الرئيسية الاقسام القوائم البحث

قاعدة رقم الطعن رقم 226 لسنة 19 قضائية “دستورية” – جلسة 05 /06 /1999 

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء التاسع
من أول يوليو 1998 حتى آخر أغسطس 2001 – صـ 305

جلسة 5 يونيو سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر – أمين السر.

قاعدة رقم
القضية رقم 226 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 – دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط هذه المصلحة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – ارتباطها بالمصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية – وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
2 – ملكية خاصة "انحسار الحماية".
متى كان سند اكتساب الملكية مشوباً بالغبن والاستغلال مناهضاً بذلك للنظام العام فإن مقتضيات المصلحة العامة تحتم أن تنحسر عنه الحماية الدستورية.
3 – تشريع "المادة 472 من القانون المدني: مصلحة عامة".
ما قرره هذا النص من عدم جواز أن يتعامل المحامون مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها إذا كانوا هم الذين يتولون الدفاع عنها وإلا كان العقد باطلاً إنما يتحرى المصلحة العامة، مستهدفاً قيم العدالة العليا بما لا مخالفة فيه الدستور.
1 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ فإذا لم يكن له بها من صلة كانت الدعوى غير مقبولة.
2، 3 – إن اعتبارات المصلحة العامة تفرض بث الثقة في المعاملات؛ وتتحسب لأية شائبة تنال من مصداقيتها وشفافيتها وتتأذى من الاستغلال والغبن؛ وكان المشرع قد قدر أن التعامل في الحقوق المتنازع فيها ينطوي دائماً على مضاربة من المشتري، فواجه هذا الوضع بما يلائمه وأجاز – كأصل عام – لمن عليه الحق المتنازع فيه أن يسترده من المشتري بدفع الثمن وملحقاته، وهو ما تنص عليه المادة 469 من القانون المدني، باعتبار أن الريبة تحيط بالتعامل في هذا النوع من الحقوق لانطوائه على فكرة استغلال الخصومات؛ إلا أنه متى زادت تلك الريبة بأن كان التعامل في الحق المتنازع فيه قد تم مع المحامي الموكل في الخصومة الدائرة حول ذلك الحق، مما ترتقي معه الشبهة من مجرد المضاربة إلى حد الاستغلال، فإن الأمر يخرج من دائرة الكراهة إلى نطاق البطلان المطلق الذي تنعدم معه آثار التصرف سواء فيما بين عاقديه أو بالنسبة إلى الغير، مع ما يترتب على ذلك من بقاء الحق مالكاً لصاحبه الأصلي. ويستند هذا البطلان إلى مخالفة التصرف للنظام العام، إذ يخشى أن يستغل المحامي صفته كوكيل عن صاحب الحق في النزاع القائم بشأنه – بحكم اطلاعه على دقائق ذلك النزاع وأسرار الموكل التي يحيطها القانون بأوثق حماية – في الضغط عليه ليقبل التفريط في الحق المتنازع فيه بأقل من قيمته الحقيقية فيوهم موكله بأن حظه في استخلاص حقه غير كبير، ويحمله – بذلك على قبول اتفاق يكون الموكل فيه مغبوناً، وإجحافاً بمصالحه، وإخراجاً لملكه من عناصر ذمته المالية في ظروف غير ملائمة له – وهو ما تأباه مهنة المحاماة الرفيعة التي تنزع إلى النجدة وتتسم بالنزاهة والتجرد – وحتى إذا لم يقصد المحامي في مثل هذه الحالات أن يستغل سلطانه فعلاً على موكله، فإنه في القليل قد ألقى، بتعامله مع موكله في الحق المتنازع فيه، ظلالاً كثيفة من الشبهات في سلامة هذا التصرف وخلوه من الغبن والاستغلال، وجميعها اعتبارات تتصل أوثق الاتصال بالنظام العام؛ وبالتالي فإن اختيار المشرع تقرير جزاء البطلان عند مخالفة الحظر الذي فرضه على تعامل المحامي مع موكله في الحقوق المتنازع فيها، يكون متحرياً للمصلحة العامة، مستهدفاً قيم العدالة العليا، بما لا مخالفة فيه للدستور ولئن كان صحيحاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن الدستور كفل بنص المادة 32 منه حماية الملكية الخاصة غير المستغلة لكل فرد – وطنياً كان أم أجنبيا – ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها، ولم يعد جائزاً بالتالي أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها؛ إلا أن هذه الحماية لا تظل بآثارها إلا من اكتسبها بطريق مشروع؛ وكان بيده سند صحيح ناقل لها على الوجه المقرر قانوناً؛ ليغدو حقيقاً لأن يعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. أما إذا كان سنده في اكتساب الملكية مشوباً بالغبن والاستغلال، مناهضاً بذلك للنظام العام طبقاً لما تقدم، فإن مقتضيات المصلحة العامة تحتم أن تنحسر عنه الحماية الدستورية المقررة للملكة الخاصة.


الإجراءات

في الخامس والعشرين من ديسمبر سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية المادتين 471، 472 من القانون المدني.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعى عليه الثالث كان قد أقام ضد المدعي الدعوى رقم 2175 لسنة 1994 مدني أمام محكمة الجيزة الابتدائية ابتغاء القضاء ببطلان العقدين المؤرخين في 24/ 4/ 1991، 28/ 11/ 1991 المتضمنين بيع المدعى عليه الثالث للمدعي مساحة فدانين شائعة في مساحة أكبر، وقال شرحاً لها إنه قد وكل المدعي – بوصفه محامياً – بموجب سند الوكالة الرسمي رقم 1611 عام إمبابة النموذجي بتاريخ 4/ 3/ 1991، وذلك للدفاع عنه في النزاع المثار حول حيازته لقطعة أرض مساحتها عشرة أفدنة – من بينها المساحة المبيعة للمدعي – كائنة بناحية أبي زعبل ومخصصة له من الجمعية المدعى عليها الرابعة، وإبان نظر النزاع أبرم معه المدعي عقدي البيع موضوع التداعي، وأثبت في كل منهما – على خلاف الحقيقة – أنه تقاضى منه مبلغ عشرة آلاف جنيه ثمناً لكل من الصفقتين، في حين أن هذا الثمن الصوري يمثل مقابل أتعابه عن الدفاع عنه في النزاع سالف الذكر، وبتاريخ 30/ 4/ 1995 قضت المحكمة بإجابة المدعى عليه الثالث إلى طلباته، فطعن المدعي في هذا الحكم بالاستئناف رقم 12992 لسنة 112 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة. وأثناء نظره دفع بعدم دستورية المادتين 471، 472 من القانون المدني، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع فقد أذنت له بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادتين المشار إليهما تنصان على ما يأتي:
"مادة 471: لا يجوز للقضاة ولا لأعضاء النيابة ولا للمحامين ولا لكتبة المحاكم ولا للمحضرين أن يشتروا لا بأسمائهم ولا باسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها؛ وإلا كان البيع باطلا".
"مادة 472: "لا يجوز للمحامين أن يتعاملوا مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها إذا كانوا هم الذين يتولون الدفاع عنها، سواء كان التعامل باسمهم أم باسم مستعار؛ وإلا كان العقد باطلاً".
وحيث إن البين من النصين الطعينين، أن حظر التعامل في الحقوق المتنازع فيها الوارد في ثانيهما جاء تطبيقاً خاصاً للحظر العام الوارد في أولهما، وأن كليهما قد فرض جزاء واحداً على انتهاك هذا الحظر، مؤداه بطلان العقد الوارد على الحق المتنازع فيه بطلاناً مطلقاً، إلا أن النصين يختلفان نطاقاً سواء من حيث الأشخاص أو من حيث العقد موضوع التعامل؛ فبينما توجه النص الأول بخطابه إلى خمس فئات من بينها المحامون، قَصُر النص الثاني على الحامين الذين يتولون الدفاع عن الحق المتنازع فيه والذي ورد التعامل عليه بين المحامي والموكل، كذلك فإن الحظر الوارد في النص الثاني يمتد إلى سائر أنواع العقود سواء كانت من عقود التصرف أو التبرع أو الإدارة، ولا يقف – كما هو الحال في النص الأول – عند عقد واحد هو عقد البيع؛ وأخيراً فإن الدائرة المكانية للحق المتنازع فيه وإن كانت محدودة بدائرة المحكمة التي يباشر المخاطبون بالنص الأول أعمالهم في اختصاصها؛ وإلا أن الحظر الوارد في النص الثاني لا يتقيد بمكان محدد.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة؛ أن المصلحة الشخصية المباشرة – هي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ فإذا لم يكن له بها من صلة كانت الدعوى غير مقبولة.
لما كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول صحة أو بطلان عقدي البيع اللذين باع بموجبهما المدعى عليه الثالث إلى المدعي بصفته المحامي الموكل عنه في النزاع حول الأرض المشار إليها، جزءاً من الأرض محل النزاع، وكانت المادة من القانون المدني هي التي تهدد ذلك التصرف بالبطلان باعتباره واقعاً في نطاق التطبيق الخاص للحظر المشار إليه فيها فإن مصلحة المدعي في إبطالها تكون متحققة؛ دون المادة التي تنظم الحظر العام الذي يخاطب المحامي غير الموكل عن صاحب الحق المتنازع فيه ومن ثم يتحدد نطاق المنازعة الدستورية الماثلة بنص المادة من القانون المدني وحدها.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام المادتين 32، 34 من الدستور، اللتين كفلتا صون الملكية الخاصة كحق مانع جامع دائم لا يجوز بعد قيامه التعرض له أو المساس به.
وحيث إن اعتبارات المصلحة العامة تفرض بث الثقة في المعاملات؛ وتتحسب لأية شائبة تنال من مصداقيتها وشفافيتها وتتأذى من الاستغلال والغبن؛ وكان المشرع قد قدر أن التعامل في الحقوق المتنازع فيها ينطوي دائماً على مضاربة من المشتري، فواجه هذا الوضع بما يلائمه وأجاز – كأصل عام – لمن عليه الحق المتنازع فيه أن يسترده من المشتري بدفع الثمن وملحقاته، وهو ما تنص عليه المادة 469 من القانون المدني، باعتبار أن الريبة تحيط بالتعامل في هذا النوع من الحقوق لانطوائه على فكرة استغلال الخصومات؛ إلا أنه متى زادت تلك الريبة بأن كان التعامل في الحق المتنازع فيه قد تم مع المحامي الموكل في الخصومة الدائرة حول ذلك الحق، مما ترتقي معه الشبهة من مجرد المضاربة إلى حد الاستغلال، فإن الأمر يخرج من دائرة الكراهة إلى نطاق البطلان المطلق الذي تنعدم معه آثار التصرف سواء فيما بين عاقديه أو بالنسبة إلى الغير، مع ما يترتب على ذلك من بقاء الحق ملكاً لصاحبه الأصلي. ويستند هذا البطلان إلى مخالفة التصرف للنظام العام، إذ يخشى أن يستغل المحامي صفته كوكيل عن صاحب الحق في النزاع القائم بشأنه – بحكم اطلاعه على دقائق ذلك النزاع وأسرار الموكل التي يحيطها القانون بأوثق حماية – في الضغط عليه ليقبل التفريط في الحق المتنازع فيه بأقل من قيمته الحقيقية فيوهم موكله بأن حظه في استخلاص حقه غير كبير، ويحمله – بذلك على قبول اتفاق يكون الموكل فيه مغبوناً، وإجحافاً بمصالحه، وإخراجاً لملكه من عناصر ذمته المالية في ظروف غير ملائمة له – وهو ما تأباه مهنة المحاماة الرفيعة التي تنزع إلى النجدة وتتسم بالنزاهة والتجرد – حتى إذا لم يقصد المحامي في مثل هذه الحالات أن يستغل سلطانه فعلاً على موكله، فإنه في القليل قد ألقى، بتعامله مع موكله في الحق المتنازع فيه، ظلالاً كثيفة من الشبهات في سلامة هذا التصرف وخلوه من الغبن والاستغلال، وجميعها اعتبارات تتصل أوثق الاتصال بالنظام العام؛ وبالتالي فإن اختيار المشرع جزاء البطلان عند مخالفة الحظر الذي فرضه على تعامل المحامي مع موكله في الحقوق المتنازع فيها، يكون متحرياً للمصلحة العامة، مستهدفاً قيم العدالة العليا، بما لا مخالفة فيه للدستور.
وحيث إنه، ولئن كان صحيحاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن الدستور كفل بنص المادة 32 منه حماية الملكية الخاصة غير المستغلة لكل فرد – وطنياً كان أم أجنبياً – ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها، ولم يعد جائزاًً بالتالي أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها؛ إلا أن هذه الحماية لا تظل بآثارها إلا من اكتسبها بطريق مشروع؛ وكان بيده سند صحيح ناقل لها على الوجه المقرر قانوناً؛ ليغدو حقيقاً لأن يعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. أما إذا كان سنده في اكتساب الملكية مشوباً بالغبن والاستغلال، مناهضاً بذلك للنظام العام طبقاً لما تقدم، فإن مقتضيات المصلحة العامة تحتم أن تنحسر عنه الحماية الدستورية المقررة للملكة الخاصة.
وحيث إنه لما تقدم، يغدو الطعن بعدم دستورية المادة 472 من القانون المدني، عارياً مما يسنده؛ جديراً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات