الطعن رقم 150 سنة 18 ق – جلسة 16 /11 /1950
أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الأول – السنة 2 – صـ 43
جلسة 16 من نوفمبر سنة 1950
القضية رقم 150 سنة 18 القضائية
برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات
أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومصطفى فاضل
بك المستشارين.
1 – اختصاص. حجية الأحكام النهائية الصادرة من محكمة ذات ولاية. الأحكام الصادرة من
المحاكم الشرعية في حدود ولايتها. تحوز قوة الأمر المقضي أمام المحاكم المدنية. تطبيق
المحاكم الشرعية للقانون وفقاً للمنهج الشرعي. لا رقابة للمحاكم المدنية عليه.
2 – نقض. طعن. سبب جديد "أ" حكم استئنافي اكتفى بتأييد حكم ابتدائي لأسبابه. الطعن
فيه لبطلانه في الإسناد وإبهامه وقضائه بما ليس في الأوراق. ورود هذه المطاعن كلها
على الحكم الابتدائي. عدم تمسك الطاعنة بها أمام المحكمة الاستئنافية. أسباب جديدة
لا يجوز التمسك بها أمام محكمة النقض. استناد الطاعنة إلى صورة غير رسمية من المذكرة
التي قدمتها إلى محكمة الاستئناف. لا يشفع لها. "ب" أوجه القصور في الحكم. يجب ذكرها
في تقرير الطعن. اكتفاء الطاعنة ببسطها في مذكرتها الشارحة. لا يجوز النظر فيها.
(المادة 15 من قانون محكمة النقض).
3 – حكم. تسبيبه. طلب موجه إلى مدعي عليهما بطريق التضامن بينهما. رفض المحكمة الطلب
بخصوص أحدهما استناداً إلى أسباب تصلح مبرراً لرفض الطلب بالنسبة للآخر. لا بطلان.
(المادة 103 من قانون المرافعات – القديم -).
1 – الأحكام الصادرة من المحاكم الشرعية في حدود ولايتها تحوز قوة الأمر المقضي أمام
المحاكم المدنية ولا رقابة للأخيرة على صحة تطبيق المحاكم الشرعية للقانون، وما دامت
هذه المحاكم قد قضت في حدود ولايتها كانت لأحكامها حجيتها أمام المحاكم المدنية حتى
ولو كانت قد خالفت بما قضت، المنهج الشرعي، إذن فإذا كان الحكم إذ قضى بتثبيت ملكية
المطعون عليها لحصة قدرها 3.5 قيراط في منزل مخلف عن مورثها هي والطاعنة وبرفض دعوى
هذه الأخيرة بشأن تثبيت ملكيتها لحصة مقدارها 8 قراريط في هذا المنزل أو دفع مبلغ 948
م و3133 ج قيمة ما أنفقته في إنشاء مسجد تنفيذاً لوصية المورث، قد أقام قضاءه على أن
المحكمة الشرعية كانت قد أصدرت حكماً نهائياً في حدود ولايتها ببطلان الوصية على أساس
أن الوصية شرعاً، تمليك مضاف إلى ما بعد الموت وهو عقد غير لازم يكون لبقائه حكم إنشائه
فيبطل بخروج الموصي عن الأهلية وأن المورث كان قد حجر عليه لعتهه ولم يثبت زوال هذا
العته عند وفاته. إذا كان الحكم قد أقام قضاءه على ذلك كان النعي عليه بأنه أخطأ في
تطبيق القانون إذ اعتد بحجية الحكم الصادر من المحكمة الشرعية على غير أساس حتى لو
صح ما زعمته الطاعنة من أن المحكمة الشرعية وإن قضت في حدود ولايتها في النزاع القاضي
ببطلان الوصية إلا أنها خالفت بما قضت المنهج الشرعي لأن مناط بطلان الوصية لعته الموصي
أن يكون الموصى له جهة أهلية وليست جهة بر.
2 – إذا كان الحكم الصادر من محكمة الاستئناف قد اكتفى بتأييد حكم محكمة أول درجة لأسبابه
دون أن يورد أسباباً جديدة، وكانت أسباب الطعن في الحكم من بطلان في الإسناد وإبهام
وقضاء بما ليس في الأوراق واردة كلها على الحكم الصادر من محكمة أول درجة، وكانت الطاعنة
لم تقدم ما يدل على أنها عرضت أسباب الطعن هذه على محكمة الاستئناف إذ أن الصورة الرسمية
لصحيفة الاستئناف المقدمة منها إلى محكمة النقض لا تدل على سبق تمسكها بها. كانت هذه
المطاعن أسباباً جديدة لم يسبق عرضها على محكمة الموضوع فلا يجوز إثارتها لأول مرة
أمام محكمة النقض، ولا يشفع للطاعنة استنادها إلى صورة من مذكرتها التي قدمتها إلى
محكمة الاستئناف إذا كانت هذه الصورة غير رسمية لا يعتد بها.
3 – إذا كان الحكم قد رد على ادعاء الطاعنة المؤسس على أن عدم تحمل وزارة الأوقاف والتركة
بالتضامن بينهما بما صرفته في تشييد المسجد نفاذاً لوصية المورث، من شأنه أن يترتب
عليه إثراء كل منهما على حسابها فرفض الحكم دعواها بالنسبة إلى وزارة الأوقاف استناداً
إلى أن بناء المسجد لم يكن من مال الطاعنة بل كان مما حصلته من ربع أعيان التركة وأن
الإثراء لا وجود له إذ لا يمكن اعتبار المسجد ثروة عادت على الوقف إذ هو بناء خارج
عن دائرة التعامل، ففي هذا الذي أورده الحكم خاصاً بوزارة الأوقاف ما يصلح رداً بالنسبة
للتركة. ومن ثم يكون النعي عليه بالبطلان لقصوره في هذا الخصوص لا مبرر له.
الوقائع
في يوم 2 من أغسطس سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف
القاهرة الصادر يوم 20 من مايو سنة 1948 في الاستئناف رقم 629 سنة 64 ق وذلك بتقرير
طلبت فيه الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإلغاء
الحكم المستأنف والحكم بالطلبات الواردة بعريضة الدعوى الافتتاحية وبعريضة الاستئناف
أو إحالة القضية على دائرة أخرى للحكم في الموضوع بعد استبعاد طلب المطعون عليها الخاص
بندب الخبير لتوزيع الريع وإلزام المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 14 منه أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن – وفي 17 منه أودعت الطاعنة أصل ورقة
إعلان المطعون عليها بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح
أسباب الطعن وحافظة بمستنداتها – ولم تقدم المطعون عليها دفاعاً.
وفي 21 من مارس سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً
ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنة بالمصروفات ومصادرة الكفالة.
وفي 19 من أكتوبر سنة 1950 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة… إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن السبب الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض
دعوى الطاعنة بشأن ملكية القراريط الثمانية في العمارة محل الدعوى وبتثبيت ملكية المطعون
عليها إلى ثلاثة قراريط ونصف قيراط منها تأسيساً على أن الوصية الصادرة من المورث قد
حكم نهائياً ببطلانها من المحكمة الشرعية بحكم حاز قوة الأمر المقضي، قد خالف القانون،
لأن المحكمة الشرعية وإن كانت هي المختصة بالفصل في صحة الوصية إلا أن حكمها في ذلك
لا يحوز قوة الأمر المقضي إذا ما حادت عن المنهج الشرعي، وللمحاكم المدنية "أن تراقب
صحة تطبيق المحاكم الشرعية للقانون وسيرها طبقاً للمنهج الشرعي"، وقد خالف حكم المحكمة
الشرعية هذا المنهج إذ قضى ببطلان الوصية الصادرة من المورث بحجة أنه حجر عليه للعته
في حين أن مناط ذلك أن يكون الموصى له جهة أهلية فإذا كانت جهة بر كما هي الحال في
الدعوى فهي صحيحة ولو كان الموصي مجنوناً أو معتوهاً… وأن الطاعنة تمسكت بهذا الدفاع
ولكن الحكم المطعون فيه لم يشر إليه بكلمة مما يجعله مشوباً بالقصور.
ومن حيث إن السبب بوجهيه مردود بأن الحكم المطعون فيه استعرض دفاع الطاعنة وقرر أنه
لا يعتد بالوصية لأن "الثابت أن المحكمة الشرعية وهي المختصة بمثل هذا النزاع قد أصدرت
حكمها النهائي بالبطلان على أساس أن الوصية شرعاً تمليك مضاف إلى ما بعد الموت وهو
عقد غير لازم يكون لبقائه حكم إنشائه فيبطل بخروج الموصي عن الأهلية كما إذا جن جنوناً
مطبقاً، والعته نوع من أنواع الجنون المانعة من صحة التصرفات… وقد ثبت الحجر على
الموصي بتاريخ 13 من أكتوبر سنة 1924 لعتهه ولم يدع أحد بزواله في تاريخ وفاته، وهذا
الحكم ينتج آثاره… إلخ. وهذا الذي قاله الحكم صحيح لا مخالفة فيه للقانون، فالأحكام
الصادرة من المحاكم الشرعية في حدود ولايتها. كما جرى بذلك قضاء هذه المحكمة (الحكم
الصادر في 19 من مايو سنة 1949 في الطعنين رقمي 46 و47 سنة 17 قضائية) تحوز قوة الأمر
المقضي أمام المحاكم المدنية ولا رقابة للأخيرة على صحة تطبيق المحاكم الشرعية للقانون
فللحكم الشرعي حجيته حتى لو صح ما تزعمه الطاعنة من أن المحكمة الشرعية وإن قضت في
حدود ولايتها في النزاع الخاص ببطلان الوصية إلا أنها خالفت بما قضت المنهج الشرعي.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم إذ قضى برفض طلب الطاعنة الاحتياطي وقرر
مسئوليتها عن الريع قد شابه بطلان في الإسناد وحاطه الإبهام وحكم بما ليس في الأوراق،
إذ اعتمد في رفض طلبها الاحتياطي على أنها حصلت من ريع الوقف في الفترة ما بين وفاة
المورث حتى الانتهاء من بناء المسجد وتسليمه لوزارة الأوقاف في 22/ 11/ 1932، كما حصلت
من ريع ثمانية القراريط موضوع الوصية في تلك المدة ما يزيد على تكاليف بناء المسجد
بمبلغ 350 جنيه وهو يوازي قيمة الترميمات التي أجرتها الطاعنة في الوقف وأنه إذا زاد
قليلاً كانت متبرعة بالزيادة، وقد استند الحكم في هذه التقديرات على تقرير الخبير أمين
أفندي سامي مع أن هذا الخبير كان معيباً لتقدير تكاليف بناء المسجد فقط فلا هو قدر
ريعا ولا تعرض له وقال بتبرع الطاعنة بما زاد على مبلغ الـ 350 جنيه مع عدم ذكر أسباب
لذلك، كما أنه احتسب ريعاً لثلاثة قراريط ونصف قيراط عن المدة المذكورة مع أنه حذف
من مأمورية الخبير الذي ندبه لتقدير الريع الذي طلبته المطعون عليها ريع هذه المدة،
كما أن الخبير لم يقدر ريع العمارة محل النزاع، وأن تناقض الحكم يبدو واضحاً في احتسابه
على الطاعنة ريع حصتها في الثمانية القراريط كلها مع أنه مكلف باسمها 17 قيراطاً في
العمارة.
ومن حيث إن هذا السبب بجميع أوجهه غير مقبول إذ يبين من مراجعة الأوراق أن هذه المطاعن
كلها واردة على الحكم الصادر من محكمة أول درجة، ذلك لأن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف
إنما اكتفى بتأييد حكم محكمة أول درجة لأسبابه، دون أن يورد أسباباً جديدة، ولم تقدم
الطاعنة ما يدل على أنها عرضت مزاعمها هذه – التي هي مطاعن على حكم محكمة أول درجة
– على محكمة الاستئناف، فالصورة الرسمية لصحيفة الاستئناف التي قدمتها لا تدل على تمسكها
بما تتذرع به الآن في هذا السبب، ولا يصح الرجوع إلى ما ادعت أنه صورة طبق الأصل من
مذكرتها أمام محكمة الاستئناف، إذ هي صورة غير رسمية لا يعتد بها. وعلى ذلك يكون ما
تتمسك به في هذا السبب أوجهاً جديدة لم يسبق عرضها على محكمة الموضوع فلا تجوز إثارتها
لأول مرة أمام محكمة النقض.
ومن حيث إنه من غير المقبول أيضاً أوجه القصور التي تدعيها الطاعنة على الحكم والتي
لم تفصلها في تقرير الطعن واكتفت ببسطها في مذكرتها الشارحة، إذ لا يجوز النظر في وجه
لم يفصل في تقرير الطعن.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قضى بملزومية الطاعنة عن الريع
من سنة 1932 حتى سنة 1939 دون أن يرد على ما تمسكت به احتياطياً بأنها استولت على هذا
الريع بحسن نية باعتبارها مالكة، كما أنها تمسكت بأن عدم تحمل التركة بما صرفته هي
نفاذاً للوصية يعتبر إثراء للتركة على حسابها، فرفض الحكم دعوى الطاعنة بالنسبة لوزارة
الأوقاف بمقولة إن بناء المسجد لا يعتبر إثراء بالنسبة للوزارة المذكورة، ولكن الحكم
لم يتحدث بشيء عن أثر ذلك بالنسبة للتركة.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه يبين من مراجعة الأوراق أن المطعون عليها طلبت تثبيت
ملكيتها لحصتها الميراثية في ثمانية قراريط في العمارة التي خلفها المورث مع إلزام
الطاعنة بالريع، فدفعت الطاعنة الدعوى بأنها تملكت هذه القراريط الثمانية مقابل ما
أنفقته من مالها على بناء مسجد كان المورث قد أوصى بإقامته، وطلبت أن يقضي لها بملكية
هذه القراريط واحتياطياً الحكم على وزارة الأوقاف التي أدخلت في الدعوى وعلى تركة المورث
بدفع ما أنفقته على إقامة المسجد لأنه لا يحل لهما الإثراء على حسابها بغير مسوغ، فقرر
الحكم المطعون فيه بأن الوصية قد حكم نهائياً ببطلانها، وأن الطاعنة إنما أنفقت على
بناء المسجد من ريع الوقف الذي خلفه المورث وأن ذلك ما قصده الموصي وما فهمته وما أقرت
به أمام الخبير في صدد المحاسبة الخاصة بالفترة بين أغسطس سنة 1926 حتى آخر ديسمبر
سنة 1926. وعلى ذلك يكون ادعاؤها تنفيذ الوصية على غير هذا الوجه غير متفق مع حسن النية،
وفي هذا ما يكفي للرد على ما تمسكت به الطاعنة من أن وضع يدها على حصة المطعون عليها
في القراريط الثمانية كان بحسن نية تستحل به الريع، كما أن الحكم تعرض لما طلبته الطاعنة
احتياطياً وهو إلزام وزارة الأوقاف بما أنفقت على بناء المسجد بحجة أنه لا يجوز الإثراء
على حساب الغير بلا مسوغ فقال "إن الإثراء لا وجود له إذ لا يمكن اعتباره ثروة عادت
على الوقف فهو بناء خارج عن دائرة التعامل إذ يصبح وقفاً بطبيعته… ومن ثم يكون الشق
الثاني من دعوى زكيه الملاح في غير محله…".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه ما كان بحاجة إلى التصريح بفساد دعوى
الإثراء بالنسبة للتركة بعد أن استبان له أن بناء المسجد لم يكن من مال الطاعنة بل
مما حصلته من ريع أعيان التركة، إذ في هذا الذي صرح به الحكم ما يدفع بالضرورة دعوى
الإثراء، على أنه لو كان ثمة حاجة لزيادة في الإفصاح، ففيما أورده الحكم خاصاً بوزارة
الأوقاف ما يصلح رداً بالنسبة لتركة المورث. وقد جمعت بينهما الطاعنة وطالبتهما (التركة
والوزارة) متضامنين بما ادعت.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن بجميع أسبابه على غير أساس فهو متعين الرفض.
