الطعن رقم 190 سنة 35 ق – جلسة 24 /04 /1969
أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الثاني – السنة 20 – صـ 676
جلسة 24 من إبريل سنة 1969
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.
الطعن رقم 190 سنة 35 القضائية
( أ ) نقض. "نطاق الطعن". "أثر نقض الحكم". قوة الأمر المقضي.
النقض لا يتناول من الحكم إلا ما تناولته أسباب النقض المقبولة. ما عدا ذلك. حيازته
قوة الأمر المقضي. امتناع إعادة النظر فيه.
(ب) تعويض. "تقدير التعويض". "عناصر الضرر". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير التعويض".
حكم. "عيوب التدليل". "القصور". "ما يعد كذلك".
استقلال قاضي الموضوع بتقدير التعويض عن الضرر. إطراحه دليلاً مقبولاً عن أحد عناصر
الضرر المطالب بالتعويض عنه وتقدير التعويض على خلافه. عدم بيان سبب عدم الأخذ به.
أثره. قصور.
1 – من المقرر أن النقض لا يتناول من الحكم إلا ما تناولته أسباب النقض المقبولة، أما
ما عدا ذلك منه فإنه يحوز قوة الأمر المقضي فيتعين على محكمة الإحالة ألا تعيد النظر
فيه، فإذا ما قضى الحكم للمدعي ببعض طلباته فقط فطعن في قضائه برفض باقي طلباته وقبل
المدعى عليه الحكم ولم يطعن فيه ثم قضى بقبول الطعن ونقض الحكم، فإن هذا النقض هو نقض
جزئي لا يتناول ما كان الحكم قد قضى بإجابته من طلبات الطاعن ولذلك لا يجوز لمحكمة
الإحالة أن تعيد النظر في هذا البعض من الطلبات.
2 – إنه وإن كان تقدير التعويض عن الضرر هو مما يستقل به قاضي الموضوع إلا أنه إذا
قدم له طالب التعويض دليلاً مقبولاً على أحد عناصر الضرر الذي يطالب بالتعويض عنه ورأى
القاضي إطراح هذا الدليل وتقرير التعويض على خلافه فإنه يتعين عليه أن يبين سبب عدم
أخذه به وإلا كان حكمه مشوباً بالقصور.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في
أن الطاعن أقام على وزارة الخزانة "المطعون ضدها الأولى" الدعوى رقم 3005 سنة 1950
مدني كلي القاهرة طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 20420 جنيهاً. وقال بياناً
للدعوى إن لجنة مخلفات الجيش الأمريكي التابعة لوزارة الخزانة طرحت للبيع 73 طائرة
و70 ماكينة طائرة مستهلكة فتقدم لشرائها بسعر 110 جنيه للطائرة، 20 جنيه للطن من الماكينات،
وقد قبل عطاؤه وحرر من وزارة المالية العقد المؤرخ أول مايو سنة 1950 الذي اشترط فيه
أن يقوم بتكسير الطائرات بحيث تصبح غير صالحة للطيران، وقد شرع في ذلك غير أنه فوجئ
بطرد عماله من المطار، فأنذر وزارة المالية بتنفيذ العقد ولكنها رفضت ذلك، ولما كان
قد ترتب على عدم تنفيذ العقد أن لحقت به خسارة بسبب تخلفه عن الوفاء بالتعهدات التي
ارتبط بها مع الغير وفاته كسب يتمثل في الفرق بين ثمن شرائه وثمن بيع تلك البضاعة وهو
ما يقدره بمبلغ 20420 جنيه فإنه قد اضطر لإقامة الدعوى بطلب ذلك التعويض. كما أقام
المطعون ضدهما الثاني والثالث الدعوى رقم 158 سنة 1951 تجاري كلي القاهرة على الطاعن
طالبين الحكم بإلزامه بأن يدفع لهما مبلغ 13250 جنيه عدلاه فيما بعد إلى 5000 ج والفوائد
بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد، وقالا بياناً للدعوى إن الطاعن باع
لهما بتاريخ 2/ 5/ 1950 73 طائرة خالية من الأجهزة بثمن قدره 28250 جنيه، دفعا منه
عند التعاقد 8250 جنيه. ولما كان قد امتنع عن تنفيذ العقد وسدد لهما ما دفعاه من الثمن
فإنهما يستحقان التعويض المتفق عليه في العقد وقدره 5000 جنيه وهو ما انتهيا إلى طلبه
في الدعوى. وقد أدخل الطاعن وزارة المالية ضامنة له في هذه الدعوى طالباً الحكم له
عليها بما عسى أن يحكم عليه به للمطعون ضدهما الثاني والثالث. وبعد أن ضمت محكمة القاهرة
الابتدائية الدعويين قضت بتاريخ 10 يناير سنة 1955 في الدعوى رقم 3005 سنة 1950 بإلزام
وزارة المالية بأن تدفع للطاعن مبلغ 12000 جنيه، وفي الدعوى رقم 158 سنة 1951 بإلزام
الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدهما الثاني والثالث مبلغ 5000 جنيه وفوائده بواقع 5% سنوياً
من تاريخ 2/ 11/ 1950 حتى السداد وفي دعوى الضمان الفرعية بعدم قبولها. استأنف الطاعن
هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة رقم 459 سنة 72 ق كما استأنفته وزارة المالية
بالاستئناف رقم 482 سنة 72 ق، وبعد أن ضمت تلك المحكمة الاستئنافين قضت بتاريخ 9 فبراير
سنة 1957 بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزام وزارة المالية بأن تدفع للطاعن مبلغ ألف
جنيه ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم
405 سنة 27 ق وبتاريخ 14 مارس سنة 1963 نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه وأحالت
القضية إلى محكمة استئناف القاهرة وبنت قضاءها على أن الحكم المطعون فيه قد عول في
تقدير التعويض على مجرد المجهود الذي بذل أو كان من المتوقع أن يبذل في الصفقة حالة
أن التعويض يقدر بما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب طبقاً لحكم المادة 221 من
القانون المدني. وإذ عجل الطاعن استئنافه لدى محكمة استئناف القاهرة عجلت وزارة المالية
بدورها استئنافها فدفع الطاعن بعدم جواز نظر استئناف وزارة المالية لسابقة الفصل فيه
بحكم نهائي لم يطعن فيه بالنقض وقد رفضت المحكمة هذا الدفع وبتاريخ 19 يناير سنة 1965
قضت تلك المحكمة في موضوع الاستئناف رقم 482 سنة 72 ق بتعديل الحكم المستأنف وإلزام
وزارة الخزانة بأن تدفع للطاعن مبلغ 2660 جنيهاً والمصاريف المناسبة عن الدرجتين وتأييده
فيما عدا ذلك، وفي موضوع الاستئناف رقم 459 سنة 72 ق برفضه. طعن الطاعن في هذا الحكم
بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة
لنظره أمام هذه الدائرة صممت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن الطعن بني على سببين ينعى الطاعن في أولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون
والخطأ في تطبيقه وتأويله، وفي بيان ذلك يقول إنه بعد أن قضت محكمة النقض في الطعن
المرفوع منه بنقض الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بتاريخ 9 فبراير سنة 1957 وأعادت
القضية إلى تلك المحكمة عجلت وزارة المالية استئنافها رقم 482 سنة 72 ق القاهرة وطلبت
إلغاء الحكم المستأنف بكامل أجزائه فدفع بعدم جواز نظر ذلك الاستئناف تأسيساً على تلك
الوزارة قبلت الحكم الاستئنافي الصادر بتاريخ 9 فبراير سنة 1957 ونفذته دون أن تطعن
فيه بالنقض وأن الطعن بالنقض كان من الطاعن وحده وأن محكمة النقض قضت بنقض الحكم جزئياً
في خصوص تقدير التعويض أما أساس التعويض وصفة المال المبيع وغير ذلك مما فصل فيه الحكم
المنقوض فإن الطعن بالنقض لم يتناوله ولم يكن محل فصل من محكمة النقض، ومن ثم فإنه
لا يجوز لمحكمة الإحالة أن تعرض لما سبق الفصل فيه من ذلك. ولكن الحكم المطعون فيه
لم يأخذ بهذا النظر وقرر أن كل ما هو محرم عليه بعد نقض الحكم هو مخالفة رأي محكمة
النقض في المسألة التي تكون قد فصلت فيها وأن ما عدا ذلك فهو جائز وأنه وإن كان لا
يستفيد من النقض إلا رافع الطعن فإن الاستئنافين مرتبطان ارتباطاً لا يمكن معه تجزئتهما
وإعادة النظر في أحدهما يستتبع إعادة النظر في الاستئناف الآخر، وبذلك خالف الحكم المادة
26 من القانون رقم 57 لسنة 1959 وأخطأ في تأويلها وتطبيقها.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ أعاد نظر الاستئناف
وزارة المالية رقم 482 سنة 72 ق القاهرة وبحث ما سبق أن أثارته فيه تلك الوزارة من
دفوع فصل فيها الحكم الاستئنافي الصادر بتاريخ 9 فبراير سنة 1957 والذي طعن فيه الطاعن
وحده بالنقض دون وزارة المالية التي قبلته إذ من المقرر أن النقض لا يتناول من الحكم
إلا ما تناولته أسباب النقض المقبولة، أما ما عدا ذلك فإنه يحوز قوة الأمر المقضي فيتعين
على محكمة الإحالة ألا تعيد النظر فيه، فإذا ما قضى الحكم للمدعي ببعض طلباته فقط فطعن
في قضائه برفض باقي طلباته وقبل المدعى عليه الحكم ولم يطعن فيه ثم قضى بقبول الطعن
ونقض الحكم فإن هذا النقض هو نقض جزئي لا يتناول ما كان الحكم قد قضى بإجابته من طلبات
الطاعن ولذلك لا يجوز لمحكمة الإحالة أن تعيد النظر في هذا البعض من الطلبات.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب
والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المستأنف قد اعتمد في تقدير الضرر
المادي الذي أصاب الطاعن من نكول وزارة المالية عن تنفيذ العقد الذي أبرمه معها على
أن الطاعن كان قد باع الطائرات التي اشتراها إلى المطعون ضدهما الثاني والثالث بمبلغ
18250 ج وأنه لما كان قد اشتراها بمبلغ 8030 ج فإنه يكون قد ضاع عليه كسب محقق مقداره
10220 ج وقد اعتبر هذا المبلغ عنصراً من عناصر التعويض الذي قضى به غير أن الحكم المطعون
فيه رفض احتساب هذا العنصر في تقدير التعويض بمقولة إن عقد بيع الطاعن للطائرات إلى
المطعون ضدهما الثاني والثالث هو عقد صوري، واستند في ذلك إلى ثلاث قرائن الأولى هي
أنه لو كان هذا العقد قد تم حقيقة لكان الطاعن قد ذكره في الإنذار المرسل منه إلى وزارة
المالية بتاريخ 10 مايو سنة 1950 والثانية هي أن المطعون ضدهما الثاني والثالث قد رفعا
على الطاعن الدعوى رقم 158 سنة 1950 بمبلغ 13250 ج ثم قصرا طلباتهما في أول جلسة أمام
قاضي التحضير على مبلغ 5000 ج قيمة التعويض المتفق عليه دون أن يذكرا لذلك سبباً ولم
ينازعهما الطاعن في طلباتهما ولم يذكرا شيئاً عن العقد في الإنذار الذي وجهاه للطاعن
في 26 يونيه سنة 1950 والقرينة الثالثة هي أن الطاعن لم يطعن في الحكم الصادر ضده لصالح
المطعون ضدهما المذكورين في الدعوى رقم 158 سنة 1951 التي رفعاها عليه ويقول الطاعن
إن هذه القرائن لا تؤدي منفردة أو مجتمعة إلى إثبات صورية تعاقده مع هذين المطعون ضدهما
لأن الطاعن في إنذاره لوزارة المالية بتاريخ 10 مايو سنة 1950 قرر في عبارة صريحة أنه
يحفظ كافة حقوقه في تنفيذ العقد الذي يتمسك به والذي ترتبت عليه معاملات مع الغير لا
يجوز النكول عنها، وذكر في صحيفة دعواه أن امتناع الوزارة عن تسليم الطائرات المبيعة
قد ترتب عليه توقفه عن تنفيذ تعهداته للغير المترتبة على هذه الصفقة، وهذا الذي ذكره
الطاعن كان كافياً لإبراز أن ثمة تعهدات بينه وبين الغير لم يكن لازماً أن يشير إلى
تعاقده مع المطعون ضدهما الثاني والثالث بالذات ما دام هو يستند إلى الخطأ العقدي في
جانب وزارة المالية، أما عن مطالبة المطعون ضدهما الثاني والثالث للطاعن بما دفعاه
له من ثمن الطائرات مضافاً إليه التعويض المتفق عليه في عقدهما ثم قصرهما الدعوى بعد
ذلك على هذا التعويض الإتفاقي وحده فمرجعه إلى أن الطاعن قد رد إليهما ما دفعاه من
الثمن لعدم وجود وجه الاحتفاظ به إن تعذر إتمام الصفقة فاقتصرا في الطلب على التعويض
وكان الأمر أظهر من أن يحتاج إلى بيان ورغم هذا الظهور فقد ذكره الحاضر عن المطعون
ضدهما المذكورين في مرافعته، كذلك فإن عدم منازعة الطاعن في هذا التعويض الذي طلبه
المطعون ضدهما الثاني والثالث يرجع إلى أنه قد رفع دعوى ضمان فرعية على وزارة المالية
للحكم له عليها بما قد يحكم به لهما، وتعهدت وزارة المالية في مذكرتها المقدمة لجلسة
22 إبريل سنة 1952 بالدفاع عنه في الدعوى المرفوعة عليه من المطعون ضدهما الثاني والثالث،
وهي مع ذلك لم تطعن أمام المحكمة الابتدائية في هذا العقد ولم تزعم أنه صوري مكتفية
بالتمسك بعدم جواز الجمع بين الدعويين الفرعية والأصلية، وأما أن الطاعن لم يطعن في
الحكم الصادر عليه في دعوى المطعون ضدهما الثاني والثالث فذلك لأن الحكم الابتدائي
قد قضى بمسئولية وزارة المالية وهذا الحكم وإن أخطأ في عدم احتساب المبلغ المحكوم به
للمطعون ضدهما الثاني والثالث ضمن عناصر التعويض المقضى له به فإن استئناف الطاعن لهذا
الحكم كان كفيلاً بإصلاح هذا الخطأ. ويضيف الطاعن إلى ما تقدم قوله إن الحكم شابه القصور
أيضاً لأن الطاعن كان قد قدم لمحكمة الاستئناف "كتالوج" للطائرات المبيعة مصدقاً عليه
من الجهات الرسمية يمكن منه استخلاص مقدار كمية المعادن الموجودة في كل طائرات وهو
ما يمكن أن يبيعه بعد تكسير الطائرات كما قدم فاتورتين بثمن أدوات طائرات من مخلفات
الجيش وهما مؤرختان 3 يناير سنة 1953 و16 يناير سنة 1953 ومؤشر عليهما بالتخالص بموجب
شيك مؤرخ 10 فبراير سنة 1953 وهو ما يثبت تاريخهما وذلك للتدليل على ما فاته من كسب
ولكن الحكم المطعون فيه لم يشر إلى أي من هذه المستندات ولم يذكر سبب إطراحه لها واكتفى
بقوله إن المحكمة مستعينة بما قدم في القضية من أوراق ومستندات تقدر ما فات من الربح
عن كل ماكينة بمبلغ عشرة جنيهات وعن كل طائرة بمبلغ عشرين جنيهاً وهو قول غامض وقاصر
عن بيان الأساس الذي بنت عليه المحكمة تقديرها للتعويض.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت مسئولية الوزارة عن
التعويض رفض الأساس الذي بني عليه الحكم الابتدائي تقديره للضرر المادي الذي أصاب الطاعن
بناء على قوله "إنه عن عناصر التعويض المادي فلا يصح الاعتداد بالمعيار الذي أخذ به
الحكم المستأنف استناداً إلى العقد الصادر من الأستاذ عبد الرحمن الطوير إلى عزيز صايغ
وزميله إذ يبدو من ظروف الدعوى وملابساتها أن هذا العقد قد اصطنع لخدمة الدعوى إذ لو
كان هناك عقد أبرم في يوم 2/ 5/ 1950 بين الأستاذ عبد الرحمن الطوير وبين المذكورين
لورد ذكره في الإنذار المرسل منه في 10/ 5/ 1950 لوزارة المالية حتى يبرر جسامة الخسارة
التي حلت به ويكشف عن عناصر التعويض الذي يهيئ نفسه للمطالبة به، هذا علاوة على أن
عزيز صايغ رفع دعواه بمبلغ 13250 ج ثم قصر طلبه في أول جلسة أمام قاضي التحضير على
مبلغ 5000 ج قيمة التعويض المتفق عليه دون أن يذكر لذلك سبباً ولم ينازعه الأستاذ عبد
الرحمن الطوير في طلباته ولم يذكر عزيز صايغ شيئاً عن هذا العقد إلا في الإنذار المرسل
منه للأستاذ عبد الرحمن الطوير في 26/ 6/ 1950 بعد أن قام الأخير برفع دعواه في الرابع
عشر من نفس الشهر وما كان هناك من مبرر لأن يسكت عزيز صايغ عن توجيه إنذاره للأستاذ
عبد الرحمن الطوير من تاريخ منع الأخيرين عن العمل حتى 26/ 6/ 1950 خاصة وهو يقرر أنه
دفع من الثمن ما يعادل نصفه تقريباً هذا علاوة على أن الدعوى المرفوعة من الأستاذ عبد
الرحمن الطوير لم يرد بصحيفتها ذكر عن هذا العقد وما كان هناك مبرر لوقوف الأستاذ عبد
الرحمن الطوير موقف المتفرج في الدعوى المرفوعة عليه من عزيز صايغ وزميله وعدم منازعته
فيها وارتضائه الحكم الصادر فيها وعدم الطعن فيه بطريق ما في الوقت الذي تنادي فيه
الوزارة بعدم أحقيته لشيء من التعويض الأمر الذي يتعين معه استبعاد هذا العقد وعدم
الاستناد إليه في تقدير التعويض المادي" ولما كان الثابت من الاطلاع على أوراق الدعوى
أن الطاعن وإن لم يشر في إنذاره الموجه إلى وزير المالية بتاريخ 10 مايو سنة 1950 ولا
في صحيفة دعواه إلى عقد المطعون ضدهما الثاني والثالث على وجه التعيين إلا أنه ذكر
في صحيفة دعواه ما يأتي "وحيث إن هذا الإجراء قد ألحق بالطالب (الطاعن) أضراراً بالغة
الجسامة والخطورة إذ ترتب عليه أن توقف الطالب عن تنفيذ تعهداته للغير المترتبة على
هذه الصفقة" وهي عبارة صريحة في أن ثمة عقوداً أبرمها الطاعن مع الغير بخصوص هذه الصفقة
وأن نكول وزارة المالية عن تنفيذ عقدها معه قد حال دون تنفيذ ما التزم به هو نحو هذا
الغير. وهذه الإشارة إلى التعهدات بصيغة عامة دون تحديد للعقود المثبتة لها في هذه
المرحلة من مراحل النزاع ليس من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها الحكم من صورية العقد
المبرم بين الطاعن والمطعون ضدهما الثاني والثالث. وإذ كان ذلك وكان الثابت من الاطلاع
على أوراق الدعوى رقم 258 سنة 1950 التي أقامها المطعون ضدهما الثاني والثالث على الطاعن
يطالبانه فيها بمبلغ 13250 ج أن رافعي الدعوى قد ذكرا في صحيفتها أنهما اشتريا من الطاعن
بتاريخ 2 مايو سنة 1950 معادن 73 طائرة بغير أجهزة نظير ثمن قدره 18250 ج وأنهما دفعا
منه وقت التعاقد 8250 ج ونص في العقد على تعويض مقداره 5000 ج مقابل الإخلال بالتزامات
أي من العاقدين، وإذا كانا قد قصرا طلباتهما على مبلغ 5000 ج فإنهما يكونان قد عدلا
عن مطالبة الطاعن بما دفعاه من مقدم الثمن، وقد ذكر الحاضر عنهما في محضر جلسة 22 نوفمبر
سنة 1954 أمام محكمة أول درجة أن سبب تعديل طلباتهما هو أن الطاعن قد سدد لهما ما دفعاه
من مقابل الثمن وبهذا يكون المطعون ضدهما الثاني والثالث قد أفصحا فوق ما هو مستفاد
بطريق الاستنتاج الحتمي من صحيفة الدعوى عن سبب تعديل الطلبات. أما استدلال الحكم على
صورية ذلك العقد بأن الطاعن لم ينازع المتعاقدين معه في طلباتهما في الدعوى التي رفعاها
عليه فإن هذا الذي ذكره الحكم لا يؤدي إلى الصورية لأن منازعة الطاعن لا تكون لها وجه
إذا كان العقد جدياً وأصبح التعويض المتفق عليه في العقد مستحقاً نتيجة عدم وفاء الطاعن
بالتزامه وهو الأمر الذي لم يكن الطاعن يستطيع المنازعة فيه بعد أن أصبح تنفيذ التزامه
مستحيلاً نتيجة امتناع الوزارة المطعون ضدها الأولى عن تنفيذ العقد المبرم بينها وبينه.
كما أن الطاعن أدخل وزارة المالية ضامنة له في الدعوى التي رفعها عليه المطعون ضدهما
الثاني والثالث وتعهدت هي – على ما هو ثابت في مذكرتها المؤرخة 22/ 4/ 1952 – بالدفاع
عنه في تلك الدعوى، وما قاله الحكم من أن هذين المطعون ضدهما لم يذكرا شيئاً عن عقدهما
إلا في الإنذار المرسل منهما إلى الطاعن في 26/ 6/ 1950 وأنه لا يوجد مبرر لأن يسكتا
عن توجيه الإنذار إليه من تاريخ منع عمال الطاعن من العمل فإنه بدوره لا يصلح للاستدلال
به على صورية هذا العقد إذ لم تمض غير أيام معدودات بين رفع الطاعن دعواه على وزارة
المالية وبين توجيه المشتريين إنذارهما إليه ولم يكن قد مضى على عقدهما سوى شهر أنذر
فيه الطاعن وزارة المالية بتنفيذ الصفقة فلما استيقن المشتريان من إصرارها على عدم
تنفيذها بإقامة الطاعن دعواه أنذراه بدفع ما قبضه من الثمن وما نص عليه في العقد من
التعويض وأردفا ذلك برفع دعواهما، ومن ثم لا يقبل أن ينسب إليهما تراخ في المطالبة
بحقهما يمكن أن يستفاد منه تواطؤهما مع الطاعن، أما استدلال الحكم على الصورية بارتضاء
الطاعن الحكم الصادر في دعوى المشتريين وعدم الطاعن فيه مع أن الحكومة كانت تنكر عليه
حقه في التعويض فإن هذا الذي استدل به الحكم لا يؤدي إلى ما رتبه عليه من صورية العقد
لأنه لا مصلحة للطاعن في الطعن في هذا الحكم بعد أن أثبت الحكم الصادر في دعواه مسئولية
وزارة المالية عن عدم تنفيذ العقد وقضى له بما قدره له من التعويض وقد استأنفه الطاعن
طالباً زيادة التعويض المقضى به بما يغطي جميع الأضرار التي أصابته بما في ذلك ما حكم
به عليه للمشتريين من التعويض، وعلى ذلك تكون القرائن التي استند إليها الحكم في القول
بصورية العقد المبرم بين الطاعن والمطعون ضدهما الثاني والثالث فاسدة وليس من شأنها
أن تؤدي ولو مجتمعة إلى ما رتبه عليها الحكم، ويكون لذلك استخلاص الحكم لصورية هذا
العقد هو استخلاص لنتيجة من أسباب لا تؤدي إليها. ومتى تقرر ذلك وكان الحكم لم يبين
سبب إطراحه للمستندين اللذين قدمهما الطاعن وهما "الكتالوج" الدال على مقدار ما في
الصفقة من معادن والفاتورتان الدالتان على ثمن المعادن في السوق، فإن الحكم يكون مشوباً
بالقصور ذلك أنه وإن كان تقدير التعويض عن الضرر هو مما يستقل به قاضي الموضوع إلا
أنه إذا قدم له طالب التعويض دليلاً مقبولاً على أحد عناصر الضرر الذي يطالب بالتعويض
عنه ورأى القاضي إطراح هذا الدليل وتقدير التعويض على خلافه فإنه يتعين عليه أن يبين
سبب عدم أخذه به.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الطعن للمرة الثانية ولما كان الموضوع غير صالح للحكم فيه بحالته.
