الطعن رقم 608 سنة 25 ق – جلسة 19 /11 /1955
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الرابع – السنة 6 – صـ 1345
جلسة 19 من نوفمبر سنة 1955
برياسة السيد الأستاذ مصطفى فاضل وكيل المحكمة وبحضور السادة الأساتذة: حسن داود ومحمود ابراهيم اسماعيل ومصطفى كامل ومحمود محمد مجاهد المستشارين.
القضية رقم 608 سنة 25 القضائية
(أ) إثبات. شاهد. سماع شهادة المحكوم عليه بعقوبة جناية على سبيل
الاستدلال. جائز. الأخذ بأقواله متى اطمأنت إليها المحكمة. جائز.
(ب) إثبات. شاهد. لا يشترط فى شهادته أن تكون واردة على الحقيقة بأكملها وعلى كل تفاصيلها.
1- ما دام الشارع أجاز فى المادة 25 (ثالثا) من قانون العقوبات سماع شهادة من يحكم
عليه بعقوبة جناية على سبيل الاستدلال وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى أقواله فإن لها
أن تأخذ بها، وهى فى ذلك لا تخرج عما خوله لها القانون من حق فى تحرى الحقيقة من كل
عنصر تراه مؤديا إليها.
2- لا يشترط فى شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة بأكملها وعلى كل تفاصيلها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من: 1- محمود فراج الشهير بالملاحظ (الطاعن الأول) و2- عبد الرحمن محمد على طايع (الطاعن الثانى) و3- شفيق أحمد على و4- محمود حسين صبره. بأنهم – الأول – قتل عمدا ابراهيم محمد على طايع بأن أطلق عليه عيارا ناريا من بندقية كان يحملها قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابة المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته – والثانى – ضرب زاهر سليمان السيد عمدا بعصا على رأسه فأحدث به الإصابة المبينة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. والثالث شرع فى قتل محمد محمد على طايع بأن أطلق عليه عيارا ناريا من بندقية كان يحملها قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابة المبينة بالتقرير الطبى الشرعى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو إسعاف المجنى عليه بالعلاج، والرابع – شرع فى قتل فوزى أحمد محمد بأن أطلق عليه عيارا ناريا من بندقية كان يحملها قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو إسعاف المجنى عليه بالعلاج وطلبت من قاضى الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 234/ 1 و45 و46 و236/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بتاريخ 17 من أبريل سنة 1951 إحالتهم إليها لمحاكمتهم بالمواد المذكورة. وادعى حمدى ابراهيم محمد على طايع بحق مدنى قدره قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم الأول. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات للأول والمادة 236/ 1 من القانون المذكور للثانى والمادتين 304/ 1، 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية للثالث والرابع أولا – بمعاقبة محمود فراج الشهير بالملاحظ بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى حمدى ابراهيم محمد على طايع مبلغ قرش صاغ واحد والمصروفات المدنية و500 قرش أتعابا للمحاماة. وثانيا – بمعاقبة عبد الرحمن محمد على طايع بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات – وثالثا – ببراءة كل من شفيق أحمد على ومحمود حسين صبره مما أسند إليهما. فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض… الخ.
المحكمة
….. من حيث إن الطاعن الثانى وإن قرر بالطعن فى الميعاد إلا أنه
لم يقدم أسبابا فيكون طعنه غير مقبول شكلا.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول بتاريخ 20 من ديسمبر سنة 1954 هو أن
الحكم المطعون فيه حصل الواقعة تحصيلا غير سائغ وشابه فساد الاستدلال. كما أخل بحق
الطاعن فى الدفاع، وفى بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم أسند إلى عبد الرحمن محمد على
طايع أنه ذكر فى التحقيقات وأمام المحكمة رواية تتفق وأقوال الشاهد أبو المواهب محمد
على ومع الكشوف الطبية والمعاينة، مع أن الثابت من مناقشة المتهم عبد الرحمن محمد على
طايع المذكور أمام المحكمة أنه لم ير مطلق العيار على القتيل ولكنه التفت بعد إطلاقه
فوجد الطاعن يحمل بندقية ثم قال أمام النيابة إنه لما سمع الأعيرة وخرج من منزله وجد
الطاعن ممسكا بالبندقية يطلقها ثم جلس القرفصاء وأطلق مقذوفا أصاب القتيل، وهذه الأقوال
لا تتفق مع ما شهد به الشاهد أبو المواهب فى الجلسة وفى التحقيق وتخالف ما جاء بالكشف
الطبى الذى أثبت أن الضارب كان على مسافة ثمانية أمتار من المضروب، فى حين تدل المعاينة
أن المسافة 30 مترا وقد أبدى الدفاع للمحكمة أن الكشف الطبى يكذب الشهود ولكن المحكمة
عللت الخلاف بين أقوالهم وما ورد بالكشف الطبى بأن المسافات تقديرية فيما جاوز المتر
وكان يجب أن يترك للدفاع فرصة استدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته بالجلسة أو الاستعانة
برأى كبير الأطباء الشرعيين لحسم هذا الخلاف، وإذا كانت المحكمة لم تر مجاراة الدفاع
فى تحقيق هذه النقطة فكان لزاما عليها أن تأخذ بالرأى الفنى للطبيب الشرعى، هذا ويضيف
الطاعن أن الحكم اعتمد فى إدانة الطاعن على شهادة العمدة وصادق أحمد أبو ستيت فى حين
أنه لم يسأل أمام المحكمة ولم يطرح أقواله فى التحقيق بالجلسة، كما أن المحكمة سمعت
أقوال الشاهد أبو المواهب على سبيل الاستدلال مع أنه محكوم عليه بعقوبة جناية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجناية
القتل العمد التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى
ما رتبه عليها، لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر الجلسة أن الشاهدين عبد
الرحمن محمد على طايع وأبو المواهب محمد على قررا فى أقوالهما أمام المحكمة أن الطاعن
هو الذى أطلق العيار الذى أصاب القتيل، ولم يخرج ما استخلصه الحكم عما جاء بأقوالهما
فى الجلسة، وكان الحكم قد فصل ما ذكره الشهود عن مسافة إطلاق العيار على القتيل وما
جاء عنها فى المعاينة وما أورده تقرير الطبيب الشرعى بشأن هذه المسافة وأنها "….
لا يمكن تقديرها بالضبط نظرا لاختلاف الآلة التى أحدثتها إن كانت بندقية أو فردا وأنها
فى الحالة الأولى تكون المسافة حوالى ثمانية أمتار وفى الحالة الثانية أقل من ذلك وقد
تصل إلى أربعة أمتار تقريبا…." ثم قالت المحكمة بعد ذلك "إن التهمة ثابتة قبل المتهم
الأول (الطاعن) مما شهد به نائب العمدة ورئيس نقطة برديس والضابط مصطفى مخلوف وأثبته
هذا الأخير بمحضره من أنهم سألوا المجنى عليه قبل وفاته فأخبرهم أن المتهم المذكور
أطلق عليه المقذوف النارى ومما شهد به المتهم الثانى وأبو المواهب محمد على طايع من
أنهما شاهدا المتهم الأول وهو يطلق المقذوف على المجنى عليه فيصيبه، ومن اتفاق روايتهما
مع إرشاد أولهما فى المعاينة ومع التقرير الطبى فى نوع السلاح وموقف الضارب من المضروب
ومستواه ومما ثبت من التقرير من أن الإصابة التى أحدثها المقذوف هى التى سببت الوفاة،
ولا يغير من ذلك ما جاء بالتقرير من أن المسافة ثمانية أمتار لأن مثل هذه المسافات
تقديرية فيما يتجاور المتر…" وكان ظاهر رأى الطبيب الشرعى فى تقريره على ما أثبته
الحكم أن الأرقام التى أحصاها تقديرا للمسافة التى أطلق منها العيار والتى لم تر المحكمة
الأخذ بها إنما ذكرها الطبيب الشرعى على أنها تقريبية، فهى إذن غير مؤكدة لما هو معروف
فى الطب الشرعى من أن سرعة انتشار الرش تختلف حسب نوع وشكل السلاح النارى، وتختلف أيضا
فى نفس الآلة الواحدة باختلاف حشو الطلقات بالبارود والرش واختلاف ضغط البارود وباختلاف
إحكام الحشار وطبيعته وكذلك اختلاف حجم المقذوفات وعددها، وكان الدفاع عن الطاعن لم
يطلب فى مرافعته استدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته، ولم تر المحكمة من جانبها لزوما لمناقشته
لما استقر فى عقيدتها من رجحان تقدير شهود الإثبات للمسافة، وما دلت عليه المعاينة،
فلا وجه لما يشكو منه الطاعن من أن المحكمة اطرحت تحقيق هذه النقطة، لما كان ما تقدم،
وكان يبين من الاطلاع على محضر الجلسة أن الدفاع عن الطاعن اكتفى بسماع أقوال من حضر
من الشهود، وكانت المحكمة قد أمرت بتلاوة أقوال الشاهد الغائب (العمدة) مما يجعلها
مطروحة على بساط البحث فى الجلسة، وقد تناولها الدفاع فعلا فى مرافعته، فلا محل لما
ينعاه الطاعن على المحكمة من استنادها إلى أقواله، ولما كان لا تثريب على المحكمة إذا
هى سمعت شهادة الشاهد أبو المواهب عبد الرحيم محمد على سبيل الاستدلال ما دام الشارع
قد أجاز سماع شهادة من يحكم عليه بعقوبة جناية على سبيل الاستدلال وذلك فى المادة 25
(ثالثا) من قانون العقوبات، وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى أقواله فإن لها أن تأخذ
بها، وهى فى ذلك لم تخرج عما خوله لها القانون من حق فى تحرى الحقيقة من كل عنصر تراه
هى مؤديا إليها، لما كان ما تقدم فإن ما يثيره الطاعن لا يكون سديدا.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن بتاريخ 25 من ديسمبر سنة 1954 هو أن الحكم المطعون
فيه معيب بالقصور والتخاذل، ذلك بأن المحكمة وقعت فى خطأ فيما قالته من أن المتهم الثانى
وأبو المواهب محمد طايع شاهدا الطاعن وهو يطلق المقذوف على المجنى عليه فأصابه، ثم
عقبت على ذلك بقولها إن روايتها اتفقت مع إرشاد أولهما فى المعاينة ومع التقرير الطبى
فى نوع السلاح وموقف الضارب ومستواه، قالت المحكمة ذلك فى حين أن المتهم الثانى قرر
أمامها بالجلسة أنه لا يعرف نوع السلاح، وهو وإن ذكر معرفته نوع السلاح فى التحقيق
إلا أن الحكم لم يصرح بأنه عول على روايته فى الأولى حتى يرتفع ما فيه من تناقض، كذلك
ذهب الحكم إلى أن المتهم الثانى والشاهد أبو المواهب اتفقت روايتهما مع إرشاد أولهما
فى المعاينة عن المسافة بين الطاعن والمصاب والواقع أنهما اختلفا فى التقدير إذ قدرها
المتهم الثانى بثلاثين مترا، أما الشاهد فلم يتجاوز تقديره لتلك المسافة عشرة أمتار،
وفوق ذلك فإن المحكمة ردت على دفاع الطاعن من أنه لم يذهب إلى مكان المشاجرة بقولها
إن المتهم المذكور مقر بأنه ذهب إلى مكان الحادث فى صحبة المتهم الرابع وإن تأخر عنه
بضع خطوات مع أن الثابت أن المتهم الرابع المذكور وصل قبل انفضاض المشاجرة بدليل إصابته
فيها، ولم تورد المحكمة دليلا على ما قالته من تأخر الطاعن، ولم يثبت لها أنه اتجه
مباشرة إلى مكان الحادث دون أن يتجه وجهة أخرى، ويقول الطاعن أخيرا إن المحكمة لم تبين
وجه استدلالها ببقع الطين التى شوهدت بملابس الطاعن ولا بالسحجات التى وجدت بجسمه وقال
الطبيب بجواز حصولها من الضرب بعصا رفيعة، لم تذكر المحكمة وجه استدلالها بهذه البقع
وتلك السحجات مع أن المتهم علل البقع بأنها من عمله فى الحقل ولم يثبت أن أحدا اعتدى
عليه بالضرب فأحدث به تلك السحجات، ومن ثم يكون الحكم إذ استند إلى هذين الدليلين مشوبا
بالخطأ فى الاستدلال.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين تعرض لبيان أدلة الإثبات فى جناية القتل العمد المنسوبة
إلى الطاعن قال ما يأتى: "وحيث إن التهمة ثابتة قبل المتهم الأول (الطاعن) مما شهد
به نائب العمدة ورئيس نقطة برديس والضابط مصطفى مخلوف وأثبته هذا الأخير بمحضره من
أنهم سألوا المجنى عليه قبل وفاته فأخبرهم أن المتهم المذكور أطلق عليه المقذوف النارى،
وما شهد به المتهم الثانى وأبو المواهب محمد على طايع من أنهما شاهدا المتهم الأول
وهو يطلق المقذوف على المجنى عليه فيصيبه، ومن اتفاق روايتهما، واتفاقهما مع إرشاد
أولهما فى المعاينة، ومع التقرير الطبى فى نوع السلاح وموقف الضارب من المصاب ومستواه،
ومما ثبت من التقرير من أن الاصابة التى أحدثها المقذوف هى التى سببت الوفاة، ولا يغير
بعد ذلك ما جاء بالتقرير من أن الإصابة التي أحدثها المقذوف هي التي سببت الوفاة. ولا
يغير من ذلك أيضاً ما جاء بالتقرير من أن المسافة ثمانية أمتار لأن مثل هذه المسافات
تقديرية فيما يتجاوز المتر." لما كان ذلك، وكانت المحكمة لم تغفل عما قرره كل من الشاهدين
عن مسافة إطلاق العيار على المجنى عليه، فقد ذكر الحكم أن أحدهما (وهو المتهم الثانى)
قدر هذه المسافة بثلاثين مترا، كما ذكر أن الشاهد أبو المواهب قدرها بعشرة أمتار، ثم
تناول الحكم الخلاف بين ما قرره الشاهدان عن المسافة وما ورد بالتقرير الطبى على نحو
يفيد أن المحكمة اقتنعت أن المسافة تبلغ الثلاثين مترا، معولة فى ذلك على ما اطمأنت
هى إليه من شهادة أحد الشاهدين ودلت عليه المعاينة – لما كان ذلك، وكان لا يشترط فى
شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة بأكملها وعلى كل تفاصيلها، وكان الاختلاف الجزئي
بين أقوال الشاهدين فى تحديد كل منهما لمسافة إطلاق العيار لا يمنع من الأخذ بسائر
ماجاء فى هذه الأقوال مما اتحدت روايتهم فيه، خصوصا مع ما هو ملحوظ من أن تحديد الأشخاص
للمسافات هو أمر تقديرى، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون سليما من التناقض
الذى يدعيه الطاعن، أما ما ورد بالتقرير الطبى عن المسافة فقد سبق الرد عليه، هذا ولما
كانت المحكمة لم تأخذ بدفاع الطاعن الذى قال فيه إنه لم يذهب إلى مكان المشاجرة إلا
بعد انفضاضها، بل استنتجت فى منطق سليم ولاعتبارات سائغة أوردتها فى حكمها، أن الطاعن
وصل إلى مكان المشاجرة وقت نشوبها، ولما كان الحكم قد أشار إلى آثار الطين التى وجدت
بجلباب الطاعن وإلى السحجات التى شوهدت بساقيه فى معرض التحدث عن دفاعه، ولم يتخذ من
ذلك دليلا يؤسس عليه قضاءه بإدانته – لما كان ذلك، فان ما يثيره الطاعن لا يخرج فى
حقيقته عن جدل حول واقعة الدعوى ومناقشة أدلة الثبوت ومبلغ اقتناع المحكمة بها، وهو
ما لا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.