الرئيسية الاقسام القوائم البحث

قاعدة رقم الطعن رقم 15 لسنة 24 قضائية “دستورية” – جلسة 09 /05 /2004 

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الحادي عشر (المجلد الأول)
من أول أكتوبر 2003 حتى آخر أغسطس 2006 – صـ 764

جلسة 9 مايو سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي – رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله والدكتور عادل عمر شريف وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.

قاعدة رقم
القضية رقم 15 لسنة 24 قضائية "دستورية"

1 – دعوى دستورية "البيانات الواجب توافرها في صحيفة الدعوى أو قرار الإحالة: علة ذلك".
يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة، أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها، بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى مخالفته، وأوجه المخالفة.
2 – دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مقتضاها توجيه الطعن إلى نص تشريعي محدد".
مقتضيات المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، تستوجب توجيه الطعن بعدم الدستورية إلى نص تشريعي محدد أضير الطاعن من جراء تطبيقه عليه، ويكون من شأن إبطاله تحقيق مصلحة للطاعن في دعواه الموضوعية التي أثير فيها الطعن بعدم دستورية ذلك النص.
3 – دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. تطبيق.
4 – تحكيم "حجية حكم التحكيم – حظر الطعن عليه – دعوى البطلان الأصلية".
التنظيم التشريعي، يحظر أصلاً الطعن في أحكام التحكيم بمختلف طرق الطعن، العادية منها وغير العادية. أساس ذلك. مواجهة الحالات التي يصاب فيها حكم التحكيم بعوار ينال من مقوماته الأساسية، ويدفعه إلى دائرة البطلان بمدارجه المختلفة من جهة أخرى، يكون من خلال دعوى البطلان الأصلية، بشروط محددة، في شأن حكم التحكيم، مستصحباً الطبيعة القضائية لهذا الحكم، ليسوى بينه وبين أحكام المحاكم القضائية بصفة عامة.
5 – دستور "حق التقاضي – تنظيمه: قصر التقاضي على درجة واحدة".
ليس ثمة تناقض بين الحق في التقاضي كحق دستوري أصيل، وبين تنظيمه تشريعياً بشرط ألا يتخذ المشرع من هذا التنظيم وسيلة إلى حظر ذلك الحق أو إهداره. وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن قصر التقاضي في المسائل التي يفصل فيها الحكم على درجة واحدة لا يناقض الدستور، وإنما يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق.
6 – مبدأ المساواة "اختلاف المركز القانوني للمتحاكمين عمن يلجأون إلى المحاكم لفض منازعتهم – أسس موضوعية".
مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني أن تعامل فئات المواطنين على ما بينها من تمايز في المراكز القانونية معاملة متكافئة. اختلاف المركز القانوني للمتحاكمين عمن يلجأون إلى المحاكم لفض منازعاتهم طبقاً للقواعد العامة.
7 – دستور – حق التقاضي "تنظيمه: عدم التقيد بأشكال جامدة".
التنظيم التشريعي لحق التقاضي – وكلما كان لا يناقض وجود هذا الحق أو يخل بمحتواه – يفترض فيه أن لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها لتفريغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق عملاً في نطاقها.
1 – دعوة هذه المحكمة للخوض في دستورية النصوص التشريعية، وبحث أوجه عوارها، لازمه وعلى ما تطلبه نص المادة من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة، أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها، بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعي مخالفته، وأوجه المخالفة. وقد تغيا المشرع بذلك أن يتضمن قرار الإحالة، أو صحيفة الدعوى، البيانات الجوهرية التي تكشف بذاتها عن ماهية المسألة الدستورية التي يعرض على هذه المحكمة أمر الفصل فيها، وكذلك نطاقها، بما ينفي التجهيل بها وتميع تحديدها، وبحيث لا يتعذر على ذوي الشأن جميعهم – ومن بينهم الحكومة – إعداد أوجه دفاعهم المختلفة خلال المواعيد التي حددتها المادة من القانون رقم 48 لسنة 1979 المشار إليه، وحتى يتأتى لهيئة المفوضين كذلك – بعد انقضاء هذه المواعيد – مباشرة مهامها في تحضير الدعوى، وإبداء رأيها فيها وفقاً لما تقضي به المادة من هذا القانون.
2 – التحديد الدقيق الذي تطلبه المشرع للنصوص التشريعية الطعينة هو ما تفرضه أيضاً مقتضيات المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، والتي تستوجب توجيه الطعن بعدم الدستورية إلى نص تشريعي محدد أضير الطاعن من جراء تطبيقه عليه، ويكون من شأن إبطاله تحقيق مصلحة للطاعن في دعواه الموضوعية التي أثير فيها الطعن بعدم دستورية ذلك النص.
3 – المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى ومناط هذه المصلحة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. فإذا كان ذلك، وكان هذا النص قد قضى في البند منه بأن لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام ذلك القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وأجاز البند منه رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة في المادتين التاليتين له؛ وكانت الدعوى الموضوعية لا تتعلق بالطعن على حكم التحكيم بالإجراءات المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وإنما بطلب القضاء ببطلانه من خلال دعوى البطلان الأصلية، والتي لا تعد – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – طريقاً من طرق الطعن في الأحكام، وإنما هي أداة لرد الأحكام التي أصابها عوار في مقوماتها عن إنفاذ آثارها القضائية. ولكل ذلك فإن القضاء في شأن دستورية النص الطعين لن يكون بذي أثر على طلبات المدعية في دعوى الموضوع، الأمر الذي تنعدم معه مصلحتها في الطعن عليه، كما أن البند من النص الطعين يجيز رفع دعوى البطلان، فإن بقاءه يحقق مصلحة المدعية والقضاء بعدم دستوريته يؤدي إلى الإضرار بها ومن ثم فإنه لا تكون لها ثمة مصلحة في تقرير عدم دستوريته؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في شأن نص المادة في مجموعه.
4 – إن التنظيم التشريعي الذي اندرجت أحكامه في الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، وكذلك في أحكام القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، يحظر أصلاً الطعن في أحكام التحكيم بمختلف طرق الطعن، العادية منها وغير العادية. ذلك أن اللجوء إلى التحكيم الاتفاقي يتأسس في نشأته، وإجراءاته، وما يتولد عنه من قضاء، على إرادة أطرافه، التي تتراضى بحرياتها على اللجوء إليه كوسيلة لفض منازعاتهم، بدلاً من اللجوء إلى القضاء. واحتراماً لهذه الإرادات، واعترافاً بحجية أحكام التحكيم ووجوب نفاذها من جهة، ومواجهة الحالات التي يصاب فيها حكم التحكيم بعوار ينال من مقوماته الأساسية، ويدفعه إلى دائرة البطلان بمدارجه المختلفة من جهة أخرى، أقام المشرع توازناً دقيقاً بين هذين الأمرين من خلال سماحه بإقامة دعوى البطلان الأصلية، بشروط محددة، في شأن حكم التحكيم، مستصحباً الطبيعة القضائية لهذا الحكم، ليسوى بينه وبين أحكام المحاكم القضائية بصفة عامة، من حيث جواز إقامة دعوى بطلان أصلية في شأنها، احتراماً للضمانات الأساسية في التقاضي، وبما يؤدي إلى إهدار أي حكم يفتقر في مصدره إلى المقومات الأساسية للأحكام القضائية. وإذ عهد المشرع، من خلال التنظيم السابق، بدعوى بطلان حكم المحكمين إلى محكمة الدرجة الثانية، وليس إلى محكمة الدرجة الأولى، فإن ذلك لا يرتب في ذاته مساساً بالحق في التقاضي. ذلك أن تحديد اختصاصات الهيئات القضائية هو أمر متروك للمشرع طبقاً لنص المادة من الدستور.
5 – ليس ثمة تناقض بين الحق في التقاضي كحق دستوري أصيل، وبين تنظيمه تشريعياً بشرط ألا يتخذ المشرع من هذا التنظيم وسيلة إلى حظر ذلك الحق أو إهداره. وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن قصر التقاضي في المسائل التي يفصل فيها الحكم على درجة واحدة لا يناقض الدستور، وإنما يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والتي تحرره من التقيد بأية أشكال محددة، أو بأنماط جامدة تستعصى على التغيير أو التعديل، بحيث يكون له أن يختار من الصور والإجراءات المناسبة لإنفاذ هذا الحق، ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقاً مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي، دون إخلال بالضمانات الأساسية في التقاضي.
6 – مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني أن تعامل فئات المواطنين على ما بينها من تمايز في المراكز القانونية معاملة متكافئة. فإذا كان ذلك، وكان المتحاكمون – أخذاً بالأصل في التحكيم – يتجهون بملء إرادتهم، ومحض اختيارهم، إلى اعتماد نظام خاص لفض ما بينهم من نزاعات خارج دائرة المحاكم، ووفقاً لشروط تكون محلاً لاتفاقهم، فإن مركزهم القانوني يضحى بالتالي مختلفاً عمن يلجأون إلى المحاكم لفض منازعاتهم طبقاً للقواعد العامة، وخارج دائرة التحكيم. وفي ظل وجود هذا الاختلاف في المراكز القانونية، فإن المماثلة في المعاملة بين المتحاكمين، وغيرهم من المتقاضين لا تعد ضرورة لازمة، ولا يشكل عدم الالتزام بها في حد ذاته إخلالاً بمبدأ المساواة أمام القانون.
7 – التنظيم التشريعي لحق التقاضي – وكلما كان لا يناقض وجود هذا الحق أو يخل بمحتواه – يفترض فيه أن لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها لتفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق عملاً في نطاقها، ليظل هذا التنظيم مرناً، لا يطلق الحقوق محله من عقالها، انحرافاً بها عن أهدافها، ولا يعتبر كذلك تفريطاً مجافياً لمتطلباتها بل بين هذين الأمرين قواماً، حتى تظل الحماية القضائية للحقوق في صورتها الأكثر اعتدالاً. وتبعاً لذلك، فإنه يجوز للمشرع أن يغاير في تنظيمه لحق التقاضي، وتبني ما يراه مناسباً من تنظيمات بالنسبة لصنوف بعينها من المنازعات، وفقاً لما تطلبه طبيعتها، دون أن يكون في ذلك إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون.


الإجراءات

بتاريخ العشرين من يناير سنة 2002، أودع المدعي صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة، بطلب الحكم بعدم دستورية قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، وخاصة المواد (52 و54/ 2) منه، وسقوط أحكامه، وإلزام الحكومة المصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، حيث قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – حسبما يبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق – تتحصل في أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 28/ 1/ 1999، استأجرت الشركة المدعى عليها الرابعة من الشركة المدعية قطعة أرض فضاء بطريق الإسكندرية/ مطروح، بغرض إنشاء محطة خدمات بترولية. وإذ أصدر محافظ الإسكندرية قراراً بإلغاء تخصيص هذه الأرض للشركة المدعية، وتخصيصها لشركة مصر للبترول، التي وضعت يدها عليها بالفعل، فقد تعذر على الشركة المستأجرة (المدعى عليه الرابع)، الانتفاع بالأرض، مما دفعها – إعمالاً لنصوص عقد الإيجار – إلى اللجوء للتحكيم بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وطلبت الحكم بفسخ عقد الإيجار، ورد المبلغ الذي سددته كمنحة توقيع على عقد الإيجار. وكذلك طلبت التعويض، ثم تنازلت عن هذا الطلب الأخير. وأسفرت دعوى التحكيم، التي قيدت برقم 148 لسنة 1999 تحكيم، عن صدور حكم بتاريخ 24/ 1/ 2001، بفسخ عقد الإيجار، وإلزام الشركة المحتكم ضدها (الشركة المدعية) أن تؤدي مبلغاً مقداره مائتان وخمسة وسبعون ألف جنيهٍ للشركة المحتكمة (المدعى عليه الرابع)، وهو قيمة المبلغ المسدد كمنحة توقيع على العقد. وإذ لم ترتض الشركة المدعية هذا الحكم، فقد أقامت في شأنه الدعوى رقم 44 لسنة 118 القضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، طالبة الحكم بوقف تنفيذه، وفي الموضوع ببطلانه، لما نسبته إليه من صدوره عن هيئة تحكيم اعتور البطلان تشكيلها، والإجراءات التي باشرتها، ولم تتصف بالحيدة، فضلاً عن مخالفة الحكم للثابت بالأوراق، ومصادرة حق الدفاع بالمخالفة للمادتين (52/ 2) و(53 هـ، ز) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه. وأثناء نظر تلك الدعوى، دفع الحاضر عن الشركة المدعية بجلسة 25/ 7/ 2001 بعدم دستورية القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، وخاصة المواد (52 و54/ 2 و55) منه. وبجلسة 17/ 11/ 2001، صمم على هذا الدفع فيما عدا المادة سالفة الإشارة، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 23/ 1/ 2002، لتقديم ما يفيد الطعن بعدم الدستورية، فأقامت الشركة المدعية الدعوى الماثلة، وضمّنت صحيفتها طلباً بوقف تنفيذ أحكام القانون الطعين.
وحيث إنه عن طلب الشركة المدعية وقف تنفيذ أحكام القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه لحين الفصل في موضوع الدعوى الدستورية المعروضة، فإنه – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – لما كان الأصل في النصوص القانونية، المدعي مخالفتها للدستور، أن تُحمْلَ على أصل صحتها، فلا يعطل الطعن عليها قوة نفاذها، ولا يجوز بالتالي وقف تنفيذها، وإنما تظل قوة نفاذها ملازمة لها كلما طرح أمر مشروعيتها الدستورية على المحكمة الدستورية العليا وفقاً لقانونها؛ وهو الاختصاص الذي لا تزاحمها فيه أية جهة أخرى. وللمحكمة، بعد ذلك، إما أن تقرر أن للنصوص المطعون عليها سنداً من الدستور فلا ترتد عنها قوة نفاذها، وإما أن تنتهي إلى مصادمتها للدستور فتعدمها وتنهي وجودها. وعلى ذلك، فإنه لا يجوز للمحكمة أن توقف تنفيذ النصوص التشريعية المطعون عليها أمامها. إذ لا يدخل ذلك في نطاق اختصاصها الذي حدده لها المشرع حصراً في قانونها.
وحيث إنه عن طلب الشركة المدعية الحكم بعدم دستورية القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه برمته، فإن دعوة هذه المحكمة للخوض في دستورية النصوص التشريعية، وبحث أوجه عوارها، لازمه – وعلى ما تطلبه نص المادة من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها، بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى مخالفته، وأوجه المخالفة. وقد تغيا المشرع بذلك أن يتضمن قرار الإحالة، أو صحيفة الدعوى، البيانات الجوهرية التي تكشف بذاتها عن ماهية المسألة الدستورية التي يعرض على هذه المحكمة أمر الفصل فيها، وكذلك نطاقها، بما ينفي التجهيل بها وتميع تحديدها، وبحيث لا يتعذر على ذوي الشأن جميعهم – ومن بينهم الحكومة – إعداد أوجه دفاعهم المختلفة خلال المواعيد التي حددتها المادة من القانون رقم 48 لسنة 1979 المشار إليه، وحتى يتأتى لهيئة المفوضين كذلك – بعد انقضاء هذه المواعيد – مباشرة مهامها في تحضير الدعوى، وإبداء رأيها فيها وفقاً لما تقضي به المادة من هذا القانون. وهذا التحديد الدقيق الذي تطلبه المشرع للنصوص التشريعية الطعينة هو ما تفرضه أيضاً مقتضيات المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، والتي تستوجب توجيه الطعن بعدم الدستورية إلى نص تشريعي محدد أضير الطاعن من جراء تطبيقه عليه، ويكون من شأن إبطاله تحقيق مصلحة للطاعن في دعواه الموضوعية التي أثير فيها الطعن بعدم دستورية ذلك النص. ولكل ذلك، فإن النعي المجمل بعدم الدستورية على أحكام القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، ودون بيان مدى انطباق كل حكم من هذه الأحكام في شأن الطاعن، وأثر القضاء في شأن دستوريتها على طلباته في الدعوى الموضوعية، لا يكون – في حقيقته – إلا طعناً عاماً مجهلاً ومتميعاً، لا يتحقق معه التحديد الكافي اللازم للبيانات الجوهرية اللازمة لقبول الدعوى الدستورية، ولا تتوافر – بتجهيله هذا – المصلحة الشخصية المباشرة للشركة المدعية في دعواها. ومن ثم، فإن نعي الشركة المدعية على كامل أحكام هذا القانون بعدم الدستورية، وقد اتسم بالتجهيل، وكذلك العجز عن إظهار البيانات الجوهرية التي تطلبها القانون، وعدم توافر المصلحة الشخصية المباشرة فيه؛ يكون، والحال هذه، غير مقبول.
وحيث إنه فيما يتصل بطلب الشركة المدعية الحكم بعدم دستورية المادة من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، فإنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى ومناط هذه المصلحة أن تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. فإذا كان ذلك، وكان هذا النص قد قضى في البند منه بأن لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام ذلك القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وأجاز البند منه رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة في المادتين التاليتين له؛ وكانت الدعوى الموضوعية لا تتعلق بالطعن على حكم التحكيم بالإجراءات المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وإنما بطلب القضاء ببطلانه من خلال دعوى البطلان الأصلية، والتي لا تعد – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – طريقاً من طرق الطعن في الأحكام، وإنما هي أداة لرد الأحكام التي أصابها عوار في مقوماتها عن إنفاذ آثارها القضائية. ولكل ذلك فإن القضاء في شأن دستورية النص الطعين لن يكون بذي أثر على طلبات المدعية في دعوى الموضوع، الأمر الذي تنعدم معه مصلحتها في الطعن عليه كما أن البند من النص الطعين يجيز رفع دعوى البطلان، فإن بقاءه يحقق مصلحة المدعية والقضاء بعدم دستوريته يؤدي إلى الإضرار بها ومن ثم فإنه لا تكون لها ثمة مصلحة في تقرير عدم دستوريته؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في شأن نص المادة في مجموعه.
وحيث إنه عن طلب القضاء بعدم دستورية نص المادة (54/ 2) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، والتي تعقد الاختصاص بدعوى البطلان لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، فإنه لما كان القضاء في شأن دستورية هذا النص له أثره وانعكاسه على الدعوى الموضوعية، من حيث تحديد المحكمة المختصة بنظرها، فإنه تكون للشركة المدعية مصلحة شخصية مباشرة قائمة في تحدي دستورية هذا النص تبرر قبول دعواها بشأنه.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على نص المادة (54/ 2) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه مخالفته للدستور من وجهين: يتعلق أولهما بالإخلال بمبدأ التقاضي على درجتين، وبالتالي الإخلال بالحماية الدستورية للحق في التقاضي؛ بالإضافة إلى انتهاك مبدأ المساواة أمام القانون، لما يرتبه هذا النص من تمييز في المعاملة بين من يلجأون إلى التحكيم لفض ما بينهم من منازعات، وأولئك الذين يعرضون منازعاتهم على جهات القضاء.
وحيث إن التنظيم التشريعي الذي اندرجت أحكامه في الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، وكذلك في أحكام القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه، يحظر أصلاً الطعن في أحكام التحكيم بمختلف طرق الطعن، العادية منها وغير العادية. ذلك أن اللجوء إلى التحكيم الاتفاقي يتأسس في نشأته، وإجراءاته، وما يتولد عنه من قضاء، على إرادة أطرافه، التي تتراضى بحرياتها على اللجوء إليه كوسيلة لفض منازعاتهم، بدلاً من اللجوء إلى القضاء. واحتراماً لهذه الإرادات، واعترافاً بحجية أحكام التحكيم ووجوب نفاذها من جهة، ومواجهة الحالات التي يصاب فيها حكم التحكيم بعوار ينال من مقوماته الأساسية، ويدفعه إلى دائرة البطلان بمدارجه المختلفة من جهة أخرى، أقام المشرع توازناً دقيقاً بين هذين الأمرين من خلال سماحه بإقامة دعوى البطلان الأصلية، بشروط محددة، في شأن حكم التحكيم، مستصحباً الطبيعة القضائية لهذا الحكم، ليسوى بينه وبين أحكام المحاكم القضائية بصفة عامة، من حيث جواز إقامة دعوى بطلان أصلية في شأنها، احتراماً للضمانات الأساسية في التقاضي، وبما يؤدي إلى إهدار أي حكم يفتقر في مصدره إلى المقومات الأساسية للأحكام القضائية. وإذ عهد المشرع، من خلال التنظيم السابق، بدعوى بطلان حكم المحكمين إلى محكمة الدرجة الثانية، وليس إلى محكمة الدرجة الأولى، فإن ذلك لا يرتب في ذاته مساساً بالحق في التقاضي. ذلك أن تحديد اختصاصات الهيئات القضائية هو أمر متروك للمشرع طبقاً لنص المادة من الدستور. فضلاً عما هو مقرر من أنه ليس ثمة تناقض بين الحق في التقاضي كحق دستوري أصيل، وبين تنظيمه تشريعياً بشرط ألا يتخذ المشرع من هذا التنظيم وسيلة إلى حظر ذلك الحق أو إهداره. وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن قصر التقاضي في المسائل التي يفصل فيها الحكم على درجة واحدة لا يناقض الدستور، وإنما يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والتي تحرره من التقيد بأية أشكال محددة، أو بأنماط جامدة تستعصى على التغيير أو التعديل، بحيث يكون له أن يختار من الصور والإجراءات المناسبة لإنفاذ هذا الحق، ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقاً مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي، دون إخلال بالضمانات الأساسية في التقاضي. لما كان ذلك، وكان المشرع قد أعمل سلطته التقديرية في النص الطعين، مستلهماً الطبيعة الخاصة لأحكام المحكمين، والتي تستهدف احترام إرادة أطرافه، وسرعة الفصل في النزاع، والبعد عن إطالة أمد التقاضي وتعقد الإجراءات، ومراعياً ما تستلزمه الضمانات الأساسية في التقاضي من وجوب إهدار أي حكم قضائي فاقد لمقوماته الأساسية وأركانه، فأجاز إقامة دعوى البطلان الأصلية في شأن حكم التحكيم بشروط وضوابط محددة، وعقد الاختصاص بها لمحكمة الدرجة الثانية لتنظرها على درجة واحدة، لتكشف عن أي عوار عساه أصابها، تقديراً منه أن هذا المسلك هو الأنسب إلى طبيعة المنازعة التحكمية، ومقتضيات سرعة حسمها، فإن هذا الأمر لا يكون فيه إخلال بالحق في التقاضي، وتنظيمه الدستوري، وبالتالي يكون النعي بمخالفة النص الطعين لمبدأ التقاضي على درجتين والحق في التقاضي غير سديد، ويتعين الالتفات عنه.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص الطعين لمبدأ المساواة أمام القانون، لما أحدثه من تمييز في المعاملة بين من يلجأون إلى التحكيم لفض ما ينشأ بينهم من منازعات، وبين غيرهم ممن يعرضون منازعاتهم على القضاء، وذلك فيما يتصل بدعوى البطلان الأصلية، فهو نعى مردود كذلك من عدة وجوه: أولهما – أن مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني أن تعامل فئات المواطنين على ما بينها من تمايز في المراكز القانونية معاملة متكافئة. فإذا كان ذلك، وكان المتحاكمون – أخذاً بالأصل في التحكيم – يتجهون بملء إرادتهم، ومحض اختيارهم، إلى اعتماد نظام خاص لفض ما بينهم من نزاعات خارج دائرة المحاكم، ووفقاً لشروط تكون محلاً لاتفاقهم، فإن مركزهم القانوني يضحى بالتالي مختلفاً عمن يلجأون إلى المحاكم لفض منازعاتهم طبقاً للقواعد العامة، وخارج دائرة التحكيم. وفى ظل وجود هذا الاختلاف في المراكز القانونية، فإن المماثلة في المعاملة بين المتحاكمين، وغيرهم من المتقاضين لا تعد ضرورة لازمة، ولا يشكل عدم الالتزام بها في حد ذاته إخلالاً بمبدأ المساواة أمام القانون.
ومردود ثانياً – بأنه لا مجال لمقارنة التنظيم الذي رسمه النص الطعين بما هو مقرر في قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن تحديد المحكمة المختصة بدعوى البطلان الأصلية. ذلك أنه، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، فإن التنظيم التشريعي لحق التقاضي – وكلما كان لا يناقض وجود هذا الحق أو يخل بمحتواه – يفترض فيه أن لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها لتفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق عملاً في نطاقها، ليظل هذا التنظيم مرناً، لا يطلق الحقوق محله من عقالها، انحرافاً بها عن أهدافها، ولا يعتبر كذلك تفريطاً مجافياً لمتطلباتها بل بين هذين الأمرين قواماً، حتى تظل الحماية القضائية للحقوق في صورتها الأكثر اعتدالاً. وتبعاً لذلك، فإنه يجوز للمشرع أن يغاير في تنظيمه لحق التقاضي، وتبني ما يراه مناسباً من تنظيمات بالنسبة لصنوف بعينها من المنازعات، وفقاً لما تطلبه طبيعتها، دون أن يكون في ذلك إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون، طالما التزم المشرع بالضوابط الدستورية لمباشرة الحق في التقاضي.
ومردود ثالثاً – بأن مبدأ المساواة أمام القانون، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا يقوم على معارضة جميع صور التمييز بين المواطنين؛ إذ أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة من الدستور؛ بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ما يكون تحكمياً. ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبياً لها. وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. فإذا كان النص التشريعي – بما انطوى عليه من تمييز – مصادماً لهذه الأغراض، مجافياً لها، بما يحول دون ربطه بها، أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن هذا النص يكون مستنداً إلى أسس غير موضوعية، ومتبنياً تمييزاً تحكمياً بالمخالفة لنص المادة من الدستور. ولما كان ذلك، وكان إسناد الفصل في دعوى بطلان حكم التحكيم إلى محكمة الدرجة الثانية، وفقاً للنص الطعين، مرده اعتبارات موضوعية تتصل بطبيعة المنازعة التحكيمية، وما تفرضه من ضرورة سرعة حسمها، وتقويض أية محاولات لتعطيل الفصل فيها، تحقيقاً للمصلحة العامة في التقاضي، وكفالة للثقة الواجب توافرها في المعاملات، ومراعاة لإرادات المتحاكمين أنفسهم وهو ما هدف المشرع إلى تحقيقه جميعاً دون إخلال بالضمانات الأساسية في التقاضي، فإن المعالجة التشريعية هذه، وعلى الرغم من انطوائها على بعض الاختلاف عما تضمنته القواعد العامة المنظمة لدعوى البطلان الأصلية أمام المحاكم القضائية، إلا أن هذا الاختلاف وقد اقترن بتلك الاعتبارات الموضوعية التي تبرر وجوده من الناحية المنطقية، وقصد إلى تحقيق المصلحة العامة، ولم يخل بضمانات التقاضي الأساسية، فإنه يكون اختلافاً مقبولاً ومبرراً، ولا يؤدي اعتماد المشرع له إلى خروج على مبدأ المساواة أمام القانون؛ الأمر الذي يضحى معه الإدعاء بخروج النص الطعين على هذا المبدأ منتحلاً.
وحيث إن النص الطعين لا يخالف أي حكم آخر في الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات