الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1739 لسنة 2 ق – جلسة 14 /12 /1957 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة – العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 343


جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1739 لسنة 2 القضائية

سكك حديدية – فصل السائقين لعدم اللياقة الصحية بسبب ضعف الإبصار، أو القلب، أو الصدر، وإعادة من ترى الإدارة إعادتهم من هؤلاء في وظائف أقل درجة ومرتباً من وظائفهم السابقة – جوازه في الفترة التالية للعمل بكادر 1939، وقبل العمل بقرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 – كادر سنة 1939 كان قد نسخ جميع القرارات الاستثنائية في هذا الشأن، ومنها قرار 16 من مارس سنة 1938.
إذا فصلت مصلحة السكك الحديدية السائقين غير اللائقين صحياً بسبب ضعف الإبصار، أو القلب، أو الصدر، أو أعادت من رأت إعادتهم من هذه الطائفة في وظائف أقل درجة ومرتباً من وظائفهم السابقة، وتم هذا في المدة التالية للعمل بكادر سنة 1939 وقبل صدور قرار مجلس الوزراء في 13 من يناير سنة 1943، فإن تصرفها لا يكون مخالفاً للقانون، ويعتبر إعادة تعيين أمثال هؤلاء تعييناً جديداً تلتزم فيه بأحكام كادر سنة 1939 الذي نسخ جميع القرارات الاستثنائية التي سبق أن استصدرتها المصلحة في حالات خاصة، ومنها قرار 16 من مارس سنة 1938.


إجراءات الطعن

في 9 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1739 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية للمواصلات والسكك الحديدية بجلسة 30 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 204 لسنة 3 القضائية المقامة من السيد/ محمد بلال ضد مصلحة السكك الحديدية، القاضي "برفض دعوى المدعي، وإلزامه المصاريف". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية للمحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد". وأعلن السيد/ محمد بلال بالطعن في 8 من سبتمبر سنة 1956، وأعلنت به الحكومة في 5 من سبتمبر سنة 1956 وبعد انتهاء المواعيد أودع الأول في 12 من يونيه سنة 1957 مذكرة ختامية بدفاعه، ثم عين لنظر الدعوى جلسة 22 من يونيه سنة 1957، ثم أجلت إلى جلسة 2 من نوفمبر سنة 1957، وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه – بعد أن قدم طلب المساعدة القضائية إلى المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات واستصدر منها قراراً بإعفائه من الرسوم القضائية في 22 من ديسمبر سنة 1955 – أقام الدعوى رقم 204 لسنة 3 القضائية ضد وزارة المواصلات، بإيداع صحيفتها سكرتارية هذه المحكمة في 5 من يناير سنة 1956، طالباً الحكم له بتعويض عن جميع الأضرار التي أحاقت به، ويقدرها بمبلغ 936 ج، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه عين بمصلحة السكك الحديدية في وظيفة مساح قطارات في عام 1910، وتدرج حتى رقي إلى وظيفة سائق درجة ثالثة في الدرجة الثامنة الفنية في سنة 1925، ثم سائق درجة ثانية في الدرجة السابعة الفنية في سنة 1939 بمرتب أصلي قدره 500 م و9 ج. وفي يونيه سنة 1939 أحيل إلى الكشف الطبي الدوري الذي يوقع على سائقي القطارات كل ثلاث سنوات فاتضح عدم لياقته الطبية بسبب ضعف إبصاره لوظيفة سائق قطار مع لياقته لوظيفة سائق غلاية؛ وإزاء ذلك فصلته المصلحة من الخدمة، وظل كذلك حتى أعيد إليها في فبراير سنة 1940 بماهية قدرها ثلاثة جنيهات في الدرجة الخصوصية خارج الهيئة، ولما تظلم من قرار فصله وخفض راتبه، خلافاً لما تقضي به القواعد المقررة، رفع مرتبه إلى 500 م و9 ج شهرياً ابتداءً من مايو سنة 1943، وظل بالخدمة دون زيادة في مرتبه حتى فصل منها في يونيه سنة 1951 لبلوغه سن الستين على أساس تقرير سابق لسنه بمعرفة القومسيون الطبي. وقال إنه لما تظلم من قرار الفصل وطالب ببقائه حتى سن الخامسة والستين أعيد إلى الخدمة في وظيفة خارج الهيئة (خدمة سايرة)، ولبث بها حتى أعادت المصلحة فصله في آخر يونيه سنة 1952. وقال إنه ما كان يجوز للمصلحة أن تفصله في يونيه سنة 1939 عند اتضاح عدم لياقته؛ لأن أحكام قرارات مجلس إدارة السكك الحديدية ومجلس الوزراء في مارس سنة 1938 و13 من يناير سنة 1943، توصي بإبقاء سائقي القطارات ووقاديها في الخدمة رغماً من اتضاح عدم لياقتهم الطبية لأداء وظائفهم على أن ينقلوا إلى وظائف أخرى يصلحون لها وعلى أن يحتفظ لهم بمقدار رواتبهم، ولكن المصلحة فصلته رغم ذلك، ولما أعادته بعد مدة فصل استطالت إلى ثمانية أشهر قدرت له راتباً لا يزيد على ثلاثة جنيهات، وظل على هذا الوضع حتى تداركت المصلحة خطأها في أوائل سنة 1943 ورفعت راتبه إلى 500 م و9 ج، وهو خطأ ثانٍ وقع من المصلحة، وأخيراً فإن المصلحة قد عاودت فصله – كما سبق القول – في يونيه سنة 1952؛ لبلوغه الحادية والستين من عمره؛ وبذلك حرمته من الخدمة حتى يونيه سنة 1956، خلافاً للقانون مما ترتب عليه حرمانه من راتبه طوال هذه المدة. وقال إنه لا بد أن يدخل في عناصر التعويض ما فاته من تثبيت محقق بصدور قرار من مجلس الوزراء في 20 من يناير سنة 1952 يقضي بتثبيت السائقين والوقادين؛ لأنه كان في ذلك الوقت يعمل في وظيفة خارج الهيئة (خدمة سايرة) حتى تاريخ فصله من الخدمة نهائياً في يونيه سنة 1952، كما يدخل في الاعتبار أنه عندما أعيد بعد فصله الأول إلى الخدمة بمرتب قدره ثلاثة جنيهات حرم من كثير من الامتيازات وقعدت به درجته عن بلوغ ما وصل إليه زملاؤه في ظل كادر سنة 1945، وأنه يقدر التعويض الإجمالي بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه، وأنه طبقاً لقرار الإعفاء من الرسوم القضائية يقتصر على مبلغ 936 ج، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ودفعت مصلحة السكك الحديدية هذه الدعوى بالقول بأن المدعي فصل في 13 من نوفمبر سنة 1940 لعدم لياقته الطبية؛ بسبب ضعف إبصاره لتأدية وظيفة سائق قطار، وأنه منح المكافأة المستحقة له عن مدة خدمته وقدرها 305 ج وكسور، كما منح مكافأة الإبصار وقدرها 106 ج وكسور، وأنه أعيد إلى الخدمة في وظيفة سائق غلاية اعتباراً من 3 من سبتمبر سنة 1941 بالدرجة الثالثة خارج الهيئة (36 – 48) بمرتب شهري قدره ثلاثة جنيهات باعتبار أن هذه الإعادة تعيين جديد. وعند صدور قرار مجلس الوزراء في 13 من يناير سنة 1943 الخاص بإعادة السائقين والوقادين المشركين إلى الخدمة بمرتباتهم التي كانوا يتقاضونها قبل التشريك وافقت الإدارة على رفع مرتبه الشهري إلى 500 م و9 ج اعتباراً من تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه بشرط أن يقوم صاحب الشأن برد مكافأة الإبصار التي صرفت إليه، وقد تم ذلك فعلاً من جانب المدعي ومنح المرتب. وأنه فصل بعد ذلك اعتباراً من 14 من يونيه سنة 1951 لبلوغه سن الستين، واستمر في الخدمة بصفة ظهورات حتى تاريخ 30 من يونيه سنة 1952، حين تقرر فصله من الخدمة اعتباراً من أول يوليه سنة 1952؛ لأنه لم يوص بتجديد مدة خدمته لعمله غير المرضي، بعد أن انتفى أحد الشروط الثلاثة التي كانت مقررة لامتداد خدمة المستخدمين خارج الهيئة حتى سن الخامسة والستين، وهي توافر الصحة الجيدة، ونظافة صحيفة الخدمة، وكون الشخص منتجاً للمصلحة. وأضافت إلى ما تقدم أن قراري مجلس الوزراء بتثبيت السائقين الموجودين في الخدمة فعلاً في 20 من يناير سنة 1952 والصادرين في 20 من يناير سنة 1952 و28 من يناير سنة 1953 لم يطبقا في حق المدعي لأنهما خاصان بسائقي القاطرات فقط، والمذكور كان يشغل وظيفة سائق غلاية حتى فصل في 14 من يونيه سنة 1951 عند بلوغه سن الستين، ثم امتدت خدمته بصفة ظهورات؛ ومن ثم لا يطبق في حقه هذان القراران. وانتهت المصلحة إلى طلب رفض الدعوى؛ لعدم استنادها إلى أساس سليم في القانون. وبجلسة 23 من يونيه سنة 1956، قضت المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية برفض دعوى المدعي. وإلزامه بالمصاريف. وأسست قضاءها على أن إعادة المطعون لصالحه إلى الخدمة في سنة 1940، دون منحه المرتب الذي كان يتقاضاه قبل تشريكه في سنة 1939، لا مخالفة فيه للقانون؛ لأنه فصل من الخدمة وأعيد إليها في فترة كان فيها كادر سنة 1939 نافذاً، ولم يكن قرار مجلس الوزراء في 13 من يناير سنة 1943 قد صدر بعد، ومقتضى ذلك أن المصلحة لم تكن تلزمها القاعدة الاستثنائية التي تضمنها قرار 13 من يناير سنة 1943، والتي تقضي بنقل سائقي القاطرات الذين ثبت عدم لياقتهم للخدمة إلى وظائف أخرى يمكن إسنادها إليهم أو منحهم ذات المرتبات التي كانوا يتقاضونها قبل التشريك ولو زادت على أقصى مربوط الدرجات المخصصة للوظائف التي يعينون فيها؛ ومن ثم فلا حق للمطعون لصالحه في تعويض عن فصله من الخدمة في غضون سنة 1939، ولا عن إعادته إلى الخدمة براتب يقل عما كان يتقاضاه قبل الفصل. ثم استندت المحكمة – في خصوص طلب التعويض عن فصله من الخدمة في سن الحادية والستين بالمخالفة للقانون – إلى أن دعوى التعويض قد سقطت بالتقادم الثلاثي القصير، على اعتبار أن الفصل وقد تم في 30 من يونيه سنة 1952 لم ينله إجراء قاطع للتقادم خلال ثلاث سنوات من علم المطعون لصالحه وهو المضرور بالعمل غير المشروع وبالمسئول عنه، بل تراخى حتى أقام دعواه في 5 من يناير سنة 1956؛ وبذلك يكون المطعون لصالحه قد رفعها بعد الميعاد، أما تقديم طلب المعافاة فليس إجراءً قاطعاً للتقادم حافظاً للحق في السقوط، كما أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية فيما يتعلق بالمادة 383 من القانون المدني التي عرضت لحالات انقطاع التقادم. وخلصت المحكمة إلى أن دعوى التعويض عن الفصل المبكر قد تقادمت طبقاً للمادة 172 من القانون المدني؛ لأنها أقيمت بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات من علم المطعون لصالحه بالفصل؛ ولهذا انتهت إلى رفض الدعوى.
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن علاقة الإدارة بالموظف هي علاقة قانونية تنظمها القوانين واللوائح، فالوضع الوظيفي تنشئه القوانين وتحدد حقوق شاغليه وواجباتهم قبل الحكومة، ولا يسوغ لهذه أن تخالف القواعد التنظيمية العامة وإلا استتبع ذلك مساءلتها، وهذه القواعد لا تبيح فصل عامل اليومية أو المستخدم الخارج عن الهيئة قبل سن الخامسة والستين إلا إذا قام به سبب من الأسباب المبررة للفصل قبل ذلك التاريخ. فثمة التزام قانوني يفرض على الإدارة عدم فصل هذا العامل أو المستخدم خارج الهيئة قبل بلوغ السن المقررة، فإذا أخلت بهذا الالتزام كان لأيهما مطالبتها بالتعويض عن الأضرار التي أصابته نتيجة إخلالها بهذا الالتزام. وليس سبب الالتزام أو مصدره المنشئ إلا القانون لا العمل غير المشروع، كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه؛ ومن ثم فالأمر بعيد عن مجال تطبيق نص المادة 172 من القانون المدني في شأن التقادم الخاص بدعوى التعويض الناشئ عن العمل غير المشروع. كما بني الطعن على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ حين اعتبر طلب الإعفاء من الرسوم القضائية إجراءً غير قاطع للتقادم تمشياً مع ما أوردته المذكرة الإيضاحية تعليقاً على المادة 383 من القانون المدني؛ لأن أثر طلب الإعفاء في المجال الإداري غيره في مجال القانون الخاص؛ لأن دلالته واضحة على ما انعقد عليه عزم طالب الإعفاء من الالتجاء إلى القضاء الإداري للتعويض عن طلب الفصل، فوجب أن ينقطع به ميعاد التقادم على وجه العموم. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة، من واقع الأوراق، أنه بعد فصل المطعون لصالحه في 13 من نوفمبر سنة 1940 لعدم لياقته الطبية بسبب ضعف إبصاره كسائق قطار أعيد تعيينه كمستجد من جميع الوجوه في وظيفة سائق غلاية درجة ثالثة خارج الهيئة بمرتب شهري قدره ثلاثة جنيهات اعتباراً من 3 من سبتمبر سنة 1941، ثم رفع مرتبه الشهري إلى 500 م و9 ج اعتباراً من 13 من يناير سنة 1943 تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في التاريخ المتقدم، بعد أن قبل رد مكافأة الإبصار، ثم تقرر فصله في 14 من يونيه سنة 1951 بسبب الاستغناء لبلوغه سن الستين، وأنه امتدت خدمته بصفة ظهورات إلى 30 من يونيه سنة 1952، وعند استعراض حالته رأت أقسام وابورات مصر عدم التوصية بامتداد خدمته بعد هذه السن لعدم رضائها عن عمله، ولأنه سبقت إدانته في 27 من سبتمبر سنة 1950 في حادث انصهار مسمار الرصاص الخلفي لإحدى القاطرات وثبت هذا من مكاتبة مؤرخة 14 من أغسطس سنة 1952 وصادرة من مفتش عام القسم الميكانيكي إلى الإدارة العامة "مراقبة المستخدمين والعمال".
ومن حيث إن التعويض المطالب به في هذه المنازعة يتكون من عناصر عدة تقوم على أسباب مختلفة، فيتعين – والحالة هذه – استظهار كل عنصر منها مستنداً إلى سببه لتعرف مدى مطابقته أو عدم مطابقته للقانون، وبالتالي ما إذا كان للمدعي حق في أي منها.
ومن حيث إن التعويض المطلوب يتألف أولاً: مقابل حرمانه من مرتب بسبب قرار الفصل الصادر من مصلحة السكك الحديدية في 13 من نوفمبر سنة 1940 بعد اتضاح عدم لياقته الطبية للوظيفة التي كان يشغلها وقتذاك، وثانياً: ما لحقه من خسارة بعد إذ أعيد إلى الخدمة في 3 من سبتمبر سنة 1941 بمرتب أقل مما كان يتقاضاه قبل الفصل واستمراره على هذا الوضع حتى أسعفه قرار مجلس الوزراء في 13 من يناير سنة 1943 بقاعدة تنظيمية قاضية برفع راتبه إلى ما كان عليه، وثالثاً: ما لحقه بسبب فصله من الخدمة في أول يوليه سنة 1952 قبل بلوغ سن الخامسة والستين.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما يأخذه المطعون لصالحه على قرار مصلحة السكك الحديدية الصادر في 13 من نوفمبر سنة 1940 بفصله وفي 3 من سبتمبر 1941 بإعادته إلى الخدمة بمرتب أقل مما يتقاضاه، فإنه يبين من قرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 – في شأن تعيين سائقي القطارات ووقاديها في بعض أعمال الحركة عندما تتضح عدم لياقتهم الطبية لوظائفهم في وظائف أخرى أخف عملاً بماهياتهم الأصلية – أنه بني على المذكرة رقم 28 المرفوعة من مدير عام مصلحة السكك الحديدية في 9 من سبتمبر سنة 1942 إلى مجلس إدارة المصلحة والتي وافق عليها هذا المجلس في 27 من سبتمبر سنة 1942، وقد ورد بهذه المذكرة أنه "توجد بالمصلحة بعض الفئات من المستخدمين والعمال بقسمي هندسة الوابورات والحركة ممن يرسلون للكشف الطبي بصفة دورية كل ثلاث سنوات للتحقق من سلامتهم من الوجهة الصحية نظراً لارتباط أعمالهم بسلامة الخطوط، وهم بطبيعة أعمالهم الشاقة معرضون للأخطار، فضلاً عما يصيبهم من أمراض مختلفة كمرض الصدر أو ضعف الإبصار وغير ذلك مما يجعلهم غير لائقين طبياً للعمل بوظائفهم الأصلية قبل أن يبلغوا سن الستين. ونظراً لأن في فصل هؤلاء المستخدمين بعد أن أمضوا زهرة شبابهم في خدمة المصلحة إجحافاً ظاهراً بهم، رأت المصلحة التقدم للمجلس ببعض المقترحات التي من شأنها التخفيف عنهم والرأفة بهم من جهة الاستفادة بخبرتهم في وظائف أخرى أخف عملاً، ولا تحتاج إلى درجة اللياقة المطلوبة لوظائفهم الأصلية من جهة أخرى، ولذلك تقدمت للمجلس بالمذكرة رقم 25 بطلب الإذن في نقل من يرسب في الكشف الطبي بسبب ضعف الإبصار والصدر والقلب إلى الوظيفة الخالية التي يمكن إسنادها إليه على أن يمنح ماهيته الأصلية ولو زادت عن أقصى مربوط الدرجة المخصصة للوظيفة التي يعين فيها، على أن تكون الماهية بصفة شخصية له تسوى بمجرد وجود وظيفة خالية تتناسب درجتها مع ماهيته وبشرط أن تتضح لياقته الطبية للوظيفة الجديدة وأن يوضع أيضاً في الوظيفة التي تتناسب ومقدرته الفنية والإدارية. وقد وافق المجلس بجلسته المنعقدة في 16 من مارس سنة 1938 على هذا الاقتراح استثناءً من كادر سنة 1931. غير أنه قد صدر كادر سنة 1939 وبه نفس القيود الخاصة بإعادة الموظفين السابقين إلى الخدمة من حيث الماهية والدرجة وبذلك نسخ جميع القرارات الاستثنائية التي سبق أن استصدرتها المصلحة في حالات خاصة. ولما كان الغرض الأصلي من استصدار هذه القرارات لا يزال قائماً، ولم يكن المشرع قد قصد إلى إلغاء مثل هذه القرارات الاستثنائية التي أملتها الظروف الخاصة لهذه المصلحة والتي لا مثيل لها في المصالح الأخرى؛ لذلك أتقدم بطلب الموافقة على إعادته إلى العمل بما سبق أن قرره المجلس بالمذكرة رقم 25 المشار إليها تمهيداً للحصول على تصديق مجلس الوزراء". وقد تم فعلاً هذا التصديق من مجلس الوزراء بموجب قراره الصادر في 13 من يناير سنة 1943. وظاهر من هذا أنه ولئن كانت مصلحة السكك الحديدية قد استهلت مذكرتها التي وافق عليها مجلس إدارتها وأقرها مجلس الوزراء بالإشارة بصفة عامة، في معرض شرح الموضوع والتمهيد لبيان الاعتبارات التي حدت بها إلى التقدم بهذه المذكرة، إلى ما يصيب بعض الفئات من مستخدميها وعمالها بقسمي هندسة الوابورات والحركة من أمراض مختلفة كمرض الصدر أو ضعف الإبصار وغير ذلك مما يجعلهم غير لائقين طبياً للعمل بوظائفهم الأصلية، إلا أنها لم تقصد من هذا التمهيد القائم على التمثيل إلى وضع القاعدة التي اقترحتها في شأن هؤلاء المستخدمين والعمال، وإنما قررت هذه القاعدة وضبطت أسسها وحددت الحالات التي تصدق عليها فيما أوردته من إحالة إلى المذكرة رقم 25 التي سبق أن تقدمت بها إلى المجلس وطلبت فيها الإذن في نقل من يرسب في الكشف الطبي بسبب أمراض معينة ذكرتها إلى الوظيفة الخالية التي يمكن إسنادها إليه مع منحه راتبه الأصلي بصفة شخصية ولو جاوز أقصى مربوط الدرجة المخصصة لهذه الوظيفة. وقد أبانت المصلحة أنها لا تهدف إلى استحداث قواعد مغايرة أو معدلة لتلك التي تضمنتها مذكرتها رقم 25 التي سبق أن وافق مجلس الإدارة في 16 من مارس سنة 1938 على ما جاء بها من مقترحات، وإنما ترمي إلى إعادة العمل بالقواعد المذكورة بحالتها كما سبق لمجلس الإدارة أن وافق عليها، وأفصحت عن العلة في ذلك وهي أن هذه القواعد كانت استثناءً من أحكام كادر سنة 1931، فلما صدر كادر سنة 1939، مردداً ذات القيود الخاصة بإعادة الموظفين السابقين إلى الخدمة من حيث المرتب والدرجة نسخ بذلك جميع القرارات الاستثنائية التي سبق أن استصدرتها المصلحة في حالات خاصة ومنها قرار 16 من مارس سنة 1938. ولما كانت الغاية من هذا القرار لا تزال قائمة وحكمته مطردة، كما أن الاستثناء الذي تضمنه أملته الظروف الخاصة لهذه المصلحة والتي لا مثيل لها في المصالح الأخرى، فقد اقتصر الأمر – لإعادة العمل به بعد إذ ألغي بصدور كادر سنة 1939 – استصدار قرار بذلك من مجلس الوزراء. ومن أجل ذلك اختتم مدير عام المصلحة مذكرته بقوله "لذلك أتقدم بطلب الموافقة على إعادة العمل بما سبق أن قرره المجلس بالمذكرة رقم 25 المشار إليها تمهيداً للحصول على تصديق مجلس الوزراء". وكان أن وافق بعد ذلك مجلس الوزراء على ما طلب منه في جلسته المنعقدة في 13 من يناير سنة 1943 مقتصراً بموجب قراره المتقدم على إعادة العمل بالقرار السابق صدوره في 16 من مارس سنة 1938، والذي لا يخرج مضمونه عما أوردته في شأن المذكرة المرفوعة من مدير عام مصلحة السكك الحديدية في 9 من سبتمبر سنة 1942، على ما سلف البيان.
ومن حيث إنه يؤخذ من جميع ما تقدم أنه لم يكن ثمة قاعدة تنظيمية عامة توجب على مصلحة السكك الحديدية إبقاء المطعون لصالحه في الخدمة بعد اتضاح عدم لياقته الطبية بسبب ضعف إبصاره لوظيفة سائق قطار، ولا إعادة تعيينه في وظيفة أيسر تبعة وأخف مؤونة بنفس مرتبه ودرجته السابقين وذلك في المدة التالية للعمل بكادر سنة 1939 وقبل صدور قرار مجلس الوزراء في 13 من يناير سنة 1943. فإذا فصلت السائقين غير اللائقين صحياً بسبب ضعف الإبصار أو القلب أو الصدر أو أعادت من رأت إعادتهم من هذه الطائفة في وظائف أقل درجة ومرتباً من وظائفهم السابقة فإن تصرفها لا يكون مخالفاً للقانون، وتعتبر إعادة تعيينهم في ظل كادر سنة 1939 تعييناً جديداً تلتزم فيه بأحكام هذا الكادر الذي نسخ جميع القرارات الاستثنائية التي سبق أن استصدرتها المصلحة في حالات خاصة ومنها قرار 16 من مارس سنة 1938. ومن هذا يتبين أن لا وجه لما ادعاه المطعون لصالحه من أن قراري فصله وإعادة تعيينه في 13 من سبتمبر سنة 1941 بالوضع المتشكى منه صدرا مخالفين للقواعد التنظيمية العامة المقررة؛ ومن ثم لا يترتب له تعويض ما بالاستناد إلى هذا الأساس.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بشق التعويض المطالب به عن قرار مصلحة السكك الحديدية الصادر في 30 من يونيه سنة 1952 بالاستغناء عن خدمات المطعون لصالحه وهو في سن الحادية والستين، فإنه قد تبين لهذه المحكمة من الأوراق أنه عين في وظيفة سائق غلاية خارج الهيئة منذ تاريخ إعادته إلى خدمة المصلحة في 13 من سبتمبر سنة 1943، وأنه ظل في هذه الوظيفة حتى فصل لبلوغه سن الستين في 14 من يونيه سنة 1951، ولكنه استمر في الخدمة في ذات الوظيفة بصفة مؤقتة (ظهورات) حتى قرر رئيس المصلحة الاستغناء عن خدماته في 30 من يونيه سنة 1952 بناءً على توصية أقسام الوابورات بالعنابر بعدم مد خدمته بعد ذلك "لأن عمله غير مرض ولأنه أدين في حادث انصهار مسمار خلفي لأحد القطارات في 27 من سبتمبر سنة 1950".
ومن حيث إن قرار الفصل المشار إليه قد صدر في 30 من يونيه سنة 1952 قبل العمل بالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة النافذ اعتباراً من أول يوليه سنة 1952؛ ولهذا فإنه يحكم هذه المسألة – والحالة هذه – القواعد التنظيمية العامة التي كانت سارية في هذا الشأن قبل نفاذ القانون المذكور.
ومن حيث إن الفقرة الأولى من المادة 157 من قانون المصلحة المالية قد نصت على أنه "يجوز لرؤساء المصالح أن يعينوا الخدمة الخارجين عن هيئة العمال وأن يعطوهم علاوات على ماهياتهم وأن ينقلوهم وأن يرفتوهم بحسب مقتضيات العمل بشرط أن لا يتجاوزا مربوط ميزانيتهم، ولكن لا يجوز لهم استعمال ماهية مخصصة لوظيفة خالية لمنح علاوات لباقي الخدمة السايرة. كما صرحت الفقرة الثانية من المادة 15 من التعليمات المالية رقم 6 الصادرة في أول يوليه سنة 1912 بأنه "يتحتم على الوزارات ومصالح الحكومة الإعلان بالرفت قبل حصوله بشهر كلما دعت الحال لرفت مستخدم ظهورات أو عامل خارج عن هيئة العمال بسبب إلغاء وظيفته أو انتهاء الأعمال أو عدم كفاءته للعمل المعين لأجله". وقد وكد هذا المعنى منشور المالية رقم 9 لسنة 1942 (ملف وزارة المالية رقم ف 234 – 6/ 2)؛ إذ جاء فيه: "…. وبناءً على ذلك لا يتحتم على الوزارات والمصالح من الوجهة القانونية أن تحيل المستخدم (الخارج عن هيئة العمال) إلى القومسيون الطبي العام لتقرير عدم اللياقة للخدمة طبياً – خصوصاً في الأحوال التي يكون سبب الاستغناء عن الخدمة منطوياً على عدم الرضاء عن عمله".
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى في جميع أجزائها لا تستند إلى أساس سليم من القانون، وأن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه فيما انتهى إليه من رفضها؛ ومن ثم يتعين رفض الطعن موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات