قاعدة رقم الطعن رقم 54 لسنة 25 قضائية “دستورية” – جلسة 09 /05 /2004
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الحادي
عشر (المجلد الأول)
من أول أكتوبر 2003 حتى آخر أغسطس 2006 – صـ 814
جلسة 9 مايو سنة 2004
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي – رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح والدكتور عادل عمر شريف وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 54 لسنة 25 قضائية "دستورية"
1 – هيئة عامة "لائحة العاملين بها تعتبر تشريعاً تمتد إليه الرقابة
الدستورية".
الهيئة القومية لسكك حديد مصر وفق قانون إنشائها رقم 52 لسنة 1980 هي هيئة عامة تقوم
على إدارة مرفق عام، وقد أصدر وزير النقل والمواصلات، والنقل البحري لائحة نظام العاملين
بالهيئة وعلى ذلك فإن العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر هم موظفون عموميون يرتبطون
بالهيئة بعلاقة تنظيمية بحكم تبعيتهم لشخص من أشخاص القانون العام وتسري عليهم أحكام
القوانين المتعلقة بالوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في لائحة تنظيمها. ومن
ثم، فإن اللائحة المشار إليها والتي تتضمن النص المطعون فيه تعتبر تشريعاً مما تمتد
إليه الرقابة الدستورية لهذه المحكمة.
2 – دعوى دستورية "نطاقها في ضوء المصلحة فيها".
نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بما يكون لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية وهو ما تتحقق
به المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي.
3 – حق العمل "شروط مباشرته".
لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات
ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غاياتها يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة
عقدية أو رابطة لائحية.
4 – حق العمل "تنظيمه تشريعياً. حدوده".
خول الدستور السلطة التشريعية بنص المادة تنظيم حق العمل، إلا أنها لا يجوز لها
أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص
تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الإجازة
السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها.
5 – إجازة "الحق فيها – غايتها".
إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل
خلالها قواه المادية والمعنوية. عدم جواز النزول عنها أو إهدارها إلا لأسباب قوية تقتضيها
مصلحة العمل.
6 – إجازة "فواتها – تعويض".
فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة
العامل دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها.
7 – تعويض "اندراجه في الملكية الخاصة".
الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل. مما يندرج
في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32 و34) من الدستور اللتان صان بهما الملكية
الخاصة.
1 – حيث إنه عن الدفع بعدم الاختصاص، فهو في غير محله، ذلك أن الهيئة القومية لسكك
حديد مصر وفق قانون إنشائها رقم 152 لسنة 1980 هي هيئة عامة تقوم على إدارة مرفق عام
وقد أصدر وزير النقل والمواصلات والنقل البحري، بناء على تفويض تشريعي بموجب المادة
من ذلك القانون، لائحة نظام العاملين بالهيئة. وعلى ذلك فإن العاملين بالهيئة
القومية لسكك حديد مصر هم موظفون عموميون يرتبطون بالهيئة بعلاقة تنظيمية بحكم تبعيتهم
لشخص من أشخاص القانون العام وتسري عليهم أحكام القوانين المتعلقة بالوظائف العامة
فيما لم يرد بشأنه نص خاص في لائحة تنظيمها. ومن ثم فإن اللائحة المشار إليها والتي
تتضمن النص المطعون فيه تعتبر تشريعاً مما تمتد إليه الرقابة الدستورية لهذه المحكمة.
2 – نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بما يكون لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية
وهو ما تتحقق به المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي. لما كان ذلك وكان النزاع الموضوعي
يدور حول حق المدعي في المقابل النقدي لرصيد إجازاته فيما زاد على أربعة شهور. فإن
نطاق الدعوى الماثلة ينحصر في نص الفقرة الأخيرة من المادة من اللائحة المشار
إليها فيما تضمنته من وضع حد أقصى لرصيد الإجازات التي يستحق مقابلاً عنه.
3 – من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وأثاراً يرتبها، من
بينها – في مجال حق العمل – ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً
ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها،
أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة
طبيعية لا تحايل فيها، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة
عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غايتها
يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.
4 – الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة تنظيم حق العمل، إلا أنها لا
يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها،
وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق
في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك
منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا
يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها. ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقاً للدستور
أن تكون إطاراً لحق العمل، واستتاراً بتنظيم هذا الحق للحد من مداه.
5 – تغيا المشرع من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل
خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل العامل عنها ولو كان هذا
النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة
الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل،
ولا أن يدعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلي عنها إنهاكا لقواه،
وتبديداً لطاقاته، وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التي يتعذر صونها مع الاستمرار فيه
دون انقطاع. بل إن المشرع اعتبر حصول العامل إجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة كل
سنة أمراً لا يجوز الترخيص فيه، أو التذرع دون تمامه بدواعي مصلحة العمل، وهو ما يقطع
بأن الحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة
ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية.
6 – المشرع قد دل بالفقرة الأخيرة من المادة من اللائحة المشار إليها على أن العامل
لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها التي تراخى
في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر، وكان ضمان
المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده فلم يجز له أن يحصل
على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر، وهي بعد مدة قدر المشرع
أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها،
بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة
راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل
فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام – أن
يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة، إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية
على هذا النحو ممكناُ عيناً، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً، تقديراً بأن المدة
التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن
تتحمل وحدها تبعة ذلك.
7 – الحق في هذا التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل،
مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32 و34) من الدستور اللتان صان بهما
الملكية الخاصة، والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام وانصرافها
بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها.
الإجراءات
بتاريخ الثاني من فبراير سنة 2003، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية
العليا ملف الدعوى رقم 10163 لسنة 54 ق، المحالة من محكمة القضاء الإداري "دائرة التسويات"
بقرارها الصادر في 9/ 12/ 2002 للفصل في دستورية المادة من لائحة العاملين بالهيئة
القومية لسكك حديد مصر الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري رقم 17 لسنة
1982.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفعت فيها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعين
كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 10163 لسنة 54 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد المدعى عليه،
ابتغاء الحكم بأحقيتهم في صرف باقي مستحقاتهم في البدل النقدي لرصيد إجازاتهم الاعتيادية
التي لم تصرف لهم عند انتهاء خدمتهم بالهيئة، حيث لم تصرف لهم الهيئة سوى ما يقابل
أجر أربعة شهور فقط وفقاً للمادة من لائحة العاملين بالهيئة، بينما رصيد إجازة
كل منهم التي يستحق عنها البدل النقدي يزيد على ذلك. رأت المحكمة أن نص المادة من اللائحة يتضمن ذات الحكم الوارد في المادة من قانون نظام العاملين المدنيين
بالدولة، والتي سبق الحكم بعدم دستوريتها. فقررت وقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية
العليا للنظر في دستورية المادة المشار إليها.
وحيث إنه عن الدفع بعدم الاختصاص، فهو في غير محله، ذلك أن الهيئة القومية لسكك حديد
مصر وفق قانون إنشائها رقم 152 لسنة 1980 هي هيئة عامة تقوم على إدارة مرفق عام وقد
أصدر وزير النقل والمواصلات والنقل البحري، بناء على تفويض تشريعي بموجب المادة من ذلك القانون، لائحة نظام العاملين بالهيئة. وعلى ذلك فإن العاملين بالهيئة القومية
لسكك حديد مصر هم موظفون عموميون يرتبطون بالهيئة بعلاقة تنظيمية بحكم تبعيتهم لشخص
من أشخاص القانون العام وتسري عليهم أحكام القوانين المتعلقة بالوظائف العامة فيما
لم يرد بشأنه نص خاص في لائحة تنظيمها. ومن ثم، فإن اللائحة المشار إليها والتي تتضمن
النص المطعون فيه تعتبر تشريعاً مما تمتد إليه الرقابة الدستورية لهذه المحكمة.
وحيث إن النص في المادة من اللائحة المطعون عليه على أن "يستحق العامل إجازة اعتيادية
بأجر كامل عن سنوات العمل الفعلية….. على الوجه الآتي:………..
ولرئيس مجلس الإدارة أن يقرر زيادة مدة الإجازة……. ولا يجوز تقصير أو تأجيل الإجازة
الاعتيادية أو إنهاؤها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل. ويجب في جميع الأحوال
التصريح بإجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة. ويحتفظ العامل برصيد إجازاته الاعتيادية،
على أنه لا يجوز أن يحصل على إجازة اعتيادية من هذا الرصيد بما لا يجاوز ستين يوماً
في السنة بالإضافة إلى الإجازة الاعتيادية المستحقة له عن ذات السنة.
فإذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاده رصيده من الإجازات الاعتيادية استحق عن هذا الرصيد
أجره الأساسي مضافاً إليه العلاوات الخاصة التي كان يتقاضاها عند انتهاء خدمته وذلك
بما لا يجاوز أجر أربعة أشهر، ولا تخضع هذه المبالغ لأية ضرائب أو رسوم".
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بما يكون لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية
وهو ما تتحقق به المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي. لما كان ذلك وكان النزاع الموضوعي
يدور حول حق المدعي في المقابل النقدي لرصيد إجازاته فيما زاد على أربعة شهور. فإن
نطاق الدعوى الماثلة ينحصر في نص الفقرة الأخيرة من المادة من اللائحة المشار
إليها فيما تضمنته من وضع حد أقصى لرصيد الإجازات التي يستحق مقابلاً عنه.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وأثاراً يرتبها،
من بينها – في مجال العمل – ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً
ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها،
أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة
طبيعية لا تحامل فيها، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة
عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غايتها
يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.
وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة تنظيم حق العمل، إلا أنها
لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها،
وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق
في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك
منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا
يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقاً للدستور
أن تكون إطاراً لحق العمل، واستتاراً بتنظيم هذا الحق للحد من مداه.
وحيث إن المشرع قد صاغ في الإطار السابق بيانه بنص المادة من قانون نظام العاملين
المدنيين في الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 – وهو القانون العام بالنسبة
للعاملين في الدولة وهيئاتها العامة – حق العامل في الإجازة السنوية، فغدا بذلك حقاً
مقرراً له بنص القانون، يظل قائماً ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة. وقد نقلت عنه لائحة
نظام العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر حيث جاء نص المادة محدداً للإجازة
السنوية مدداً تختلف باختلاف مدة خدمة العامل، ولم يجز تقصيرها أو تأجيلها أو إنهاؤها
إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل. كما أجاز للعامل أن يحتفظ بما قد يكون له من
رصيد الإجازات الاعتيادية السنوية مع وضع ضوابط معينة للحصول عليها، بحيث لا يجوز له
الحصول على إجازة هذا الرصيد تزيد على ستين يوماً في السنة الواحدة، فإذا انتهت خدمة
العامل وكان له رصيد من تلك الإجازات حق له اقتضاء بدل نقدي عن هذا الرصيد، بيد أن
المشرع قيد اقتضاء هذا البدل بأن لا يتجاوز مدة الرصيد التي يستحق عنه البدل النقدي
أربعة أشهر.
وحيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد
العامل خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل العامل عنها ولو كان
هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل
وجهة الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة
العمل، ولا أن يدعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها. وإلا كان التخلي عنها إنهاكاً
لقواه، وتبديداً لطاقاته، وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التي يتعذر صونها مع الاستمرار
فيه دون انقطاع. بل إن المشرع اعتبر حصول العامل إجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة
كل سنة أمراً لا يجوز الترخيص فيه، أو التذرع دون تمامه بدواعي مصلحة العمل، وهو ما
يقطع بأن الحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة على كيان
الجماعة ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية.
وحيث إن المشرع قد دل بالفقرة الأخيرة من المادة من اللائحة المشار إليها على
أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها
التي تراخى في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر،
وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده فلم يجز
له أن يحصل على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر، وهي بعد مدة
قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل
وظائفها، بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات
الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل
دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام –
أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة، إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية
على هذا النحو ممكناُ عيناً، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً، تقديراً بأن المدة
التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن
تتحمل وحدها تبعة ذلك.
وحيث إن الحق في هذا التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل.
مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32 و34) من الدستور اللتان صان بهما
الملكية الخاصة، والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام وانصرافها
بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها. متى كان ذلك، فإن حرمان العامل من التعويض
المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة من لائحة نظام العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري رقم 17 لسنة 1982. فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعاً إلى أسباب تقتضيها مصلحة العمل.