قاعدة رقم الطعن رقم 108 لسنة 25 قضائية “دستورية” – جلسة 04 /04 /2004
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الحادي
عشر (المجلد الأول)
من أول أكتوبر 2003 حتى آخر أغسطس 2006 – صـ 659
جلسة 4 إبريل سنة 2004
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي – رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري وأنور رشاد العاصي ومحمد عبد العزيز الشناوي وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 108 لسنة 25 قضائية "دستورية"
1 – هيئة عامة "لائحة العاملين بهيئة النقل العام بالقاهرة تعتبر
تشريعاً تمتد إليه الرقابة الدستورية".
هيئة النقل العام بالقاهرة هيئة عامة تقوم على إدارة مرفق النقل العام. ومؤدى ذلك أن
العاملين بهذه الهيئة موظفون عموميون يرتبطون بها بعلاقة تنظيمية بحكم تبعيتهم لشخص
من أشخاص القانون العام، وتسري عليهم أحكام القوانين المتعلقة بالوظائف العامة فيما
لم يرد بشأنه نص خاص في لائحة تنظيمها، ومن ثم فإن اللائحة المشار إليها – وتتضمن النص
الطعين – تعتبر تشريعاً مما تمتد إليه الرقابة الدستورية.
2 – دعوى "المصلحة الشخصية المباشرة: نطاقها".
نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بما يكون لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية وهو
ما تتحقق به المصلحة الشخصية للمدعي.
3 – حق العمل "شروط مباشرته".
لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات
ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غاياتها، يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة
أو رابطة لائحية.
4 – دستور – حق العمل "تنظيمه تشريعياً: حدوده".
خول الدستور السلطة التشريعية بنص المادة تنظيم حق العمل، إلا أنها لا يجوز لها
أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطناً لإهدار حقوق يملكها. مثال ذلك:
الحق في الإجازة السنوية.
5 – إجازة "الحق فيها – غايته".
المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل
خلالها قواه المادية والمعنوية. عدم جواز النزول عنها أو إهدارها إلا لأسباب قوية تقتضيها
وجوب العمل.
6 – إجازة "رصيد – تعويض".
كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون
لإرادة العامل دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها.
7 – تعويض "اندراجه في الملكية الخاصة".
الحق في هذا التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما
يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32 و34) من الدستور اللتان صان بهما الملكية
الخاصة.
1 – حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى فهو في غير
محله، ذلك أن هيئة النقل العام بالقاهرة "هيئة عامة" تقوم على إدارة مرفق النقل العام،
أنشئت بقرار رئيس الجمهورية رقم 1891 لسنة 1964 بناء على التفويض الممنوح له بموجب
قانون الهيئات العامة الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1963، والذي فوض أيضاً رئيس مجلس
إدارة الهيئة في إصدار اللائحة التنظيمية، فأصدر القرار رقم 19 لسنة 1988 بلائحة شئون
العاملين بالهيئة المتضمنة للنص المطعون فيه، ومؤدى ذلك أن العاملين بهذه الهيئة موظفون
عموميون يرتبطون بها بعلاقة تنظيمية بحكم تبعيتهم لشخص من أشخاص القانون العام، وتسري
عليهم أحكام القوانين المتعلقة بالوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في لائحة
تنظيمها، ومن ثم فإن اللائحة المشار إليها – وتتضمن النص الطعين – تعتبر تشريعاً مما
تمتد إليه الرقابة الدستورية لهذه المحكمة.
2 – نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بما يكون لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية
وهو ما تتحقق به المصلحة الشخصية للمدعي. لما كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول
حق المدعي في المقابل النقدي لرصيد إجازاته فيما زاد على أربعة شهور، فإن نطاق الدعوى
الماثلة ينحصر في نص الفقرة الأخيرة من المادة من اللائحة المشار إليها فيما تضمنته
من وضع حد أقصى لرصيد الإجازات الذي يستحق مقابلاً عنه.
3 – لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وأثاراً يرتبها، من بينها – في مجال العمل – ضمان الشروط
التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً
من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها، أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط
حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها، ومن ثم لا يجوز
أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها،
وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غاياتها يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة أو رابطة
لائحية.
4 – الدستور وإن خوّل السلطة التشريعية بنص المادة تنظيم حق العمل، إلا أنها لا
يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطناً لإهدار حقوق يملكها،
وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق
في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك
منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا
يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقاً للدستور
أن تكون إطاراً لحق العمل، واستتاراً بتنظيم هذا الحق للحد من مداه.
5 – المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل
خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل العامل عنها ولو كان هذا
النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة
الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل،
ولا أن يدعي العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلي عنها إنهاكاً
لقواه، وتبديداً لطاقاته، وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التي يتعذر صونها مع الاستمرار
فيه دون انقطاع. بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على إجازة اعتيادية لمدة ستة أيام
متصلة كل سنة أمراً لا يجوز الترخص فيه، أو التذرع دون تمامه بدواعي مصلحة العمل، وهو
ما يقطع بأن الحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة على
كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية.
6 – ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده فلم يجز
له أن يحصل على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر، وهي تعد مدة
قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل
وظائفها، بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات
الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل
دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام –
أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية
على هذا النحو ممكناً عيناً، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً، تقديراً بأن المدة
التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن
تتحمل وحدها تبعة ذلك.
7 – الحق في هذا التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل،
مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32 و34) من الدستور اللتان صان بهما
الملكية الخاصة، والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام وانصرافها
بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها.
الإجراءات
بتاريخ الثالث عشر من مارس سنة 2003، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 155 لسنة 48 قضائية، تنفيذاً للحكم الصادر من المحكمة
الإدارية لوزارة النقل بمجلس الدولة في 16/ 12/ 2002، والقاضي بوقف الفصل في الدعوى
وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية المادة من لائحة العاملين بهيئة النقل
العام بالقاهرة الصادرة بقرار مجلس إدارة الهيئة رقم 19 لسنة 1988.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان
قد أقام الدعوى رقم 49 لسنة 99 عمال أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد الهيئة
المدعى عليها، طالباً الحكم بأحقيته في صرف المقابل النقدي لإجازاته الاعتيادية التي
لم يحصل عليها خلال فترة عمله بالهيئة، والتي تبلغ 1101 يوماً لم يصرف له منها سوى
أربعة شهور فقط. قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء
الإداري بمجلس الدولة، التي أحالتها بدورها إلى المحكمة الإدارية لوزارة النقل حيث
قيدت برقم 155 لسنة 48 قضائية. وبجلسة 16/ 12/ 2002 حكمت المحكمة بوقف الدعوى وإحالتها
إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة من لائحة العاملين بالهيئة،
فيما وضعته من حد أقصى لرصيد الإجازات الذي يصرف عنه المقابل النقدي عند انتهاء خدمة
العامل لمخالفته لنص المادة من الدستور، وهو المقابل لنص المادة من قانون
نظام العاملين المدنيين بالدولة الذي سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بعدم دستوريته.
وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى فهو في غير محله،
ذلك أن هيئة النقل العام بالقاهرة هيئة عامة تقوم على إدارة مرفق النقل العام، أنشئت
بقرار رئيس الجمهورية رقم 1891 لسنة 1964 بناء على التفويض الممنوح له بموجب قانون
الهيئات العامة الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1963، والذي فوض أيضاً رئيس مجلس إدارة
الهيئة في إصدار اللائحة التنظيمية، فأصدر القرار رقم 19 لسنة 1988 بلائحة شئون العاملين
بالهيئة المتضمنة للنص المطعون فيه، ومؤدى ذلك أن العاملين بهذه الهيئة موظفون عموميون
يرتبطون بها بعلاقة تنظيمية بحكم تبعيتهم لشخص من أشخاص القانون العام، وتسري عليهم
أحكام القوانين المتعلقة بالوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في لائحة تنظيمها،
ومن ثم فإن اللائحة المشار إليها – وتتضمن النص الطعين – تعتبر تشريعاً مما تمتد إليه
الرقابة الدستورية لهذه المحكمة.
وحيث إن المادة من لائحة العاملين بهيئة النقل العام بالقاهرة الصادرة بقرار مجلس
إدارة الهيئة رقم 19 لسنة 1988 تنص على أن: – "يستحق العامل إجازة اعتيادية سنوية بأجر
كامل لا يدخل في حسابها أيام الأعياد والمناسبات الرسمية فيما عدا العطلات الأسبوعية
وذلك على الوجه التالي:………..
ولا يجوز تقصير أو تأجيل الإجازة الاعتيادية أو إنهاؤها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة
العمل.
ويجب في جميع الأحوال التصريح بإجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة، ويحتفظ العامل
برصيد إجازاته الاعتيادية على أنه لا يجوز أن يحصل على إجازة اعتيادية من هذا الرصيد
بما يجاوز ستين يوماً في السنة بالإضافة إلى الإجازة الاعتيادية المستحقة عن تلك السنة.
فإذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاد رصيده من الإجازات الاعتيادية استحق عن هذا الرصيد
أجره مضافاً إليه العلاوات الخاصة التي كان يتقاضاها عند انتهاء خدمته وذلك بما لا
يجاوز أجر أربعة أشهر، ولا تخضع هذه المبالغ لأية ضرائب أو رسوم".
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية إنما يتحدد بما يكون لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية
وهو ما تتحقق به المصلحة الشخصية للمدعي. لما كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول
حق المدعي في المقابل النقدي لرصيد إجازاته فيما زاد على أربعة شهور، فإن نطاق الدعوى
الماثلة ينحصر في نص الفقرة الأخيرة من المادة من اللائحة المشار إليها فيما تضمنته
من وضع حد أقصى لرصيد الإجازات الذي يستحق مقابلاً عنه.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وأثاراً يرتبها،
من بينها – في مجال العمل – ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً
ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها،
أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة
طبيعية لا تحامل فيها، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة
عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غاياتها
يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة أو رابطة لائحية.
وحيث إن الدستور وإن خوّل السلطة التشريعية بنص المادة تنظيم حق العمل، إلا أنها
لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطناً لإهدار حقوق يملكها،
وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق
في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك
منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا
يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقاً للدستور
أن تكون إطاراً لحق العمل، واستتاراً بتنظيم هذا الحق للحد من مداه.
وحيث إن المشرع قد صاغ في الإطار السابق بيانه بنص المادة من قانون نظام العاملين
المدنيين في الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وهو القانون العام بالنسبة للعاملين
في الدولة وهيئاتها العامة – حق العامل في الإجازة السنوية، فغدا بذلك حقاً مقرراً
له بنص القانون، يظل قائماً ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة، وقد نقلت عنه لائحة شئون
العاملين لهيئة النقل العام بالقاهرة حيث جاء نص المادة محدداً للإجازة السنوية
مدداً تختلف باختلاف مدة خدمة العامل، ولم يجز تقصيرها أو تأجيلها أو إنهاؤها إلا لأسباب
قوية تقتضيها مصلحة العمل، كما أجاز للعامل أن يحتفظ بما قد يكون له من رصيد الإجازات
الاعتيادية السنوية مع وضع ضوابط معينة للحصول عليها، بحيث لا يجوز له الحصول على إجازة
من هذا الرصيد تزيد على ستين يوماً في السنة الواحدة، فإذا انتهت خدمة العامل وكان
له رصيد من تلك الإجازات حق له اقتضاء بدل نقدي عن هذا الرصيد، بيد أن المشرع قيد اقتضاء
هذا البدل بأن لا يتجاوز مدة الرصيد الذي يستحق عنه البدل النقدي أربعة أشهر.
وحيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد
العامل خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل العامل عنها ولو كان
هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل
وجهة الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة
العمل، ولا أن يدعي العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلي عنها إنهاكاً
لقواه، وتبديداً لطاقاته، وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التي يتعذر صونها مع الاستمرار
فيه دون انقطاع. بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على إجازة اعتيادية لمدة ستة أيام
متصلة كل سنة أمراً لا يجوز الترخص فيه، أو التذرع دون تمامه بدواعي مصلحة العمل، وهو
ما يقطع بأن الحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة على
كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية.
وحيث إن المشرع قد دل بالفقرة الأخيرة من المادة من اللائحة المشار إليها، على
أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها
التي تراخى في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر،
وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده فلم يجز
له أن يحصل على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر، وهي تعد مدة
قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل
وظائفها، بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات
الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل
دخل فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام –
أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية
على هذا النحو ممكناً عيناً، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً، تقديراً بأن المدة
التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن
تتحمل وحدها تبعة ذلك.
وحيث إن الحق في هذا التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل،
مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32 و34) من الدستور اللتان صان بهما
الملكية الخاصة، والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام وانصرافها
بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها. متى كان ذلك، فإن حرمان العامل من التعويض
المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة من لائحة شئون العاملين بهيئة النقل العام لمدينة القاهرة الصادرة بقرار مجلس إدارة الهيئة رقم 19 لسنة 1988، فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعاً إلى أسباب تقتضيها مصلحة العمل، وألزمت المدعى عليه المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
