قاعدة رقم الطعن رقم 31 لسنة 17 قضائية “دستورية” – جلسة 02 /01 /1999
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء التاسع
من أول يوليو 1998 حتى آخر أغسطس 2001 – صـ 117
جلسة 2 يناير سنة 1999
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 31 لسنة 17 قضائية "دستورية"
1 – سلطة تشريعية "سن القوانين" – رقابة قضائية "غايتها".
السلطة التشريعية مخولة من الدستور – أصلاً – بسن النصوص القانونية – خضوع هذه النصوص
للرقابة القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية العليا – غاية هذه الرقابة إبطال
ما يكون من تلك النصوص مخالفاً للدستور ولو كان ذلك من زاوية الحقوق التي أهدرتها ضمناً.
2 – مبدأ المساواة.
هذا المبدأ ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العلمية – من الجائز أن تغاير
السلطة التشريعية – وفقاً لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها.
3 – تنظيم الحقوق "سلطة: قيود".
الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق هو إطلاقها – لا قيود على هذه السلطة ما
لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة يتعين التزامها.
4 – دستور "المادة 8: مبدأ تكافؤ الفرص".
اتصال هذا المبدأ بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها – إعماله يقع عند التزاحم على
هذه الفرص – الحماية التي كفلها الدستور لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية فيها، وفقاً
لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام، لبعض المزاحمين على بعض.
5 – تشريع "المادة 71 من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون
رقم 90 لسنة 1975 – ضمائم".
ما تضمنته هذه المادة من قصر إضافة الضمائم المنصوص عليها في المادتين 8، 9 منه على
العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام دون غيرهم لا يقيم تمييزاً تحكمياً في مجال
تطبيقه بين المخاطبين به.
1 – إذ كان الدستور قد خوّل السلطة التشريعية أصلاً اختصاص سن النصوص القانونية باعتبار
أن ذلك مما يدخل في نطاق الدائرة الطبيعية لنشاطها، إلا أنه لا يعصمها من الخضوع للرقابة
القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستوريتها، وهي رقابة غايتها
إبطال ما يكون منها مخالفاً للدستور ولو كان ذلك من زاوية الحقوق التي أهدرتها ضمناً،
سواء أكان إخلالها بها مقصوداً ابتداء أم كان قد وقع عرضاً.
2 – مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور – وعلى
ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية،
ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي
تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذ جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً
من التدابير، لتنظيم موضوع محدد أو توقياً لشر تقدر ضرورة رده؛ وكان دفعها للضرر الأكبر
بالضرر الأقل لازماً؛ إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها،
ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائزة، بل يتعين أن يكون مواقفهاً اعتدالاً في مجال
تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفاً، ومن ثم فمن الجائز بالتالي
أن تغاير السلطة التشريعية – ووفقاً لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها،
أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها.
3 – الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق هو إطلاقها، باعتبار أن جوهر تلك السلطة
هو المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم التشريعي،
موازناً بينها، مرجحاً ما يراه أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها،
وأكفلها لأكثر المصالح وزناً في مجال إنفاذها. وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته
هذه، ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، تعتبر تخوماً لها لا يجوز
تجاوزها، بل يتعين التزامها نزولاً عليها وتقيداً بها.
4 – مضمون مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً لنص المادة من الدستور – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها،
وإن إعماله يقع عند التزاحم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير
أولوية – في مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض، وهي أولوية تتحدد وفقاًً
لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام.
5 – النص المطعون فيه لا يقيم تمييزاً تحكمياً في مجال تطبيقه بين المخاطبين به بما
لا مخالفة فيه للدستور.
الإجراءات
بتاريخ السادس والعشرين من إبريل سنة 1995، أودع المدعي صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 71 من قانون التقاعد والتأمين
والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، وذلك فيما تضمنته من قصر
إضافة الضمائم المنصوص عليها في المادتين 8، 9 منه على العاملين المدنيين بالدولة والقطاع
العام، دون غيرهم.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة الدستورية
العليا بنظر الدعوى، واحتياطياً بعدم قبولها أو برفضها.
كما قدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها، ثم أعيدت الدعوى إليها. لاستكمال
تحضيرها، فقدمت تقريراً تكميلياً.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي
كان قد أقام الدعوى رقم 207 لسنة 1993 – عمال كلي الجيزة – أمام محكمة الجيزة الابتدائية
مختصماً فيها الهيئة المدعى عليها، طالباً الحكم بأحقيته في حساب مدة خدمته الإلزامية
والاحتياطية بالقوات المسلحة مضاعفة في حساب معاشه. وقال شرحاً لدعواه أنه كان من العاملين
في القطاع الخاص في الفترة من 31/ 12/ 1969 حتى 31/ 5/ 1990، وتم سداد اشتراكات التأمين
عن عمله خلالها، وفي هذه الأثناء استدعى لأداء الخدمة العسكرية في الفترة من 26/ 4/
1975 حتى 31/ 5/ 1976، ثم نقل إلى خدمة قوات الاحتياط اعتباراً من 1/ 6/ 1976 حتى 31/
12/ 1977، وبعد انتهاء خدمته بالقوات المسلحة طلب من مكتب التأمينات الاجتماعية التابع
له مضاعفة مدة خدمته العسكرية المحسوبة في المعاش، وعند صرف معاشه المبكر بعد استقالته
من عمله اعتباراً من 31/ 5/ 1990 تبين له أن مدة الخدمة الإلزامية والاحتياطية لم تضاعف
في حساب معاشه، فلجأ إلى الهيئة المدعى عليها متظلماً، ثم أقام تلك الدعوى، وإذ قضي
برفضها على سند من نص المادة 71 من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة
الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، فقد طعن على هذا القضاء بالاستئناف رقم 1840 لسنة
111 قضائية، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية المادة 71 المشار إليها، وإذ قدرت محكمة
الموضوع جدية هذا الدفع فقد صرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص هذه المحكمة ولائياً بنظر الدعوى تأسيساً
على أن طلب المدعي الحكم بعدم دستورية نص المادة 71 من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات
للقوات المسلحة، فيما تضمنه من قصر إضافة الضمائم المنصوص عليها في المادتين 8، 9 منه
على العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام دون غيرهم يعني – في تقدير الهيئة – أن
تحل المحكمة الدستورية العليا محل السلطة التشريعية في تعديل القانون ليطبق النص الطعين
على جميع أفراد الفئات المشار إليها فيه دون قصره على العاملين المدنيين بالدولة والقطاع
العام وحدهم ولتُغْفل إدارة المشرع التي عبرت عنها المادة 70 من ذلك القانون والمتمثلة
في منح مكافأة عن كل فترة استدعاء يراعى فيها حساب الضمائم والمدد الإضافية المنصوص
عليها في المادتين 8، 9 وذلك بالنسبة لغير العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام،
الأمر الذي يؤدي – فيما لو قضى بعدم دستورية النص المطعون فيه – إلى حساب الضمائم والمدد
الإضافية مرتين، مرة عند صرف هذه المكافأة، وأخرى عند حسابها في المعاش، وهو ما لا
يتحقق إلا من خلال الدمج بين النصوص من جانب والتعديل فيه من جانب آخر مما يخرج عن
اختصاص المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن القضاء بعدم دستورية المادة 71 المشار إليها فيما
تضمنته من قصر إضافة الضمائم والمدد الإضافية المنصوص عليها في المادتين 8، 9 من هذا
القانون على العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام دون غيرهم، يؤدي تلقائياً – ودون
تدخل تشريعي – إلى مساواة المدعي بالمخاطبين بأحكامها في مجال انتفاعهم بالحقوق التي
كفلتها لهم، وإذ كان الدستور قد خوّل السلطة التشريعية أصلاً اختصاص سن النصوص القانونية
باعتبار أن ذلك مما يدخل في نطاق الدائرة الطبيعية لنشاطها، إلا أنه لا يعصمها من الخضوع
للرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستوريتها، وهي رقابة
غايتها إبطال ما يكون منها مخالفاً للدستور ولو كان ذلك من زاوية الحقوق التي أهدرتها
ضمناً، سواء أكان إخلالها بها مقصوداً ابتداء أم كان قد وقع عرضاً. ومن ثم يكون الدفع
بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى حقيقاً بالرفض.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت كذلك بعدم قبول الدعوى الماثلة لانتفاء شرط المصلحة
اللازمة لقبولها، على سند من أن المدعي غير مخاطب بالنص المطعون فيه، وإنما يخضع لنص
المادة 70 من القانون المشار إليه وهو يتضمن حساب الضمائم والمدد الإضافية في المكافأة
التي قررها لغير العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام، مما يعني انتفاء صلة النص
المطعون فيه بالنزاع الموضوعي.
وحيث إن الدفع بدوره غير سديد، ذلك أن المدعي قد استهدف بدعواه الماثلة القضاء بعدم
دستورية النص المطعون فيه فيما تضمنه من قصر إضافة الضمائم والمدد الإضافية المنصوص
عليها في المادتين 8، 9 من القانون المشار إليه إلى مدد الخدمة المحسوبة في المعاش،
على العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام دون غيرهم، وهو ما يندرج في نطاق الدفع
المبدى أمام محكمة الموضوع وفي حدود التصريح الصادر منها برفع هذه الدعوى، ومن ثم فإن
تقرير صحة أو بطلان النص المطعون فيه – في هذا النطاق – يؤثر بالضرورة في النزاع الموضوعي
القائم على أحقية المدعي في حساب الضمائم والمدد الإضافية المشار إليها ضمن المدة المحسوبة
في معاشه، لتتوافر له بذلك مصلحة شخصية مباشرة في إقامة الدعوى الماثلة مما يتعين معه
رفض الدفع بعدم قبولها.
وحيث إن قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة
1975 ينص في المادة 71 منه – المطعون فيها – على ما يأتي:
"تضاف الضمائم والمدد الإضافية المنصوص عليها بالمادتين (8، 9) من هذا القانون إلى
مدد خدمة الضباط وضباط الصف والجنود الاحتياط من العاملين المدنيين بالدولة والقطاع
العام في حساب معاشاتهم أو مكافآتهم عند انتهاء خدمتهم في جهات عملهم. كما تحسب هذه
المدد ضمن المدة المستحق عنها تعويض الدفعة الواحدة المنصوص عليها بالفقرة الأولى من
المادة من قانون التأمين الاجتماعي، ويسري ذلك على من عاد إلى وظيفته المدنية
قبل العمل بأحكام هذا القانون.
وتُخطر إدارة شئون الضباط للقوات المسلحة وإدارة السجلات العسكرية المختصة جهات الوظائف
المشار إليها لهؤلاء الأفراد بالضمائم والمدد الإضافية المستحقة لهم".
ويبين من المادتين 8، 9 اللتين أحال إليهما النص المطعون فيه، أن أولاهما تقضي بأن
تضاف الضمائم الآتية إلى مدة الخدمة الفعلية عند حساب المعاش أو المكافأة: ( أ ) مدة
مساوية لمدة الخدمة – في زمن الحرب – وتحدد مدة الحرب بقرار من رئيس الجمهورية، ويحدد
وزير الدفاع فئات المنتفعين بهذه الضميمة. (ب) مدة لا تزيد على مدة الخدمة في المناطق
التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية… (ج) مدة مساوية للمدة التي تقضي في الأسر
بشرط أن تثبت براءة الأسير….؛ وأن ثانيتهما تنص على أن تُضم المدد الإضافية الآتية
إلى مدة الخدمة الفعلية عند حساب المعاش أو المكافأة: ( أ ) مدة تعادل نصف مدة الخدمة
الفعلية للطيارين والملاحين الجويين وأطقم الطائرات وأفراد وحدات المظلات والصاعقة
والضفادع البشرية وأطقم الغواصات والغطاسين وقوات الدفاع الجوي، وتضاعف المدة الإضافية
المشار إليها بالنسبة للطيارين والملاحين الجويين وأطقم الطائرات في حالة انتهاء الخدمة
لهم بقوة القانون أو الاستشهاد أو الوفاة أو لعدم اللياقة الطبية وكان ذلك بسبب الخدمة.
(ب) مدة تعادل ربع مدة الخدمة الفعلية بالنسبة إلى المهندسين والفنيين الذين يتقاضون
بدل طيران من غير المنصوص عليهم في البند ( أ ).
وحيث إن المدعي ينعى على المادة 71 المشار إليها، اصطناعها تفرقة بين المواطنين تتعارض
مع القرض الذي توخاه المشروع من وراء تقريرها، قولاً منه بأن هذا الغرض هو تعويض الذي
يتواجدون بخدمة القوات المسلحة أثناء الحرب عن الأخطار التي يتعرضون لها، وهي لا تفرق
بين من كان منهم من العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام، وبين غيرهم، إذ جميعهم
سواء في التعرض لتلك الأخطار؛ ومن ثم يكون التمييز بين هؤلاء وأولئك في مجال تطبيق
النص المطعون فيه مخلاً بمبدأي تكافؤ الفرص ومساواة المواطنين أمام القانون المنصوص
عليهما في المادتين 8، 40 من الدستور.
وحيث إن هذا النعي مردود أولاً: بأن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه
في المادة 40 من الدستور – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – ليس مبدأ تلقينياً
جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا
كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. وإذ جاز
للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد أو توقياً لشر
تقدير ضرورة رده؛ وكان دفعها للضرر الأكبر بالضرر الأقل لازماً؛ إلا أن تطبيقها مبدأ
المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائزة،
بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاءً
أو عسفاً، ومن ثم فمن الجائز بالتالي أن تغاير السلطة التشريعية – ووفقاً لمقاييس منطقية
– بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها.
ومردود ثانياً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق هو إطلاقها، باعتبار
أن جوهر تلك السلطة هو المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع
محل التنظيم التشريعي، موازناً بينها، ومرجحاً ما يراه أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق
الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها لأكثر المصالح وزناً في مجال إنفاذها. وليس ثمة قيد
على مباشرة المشرع لسلطته هذه، ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة،
تعتبر تخوماً لها لا يجوز تجاوزها، بل يتعين التزامها نزولاً عليها وتقيداً بها.
ومردود ثالثاً: بأن البّين من النص المطعون فيه أنه قام على تقدير أن الميزة التي قررها
للعاملين المدنيين بالدولة والقطاع والعام – هو ميزة استثنائية – تتطلب خضوع العامل
لنظام قانوني يكون كافلاً لضبط مدة خدمته الجهة التي يعمل بها، فلا يخالطها اضطراب،
وهو ما يتحقق بالنسبة إلى الخاضعين لنظام العاملين المدنيين بالدولة ونظام العاملين
بالقطاع العام، ولا كذلك الحال بالنسبة لعمال القطاع الخاص فضلاً عن انعدام ذلك النظام
أصلاً بالنسبة لغير المرتبطين بأي علاقة عمل وكذا بالنسبة لمن يعملون لحسابهم الخاص.
ومردود رابعاً: بأن المادة 70 من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة
قد تضمنت منح ضباط وضباط صف وجنود الاحتياط من غير العاملين المدنيين بالدولة والقطاع
عند انتهاء خدمتهم العسكرية بغير سبب تأديبي أو جنائي، مكافأة تحسب عن كل فترة استدعاء
على مقتضى القواعد التي نصت عليها، كما تدخل الضمائم والمدد الإضافية المنصوص عليها
في المادتين 8، 9 في حساب هذه المكافأة بما مؤداه أن تلك المكافأة إنما تمثل بديلاً
متوازناً ارتأى المشرع ملاءمة تقريره لغير العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام.
ومردود خامساً: بأن مضمون مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقاً
لنص المادة من الدستور – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – يتصل بالفرص التي
تتعهد الدولة بتقديمها، وإن إعماله يقع عند التزاحم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك
الفرص غايتها تقرير أولوية – في مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض، وهي
أولوية تتحدد وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام، بما مؤداه أن إعمال هذا المبدأ
في نطاق تطبيق النص المطعون فيه يكون منتفياً، إذ لا صلة له بفرض قائمة يجرى التزاحم
عليها.
وحيث إنه لما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يقيم تمييزاً تحكمياً في مجال تطبيقه بين
المخاطبين به بما لا مخالفة فيه للدستور، مما يتعين معه رفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره أما السيد المستشار/ محمد علي سيف الدين الذي سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع مسودة هذا الحكم، فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار عدلي محمود منصور.
