قاعدة رقم الطعن رقم 126 لسنة 18 قضائية “دستورية” – جلسة 19 /12 /2004
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الحادي
عشر (المجلد الأول)
من أول أكتوبر 2003 حتى آخر أغسطس 2006 – صـ 1086
جلسة 19 ديسمبر سنة 2004
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي – رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: محمد علي سيف الدين ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه والدكتور عادل عمر شريف وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 126 لسنة 18 قضائية "دستورية"
1 – دعوى دستورية "تجهيل – عدم قبول".
أوجب المشرع أن تتضمن صحيفة الدعوى الدستورية النص التشريعي الطعين، والنص الدستوري
المدعى بمخالفته، والمطاعن الموجهة إلى النص المطعون فيه، عدم احتواء الصحيفة على أسباب
لعدم دستورية المواد (178، 179، 181) من القانون رقم 157 لسنة 1981 – أثره: أن الفصل
في دستورية هذه المواد لا يكون مطروحاً على المحكمة الدستورية العليا.
2 – دعوى دستورية "شرط المصلحة المباشرة: انتفاؤها".
شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية
من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية – عدم قبول الخصومة الدستورية من غير
الأشخاص الذين ينالهم الضرر جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، ويتعين دوماً أن يكون
هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي
يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى
النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور،
أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق
التي يدعيها لا يعود إليه، دلّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة.
1 – نص المادة من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة
1979 – ووفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن المشرع أوجب لقبول الدعوى الدستورية،
أن تشتمل صحيفتها على النص التشريعي الطعين، والنص الدستوري المدعى بمخالفته، والمطاعن
الموجهة إلى النص المطعون فيه، والتي تمثل سبب الدعوى الدستورية، على أن تكون هذه المطاعن
جلية في معناها واضحة الدلالة على المقصود منها، لا يحيطها التجهيل أو يكتنفها الغموض،
باعتبار أنها تفصح عن جدية الدعوى، ويتحدد بها موضوعها. لما كان ذلك، وكان المدعي وإن
أورد نصوص المواد (178 و179 و181) من القانون رقم 157 لسنة 1981 المشار إليه في صحيفة
دعواه، بعد أن دفع بعدم دستوريتها أمام محكمة الموضوع، إلا أنه لم يورد ذكراً لما يراه
من أسباب عدم دستوريتها. وبالتالي، فإن الفصل في شأن دستورية تلك المواد لا يعد مطروحاً
على هذه المحكمة.
2 – إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن
تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها
النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويحدد
نطاقها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي،
وبالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين
ينالهم الضرر جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، ويتعين دوماً أن يكون هذا القدر منفصلاً
عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً
تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه،
فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين
بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه،
دلّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور
جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل
في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من نوفمبر سنة 1996، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالباً الحكم بعدم دستورية المواد (178 و179 و181
و191) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين طلبت في ختامهما الحكم: أصلياً: بعدم قبول الدعوى؛
واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة
العامة كانت قد قدمت المدعي إلى محكمة جنايات القاهرة في الجناية رقم 6935 لسنة 1996
عين شمس، متهمة إياه بصفته ممولاً خاضعاً للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أنه:
1 – تهرب من أداء تلك الضريبة المقررة قانوناً، والمستحقة على أرباحه من تجارة الأدوات
الكهربائية خلال الفترة من سنة 1990 إلى سنة 1992، باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية،
بأن أخفى نشاطه عن علم مصلحة الضرائب ؛ 2 – تهرب من الضريبة المستحقة على أرباحه خلال
الفترة من سنة 1990 إلى سنة 1992، باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية، بأن قدم الإقرارات
الضريبية السنوية على أساس عدم وجود دفاتر أو سجلات أو مستندات مع تضمينها بيانات تخالف
ما هو ثابت لديه حقيقة وأخفاها عن علم مصلحة الضرائب. وطلبت النيابة العامة عقاب المدعي
بالمادة فقرة أولى، والبندين 1، 2 من الفقرة الثانية من ذات المادة، وكذلك المادة
من القانون رقم 157 لسنة 1981 المشار إليه. وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعي بعدم
دستورية نصوص المواد (178 و179 و181 و191) من القانون رقم 157 لسنة 1981 المشار إليه،
معترضاً على إجازة الصلح في هذه الجرائم. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت
له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى لتناولها نصوصاً تشريعية غير تلك
المنسوب إليه مخالفتها في الدعوى الموضوعية، وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الثابت من
الأوراق أن نصوص الاتهام في الدعوى الموضوعية قد تحددت – على ما سلف البيان – بالمادة
(178 فقرة أولى)، والبندين (1، 2) من الفقرة الثانية من ذات المادة، وكذلك المادة من القانون رقم 157 لسنة 1981 المشار إليه.
وحيث إن المدعي، وإن كان قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نصوص المادة (178
و179 و181 و191) من القانون رقم 157 لسنة 1981، وأقام – بعد تصريح محكمة الموضوع له
بذلك دعواه الدستورية المعروضة مختصماً هذه النصوص، بعد أن سردها في صحيفة دعواه، إلا
أنه لم يورد في مجال التدليل على عدم دستوريتها أسباباً، سوى ما تعلق بنص واحد من بينها،
هو نص المادة .
وحيث إن البين من نص المادة من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون
رقم 48 لسنة 1979 – ووفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن المشرع أوجب لقبول الدعوى
الدستورية، أن تشتمل صحيفتها على النص التشريعي الطعين، والنص الدستوري المدعى بمخالفته،
والمطاعن الموجهة إلى النص المطعون فيه، والتي تمثل سبب الدعوى الدستورية، على أن تكون
هذه المطاعن جلية في معناها واضحة الدلالة على المقصود منها، لا يحيطها التجهيل أو
يكتنفها الغموض، باعتبار أنها تفصح عن جدية الدعوى، ويتحدد بها موضوعها. لما كان ذلك،
وكان المدعي وإن أورد نصوص المواد (178 و179 و181) من القانون رقم 157 لسنة 1981 المشار
إليه في صحيفة دعواه، بعد أن دفع بعدم دستوريتها أمام محكمة الموضوع، إلا أنه لم يورد
ذكراً لما يراه من أسباب عدم دستوريتها. وبالتالي، فإن الفصل في شأن دستورية تلك المواد
لا يعد مطروحاً على هذه المحكمة. وبذلك، يتحدد نطاق الدعوى المعروضة – على ضوء ما تقدم
– بنص المادة من القانون رقم 157 لسنة 1981 المشار إليه، فيما أوردته من تنظيم
للصلح الضريبي أفاض المدعي في بيان أسباب عدم دستوريته.
وحيث إن نص المادة من القانون رقم 157 لسنة 1981 المشار إليه قد جرى على أنه:
"وتكون إحالة الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إلى النيابة العامة بقرار من وزير
المالية، ولا ترفع الدعوى العمومية عليها إلا بطلب منه.
ويكون لوزير المالية أو من ينيبه حتى تاريخ رفع الدعوى العمومية الصلح مع الممول مقابل
دفع مبلغ يعادل 100% مما لم يؤد من الضريبة.
فإذا كانت الدعوى العمومية قد رفعت ولم يصدر فيها حكم نهائي يكون الصلح مع الممول مقابل
دفع مبلغ يعادل 150% مما لم يؤد من الضريبة.
ولا يدخل في حساب النسبة المنصوص عليها في هذه المادة والمادة من هذا القانون
قيمة الضريبة العامة على الدخل التي تستحق على الوعاء النوعي موضوع المخالفة أو بسببه.
وفي جميع الأحوال تنقضي الدعوى العمومية بالصلح".
وحيث إن المدعي ينعى على هذا النص مخالفته للمواد (8 و12 و38 و40 و64 و166) من الدستور،
ذلك أن الدعوى العمومية لا يجوز أن تنقضي صلحاً في جريمة مخلة بالشرف، يُحرم المحكوم
عليه فيها من تولي الوظائف والمناصب العامة وتفقده الثقة والاعتبار. كما يخل النص الطعين
بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، إذ أن يكفل للممول القادر مالياً فرصة
الإفلات من عقوبة السجن، وبما لا يتوافر للممول الأقل قدرة، وتنتفي بذلك سيادة القانون،
ويتحقق الإخلال باستقلال القضاء.
وحيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن
تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها
النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويحدد
نطاقها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي،
وبالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين
ينالهم الضرر جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، ويتعين دوماً أن يكون هذا القدر منفصلاً
عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً
تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه،
فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين
بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه،
دلّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور
جميعها، لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل
في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت الدعوى الجنائية المتهم فيها المدعي تدور حول ما نسب
إليه من ارتكاب جريمة التهرب من أداء الضرائب على أرباحه الناتجة عن نشاطه التجاري
خلال فترة زمنية محددة، وعدم تقديمه إقرارات بمقدار هذه الأرباح، المعاقب عليها بعقوبة
السجن والغرامة مع الحرمان من تقلد الوظائف والمناصب العامة، وفقدان الثقة والاعتبار،
باعتبارها جريمة مخلة بالشرف والأمانة. وإذ كان النص الطعين يتناول إجراءات الصلح في
هذه الجريمة، سواء قبل إقامة الدعوى العمومية، أو بعد إقامتها وقبل صدور حكم نهائي
فيها، ومن ثم، فإن قضاء هذه المحكمة بعدم دستورية النص الطعين – بفرض صحة المطاعن الموجهة
إليه – لن يكون ذا أثر على النزاع الموضوعي. إذ لن يحقق للمدعي نفعاً، يمكن أن يتبدل
به مركزه القانوني في الدعوى الجنائية، بل إن من شأن ذلك القضاء أن يوصد أمامه باب
التصالح في تلك الدعوى، بحيث لا يتبقى في حالة إدانته سوى إنزال العقاب به. ومن ثم،
فإن مصلحته في مخاصمة هذا النص تغدو منتفية، وهو الأمر الذي يقتضى الحكم بعدم قبول
الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.