الطعن رقم 1372 سنة 23 ق – جلسة 15 /02 /1954
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثاني – السنة 5 – صـ 330
جلسة 15 من فبراير سنة 1954
المؤلفة من السيد رئيس المحكمة أحمد محمد حسن رئيسا، والسادة المستشارين: اسماعيل مجدى، ومصطفى حسن، وحسن داود، ومحمود ابراهيم اسماعيل أعضاء.
القضية رقم 1372 سنة 23 القضائية
إجراءات. تقرير الشاهد أنه لم يعد يذكر واقعة الدعوى. تلاوة شهادته
التى أقرها فى التحقيق. جوازية.
إن قانون الإجراءات الجنائية إذ نص فى المادة 290 منه على أنه "إذا قرر الشاهد أنه
لم يعد يذكر واقعة من الوقائع يجوز أن يتلى من شهادته التى أقرها فى التحقيق أو من
أقواله فى محضر جمع الاستدلالات الجزء الخاص بهذه الواقعة". إذ قرر القانون ذلك، وأخذ
فى هذا الشأن ببعض نصوص قانون تحقيق الجنايات المختلط، فإنه لم ينقل عن ذلك القانون
النص الذى كان يجرى بأنه " لا يجوز للقاضى فى غير الأحوال التى يجوز فيها تلاوة الشاهد
أن يبنى الحكم على أقوال الشهود أو شهاداتهم التى أدوها أثناء جمع الاستدلالات أو فى
التحقيق، وإلا كان العمل باطلا" بل اقتصر على نص المادة 302 الذى يقوله إنه "لا يجوز
للقاضى إن بنى حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه فى الجلسة" – لما كان ذلك وكان الواضح
من محضر الجلسة أن المحكمة ناقشت الشاهدين مناقشة مستفيضة فيما أدليا به من أقوال فى
التحقيقات الابتدائية، وأن محامى الطاعن تعرض لتلك الأقوال فى مرافعته وتلا بعضها وأبدى
دفاعه فى شأنها دون أن يستعمل الرخصة التى خولها له القانون من طلب تلاوة تلك الأقوال،
فإنه لا يقبل منه أن يثير أمام محكمة النقض أمر عدم تلاوة المحكمة لها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل حسين عيسى الهارونى عمدا، وذلك بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك سلاحا ناريا وترصد له فى الطريق حتى إذا ظفر به أطلق عليه مقذوفا منه فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته، وكان ذلك مع سبق الإصرار والترصد، وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات، فقررت بذلك، ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم على سيد أحمد سليمان بالأشغال الشاقة المؤبدة، فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض… الخ.
المحكمة
.. وحيث إن الطاعن بقوله فى الوجه الأول من أسباب طعنه إنه كان
من بين ما اعتمدت عليه المحكمة فى حكمها بإدانته، أقوال شاهدى الإثبات فى محاضر جمع
الاستدلالات والتحقيق الابتدائى فى حين أن التعارض يبدو واضحا بين ما شهدا به فى تلك
التحقيقات وما شهدا به فى الجلسة، وقد أصرا فى بدء شهادتهما على أنهما لا يذكران شيئا
عن الواقعة، ولكنهما عادا تحت ضغط المحكمة إلى الإدلاء بما اسعفتها به الذاكرة ولما
كانت المادة 290 من قانون الاجراءات الجنائية تجيز للمحكمة تلاوة أقوال الشاهد فى التحقيق
الابتدائى إذا قرر أنه لم يعد يذكر الواقعة أو قرر أقوالا تتعارض مع ما سبق له قوله،
فقد كان الواجب أن تعمل المحكمة – حكم القانون – احتراما لمبدأ علنية المحاكمة وشفويتها
وحتى لا تبنى حكمها إلا على ما يجرى أمامها بالجلسة فى مواجهة الجمهور والخصوم، ولا
تبنى حكمها على التحقيق الابتدائى إلا إذ تلى بالجلسة بالقيود التى وضعها المشرع، ويقول
الطاعن إن مخالفة تلك القاعدة فيه إخلال بأصول المحاكمات الجنائية رغم ما قد يوهم به
ظاهر النص من أن التلاوة رخصة للمحكمة لا واجبا عليها كما يقول إن ما جرى عليه قضاء
محكمة النقض ورسخ فى الأذهان يخالف ما قصد إليه واضعو قانون الاجراءات الجنائية من
الخروج على ما كانت تسير عليه المحاكمات الجنائية من قبل ليكون التناسق تاما بين أجزائه
وليحل محل القانونين الأهلى والمختلط فيرتفع بذلك التباين بين القضائيين، ويستند إلى
قرار مجلس الوزراء الصادر سنة 1940 بتشكيل لجنة التوحيد القانونين الأهلى والمختلط،
كما يستند إلى ما جاء بالمذكرة الايضاحية للقانون المختلط من عدم جواز الاعتماد على
التحقيقات الابتدائية أو الاستدلالات إلا إذا كان ما جاء بها قد تلى علنا بالجلسة فى
الحدود والقيود التى نص عليها، وأن ذلك القانون استهدى بقوانين تركيا والمانيا والنمسا
وبين الحالات التى تجوز فيها التلاوة على سبيل الحصر، ونص على البطلان فى حالة مخالفة
تلك النصوص، وانه لا يعقل ألا تستجيب اللجنة لقرار مجلس الوزراء الذى شكلها لتوحيد
القانونين وألا تستحدث جديدا فى قانون الاجراءات الجنائية، فتجرؤ على أن تطلب من القضاء
المختلط عدم احترام هذا المبدأ الهام فى فترة الانتقال أو ألا تحترم معاهدة منترو التى
اشترطت ألا تخرج مصر فى تشريعها عن المبادئ المعمول بها فى التشريعات الحديثة، ثم يشير
إلى نصوص المواد التى كانت الحكومة قد وضعتها فى المشروع المقدم منها إلى ما جاء فى
صددها فى مذكرتها الايضاحية ثم ينتهى من ذلك كله إلى القول بأن تلك الضمانة لم توضع
للمتهم بل للصالح العام ولاشتراك الجمهور مع المحكمة فى سماع الدعوى كاملة، ولا يغنى
عن ذلك طرح الأدلة فى الجلسة، ولا تعرض الخصوم لمناقشتها ولذا فان الحكم يكون باطلا.
ويقول الطاعن فى الوجه الثالث إن الحكم ذهب إلى إمكان رؤية الجانى وقت الحادث مستندا
فى ذلك إلى أسباب هى أقرب إلى المعلومات الشخصية وكان الواجب أن تنتقل إلى مكان الحادث
لمعاينته لكى يستطيع تقدير حالة الإضاءة.
وحيث إن ما يثيره الطاعن فى الوجه الأول مردود بما سبق أن قررته هذه المحكمة فى حكمها
الصادر فى الطعن رقم 385 سنة 22 قضائية من أن قانون الاجراءات الجنائية إذ نص فى المادة
290 منه على أنه "إذا قرر الشاهد أنه لم يعد يذكر واقعة من الوقائع يجوز أن يتلى من
شهادته التى أقرها فى التحقيق أو من أقواله فى محضر جمع الاستدلالات الجزء الخاص بهذه
الواقعة", إذ قرر القانون ذلك، وإذ أخذ فى هذا الشأن ببعض نصوص قانون تحقيق الجنايات
المختلط، فإنه لم ينقل عن ذلك القانون النص الذى كان يجرى بأنه "لا يجوز للقاضى فى
غير الأحوال التى يجوز فيها تلاوة أقوال الشاهد أن يبنى الحكم على أقوال الشهود أو
شهادتهم التى أدوها أثناء جمع الاستدلالات أو فى التحقيق وإلا كان العمل باطلا" بل
اقتصر على نص المادة 302 الذى يقوله إنه: "لا يجوز للقاضى أن يبنى حكمه على أي دليل
لم يطرح أمامه فى الجلسة" – لما كان ذلك وكان كل ما يرتكن إليه الطاعن من أعمال اللجان
التحضيرية لقانون الاجراءات الجنائية وما يزعمه من أنها كانت مقيدة بقيود تحد من حرية
المشرع لا قيمة له فى العدول عن مدلول النصوص الصريحة للقانون إلى تأويلات لا تتفق
مع تلك اانصوص، ولما كان الواضح من محضر الجلسة أن المحكمة ناقشت الشاهدين مناقشة مستفيضة
فيما أدليا به من أقوال فى التحقيقات الابتدائية، وان محامى الطاعن تعرض لتلك الأقوال
فى مرافعته وتلا بعضها وأبدى دفاعه فى شأنها دون أن يستعمل الرخصة التى خولها له القانون
من طلب تلاوة تلك الأقوال، فإنه لا يقبل منه أن يثير أمام محكمة النقض أمر عدم تلاوة
المحكمة لها.
وحيث إن ما يثيره الطاعن فى الوجه الثالث قد ردت عليه محكمة الموضوع بما استخلصته من
وقائع الدعوى استخلاصا سائغا، ولم تستند فيه إلى وقائع أو معلومات استمدها القضاة من
خارج مجلس القضاء.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
