قاعدة رقم الطعن رقم 119 لسنة 21 قضائية “دستورية” – جلسة 19 /12 /2004
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الحادي
عشر (المجلد الأول)
من أول أكتوبر 2003 حتى آخر أغسطس 2006 – صـ 1143
جلسة 19 ديسمبر سنة 2004
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي – رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد علي سيف الدين ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه وسعيد مرعي عمرو وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 119 لسنة 21 قضائية "دستورية"
1 – دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة – نطاق الدعوى في ضوئها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى – أن يكون ثمة ارتباط بينها
وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية. تعلق هذا النزاع بطلب استرداد مسكن الزوجية بعد
انتهاء مدة الحضانة. مؤدى ذلك: تحديد نطاق الدعوى الماثلة بحكم الفقرة الرابعة من المادة
مكرراً "ثالثاً" دون غيرها.
2 – دستور "المادة الثانية – شريعة إسلامية".
التزام السلطة التشريعية – وفقاً لحكم المادة الثانية من الدستور وبعد تعديلها في 22/
5/ 1980 – بألا تناقض أحكام ما تقره من نصوص قانونية مبادئ الشريعة الإسلامية المقطوع
بثبوتها ودلالتها.
3 – شريعة إسلامية "الأحكام الظنية: اجتهاد".
انحصار دائرة الاجتهاد في الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو دلالتها أو بهما معاً.
4 – شريعة إسلامية "حضانة: اجتهاد ولي الأمر: حدوده".
الحضانة من المسائل الاجتهادية التي تباينت حولها الآراء – عدم مناقضة هذا الاجتهاد
حكماً شرعياً قطعياً – لولي الأمر الاجتهاد في الأحكام الظنية توخياً لمصالح الناس".
5 – مسكن الحضانة "عودة المطلق إليه بعد انتهاء مدتها".
تخويل النص المشار إليه – المطلق حق العودة إلى مسكنه بعد انتهاء مدة الحضانة لا يعدو
أن يكون اجتهاداً غير مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية في أصولها ومبادئها الكلية.
1 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة
ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر
في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها. متى كان ذلك،
وكانت دعوى الموضوع المقامة من المدعى عليه الثالث ضد المدعية – والتي أثير فيها الدفع
بعدم الدستورية – تتوخى الحكم له باسترداد مسكن الزوجية بعد انتهاء مدة الحضانة. استناداً
إلى نص الفقرة الرابعة من المادة مكرراً "ثالثاً"، ومن ثم تقوم المصلحة الشخصية
المباشرة للمدعية في الطعن على نص هذه الفقرة وحدها، ويتحدد بها – دون غيرها – نطاق
الدعوى الدستورية الماثلة.
2، 3 – إن قضاء المحكمة الدستورية العليا اطرد على أن ما نص عليه الدستور في مادته
الثانية – بعد تعديلها في سنة 1980 – من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي
للتشريع، إنما يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه في تشريعاتها
الصادرة بعد هذا التعديل – ومن بينها أحكام القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام
قوانين الأحوال الشخصية – فلا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في
ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً،
لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً
أو تبديلاً. ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان،
إذ هي عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. وتنصب
ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأنها على مراقبة التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة
قانونية تعارضها. ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد أحكام الشريعة
الإسلامية في أصولها ومبادئها الكلية، إذ هي إطارها العام، وركائزها الأصلية التي تفرض
متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها، وإلا اعتبر ذلك
تشهياً وإنكاراً لما علم من الدين بالضرورة، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها
أو بدلالتها أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها. وهي
بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل
على اختلافها، تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً، ولا يعطل بالتالي
حركتهم في الحياة، على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة
بما لا يجاوزها، ملتزماً ضوابطها الثابتة متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية،
والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ
على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
4 – الحضانة – في أصل شرعتها – هي ولاية للتربية، غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته
والقيام على شئونه في الفترة الأولى من حياته. والأصل فيها مصلحة الصغير، وهي تتحقق
بأن تضمه الحاضنة – التي لها الحق في تربيته شرعاً – إلى جناحها، باعتبارها أحفظ عليه
وأحرص على توجيهه وصيانته، ولأن انتزاعه منها – وهي أشفق عليه وأوثق اتصالاً به وأكثر
معرفة بما يلزمه وأوفر صبراً – مضرة به، إبان الفترة الدقيقة التي لا يستقل فيها بأموره.
وحين يقرر ولي الأمر حدود هذه المصلحة معرفة بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية
في مبادئها الكلية لا تقيم للحضانة وما يتعلق بها تخوماً لا يجوز تجاوزها، ومن ثم تعين
أن تتحدد بما يكون لازماً للقيام على مصلحة الصغير ودفع المضرة عنه، وقد دل الفقهاء
باختلافهم حول مسألة الحضانة على أن مصلحة الصغير هي مدار أحكامها، وأنها من المسائل
الاجتهادية التي تتباين الآراء حولها، لكل وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير
للصغير في إطار الحق والعدل. وباستقراء أقوال الفقهاء يدل على أن اجتهاداتهم في شأن
الحضانة متباينة، مدارها نفع المحضون. وفي ذلك قدر من المرونة التي تسعها الشريعة الإسلامية
في أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور، توخياً لربطها بمصالح الناس واحتياجاتهم
المتجددة، وأعرافهم المتغيرة، التي لا تصادم حكماً قطعياً، وهي مرونة ينافيها أن يتقيد
المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها، أو يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح
المعتبرة شرعاً قد جاوزتها، وتلك هي الشريعة في أصولها ومنابتها، شريعة مرنة غير جامدة،
يتقيد الاجتهاد فيها – بما يقوم عليه من استفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيما لا نص فيه
– بضوابطها الكلية وبما لا يعطل مقاصدها. ولئن صح القول بأن أهمية الاجتهاد ولزومه
لا يوازيها إلا خطره ووقته، فإن الصحيح كذلك أن لولي الأمر الاجتهاد في الأحكام الظنية
بمراعاة المصلحة الحقيقية التي يقوم برهانها من الأدلة الشرعية. فلا يصد اجتهاداً أو
يكتسب عصمة من دونه.
5 – وحيث إن الأصل في حضانة الصغير والصغيرة هو تعهدهما بالرعاية، بما يحول دون الإضرار
بهما، فكان لزاماً على الزوج المطلق أن يهيئ لصغاره من مطلقته، ولحاضنتهم، مسكناً مستقلاً
مناسباً، وإلا استمروا من دونه في شغل مسكن الزوجية، إلا أن هذا الالتزام يدور وجوداً
وعدماً مع المدة الإلزامية للحضانة التي قررتها الفقرة الأولى من المادة من المرسوم
بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية، وهي بلوغ الصغير سن العاشرة والصغيرة
اثنتي عشرة سنة، ومن ثم فإن ما قرره النص الطعين من أن للمطلق الحق في أن يعود إلى
مسكنه بعد انتهاء مدة الحضانة إذا كان من حقه الاحتفاظ به قانوناً، لا يعدو أن يكون
اجتهاداً غير مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة ومبادئها الكلية، إذ
ليس ثمة نص قطعي في هذا الأمر ولا ينال مما تقدم قالة أن للقاضي أن يأذن للحاضنة، بعد
انتهاء المدة الإلزامية للحضانة، بإبقاء الصغير في رعايتها حتى الخامسة عشرة، والصغيرة
حتى تتزوج، إذا تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك، إذ أن ما يأذن به القاضي على هذا النحو،
لا يعتبر امتداداً لمدة الحضانة الإلزامية، بل منصرفاً إلى مدة استبقاءٍ، تقدم الحاضنة
خلالهما خدماتها متبرعة بها، وليس للحاضنة بالتالي أن تستقل بمسكن الزوجية خلال المدة
التي شملها هذا الإذن، ذلك أن مدة الحضانة التي عناها المشرع بنص الفقرتين الأولى والرابعة
من المادة 18 مكرراً (ثالثاً) – والتي جعل من نهايتها لحق الحاضنة وصغيرها من مطلقها
في شغل مسكن الزوجية – هي المدة الإلزامية للحضانة على ما تقدم، وغايتها بلوغ الصغير
سن العاشرة والصغيرة اثنتي عشرة سنة، وببلوغها يسقط حقها في الاستقلال بمسكن الزوجية،
ليعود إليه الزوج المطلق منفرداً في الانتفاع به، إذا كان له ابتداء أن يحتفظ به قانوناً،
ومن ثم فإن ما قرره النص المطعون فيه لا يكون مناقضاً لأحكام الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 29 من يونيو سنة 1999، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم
كتاب المحكمة، طالبة الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الرابعة من المادة 18 مكرراً (ثالثاً)
من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية، المعدل بالقانون
رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعى
عليه الثالث كان قد أقام الدعوى رقم 4047 لسنة 1996 كلي شمال القاهرة، أمام محكمة القاهرة
الابتدائية للأحوال الشخصية "ولاية على النفس"، ضد المدعية، بطلب الحكم باسترداد الشقة
المبينة بصحيفة الدعوى، والمؤجرة له بعقد الإيجار المؤرخ 30/ 4/ 1988، وتسليمها إليه
ومنع تعرض المدعية ليه فيها، على سند من القول بأنه تزوج المدعية بتاريخ 18/ 11/ 1982،
وبعد أن أنجب منها الصغيرين أحمد وياسمين، طلقها وترك لها العين المشار إليها لكونها
حاضنة، وإذ بلغ الصغيران أقصى سن مقرر لحضانة النساء، فإنه يحق له استرداد المسكن،
إعمالاً لنص المادة مكرراً (ثالثاً) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص
ببعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض
أحكام قوانين الأحوال الشخصية. وقد حكمت المحكمة غيابياً باسترداده مسكن الزوجية، فعارضت
المدعية في هذا الحكم طالبة إلغاءه، فحكمت المحكمة برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه
وإذ لم ترتض المدعية هذا الحكم، فقد أقامت الاستئناف رقم 1401 لسنة 1 قضائية أمام محكمة
استئناف القاهرة، بطلب الحكم المستأنف ورفض الدعوى. وأثناء نظر الاستئناف، دفعت المدعية
بعدم دستورية نص المادة مكرراً "ثالثاً" المشار إليها، وإذ صرحت محكمة الموضوع
للمدعية – بعد تقديرها لجدية دفعها – بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته لأحكام المواد (2، 7، 9، 12) من
الدستور، تأسيساً على أن من مبادئ الشريعة الإسلامية أن من لها حق إمساك الولد، وليس
لها سكن، فإن على الأب سكناهم جميعاً، وأن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق
وما يقوم عليه المجتمع من تضامن اجتماعي، وبقاء المسكن في حيازة المدعية وولديها فيه
تحقيق للغاية المنشودة، وهي رعاية الصغار وحماية الأسرة.
وحيث إن المادة مكرراً "ثالثاً" – المطعون عليها – تنص على ما يأتي: –
"على الزوج المطلق أن يهيئ لصغاره من مطلقته ولحاضنتهم المسكن المستقل المناسب، فإذا
لم يفعل خلال مدة العدة، استمروا في شغل مسكن الزوجية المؤجر دون المطلق مدة الحضانة.
وإذا كان مسكن الزوجية غير مؤجر، كان من حق الزوج المطلق أن يستقل به، إذا هيأ لهم
المسكن بعد انقضاء مدة العدة.
ويخير القاضي الحاضنة بين الاستقلال بمسكن الزوجية، وبين أن يقرر لها أجر مسكن مناسب
للمحضونين ولها.
فإذا انتهت مدة الحضانة، فللمطلق أن يعود للمسكن مع أولاده، إذا كان من حقه ابتداء
الاحتفاظ به قانوناً.
وللنيابة العامة أن تصدر قراراً فيما يثور من منازعات بشأن حيازة مسكن الزوجية المشار
إليه، حتى تفصل المحكمة فيها".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون
ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في
المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها. متى كان ذلك، وكانت
دعوى الموضوع المقامة من المدعى عليه الثالث ضد المدعية – والتي أثير فيها الدفع بعدم
الدستورية – تتوخى الحكم له باسترداد مسكن الزوجية بعد انتهاء مدة الحضانة، استناداً
إلى نص الفقرة الرابعة من المادة مكرراً "ثالثاً"، ومن ثم تقوم المصلحة الشخصية
المباشرة للمدعية في الطعن على نص هذه الفقرة وحدها، ويتحدد بها – دون غيرها – نطاق
الدعوى الدستورية الماثلة.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد اطرد على أن ما نص عليه الدستور في مادته
الثانية – بعد تعديلها في سنة 1980 – من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي
للتشريع، إنما يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه في تشريعاتها
الصادرة بعد هذا التعديل – ومن بينها أحكام القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام
قوانين الأحوال الشخصية – فلا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في
ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً،
لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً
أو تبديلاً. ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان،
إذ هي عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. وتنصب
ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأنها على مراقبة التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة
قانونية تعارضها. ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد أحكام الشريعة
الإسلامية في أصولها ومبادئها الكلية، إذ هي إطارها العام، وركائزها الأصلية التي تفرض
متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها، وإلا اعتبر ذلك
تشهياً وإنكاراً لما علم من الدين بالضرورة، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها
أو بدلالتها أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها. وهي
بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل
على اختلافها، تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً، ولا يعطل بالتالي
حركتهم في الحياة، على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة
بما لا يجاوزها ملتزماً ضوابطها الثابتة متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية،
والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة الإسلامية بما تقوم عليه
من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
وحيث إن الحضانة – في أصل شرعتها – هي ولاية للتربية، غايتها الاهتمام بالصغير وضمان
رعايته والقيام على شئونه في الفترة الأولى من حياته. والأصل فيها مصلحة الصغير، وهي
تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التي لها الحق في تربيته شرعاً – إلى جناحها، باعتبارها أحفظ
عليه وأحرص على توجيه وصيانته، ولأن انتزاعه منها – وهي أشفق عليه وأوثق اتصالاً به
وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبراً – مضرة به، إبان الفترة الدقيقة التي لا يستقل فيها
بأموره. وحين يقرر ولي الأمر حدود هذه المصلحة معرفة بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية
في مبادئها الكلية لا تقيم للحضانة وما يتعلق بها تخوماً لا يجوز تجاوزها، ومن ثم تعين
أن تتحدد بما يكون لازماً للقيام على مصلحة الصغير ودفع المضرة عنه، وقد دل الفقهاء
باختلافهم حول مسألة الحضانة على أن مصلحة الصغير هي مدار أحكامها، وأنها من المسائل
الاجتهادية التي تتباين الآراء حولها، لكلٍ وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير
للصغير في إطار من الحق والعدل. وباستقراء أقوال الفقهاء يدل على أن اجتهاداتهم في
شأن الحضانة متباينة، مدارها نفع المحضون. وفي ذلك قدر من المرونة التي تسعها الشريعة
الإسلامية في أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور، توخياً لربطها بمصالح الناس
واحتياجاتهم المتجددة، وأعرافهم المتغيرة، التي لا تصادم حكماً قطعياً، وهي مرونة ينافيها
أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها، أو يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة
تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها، وتلك هي الشريعة في أصولها ومنابتها، شريعة
مرنة غير جامدة، يتقيد الاجتهاد فيها – بما يقوم عليه من استفراغ الجهد للوصول إلى
حكم فيما لا نص فيه – بضوابطها الكلية وبما لا يعطل مقاصدها. ولئن صح القول بأن أهمية
الاجتهاد ولزومه لا يوازيها إلا خطره ووقته، فإن الصحيح كذلك أن لولى الأمر الاجتهاد
في الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التي يقوم برهانها من الأدلة الشرعية.
فلا يصد اجتهاد اجتهاداً أو يكتسب عصمة من دونه.
وحيث إن الأصل في حضانة الصغير والصغيرة هو تعهدهما بالرعاية، بما يحول دون الإضرار
بهما، فكان لزاماً على الزوج المطلق أن يهيئ لصغاره من مطلقته، ولحاضنتهم مسكناً مستقلاً
مناسباً، وإلا استمروا من دونه في شغل مسكن الزوجية، إلا أن هذا الالتزام يدور وجوداً
وعدماً مع المدة الإلزامية للحضانة التي قررتها الفقرة الأولى من المادة من المرسوم
بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية، وهي بلوغ الصغير سن العاشرة والصغيرة
اثنتي عشرة سنة، ومن ثم فإن ما قرره النص الطعين من أن للمطلق الحق في أن يعود إلى
مسكنه بعد انتهاء مدة الحضانة إذا كان من حقه الاحتفاظ به قانوناً، لا يعدو أن يكون
اجتهاداً غير مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة ومبادئها الكلية، إذ
ليس ثمة نص قطعي في هذا الأمر ولا ينال مما تقدم قالة أن للقاضي أن يأذن للحاضنة، بعد
انتهاء المدة الإلزامية للحضانة، بإبقاء الصغير في رعايتها حتى الخامسة عشرة، والصغيرة
حتى تتزوج، إذ تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك، إذ أن ما يأذن به القاضي على هذا النحو،
لا يعتبر امتداداً لمدة الحضانة الإلزامية، بل منصرفاً إلى مدة استبقاءٍ، تقدم الحاضنة
خلالهما خدماتها متبرعة بها، وليس للحاضنة بالتالي أن تستقل بمسكن الزوجية خلال المدة
التي شملها هذا الإذن، ذلك أن مدة الحضانة التي عناها المشرع بنص الفقرتين الأولى والرابعة
من المادة 18 مكرراً (ثالثاً) – والتي جعل من نهايتها لحق الحاضنة وصغيرها من مطلقها
في شغل مسكن الزوجية – هي المدة الإلزامية للحضانة على ما تقدم، وغايتها بلوغ الصغير
سن العاشرة والصغيرة اثنتي عشرة سنة. وببلوغها يسقط حقها في الاستقلال بمسكن الزوجية،
ليعود إليه الزوج المطلق منفرداً في الانتفاع به، إذا كان له ابتداء أن يحتفظ به قانوناً،
ومن ثم فإن ما قرره النص المطعون فيه لا يكون مناقضاً لأحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية بالمصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
