الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1448 سنة 23 ق – جلسة 25 /05 /1954 

أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثالث – السنة 5 – صـ 703

جلسة 25 من مايو سنة 1954

برياسة السيد المستشار اسماعيل مجدى، وحضور السادة: مصطفى حسن, وحسن داود، وأنيس غالى، ومصطفى كامل المستشارين.


القضية رقم 1448 سنة 23 القضائية

دعاوى الحقوق المدنية. القانون أباح رفعها استثناء إلى المحاكم الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية. لا ولاية للمحاكم الجنائية فى الفصل فى الدعاوى المدنية إذا كانت مؤسسة على سبب غير الجريمة المرفوعة عنها الدعوى. دعوى مدنية مؤسسة على خطأ فعلى. نفيه. تأسيسها على خطأ مفترض. الحكم بالتعويض فى هذه الحالة. خطأ فى القانون. جواز استئناف الحكم.
ولاية محكمة الجنح والمخالفات مقصورة فى الأصل على نظر ما يطرح أمامها من تلك الجرائم واختصاصها بنظر الدعاوى المدنية الناشئة عنها استئثناء من القاعدة مبنى على الارتباط بين الدعويين ووحده السبب الذى تقام عليه كل منهما، ومشروط فيه ألا تنظر الدعوى المدنية إلا بالتبعية للدعوى الجنائية بحيث لا يصح رفعها استقلالا أمام المحكمة الجنائية. ومؤدى ذلك أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل فى الدعاوى المدنية إذا كانت محمولة على سبب غير الجريمة المطروحة أمامها. فإذا كانت الدعوى المدنية موضوع الطعن رفعت أصلا على الطاعن تعويضا عن الضرر الذى أصاب المطعون ضده من جريمة القتل الخطأ التى كانت مطروحة أمام محكمة الجنح للفصل فيها وكانت محكمة الجنح الجزئية قد استظهرت أن الطاعن لم يرتكب تلك الجريمة إذ لم يرتكب خطأ أو إهمالا ولكنها مع ذلك حكمت عليه بالتعويض على أساس قدم البناء وما افترضه المادة 177 من القانون المدنى من خطأ حارس المبنى، فإنها تكون قد تجاوزت حدود ولايتها. فإذا استأنف الطاعن هذا الحكم وطلب قبول الاستئناف شكلا والحكم من باب الاحتياط بعدم الاختصاص وكانت المادة 405 من قانون الإجراءات الجنائية على غرار المادة 401 من قانون المرافعات المدنية تجيز الاستئناف فى هذه الحالة لانعدام ولاية المحكمة الجزئية بالنسبة للفصل فى الدعوى المدنية، وكانت تلك المحكمة قد تغاضت عن هذا الدفع فلم تتعرض له ولم تناقشه ولم ترد عليه وقضت بعدم جواز الاستئناف بمقولة إن قيمة الدعوى تقل عن النصاب الذى يجوز للقاضى الجزئى أن يحكم فيه نهائيا – فإنها تكون قد أخطأت فى تأويل القانون وفى تطبيقه مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وانقضاء بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى المدنية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه تسبب بدون قصد ولا تعمد فى قتل كل من محمد عبد المنعم مهبا ومهدى محمد عبد الرحمن والسيد محمد عبد الله ومصطفى ابراهيم الشباسي وإصابة محمد حسن زايد وعبد الحكيم منصور ورشدي عزت محمد ومحمد على العراقى وكان ذلك ناشئا عن إهماله بأن ترك منزله بدون رعاية وهو يعلم بأنه آيل للسقوط فسقط على المجنى عليهم أثناء وجودهم بالطريق العام، فأحدث بهم الإصابات المبينة بالكشوف الطبية والتى أودت بحياة الأربعة الاول. وطلبت عقابه بالمادتين 338 و244 من قانون العقوبات. وقد ادعى عبد الحكيم حسن منصور بحق مدنى قبل المتهم وطلب القضاء له قبله بقرش صاغ واحد بصفة تعويض مؤقت، ولدى نظر الدعوى أمام محكمة الدرب الأحمر الجزئية قال الحاضر مع المتهم إنه ليس بمالك ولكنه حارس قضائى على وقف الأزهرى. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا (أولا) ببراءة المتهم مما نسب إليه عن التهمة الجنائية (ثانيا) بالنسبة لدعوى التعويض المدنية إلزام المتهم بصفته حارسا قضائيا على وقف الأزهرى أن يدفع للمدعى بالحق المدنى عبد الحكيم حسن منصور قرشا صاغا واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية. فاستأنف المتهم عن الدعوى المدنية, ومحكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية قضت حضوريا بعدم جواز الاستئناف المرفوع عن الدعوى المدنية وألزمت رافع بالمصاريف المدنية الاستئنافية. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.. الخ.


المحكمة

.. وحيث إن مما يعيبه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ فى تطبيق القانون إذا لم يقض بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى المدنية، فقد رأت محكمة أول درجة أن طلب التعويض يمكن الفصل فيه على أساس المسئولية الافتراضية التى تضمنتها المادة 177 من القانون المدنى لا باعتباره أن التعويض ناشئ عن الجريمة فكان من حق الطاعن أن يدفع هذه المسئولية بإثبات ما تتطلب هذه المسئولية إثباته لهدم ما افترضه، وكان من واجب المحكمة إذ تمحص دفاعه وهو يقوم على أمرين أولهما أن الفصل فى الدعوى المدنية يقتضى إجراء تحقيقات وثانيهما فقدان رابطة السببية بين المسئولية الجناية والمسئولية المدنية وكلا الأمرين يؤدى إلى عدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية فإن تحقيق أسباب سقوط السور يقتضى إجراء بحث طويل وعمل تحقيقات، وقد أشار الطاعن إلى ذلك فى مذكرة مقدمة منه، وأورد فيها طائفة من الأسباب التى يؤدى تحققها إلى الإقتناع بأن الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال فى المقاومة أو قدم فى البناء أو عيب فيه وقدم تقريرا من خبير استشارى قال فيه إن السبب فى سقوط السور قد يكون لرشح داخل فى الأرض أثر فى الأساس دون أن يدركه النظر وقد يكون لسبب غير ظاهر فى الأساس نفسه، وقد يكون لغير ذلك من الأسباب الأخرى كدك أساس الأبنية المجاورة وخلافة من ناحية أخرى، فان محكمة الدرجة الأولى قد استظهرت عدم وجود إهمال أو تقصير من الطاعن يستوجب مساءلته جنائيا إذ لم يثبت لها أن المنى كان به خلل ظاهر يجعله آيلا للسقوط ويجعل حارسه إذا ما أهمل فى إصلاحه أو هدمه رغم علمه به مسئولا جنائيا، وبهذا انعدمت الرابطة بين المسئولية الجنائية والمسئولية المدنية، مما كان يستلزم قضاء المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية، وهو من النظام العام، وقد أثار الطاعن هذا الدفع أمام محكمة الاستئناف وشرح السببين اللذين يبرران الحكم بعدم الاختصاص ولكن المحكمة لم تواجه الدفع ولم تتعرض لدفاعه وتناقشه، وقضت بعدم جواز الاستئناف بمقولة إن المبلغ المطالب به هو قرش واحد. وحيث إنه لما كان يبين من الاطلاع على صورة المذكرة التى قدمها الطاعن للمحكمة الاستنئافية والمودعة بالملف أنه أورد بها ضمن دفاعه ويخلص مما قدمناه أنه للفصل فى الدعوى المدنية كان لا بد من إجراء تحقيق وكان لابد من انتداب خبير فى حالة عدم الاطمئنان إلى تقرير الخبير الفنى المقدم – غير أن شيئا من ذلك لم يتم وجاء الحكم فى الدعوى على غير أساس. وليس بمحتم أن يكون سبب انهيار كل بناء هو قدمه أو عيب فيه أو سوء صيانته، وإلا لما أباح القانون لحارس البناء أن يثبت عكس هذه القرينة المفروضة.. وظاهر مما قدمناه أنه لم يستوف أى إجراءا من الإجراءات المتعددة التى تقتضيها الدعوى المدنية، فالمسئولية عن انهيار السور لم تتحدد وذلك فضلا عن أنه لم يبن بعد شخص المسئول عن الحادث وهل هم نظار الوقف أم الشاغلون للعين أم الجار أم صاحب المقهى أم رواده أم غير هؤلاء – ولما كانت المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية تنص صراحة على أنه إذا استلزم الفصل فى التعويضات إجراء تحقيق خاص ينبنى عليه إرجاء الفصل فى الدعوى الجنائية، تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف ولما كان الفصل فى الموضوع دعواه المدنية الحالية يستلزم كما بينا إجراءا هذا التحقيق الخاص فانه يتعين والحالة هذه إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة خاصة وأن الدعوى الجنائية قد انقضت بالفصل فيها بالبراءة نهائيا وانتهى إلى طلب قبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع أصليا بالغاء الحكم المستأنف فى الدعوى المدنية وبرفض الطلبات المدنية واحتياطيا الحكم بعدم الاختصاص أو إحالة الخصوم على المحكمة المدنية، ومن باب الاحتياط الكلى إحالة الدعوى للتحقيق ليثبت الحارس عدم مسئوليته المدنية". ولما كانت المادة 405 من قانون الاجراءات الجنائية تنص على أن جميع الأحكام الصادرة بعدم الاختصاص يجوز استئنافها، كما أن يجوز الاستئناف الأحكام الصادرة بالاختصاص يجوز استئنافها، كما انه يجوز استئناف الأحكام الصادرة بالاختصاص إذا لم يكن للمحكمة ولاية الحكم فى الدعوى وكانت المادة 401 من قانون المرافعات المدنية تجيز استئناف الأحكام الصادرة فى مسائل الاختصاص والإحالة على محكمة أخرى مهما تكن قيمة الدعوى – ولما كانت ولاية محكمة الجنح والمخالفات فى الأصل مقصورة على نظر ما يطرح أمامها من تلك الجرائم وكان اختصاصها بنظر الدعاوى المدنية الناشئة عنها استثناء من القاعدة للارتباط بين الدعويين ووحدة السبب الذى تقام عليه كل منهما، وكان مشروطا فيه ألا تنظر الدعوى المدنية إلا بالتبعية للدعوى الجنائية بحيث لا يصح رفعها استقلالا أمام المحكمة الجنائية، وكان المشرع المصرى قد أبرز هذا المعنى بالنص فى المادة 230 من قانون الاجراءات الجنائية، على جواز رفع الدعاوى المدنية بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحكم الجنائية لنظرها مع الدعوى الجنائية، كما نص على ذلك فى المادة 253 من قانون الإجراءات وأجاز إدخال من يمثل المتهم إذا كان فاقد الأهلية وعلى جواز رفع الدعوى المدنية على المسئولين عن الحقوق المدنية عن فعل المتهم ولكنه حرم رفع دعوى الضمان أمام المحاكم الجنائية أو إدخال غير المدعى عليه بالحقوق المدنية أو المسئولين عنها – ولما كان مؤدى ذلك، أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل فى الدعاوى المدنية إذا كانت محمولة على سبب غير الجريمة المطروحة أمامها، وكانت الدعوى المدنية موضوع الطعن رفعت أصلا على الطاعن تعويضا عن الضرر الذى أصاب المطعون ضده من جريمة القتل الخطأ التى كانت مطروحة أمام محكمة الجنح للفصل فيها – ولما كانت محكمة الجنح الجزئية، قد استظهرت أن الطاعن لم يرتكب تلك الجريمة إذ لم يرتكب خطأ أو إهمالا ولم يقع منه عدم احتياط يستدعى مساءلته جنائيا ولكنها مع ذلك حكمت عله بالتعويض قائله " وحيث إن مسئولية المتهم من الوجهة المدنية لها وضع آخر – كانت طبيعة مسئولية صاحب البناء أو حائزه من الوجهة القانونية أو فى ظل القانون المدنى متمشية حسبما استقر عليه الفقه والقضاء مع المسئولية الجنائية جنبا لجنب أى يجب بأن يثبت المدعى أن هناك خطأ معينا قد صدر من صاحب المبنى أو الحائز أدى إلى حصول الحادث على نحو السابق شرحه فى صدد المسئولية الجنائية أدى إلى حصول الحادث على النحو السابق شرحه فى صدد المسئولية الجنائية ومنها ركن العلم " ولكن المادة 177 من القانون المدنى قد غيرت من هذا الوضع السابق فيما يختص بعبء الإثبات فى قولها " حارس البناء ولول لم يكن مالكا له مسئول عما يحدثه إنهدام البناء من ضرر ولو كان انهداما جزئيا، ما لم يثبت أن الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال فى الصيانة أو قدم فى البناء، ويفهم من مدلول هذا النص المستحدث وما أشارت إليه المذكرة التفسيرية تعليقا على هذه المادة أن مسئولية الحارس أو صاحب البناء من الناحية المدنية قد فرضها القانون، ولكنها قابلة للدليل العكسى إذا ما أثبت المالك أو الحارس أنه لا يرجع إلى إهمال فى الصيانة أو قدم فى البناء أو عيب فيه. وتطبيقا لهذه المادة على وقائع الدعوى فان الثابت من المعاينة التى أجراها مأمور القسم ومن أقوال الشهود سالفة الذكر أن سبب سقوط الحائط كان القدم. ومن حيث إن المتهم لم يقدم دليلا على أن السقوط كان لغير القدم، ولما كان الحكم قد أفصح بذلك عن أنه قضى بالتعويض لا على أساس نشوء الضرر عن الجريمة التى كانت مطروحة أمام المحكمة وقضى فيها بالبراءة، ولكن على أساس آخر مستقل وهو قدم السور وما افترضته المادة 177 من القانون المدنى من خطأ من حارس المبنى – ولما كانت المحكمة، إذ قضت بذلك قد تجاوزت حدود ولايتها القاصرة على نظر الدعاوى المدنية التى تنشأ عن الجرائم التى تطرح أمامها – وكان الطاعن قد استأنف هذا الحكم أمام المحكمة الاستئنافية وتظلم لها من قضاء محكمة الدرجة الأولى فى الدعوى المدنية، دون أن تجرى تحقيقا فيها يمكنه من هدم الافتراض الذى تضمنته المادة 177 من القانون المدنى وطلب قبول الاستئناف شكلا والحكم من باب الاحتياط بعدم الاختصاص – ولما كانت المادة 405 من قانون الإجراءات الجنائية على غرار المادة 401 من قانون المرافعات المدنية تجيز الاستئناف فى هذه الحالة لانعدام ولاية المحكمة الجزئية بالنسبة للفصل فى الدعوى المدنية، وكانت تلك المحكمة إذ تغاضت عن هذا الدفع، فلم تتعرض له ولم تناقشه، ولم ترد عليه وقضت بعدم جواز الاستئناف بمقولة إن قيمة الدعوى تقل عن النصاب الذى يجوز للقاضى الجزئي أن يحكم فيه نهائيا، إذ فعلت ذلك – فانها تكون قد أخطأت فى تأويل القانون وفى تطبيقه، ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى المدنية وإلزام المطعون ضده بمصاريفها.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات