المتهمين توكيل الأستاذين المشار إليهما. ومما عللت به هذا الرفض أنها وجدته لازماً "اتقاءً لعرقلة سير القضية" و"لما لاح لها من ظروف الدعوى من أن هذا الطلب الذي رفضته لم يكن مقصوداً به أية مصلحة حقيقية للدفاع". وإنه ليكفي أن يخامر المحكمة مثل هذا الاعتقاد الذي أشارت إليه في حكمها حتى يكون لها الحرّية التامة في رفض مثل ذلك الطلب من غير أن يكون لأحد مطعن أو رقابة عليها في ذلك ما دام ثابتاً أن هذين المتهمين لم يتركا بلا دفاع، بل دوفع عنهما إلى النهاية وهو كل ما يتطلبه القانون. ولذلك يتعين رفض الطعن فيما يتعلق بهذه المسألة أيضاً.
ومن حيث إن مبنى الوجه الثالث بحسب الوارد في أصل تقرير الأسباب وبحسب ما فسره به مقدم التقرير في مذكرته يتحصل جوهره في أن الاتفاق الجنائي إذا وقع على جرائم محددة فلا ينطبق على المادة 47 المكررة إلا إذا كانت تلك الجرائم لم تنفذ فعلاً. أما إذا وقع على ارتكاب جناية أو جنحة محددة ونفذ المقصود من الاتفاق بوقوع الجريمة فعلاً فلا محل لتطبيق تلك المادة بل المنطبقة تكون هي مادة الاشتراك بالاتفاق العادي وهي المادة 40/ 2 وأن القول بغير ذلك فيه إلغاء لمبدأ مادة الاشتراك العادية المذكورة. ثم يقول مقدّم التقرير في مذكرته تفريعاً على هذا إن الحكم أشار إلى وقوع اتفاقات ثلاثة خاصة بصنع القنابل: أحدها وقع بين إبراهيم الفلاح وأحمد عزب ومحمد علي محمد وتوفيق عزب ومحمد قاسم وحامد نصر على صنع القنبلة التي استعملت فيما بعد بمنزل علام باشا، وثانيها وقع بين محمد علي محمد ومحمد قاسم وإبراهيم الفلاح على صنع قنبلة روض الفرج، وثالثها وقع بين عبده عبد الرسول وبين إبراهيم الفلاح على صنع قنبلتين. ثم يقول إن المحكمة عاقبت كل فريق عن الاتفاق بمقتضى المادة 47 المكررة وعلى تنفيذه بمقتضى مادة صنع القنابل أو إلقائها وإن هذا خطأ ظاهر في التطبيق القانوني. هذا وقد أضاف الطاعنون في هذا الوجه الثالث أيضاً أن المحكمة تناقضت فيما ذكرته عن واقعة الاتفاق الجنائي بين عبده عبد الرسول وبين إبراهيم الفلاح على صنع القنبلتين اللتين ضبطتا في منزل أولهما إذ أنها قررت أن تَدَخل إبراهيم الفلاح في هذه الواقعة كان بعلم البوليس وتحت مراقبته، وغير مفهوم بعد هذا أن يكون عبده عبد الرسول متفقاً مع إبراهيم الفلاح الذي لم تتحد قط إرادته معه.
ومن حيث إنه مع الأخذ بالرأي القانوني الذي اعتمد عليه الطاعنون في هذا الصدد واعتباره قضية مسلمة فإن التفريع الذي فرعوه عليه غير صحيح على إطلاقه وغير منتج في جملته. ذلك بأن الاتفاقات الثلاثة المذكورة هي الأشطر أ، ب، جـ المكونة للاتفاق الجنائي الكلي الذي ورد بالحكم تحت عنوان "الاتفاق الجنائي الرابع الخاص بصنع القنابل". ومن هذه الأشطر الثلاثة الشطر الثاني "ب" الخاص بالاتفاق على صنع قنبلة روض الفرج وهو الذي حصل بين محمد علي محمد ومحمد قاسم وإبراهيم الفلاح لا يمكن عملاً بذلك الرأي أن يرد عليه أي اعتراض إذ تلك القنبلة التي اتفقوا على صنعها لم يتم صنعها فعلاً ولم تدن المحكمة أحداً إلا في الاتفاق على صنعها دون غير. على أن المحكمة قد أخرجت من مسئولية هذا الاتفاق إبراهيم الفلاح وأدانت فيه محمد علي محمد ومحمد قاسم فقط. أما الذي يصح الاعتراض عليه تأسيساً على ذلك الرأي القانوني فهو ما يتعلق بالشطر الأول "أ" وهو الاتفاق الذي حصل على صنع القنبلة التي استعملت فيما بعد بمنزل علام باشا. ذلك لأن المحكمة اعتمدت في آن واحد وقوع الاتفاق الجنائي على صنع هذه القنبلة كجريمة مستقلة ثم اعتمدت صنع القنبلة نفسه جريمة أخرى. ومع ذلك فيجب أن يلاحظ:
(أوّلاً) أنه ليس لمحمد قاسم أحد الطاعنين وجه في الاعتراض لأن المحكمة لم تعتبره مداناً إلا في الاتفاق الجنائي على صنع هذه القنبلة فقط قائلة إنه من بعد أن اتفق لم يشترك فعلاً في صنعها.
(ثانياً) أنه ما عدا حامد نصر لا يوجد ولا واحد من المتهمين في الاتفاق الوارد بهذا الشرط بل ولا في باقي تلك الاتفاقات الثلاثة الجزئية المكوّنة للاتفاق الجنائي الرابع الكلي إلا وهو مدان في اتفاق جنائي آخر من الاتفاقات الثلاثة التي أوردها الحكم قبل ذلك الاتفاق الرابع الكلي (وذلك حتى بغض النظر عن الشطر "ب" من الاتفاق الرابع المدان فيه محمد علي محمد ومحمد قاسم إدانة لا اعتراض عليها كما تقدّم). فإبراهيم الفلاح ومحمد قاسم ومحمد علي محمد مدانون في الاتفاق الأوّل وإبراهيم الفلاح وعبده عبد الرسول وتوفيق عزب مدانون في الاتفاق الثاني وعبده عبد الرسول مدان في الاتفاق الثالث. فتطبيق المحكمة للمادة 47 المكررة عليهم له وجه ظاهر، وخطؤها المقول به فيما يتعلق بمن صنعوا قنبلة منزل علام باشا من حيث احتساب الاتفاق على صنعها معاقباً عليه بالمادة المذكورة هو قول غير منتج.
(ثالثاً) فيما يختص بحامد نصر الذي أدين بالمادة 47 المكررة في الاتفاق الجنائي على صنع تلك القنبلة وأدين أيضاً كشريك في صنعها بالمواد 40/ 2 و3 و41 و317 من قانون العقوبات – وهو الشخص الوحيد الذي يظهر في جانبه الاعتراض ظهوراً واضحاً لأنه لم يدن في أي اتفاق جنائي آخر – فإنه يلاحظ في خصوصه أنه ثبت عليه أيضاً الاشتراك في الشروع في قتل رفعت باشا عمداً مع سبق الإصرار، وقد ضمت المحكمة جرائمه الثلاث بعضها إلى بعض عملاً بالمادة 32 وحكمت عليه في أشدّها وهي الشروع في القتل بالأشغال الشاقة أربع سنوات مع أن أصل عقوبة تلك الجريمة هي الأشغال الشاقة المؤقتة بحسب المواد 45 و46 و194 و40/ 2 و3 و41 التي أوخذ بمقتضاها عن تلك الجناية والتي أضافت إليها المحكمة المادة 199 تجوّزا استفاد منه المتهم. والأشغال الشاقة المؤقتة تسع ذلك العقاب بما اندمج فيه اندماجاً نظرياً، خاطئاً كان هذا الاندماج أم غير خاطئ. ولو أسقطت جريمة اتفاقه على صنع القنبلة وكان لمحكمة النقض أن تطبق عليه القانون في جريمتي الاشتراك في الشروع في قتل رفعت باشا والاشتراك في صنع القنبلة لما أنزلت عقوبته عن أربع السنوات أشغالاً شاقة التي قضت بها محكمة الجنايات. وكذلك الحال فيما يتعلق بعبده عبد الرسول الذي لم يصح اتفاقه مع إبراهيم الفلاح على صنع القنبلتين لعدم تلاقي إرادتيهما تلاقياً جدّياً في هذا الاتفاق كما يقول الطاعنون بحق.
ومن حيث إن ما أضيف إلى الوجه المذكور بتقرير الأسباب وبالمذكرة من أنه فيما يختص ببعض المتهمين كانت عقوبة المادة 47 المكررة هي أشدّ العقوبات – ما ذكر من ذلك هو كلام مبهم لم تلاحظ هذه المحكمة في الحكم مصداقاً له، وإذن يكون هذا الوجه الثالث متعين الرفض أيضاً.
ومن حيث إن التقرير المقدّم من محامي أحمد العزب قد أحال على التقرير المقدّم من الأستاذ مكرم عبيد وتمسك مقدّمه بالوجه الثالث فقط من هذا التقرير مطرحاً الوجهين الأوّل والثاني. وقد سبق الرد على ذلك الوجه الثالث الذي تمسك به.
ومن حيث إن الوجه الأول من التقرير المقدّم من الأستاذ المحامي عن صبحي شنوده يتلخص في أن الحكم المطعون فيه لم يبين أركان الجريمة المنصوص عنها في المادة 47 المكررة لأن الواقعة التي جاءت في التحقيقات واستندت إليها المحكمة هي أن صبحي شنوده هذا قرأ جبنيوت وعبده عبد الرسول قرأ الفاتحة على الجهاد وانقطعت بعد ذلك كل علاقة بين هذين المتهمين، وأن تلك الواقعة على فرض صحتها لا تكفي قانوناً لتطبيق مادة الاتفاق الجنائي التي تقتضي اتفاقاً منظماً في مبدأ تكوينه على الأقل ومستمراً ولو برهة من الزمن. وهذا الاتفاق لم يكن منظماً ولا مستمراً على الإطلاق. ثم إنه قد عدل عنه.
ومن حيث إنه لو صح أن تلك المادة تقتضي أن يكون الاتفاق منظماً في بدء تكوينه على الأقل ومستمرّاً ولو برهة من الزمن كما يقول الطاعن فإن طعنه هذا يحبطه ما جاء في الحكم المطعون فيه من أن "الاتفاقات كانت منظمة نوعاً ومستمرة وقتاً من الزمن إلى أن وقعت بعض الحوادث التي ارتكبت تنفيذاً للاتفاقات المذكورة" وإذن يكون هذا الوجه متعين الرفض من بادئ الأمر.
ومن حيث إن مما يجب التنبيه إليه أن هذه المحكمة فيما يتعلق بالوجه الثالث من تقرير الأستاذ مكرم عبيد وبالوجه الحالي من تقرير الأستاذ المحامي عن صبحي شنوده قد تمشت في فهم المادة 47 المذكورة هي في حقيقة الواقع من مشكلات القانون التي لا حل لها. وعلة إشكالها أنها أتت بمبدأ يلقي الاضطراب الشديد في بعض أصول القانون الأساسية، بل حتى ثوب الألفاظ العربية الذي قدّ لمعانيها قد جاء ثوباً مهلهلاً. إن النسخة الفرنسية وهي الشاملة للوضع الأوّل لتلك المادة جاءت صريحة في ألفاظها غير متصادمة في معانيها مع أصول القانون. ذلك بأنها على خلاف النسخة العربية قد ورد في الفقرة الأولى منها ما يأتي: "II y a accord "criminel lorsque deux ou plusieurs personnes se sont nises" "d’accord pour commettre des crimes ou des délits" وترجمتها حرفياً "يوجد اتفاق جنائي كلما اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جنايات أو جنح". فلو كانت هذه النسخة هي المعوّل عليها والمعمول بها لأمكن للمفسر أن يقول إن تلك المادة الإضافية لا تشمل إلا الاتفاق على ارتكاب الجنايات أو الجنح (بالجمع) مطلقاً أو الجنايات أو الجنح التي تكون من نوع خاص سواء أكانت تلك الجنايات أو الجنح هي المقصودة بالذات من الاتفاق أم كانت وسيلة لتحقيق الغرض المقصود منه. وفي هذا التفسير يبقى مبدأ الاتفاق المكوّن للاشتراك بحسب المادة 40 مبدأً سليماً لا خلط فيه. كما يبقى مبدأ عدم المؤاخذة على العزم والتصميم والأعمال التحضيرية لارتكاب جريمة واحدة محدّدة مبدأً سليماً أيضاً في جملته إلا ما استثني منه بالنص الصريح. ولكن من الأسف أن النسخة العربية قد أبدلت فيها عبارة "ارتكاب جنايات أو جنح" بعبارة "ارتكاب جناية أو جنحة ما". على أنه أيضاً مع هذا قد كان يستطاع القول بأن هذا التعبير خطأ في الترجمة وأن يدلل لذلك لأن في المادة خطأ آخر شنيعاً إذ في الفقرتين الأولى والأخيرة منها قد استعمل لفظة "جرائم" مثل لفظ "جنايات" مع ما هو معلوم لكل مشتغل بالقانون أو التراجم القانونية من أن الجريمة لفظ مشترك يشمل الجنايات والجنح والمخالفات معاً، وأن في التعبير بعبارة "جرائم وجنح" دليلاً على عدم دقة المترجم – كان يستطاع القول بهذا ويرجع في التفسير إلى النص الفرنسي ولكن النص العربي الذي ورد فيه ما يدل على أن الاتفاق الجنائي يتم، ولو كان المتفق عليه جناية واحدة بعينها أو جنحة واحدة بعينها، قد تضافرت على تأييده المذكرتان الإيضاحيتان الفرنسية والعربية، وفهمه مجلس شورى القوانين على هذا النحو، وناقش فيه مناقشة فنية قيمة في التقرير الذي وضعته لجنته للاعتراض على مشروع هذه المادة. ولكن اعتراض مجلس الشورى لم تقبله الحكومة وأصبح النص العربي محدّد المعنى تماماً بما تضافر من المذكرات الإيضاحية واعتراض مجلس الشورى وإباء الحكومة قبول اعتراضه ثم ما جاء بتقرير المستشار القضائي عن سنة 1910 فكل ذلك حدّد المراد بالمادة وأنها تنطبق بلا شك ولا ريب على الاتفاق الذي يحصل على ارتكاب جناية واحدة بعينها أو جنحة واحدة بعينها مهما تضاءلت تلك الجناية أو تلك الجنحة. ومن يرد القول بغير ذلك فهو مشترع لا مفسر.
ومن حيث إنه متى علم أن هذا هو المعنى المحتوم الذي لا محيص عنه لنص المادة المذكورة علم في آن واحد أنه من جهةٍ يتصادم مع الفقرة الثانية من المادة 45 التي لا توجب عقاباً على العزم والتصميم والأعمال التحضيرية ومن جهةٍ أخرى يختلط مع الفقرة الثانية من المادة 40 التي تجعل الاتفاق طريقة من طرق الاشتراك في الجريمة التي ترتكب فعلاً بناء عليه. ومن المتعذر على هذه المحكمة الجزم بصحة ما ذكر في الحكم المطعون فيه وفي بعض أوراق الطعن الحالي من أن الاتفاق الجنائي المقصود بالمادة 47 المكررة هو غير الاتفاق المشار إليه بالمادة 40/ 2 كما أنه من المتعذر أيضاً الاطمئنان إلى الاستشهاد على ذلك بالعبارة التي وردت في تقرير المستشار القضائي من قوله "والواقع أن هناك نسبة كبيرة بين الاتفاق المقصود منه ارتكاب جريمة إذا وقعت تلك الجريمة بناء عليه وبين الاتفاق الذي يكون هو بذاته خطراً ويصح من أجل ذلك تقرير عقوبة عليه" – من المتعذر ذلك:
(أوّلاً) لأن المادة إذ قالت إن الاتفاق الجنائي هو ما يعقد "على ارتكاب جناية أو جنحة مّا" فقد أفادت كما تقدّم أن أية جناية مهما ضؤلت وأية جنحة مهما ضؤلت ولو كانت عقوبتها الغرامة فقط فصالحة أيتهما لأن يكون الاتفاق عليها اتفاقاً جنائياً.
(ثانياً) لأن الاتفاق على الإجرام لا يتصوّر فيه الشدّة أو الضعف إلا من حيث موضوعه فقط لا من حيث طبيعته إذ الإجرام إجرام على كل حال والاتفاق عليه اتفاق على الإجرام في كل حال. وليس في نص المادة تفريق بين اتفاق على الإجرام ضعيف واتفاق عليه شديد، كما أن الاتفاق على الإجرام لا يغير من طبيعته وقوع هذا الإجرام فعلاً ولا عدم وقوعه.
(ثالثاً) إن عبارة المستشار القضائي فوق كونها لا معوّل عليها تماماً في تفسير النص فإنها مع ذلك منبهمة المعنى إذ هي في النسخة العربية المنقول نصها فيما تقدّم لا يفهم منها ما المراد بقوله "إن هناك نسبة كبيرة إلخ…" أما عبارته في النسختين الإنجليزية والفرنساوية فهي أوضح من ذلك قليلاً إذ هو يقول فيها"إن هناك تقارباً (أو تشابهاً) عظيماً بين الاتفاق إلخ" (Affinité considérable = Considerable affinity) والتقارب أو (التشابه) معناه أن الاتفاقين من واد واحد. على أن عبارة التقرير المذكور في جملتها عبارة قلقة المعنى إذ لا تحديد فيها لذلك الاتفاق الخطر الذي يكون في ذاته محلاً للمؤاخذة. ولا نرى في ذلك إلا أن واضع التقرير قد ترك التفريق بين الاتفاقين اضطراراً لأنه ما كان قط ليستطيع التمييز بينهما ما دام خطأ التشريع خطأ أساسياً يمتنع معه حتماً كل تحديد.
ومن حيث إن النتيجة المنطقية الحتمية لما ذكر هي وجوب القول في الاتفاق الجنائي على ارتكاب جناية بعينها أو جنحة بعينها مهما تضاءلت تلك الجناية أو تلك الجنحة، إنه في حالة عدم تنفيذ الاتفاق فيكون معاقباً عليه وحده بحسب المادة 47 المكررة وأما إذا ارتكبت الجناية أو الجنحة بناء على هذا الاتفاق كان هناك جريمتان ناشئتان من حيث الاتفاق في ذاته عن فعل واحد هما جريمة الاتفاق الجنائي المستقل وجريمة الاشتراك بالاتفاق وإن الفقرة الأولى من المادة 32 تنطبق في هذه الحالة فيعاقب الشريك بل الفاعل الأصلي بأشد العقوبتين. ويترتب على ذلك أن يكون الوجه الثالث من تقرير الأستاذ مكرم عبيد فيما يختص بمن احتسب الحكم عليهم الاتفاق جريمة وتنفيذه بصنع القنبلة جريمة أخرى وعاملهم بالمادة 32 هو وجه غير قانوني من أساسه. لكن هذه النتيجة المنطقية الحتمية قد تكون ظالمة جداً في كثير من الصور (وإن لم يتحقق من ظلمها شيء في الدعوى الحالية) إذ عقوبة الاتفاق الجنائي عن الجناية تبلغ خمس عشرة سنة سجناً وعن الجنحة تبلغ لغاية ثلاث سنين حبساً (وذلك حتى بغض النظر عن عقوبة المحرض والمتدخل في إدارة حركة الاتفاق) وقد تكون عقوبة الجناية أو الجنحة إذا نفذت فعلا أقل من ذلك بكثير. وسبب إمكان هذا الظلم راجع إلى اضطراب التشريع وعدم التدقيق فيه.
ومن حيث إنه ينتج منطقياً أيضاً مما تقدّم أن مجرّد الاتفاق على ارتكاب الجناية أو الجنحة ولو واحدة بعينها كاف في ذاته لتكوين جريمة الاتفاق بلا حاجة لا إلى تنظيم ولا إلى استمرار، بل عبارات التنظيم والاستمرار هي عبارات اضطرت المحاكم للقول بها هرباً من طغيان هذه المادة. والواقع أن الشرط الوحيد الكافي لتكوين الجريمة هو أن يكون الاتفاق جدّياً، فكلما ثبت ذلك للقاضي قامت الجريمة ووجب تطبيق العقاب.
ومن حيث إنه يتعذر على هذه المحكمة في صورة الاتفاق على ارتكاب جناية بعينها أو جنحة بعينها أن تفسر هذه المادة بغير ما تقدّم وهو تفسير لا يوصل لغرض ثابت يمكن الاستقرار عنده. وليس الذنب في ذلك على المحكمة بل الذنب على النص نفسه. والظاهر حتى من الأعمال التشريعية التي اقترنت بوضعه ومن تصميم واضعيه على عدم الأخذ فيه بالاعتراضات الفنية السديدة التي اعترض بها عليه – الظاهر أن مراد واضعيه أن يكون بيد الحكومة عدّة تستعملها عند الضرورة وفي الأحوال الخطرة استعمالاً لا يكون، في اتساع ميدانه وشموله، محلاً للتأويل من جهة القضاء التي تطبقه. ولكن مهما يكن مثل ذلك النص ضرورياً لإعانة الحكومة على المحافظة على النظام والأمن العام فإن الأجدر بها أن تعاود النظر فيه بما يضمن غرضها من جهة ويزيل اللبس والخلط في المبادئ من جهة أخرى – وإلى أن يتم ذلك فلا سبيل لتفادي إشكال هذا النص ومنع أضراره إلا ما حرصت عليه النيابة العامة إلى الآن من عدم طلب تطبيقه إلا في الأحوال الخطرة على الأمن العام كحالة الدعوى الحالية وما ماثلها.
ومن حيث إن مبنى الوجه الثاني من ذلك التقرير أن محكمة الجنايات قد تناقضت في استخلاص النتائج التي رتبتها على أقوال صبحي شنوده في التحقيق فكذبته فيما قرّره من أنه تظاهر بالاتفاق مع عبده عبد الرسول ليثق به ويطلعه على أسراره فيتجسس عليه وعلى غيره من المتهمين – كذبته في ذلك بشأن غيره من المتهمين وآخذته هو بهذه الأقوال نفسها في إثبات جريمة الاتفاق الجنائي عليه.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأنه يتعلق بصميم الوقائع إذ فيه يأخذ الطاعن على محكمة الموضوع حريتها في تقدير أقوال المتهم واستخلاص الصحيح منها وطرح ما لا تطمئن إلى تصديقه.
ومن حيث إن مبنى الوجه الثالث من التقرير أن محكمة الجنايات بنت حكمها على سبب باطل حيث قررت أن أحمد رشدي أفندي شهد بأن صبحي شنوده اعترف له باشتراكه في أعمال جنائية مع أن هذا الشاهد لم يقرر ذلك أمامها.
ومن حيث إن هذا الوجه غير صحيح. فإن الحكم المطعون فيه حين روى شهادة أحمد رشدي أفندي قال إن ذلك الشاهد قرّر بأنه أدرك من كلام صبحي أن له يداً في هذه الحوادث. وتلك العبارة تنسجم انسجاماً تاماً مع ما شهد به أحمد رشدي أفندي أمام المحكمة وفي تحقيق النيابة فقد قرّر أمام المحكمة ما يأتي: "اللي فهمته أن له يداً في الموضوع ولذلك طلب ضمان العفو" وقال أمام النيابة ما يأتي: "لما قابلني صبحي شنوده قال لي إنه بإدلائه إلىّ بهذه المعلومات يضع حياته تحت يدي وإنه أي رشدي أفندي طلب إلى بدوي بك خليفة أن يؤمن هذا الشخص على حياته إذا ثبت اشتراكه في الحوادث وكذا أن يكافأ على إعطاء هذه المعلومات".
ومن حيث إنه يبين من ذلك جميعاً أن الطعن المقدّم واجب رفضه.

[(1)] تقول محكمة النقض إن القول بهذا قد يكون ظالماً جداً في كثير من الصور، إذ عقوبة الاتفاق الجنائي عن الجناية تبلغ خمس عشرة سنة سجناً وعن الجنحة تبلغ لغاية ثلاث سنين حبساً (وذلك حتى بغض النظر عن عقوبة المحرض والمتدخل في إدارة حركة الاتفاق)، وقد تكون عقوبة الجناية أو الجنحة إذا نفذت فعلاً أقل من ذلك بكثير. لكن سبب إمكان وقوع هذا الظلم راجع إلى اضطراب التشريع نفسه وعدم التدقيق فيه.
[(2)] تقول محكمة النقض إنه يتعذر عليها في صورة الاتفاق على ارتكاب جناية بعينها أو جنحة بعينها أن تفسر هذه المادة بغير ما تقدّم، وهو تفسير لا يوصل إلى غرض ثابت يمكن الاستقرار عنده، ولكن الذنب في ذلك ليس على المحكمة، بل هو النص نفسه، إلى أن قالت إنه مهما يكن مثل هذا النص ضرورياً لإعانة الحكومة على النظام والأمن العام، فإن الأجدر بها أن تعاود النظر فيه بما يضمن غرضها من جهة ويزيل اللبس والخلط في المبادئ من جهة أخرى. وقد عدلت هذه المادة بمقتضى المرسوم بقانون رقم 84 الصادر في 28 أغسطس سنة 1933.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات