الطعن رقم 151 لسنة 35 ق – جلسة 01 /04 /1969
أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الثاني – السنة 20 – صـ 556
جلسة أول إبريل سنة 1969
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم علام، وإبراهيم الديواني.
الطعن رقم 151 لسنة 35 القضائية
( أ ) وارث. "الطعن في تصرفات المورث". عقد. "عيوب الرضا". وصية.
الدفع من وراث بأن البيع الصادر من المورث لوارث آخر يخفي وصية فيه معنى الإقرار بصدوره
عن إرادة صحيحة. عدم جواز دفعه بإبطال العقد بأكمله بعد ذلك تأسيساً على أنه أبرم تحت
تأثير الاستغلال مما يعيب الإرادة. إغفال الرد على الدفع الأخير. لا قصور.
(ب) إثبات. "القرائن القانونية". وصية.
قرينة المادة 917 من القانون المدني. شرط قيامها صدور التصرف لوارث واحتفاظ المورث
لنفسه بالحيازة وبحق الانتفاع بالعين المتصرف فيها مدة حياته لحساب نفسه واستناداً
إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه.
1 – إذا كان الدفع المبدى من الوارث بأن البيع الصادر من المورث لوارث آخر يخفي وصية،
يحمل معنى الإقرار بصدوره عن إرادة صحيحة وبصحة العقد كوصية تنفذ في حق الورثة في حدود
ثلث التركة، فإنه لا يقبل من هذا الوارث بعد ذلك الدفع بإبطال العقد بأكمله له تأسيساً
على أنه أبرم تحت تأثير الاستغلال مما يعيب الإرادة، ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون
فيه إن هو أغفل الرد على هذا الدفع الأخير، ويكون النعي عليه من أجل ذلك بالقصور في
التسبيب على غير أساس.
2 – القرينة المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني لا تقوم – وعلى ما جرى
به قضاء هذه المحكمة – إلا إذا كان المتصرف لأحد ورثته قد احتفظ لنفسه بحيازته للعين
المتصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها على أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى حياته لحساب
نفسه ومستنداً إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون
عليه أقام الدعوى رقم 57 سنة 1961 مدني كلي سوهاج ضد الطاعنين يطلب الحكم بصحة ونفاذ
العقد المؤرخ 18/ 11/ 1954 الصادر من مورثة الطاعنين المرحومة فطوم محمد شحاته والمتضمن
بيعها له أطياناً زراعية مساحتها 3 ف و16 ط مبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى مقابل
ثمن قدره 1866 ج. طعن الطاعنان في هذا العقد بالتزوير وقررا أن المطعون عليه كان يقيم
مع مورثتهما ويحتفظ لديه بختمها لصلة القرابة بينهما وقد تمكن بذلك من اصطناع العقد
والتوقيع عليه بختمها دون علمها. وبتاريخ 31/ 5/ 1961 حكمت محكمة أول درجة بإحالة الدعوى
إلى التحقيق ليثبت الطاعنان تزوير العقد، وبعد تنفيذ هذا الحكم تنازل الطاعنان عن إجراءات
الطعن بالتزوير ودفعا بأن العقد صوري قصد به الوصية وبتاريخ 28/ 3/ 1962 حكمت محكمة
أول درجة بإنهاء إجراءات الطعن بالتزوير وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنان
صحة دفاعهما الجديد. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت بتاريخ 21/ 11/ 1962 باعتبار
العقد وصية ونفاذه في الثلث على الشيوع في الأطيان المبيعة وبرفض طلب نفاذه فيما زاد
عن ذلك. استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 8 سنة 38 ق استئناف أسيوط. وبتاريخ
9/ 1/ 1965 حكمت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ عقد البيع عن القدر
بأكمله. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها
الرأي برفض الطعن. وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنان بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون
فيه الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم أقام قضاءه بصحة ونفاذ عقد
البيع الصادر للمطعون عليه تأسيساً على أن شهود العقد شهدوا في التحقيق الذي أجرته
محكمة أول درجة بأن البائعة أقرت أمامهم بقبض الثمن، كما استند الحكم إلى ما قرره شاهدا
المطعون عليه من أن البائعة أخبرتهما بصفتهما مستأجرين للأطيان المبيعة بأنها تصرفت
فيها بالبيع إلى المطعون عليه. هذا في حين أن شهود العقد لم يشهدوا واقعة دفع الثمن
وقد جاءت أقوالهم في التحقيق تقريراً لما أثبت في العقد من أن الثمن قد دفع، أما إقرار
البائعة أمامهم بقبض الثمن فلا يدل على أن ثمناً قد دفع فعلاً وإنما قصدت به البائعة
– وبما ذكرته لمستأجري الأطيان من بيعها للمطعون عليه – إخفاء حقيقة هذا التصرف الصوري
حتى يقوم كيانه كعقد بيع، وإذ لا يستفاد من أقوال هؤلاء الشهود جدية العقد فإن الحكم
يكون معيباً بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه قرر في هذا الخصوص ما يلي: "وحيث
إن أحداً من شهود المستأنف عليهما – الطاعنين – لم يقطع بأن العقد قصد به الإيصاء وإنما
إجماعهم أنهم سمعوا أن فطوم (البائعة) باعت أملاكها للمستأنف – المطعون عليه – وأن
شهود العقد شهدوا جميعاً بأن البائعة أقرت أمامهم بأنها قبضت ثمن المبيع وأنها وقعت
أمامهم بختمها على عقد البيع موضوع الدعوى وقد شهد شاهدا المستأنف على أحمد حسين ومحمد
محمد أحمد عبد العال أنهما كانا يستأجران الأرض موضوع العقد من فطوم وأنها في سنة 1954
أخبرتهما بأنها باعت الأرض استئجارهما للمستأنف وأن عليهما أن يدفعا الإيجار إليه وأنهما
تعاملا مع المستأنف بعد ذلك واستأجرا منه الأطيان وكانا يقومان بدفع الإيجار إليه.
وحيث إن مؤدى ذلك أن بيعاً قد تم من البائعة (فطوم مورثة المستأنف عليهما) للمستأنف
وأن هذا البيع هو الصادر به العقد موضوع الدعوى وأن البائعة اعترفت في العقد أنها تسلمت
ثمن البيع وقد شهد شهود العقد (في تحقيق التزوير) بأن البائعة أقرت أمامهم بأنها استلمت
جميع ثمن المبيع، وبذلك يكون عقد البيع قد تم بإيجاب من البائعة وقبول من المشتري بعد
دفع الثمن". ولما كان يبين من هذا الذي قرره الحكم أنه استخلص من أقوال الشهود في حدود
سلطته الموضوعية في تقدير الدليل أن البيع الصادر من مورثة الطاعنين إلى المطعون عليه
هو بيع صحيح منجز لا يخفي وصية، وكان ما استخلصه الحكم على النحو السالف بيانه هو استخلاص
سائغ ويؤدي إلى ما انتهى إليه، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص بفساد الاستدلال
يكون على غير أساس.
وحيث إن السبب الأول يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب، وفي
بيان ذلك يقول الطاعنان أنهما تمسكا في دفاعهما أمام محكمة الاستئناف بإبطال عقد البيع
الصادر من مورثتهما إلى المطعون عليه لأنها أبرمته تحت تأثير تسلطه على إرادتها وهي
زوجة خاله ولكن المحكمة لم ترد على هذا الدفاع الجوهري. هذا إلى أن محكمة الاستئناف
قضت بصحة ونفاذ العقد على خلاف ما حكمت به محكمة أول درجة التي اعتبرت العقد وصية وذلك
دون أن ترد على ما استندت إليه تلك المحكمة تدليلاً على رأيها من أن المطعون عليه وافق
في محضر ضبط الواقعة في شكويين إداريتين على أن يتنازل للطاعن الأول عن 8 ط من الأطيان
موضوع العقد لأن هذا الأخير طالبه بها باعتبارها مملوكة لزوجته المتوفاة، وهو ما لا
يقدم عليه المطعون عليه ولو أن عقده كان صحيحاً.
وحيث إن النعي في شقه الأول مردود، ذلك أنه لما كان يبين من الاطلاع على الأوراق أن
الطاعنين دفعا أولاً أمام محكمة أول درجة بأن البيع الصادر من مورثتهما إلى المطعون
عليه يخفي وصية، وإذ يحمل هذا الدفع معنى الإقرار بصدوره عن إرادة صحيحة وبصحة العقد
كوصية تنفذ في حق الورثة في حدود ثلث التركة، فإنه لا يقبل من الطاعنين بعد ذلك الدفع
في مذكرتهما المقدمة أمام محكمة الاستئناف بإبطال العقد بأكمله تأسيساً على أنه أبرم
تحت تأثير الاستغلال مما يعيب الإرادة، ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن
هو أغفل الرد على هذا الدفع الأخير، ويكون النعي عليه من أجل ذلك بالقصور في التسبيب
على غير أساس. والنعي في شقه الثاني مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه – على ما سلف
بيانه في الرد على السبب الثاني – استخلص من أقوال الشهود أن البيع الصادر من مورثة
الطاعنين إلى المطعون عليه هو بيع صحيح منجز لا يخفي وصية، ولما كانت هذه الأسباب تكفي
لحمل الحكم في قضائه فلا عليه إن هو لم يرد على ما أورده الحكم الابتدائي في خصوص ما
أثاره الطاعنان في سبب النعي.
وحيث إن مبنى السبب الثالث إقامة الحكم المطعون فيه على وقائع لا سند لها من الأوراق،
ويقول الطاعنان في بيان ذلك إن الحكم استبعد القرينة المنصوص عليها في المادة 917 من
القانون المدني بالنسبة للتصرف الصادر إلى المطعون عليه استناداً إلى أن هذا التصرف
لم يصدر لوارث وإلى أن البائعة لم تحتفظ بحيازة الأطيان المبيعة فلا يعتبر تصرفها وصية،
في حين أنه لم يرد بدفاع أحد من الخصوم أمام محكمة الموضوع أن المطعون عليه غير وارث
للبائعة، هذا إلى أن الشهود وإن قرروا في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة أن المطعون
عليه كان يضع يده على الأطيان المبيعة قبل الشراء نيابة عن البائعة واستمر يضع اليد
عليها بعد ذلك إلا أن هذه الأقوال ليست قاطعة في أنه كان يضع يده بصفته مالكاً بل يستفاد
منها أن وضع يده كان غامضاً.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة
917 من القانون المدني لا تقوم – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – إلا إذا كان المتصرف
لأحد ورثته قد احتفظ لنفسه بحيازته للعين المتصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها على أن
يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى حياته لحساب نفسه ومستنداً إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه
حرمانه منه، وكان يبين من الحكم المطعون فيه – وعلى ما سلف بيانه في الرد على السبب
الثاني – أنه استخلص من أقوال مستأجري الأطيان المبيعة أن البائعة لم تحتفظ بحيازتها
لهذه الأطيان وكان ما استخلصه الحكم في ذلك سائغاً ولا يخالف الثابت بالأوراق ويكفي
لاستبعاد القرينة المنصوص عليها في المادة 917 المشار إليها، فإنه يكون من غير المنتج
النعي عليه بأنه لا سند من الأوراق فيما قرره من أن المطعون عليه غير وارث.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
