قاعدة رقم الطعن رقم 120 لسنة 27 قضائية “دستورية” – جلسة 12 /03 /2006
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الحادي
عشر (المجلد الثاني)
من أول أكتوبر 2003 حتى آخر أغسطس 2006 – صـ 2369
جلسة 12 مارس سنة 2006
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي وإلهام نجيب نوار ومحمد خيري طه، وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 120 لسنة 27 قضائية "دستورية"
1 – دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة – مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة ألا تفصل المحكمة في غير المسائل الدستورية التي يؤثر
الحكم فيها على النزاع الموضوعي.
2 – عقوبة – "الأصل فيها تفريدها".
الأصل في العقوبة تفريدها. تقرير استثناء عليها. مؤداه تقرير عقوبة في غير ضرورة، أثر
ذلك.
3 – عقوبة – "مشروعيتها، مناطها".
مناط مشروعية العقوبة أن يباشر كل قاضي سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها.
4 – عقوبة "سلطة وقف تنفيذها – تفريدها".
سلطة القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة. فرع من تفريدها، تخرجها من قوالبها الصماء.
5 – عقوبة "تناسبها مع الجريمة ومرتكبها".
تناسب العقوبة مع الجريمة ومرتكبها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة.
مثال ذلك.
6 – عقوبة "سلطة الدولة في فرضها والمحاكمة المنصفة".
فرض الدولة العقوبة لا يجوز أن ينال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التي لا يطمئن المتهم
في غيابها إلى محاكمة منصفة
7 – عقوبة "شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة".
شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطتان بمن يكون مسئولاً قانوناً عن ارتكابها.
1 – قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى
الدستورية – مؤداه ألا تفصل المحكمة في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها
على النزاع الموضوعي. ومن ثم يكون للمتهم مصلحة شخصية ومباشرة في الفصل في دستورية
الفقرة الأخيرة من المادة 56 سالفة البيان.
2 – قضاء هذه المحكمة قد جرى، على أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وأن
تقرير استثناء من هذا الأصل – أياً كانت الأغراض التي يتوخاها – مؤداه أن المذنبين
جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم بالتالي يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما
يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابستها،
وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتضى.
3 – مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج
بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقررة قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها
وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور موضوعي فيعلق بها وبمرتكبها.
4 – السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها، تقديراً
بأن التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر
لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وأن
إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي، ينافي ملاءمتها لكل أحوالها وملابساتها،
بما مؤداه أن سلطة تفريد العقوبة – ويندرج تحتها الأمر بإيقافها – هي التي تخرجها من
قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ولا ينفصل عن واقعها.
5 – تناسب العقوبة مع الجريمة ومرتكبها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل
متعددة من بينها تلك التي يجريها القاضي – في كل واقعة على حدة – بين الأمر بتنفيذها
أو إيقافها، وكان المشرع – بالفقرة الأخيرة من المادة 56 المطعون عليها – قد جرد القاضي
من السلطة التي يقدر بها لكل جريمة عقوبتها التي تناسبها بما يناقض موضوعية تطبيقها.
6 – لا يجوز للدولة – في مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعي
– أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التي لا يطمئن المتهم في غيابها إلى محاكمة منصفة،
غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التي بينتها المادة من الدستور.
7 – من المقرر أن "شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها" مرتبطتان "بمن يكون قانوناً
مسئولاً عن ارتكابها" على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، ومدى الضرر الناجم
عنها، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها، وكان تقدير هذه العناصر جميعها،
داخلاً في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية باعتباره من مكوناتها، فإن حرمان
من يباشرونها من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم "بين الصيغة التي أفرغت فيها
ومتطلبات تطبيقها في حالة بذاتها" مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها
بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها "إلا عملاً مجرداً بعزلها عن بيئتها"
دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامداً فجاً مجافياً لقيم الحق والعدل.
الإجراءات
بتاريخ الثاني والعشرين من مايو سنة 2005، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 6642 لسنة 2005، بعد أن قضت محكمة الفيوم الابتدائية
– دائرة الجنح المستأنفة – بجلسة 30/ 4/ 1998 بوقفها وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية
العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة من المرسوم بقانون رقم 95
لسنة 1945 الخاص بشئون التموين معدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980 فيما نصت عليه من
عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة
العامة كانت قد أحالت محمد سيد شلقاني إلى محكمة جنح قسم الفيوم متهمه إياه أنه بتاريخ
6/ 7/ 2004 بدائرة قسم الفيوم أنتج خبزاً بلدياً ناقص الوزن، وطلبت معاقبته بالمواد
1/ أ، 8، 56، 58، 61 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المعدل بالقانون 109 لسنة
1980، وبجلسة 25/ 12/ 2004 قضت المحكمة حضورياً بمعاقبة المتهم بالحبس سنة مع الشغل
وكفالة مائة جنيه وغرامة خمسمائة جنيه والغلق لمدة شهر، وإذ لم يرتض المتهم هذا الحكم
فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 6642 لسنة 2005 جنح مستأنف الفيوم وأثناء نظر الدعوى بجلسة
19/ 3/ 2005 قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم فيها بجلسة 30/ 4/ 2005 حيث قضت بوقف الدعوى
وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية الفقرة الأخيرة
من المادة من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين والمعدلة بالقانون
رقم 109 لسنة 1980 فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة، على سند من
مخالفة ذلك لنصوص المواد (86، 165، 166) من الدستور في ضوء ما استقر عليه قضاء المحكمة
الدستورية العليا في العديد من أحكامها.
وحيث إن المادة من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين معدلة
بالقانون رقم 109 لسنة 1980 المطعون على فقرتها الأخيرة – تنص على أن: – "يعاقب على
كل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات
وبغرامة لا تقل عن ثلثمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه، ……… وفي جميع الأحوال لا
يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول
الدعوى الدستورية – مؤداه ألا تفصل المحكمة في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم
فيها على النزاع الموضوعي. ومن ثم يكون للمتهم مصلحة شخصية ومباشرة في الفصل في دستورية
الفقرة الأخيرة من المادة 56 سالفة البيان. إذ أن القضاء بعدم دستوريتها يحقق له فائدة
يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى، على أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها.
وأن تقرير استثناء من هذا الأصل – أياً كانت الأغراض التي يتوخاها – مؤداه أن المذنبين
جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم بالتالي يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما
يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابستها،
وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتضى. ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها
أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقررة
قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور
موضوعي فيعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها، تقديراً
بأن التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر
لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وأن
إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي، ينافي ملاءمتها لكل أحوالها وملابساتها،
بما مؤداه أن سلطة تفريد العقوبة – ويندرج تحتها الأمر بإيقافها – هي التي تخرجها من
قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ولا ينفصل عن واقعها.
وحيث إن تناسب العقوبة مع الجريمة ومرتكبها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل
متعددة من بينها تلك التي يجريها القاضي – في كل واقعة على حدة – بين الأمر بتنفيذها
أو إيقافها، وكان المشرع – بالفقرة الأخيرة من المادة المطعون عليها – قد جرد
القاضي من السلطة التي يقدر بها لكل جريمة عقوبتها التي تناسبها بما يناقض موضوعية
تطبيقها، وكان لا يجوز للدولة – في مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها
الاجتماعي – أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التي لا يطمئن المتهم في غيابها إلى
محاكمة منصفة، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التي بينتها
المادة 67 من الدستور، وكان من المقرر أن "شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها"
مرتبطتان "بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها" على ضوء دوره فيها، ونواياه التي
قارنتها، ومدى الضرر الناجم عنها، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها، وكان
تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية باعتباره
من مكوناتها، فإن حرمان من يباشرونها من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم "بين
الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في حالة بذاتها" مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص
العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها "إلا عملاً مجرداً بعزلها
عن بيئتها" دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامداً فجاً مجافياً لقيم الحق
والعدل.
وحيث إن النص المطعون فيه – وعلى ضوء ما تقدم – يكون قد أهدر – من خلال إلغاء سلطة
القاضي في تفريد العقوبة – جوهر الوظيفة القضائية، وجاء منطوياً كذلك على تدخل في شئونها،
مقيداً الحرية الشخصية في غير ضرورة، ونائياً عن ضوابط المحاكمة المنصفة، ووقعاً بالتالي
في حمأة مخالفة أحكام المواد (41، 67، 165، 166) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المعدلة بالقانون رقم 109 لسنة 1980، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ العقوبة.