الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 34 سنة 18 ق – جلسة 27 /10 /1949 

أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
السنة الأولى – من 27 أكتوبر سنة 1949 لغاية 22 يونيو سنة 1950 – صـ 7

جلسة 27 من أكتوبر سنة 1949

برياسة حضرة صاحب العزة محمد المفتي الجزايرلي بك رئيس المحكمة وحضور حضرات المستشارين: أحمد حلمي بك وفهيم عوض بك وعبد العزيز محمد بك ومحمد علي رشدي بك.


القضية رقم 34 سنة 18 القضائية

ا – قرار حفظ من النيابة العامة عن حادث. لا حجية له على المضرور بالحادث. لا يحول بينه وبين إقامة الدعوى المدنية بتعويض عن هذا الضرر.
ب – مسؤولية مدنية. تقصي الحكم الأحوال التي يقع فيها الحادث الضار المطلوب التعويض عنه وتقرير مسؤولية المطالب بالتعويض في هذه الحالات جميعاً لخطأ تابعه. النعي على الحكم بأنه لم يقطع برأي في الكيفية التي وقع بها الحادث. لا يقبل.
جـ – إثبات. الأخذ بأقوال شاهد لا علاقة له بالحادث للاستئناس بها في تعريف كيفية وقوعه. لا تثريب على المحكمة في ذلك.
د – مسؤولية مدنية. مكافأة استثنائية منحها العامل وفقاً لقانون المعاشات. تعويضه عن الضرر الذي أصابه عن الحادث. تبقى قائمة.
هـ – نقض. سبب جديد. دعوى التعويض.طلب رفضها. يشمل الطلب الأقل وهو استنزال مبلغ منحه المدعى من التعويض الذي يحكم به. المعنى في الحكم القاضي بالتعويض بأنه لم يبين ما إذا كان هذا المبلغ يخصم من المبلغ المحكوم به ألا. لا يعتبر سبباً جديداً.
و – مسؤولية مدنية. حكم بتقدير تعويض. عدم بيانه أن المبلغ الذي قدره مكافأة استثنائية له يخصم من مبلغ التعويض الذي حكم به أو هو زيادة عليه. قصور. الجمع بين هذين التعويضين. لا يجوز.
1 – قرار الحفظ الذي تصدره النيابة العامة أياً كان سببه سواء لأنها قدرت أن وقوع الحادث لا يرجع إلى خطأ مهما كانت صوره أو لأن نسبة الخطأ إلى شخص بعينه غير صحيحة أو لم يقم عليها دليل كاف، لا يحوز قوة الأمر المقضي قبل المضرور بالحادث فلا يحول بينه وبين الدعوى المدنية يقيم فيها الدليل على الخطأ ونسبته إلى المدعى عليه فيها.
2 – متى كان الحكم لم يجهل الخطأ الذي أقام عليه مسؤولية وزارة الداخلية عن انطلاق قذيفة من مدفع من الخلف على المحكوم له بالتعويض (عامل عندها) إذ تقصى الأحوال التي يقع فيها مثل هذا الحادث وقال بمسؤوليتها فيها جميعاً لخطأ تابعيها إما في تطمير المدفع وإما في إغلاق ترباسه وإما في التأكد من سلامة القذيفة المستعملة، ولم تدع الوزارة أن ثمة عيباً في هذا الحصر، فإنه لا يجديها نعيها على الحكم أنه لم يقطع برأي في الحالة التي وقع بها الخطأ من بين تلك الحالات التي عددها، إذ هي مسؤولة عن الحادث كيفما كان وقوعه.
3 – لا مخالفة للقانون في أن تأخذ المحكمة بشهادة شاهد من جهة ما بينه من طريقة العمل المقررة لإطلاق المدفع الذي نشأ عنه الحادث وواجب كل جندي في ذلك ولو لم تكن للشاهد علاقة بوقوع الحادث:
4 – إذا كان الحكم فيما قضى به من تعويض للمدعي على وزارة الداخلية قد قال إن المكافأة الاستثنائية التي حصل عليها المحكوم له كانت بمقتضى المادة 33 من قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 في حين أنها منحت له وفقاً للمادة 39 منه فهذا لا يؤثر في سلامة النظر الذي انتهى إليه باعتباره أن المكافأة التي منحتها وزارة الداخلية للمضرور هي مكافأة استثنائية بقدر معلوم استحقها وفقاً لهذا القانون كتعويض له عن مجرد الإصابة التي لحقته وأقعدته عن مواصلة العمل في خدمة الحكومة وأن حقه في التعويض الكامل الجابر للضرر الذي لحقه يظل مع ذلك قائماً وفقاً لأحكام القانون المدني متى كانت هذه الإصابة قد نشأت من خطأ تسأل عنه الوزارة.
5 – إذا كانت الوزارة قد طلبت رفض دعوى التعويض بأكملها، فهذا الطلب يشمل الأقل منه وهو استنزال قيمة المكافأة التي منحها المصاب من التعويض الذي يدعيه. وإذن فالتمسك أمام محكمة النقض بأن الحكم المطعون فيه قد قضى للمطعون عليه بالمبلغ المحكوم به كتعويض دون أن يبين ما إذا كان مبلغ المكافأة التي منحها يخصم منه أو لا يخصم – من ذلك لا يعتبر تمسكاً بسبب لم يسبق إبداؤه أمام محكمة الموضوع.
6 – إذا كان الحكم حين قضى بإلزام الوزارة بالمبلغ الذي قدره تعويضاً للمدعي لم يبين هل المبلغ الذي قدر للمدعي كمكافأة استثنائية زيادة على ما استحقه من مكافأة عادية يخصم من هذا المبلغ أم لا فإنه يكون مشوباً بالقصور. ذلك لأن المكافأة الاستثنائية هي في حقيقتها تعويض تلتزم به الحكومة بمجرد وقوع الحادث على أسس ونسب عينها قانون المعاشات، فإن التزمت الحكومة أيضاً وفقاً للقانون المدني بتعويض المضرور باعتبارها مسؤولة عن الخطأ الذي أدى إلى وقوع الحادث لم يكن للمضرور أن يجمع بين التعويضين كليهما معاً لأن هذين الالتزامين متحدان في الغاية وهي جبر الضرر جبراً مكافئاً له ولا يجوز أن يزيد عليه.


الوقائع

في يوم 24 من فبراير سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف مصر الصادر يوم 28 من ديسمبر سنة 1947 في الاستئناف رقم 732 سنة 63ق وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنة قبول الطعن شكلاً ونقض الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً برفض الدعوى احتياطياً بإحالة القضية على محكمة استئناف مصر وإلزام المطعون عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إنه بني على خمسة أسباب محصل الأول منها أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعنة بتعويض المطعون عليه عن الضرر الذي أصابه من انطلاق قذيفة المدفع من الخلف استناداً إلى نسبة ذلك الخطأ إلى أحد الجنود المنوط بهم العمل على هذا المدفع وإلى أن الطاعنة مسؤولة عن هذا الخطأ بحكم تبعية هؤلاء الجنود لها – إذ قضى الحكم بذلك – رغم أن النيابة العامة قد قررت أن الحادث وقع قضاء وقدراً، وأصدرت أمراً فيه بالحفظ القطعي فنفت بذلك وقوع خطأ مهما كان نوعه تسبب عنه الحادث – يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن قرار الحفظ الذي تصدره النيابة العامة أياً كان سببه سواء لأنها قدرت أن وقوع الحادث لا يرد إلى خطأ مهما كانت صوره أو لأن نسبة الخطأ إلى شخص بعينه غير صحيح أو لم يقم عليه دليل كاف – هذا القرار لا يحوز قوة الأمر المقضي قبل المضرور بالحادث فلا يحول بينه وبين الدعوى المدنية يقيم فيها الدليل على الخطأ ونسبته إلى المدعى عليه فيها.
ومن حيث إن محصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه – إذ أقام قضاءه بمسئولية الطاعنة على وقوع خطأ دون أن يعين هذا الخطأ ومع أن المطعون عليه قد عجز عن إثباته – يكون مقاماً على فروض أساسها الشك والتخمين ومن ثم يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بدأ ببيان الكيفية التي يتم بها إطلاق المدفع توصلاً إلى تحديد مسئولية كل من الجنود القائمين على ذلك فقال "- عن كيفية تعمير المدفع وهي تستلزم حسب رواية الشاهد الذي كان جاويشاً في المطافئ تعاون ثلاثة من العساكر، يبدأ أولهم بتنظيف المدفع وهي العملية التي تسمى بالطومار ويعقبه ثان يضع الخرطوشة ويثقبها بمخراز ويقف إلى يمين المدفع ويتقدم العسكري الثالث بعدئذ من موقفه على يسار المدفع ويقفل الترباس ويلويه حتى لا تنطلق القذيفة من الخلف ويحضر الكبسولة ويضعها في الفونية ويشدها بجبل طوله أربعون سنتيمتراً فتنطلق القذيفة وهذا الذي رواه الشاهد يتفق وما يستخلص من التحقيق الذي أجراه البوليس عقب الحادث، فإنه وإن لم يذكر فيه صراحة عمل كل من العساكر على وجه التحديد إلا أنه يؤخذ مما قرره الأونباشي محمد الرشيدي في محضر 6 مايو سنة 1942 أنه كان موجوداً بميدان ملعب الكرة ومعه ست عساكر ومدفعان لمناسبة عيد الجلوس الملكي، ويستنتج من عدد العساكر والمدافع أن لكل مدفع ثلاثة من العساكر يباشرون الأعمال اللازمة لانطلاقه على النحو الذي ذكره الشاهد عبد النبي إبراهيم" – ثم قال الحكم: "وحيث إنه بصرف النظر عما جاء في هذا التقرير خاصاً بإسناد الخطأ إلى المصاب لأن عمله ينحصر في وضع الخرطوشة وثقبها بالمخراز وهو ما أسماه تعمير المدفع، أما إطلاق المدفع فيتولاه عسكري غيره بدليل ما قرره في محضر التحقيق بتاريخ 13 مايو سنة 1942 من أن العملية يتناولها ثلاثة واحد للتنظيف وواحد للتعمير وثالث للضرب، وقد سبق القول بأن الأخير يتعين عليه إغلاق الترباس وإحكامه ثم وضع الكبسولة وشدها لتنطلق القذيفة -" ثم انتهى الحكم إلى قوله – "بصرف النظر عما قرره الخبير في خصوص عمل المصاب، فإنه علل انطلاق القذيفة من الخلف بأحد السببين اللذين تقدم ذكرهما، فإذا أضيف إليهما سبب ثالث وهو احتمال أن يكون غطاء القذيفة قديماً أو متهتكاً وهو احتمال جائز ومعقول توافرت الأسباب التي يعزي الحادث إلى واحد منها وقد لا يعزي إلى غيرها وهي في مجموعها تلقي المسئولية على الوزارة لأن إهمال التنظيف أو عدم إحكام رتاج فتحة المدفع الخلفية يرجع إلى خطأ العسكري المنوب بهذا العمل – وخطؤه يترتب عليه مساءلة الوزارة التي استخدمته وهي مسئولية مفترضة قانوناً لا تملك الوزارة دفعها ما دامت صلة التبعية قائمة ووقوع الخطأ أثناء العمل أو بسببه حاصلاً ومقرراً وكذلك الحال إذا كان الحادث مرجعه إلى عيب في القذيفة، إذ يجب أن يراعى في استعمال الأشياء القابلة للانفجار منتهى الدقة والحذر للتأكد من سلامتها وصلاحيتها منعاً للأخطار وصوناً للأرواح".
ومن حيث إنه من ذلك يبين أن الحكم المطعون فيه لم يجهل الخطأ الذي أقام عليه مسئولية الطاعنة فقد تقصى الأحوال التي يقع فيها الحادث وقال فيها جميعاً بمسئولية الطاعنة لخطأ تابعيها إما في تطمير المدقع وإما في إغلاق ترباسه وإما في التأكد من سلامة القذيفة المستعملة، ولم تدع الطاعنة عيباً في هذا الحصر – ولا جدوى من النعي على الحكم أنه لم يقطع برأي في الحالة التي وقع بها الخطأ من بين تلك الحالات الثلاث متى كانت الطاعنة مسئولة عن الحادث كيفما كان وقوعه.
ومن حيث إنه لذلك يكون هذا السبب مردوداً متعين الرفض.
ومن حيث إن محصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه – إذ قال بعجز المطعون عليه عن تنفيذ الحكم التمهيدي وأن الشاهد الذي أشهده فيه لا علاقة له بظروف الحادث ثم اعتمد على شهادته وجعلها أساساً لقضائه – يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه لا يخالف القانون في شيء أن تأخذ المحكمة بشهادة الشاهد فيما بينه من طريقة العمل المقررة لإطلاق المدفع الذي نشأ عنه الحادث وواجب كل جندي في ذلك ولو لم تكن للشاهد علاقة بوقوع الحادث.
ومن حيث إن محصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور في التسبيب. ذلك لأن المحكمة سلمت بشيوع المسئولية بين الطاعنة والمطعون عليه إلا أنها رجحت مسئولية الطاعنة دون أن تبدي لذلك أسباباً مع أن الثابت من اعتراف المطعون عليه في التحقيق الذي أجراه البوليس أنه عمر المدفع بيده اليسرى ثم وقف خلفه مع أنه – وفقاً للتقرير الفني المقدم في ملف الدعوى – كان عليه أن يعمر المدفع بيده اليمنى ثم يحكم الترباس ويقف بعد ذلك إلى يسار المدفع.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما أثبته الحكم المطعون فيه من أنه ليس إلا ثلاث صور لوقوع الحادث وأن الطاعنة مسؤولة فيها جميعاً وبأنه قد رد على ما تضمنه تقرير قائد المدفعية المحافظة الملكية من نسبة الخطأ إلى المطعون عليه استناداً إلى ما تبين للمحكمة من أن عمل المطعون عليه كان قاصراً على تعمير المدفع، أما إطلاقه وإحكام إغلاق الترباس فيتولاها جنديان آخران.
ومن حيث إن محصل السبب الخامس أن الحكم المطعون فيه جاء خاطئاً من وجهين الأول أنه قال إن المكافأة الاستثنائية التي حصل عليها المطعون عليه كانت بمقتضى المادة 33 من قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 مع أنها منحت له وفقاً للمادة 39 منه – والثاني أنه قضى للمطعون عليه بالمبلغ المحكوم به دون أن يبين هل يخصم منه مبلغ المكافأة أم لا يخصم.
ومن حيث إن الوجه الأول من هذا السبب مردود بأن استناد الحكم المطعون فيه إلى المادة 33 من قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 دون المادة 39 منه لا يؤثر على سلامة النظر الذي ذهب إليه باعتباره أن المكافأة التي منحتها الطاعنة المطعون عليه هي مكافأة استثنائية بقدر معلوم استحقها وفقاً لهذا القانون كتعويض على مجرد الإصابة التي لحقته وأقعدته عن مواصلة العمل في خدمة الحكومة، وأن حقه في التعويض الكامل الجابر للضرر الذي لحقه يظل مع ذلك قائماً وفقاً لأحكام القانون المدني إذا كانت هذه الإصابة قد نشأت من خطأ تسأل عنه الطاعنة.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من هذا السبب فإن النيابة العامة دفعت بعدم قبوله لأن الطاعنة لم تثبت أنها تمسكت بهذا النعي لدى محكمة الموضوع فلا يجوز لها أن تثيره أمام هذه المحكمة لأول مرة وهذا الدفع مردود بأن الطاعنة قد طلبت رفض الدعوى بأكملها، وهو طلب يشمل الأقل منه وهو استنزال قيمة المكافأة من التعويض الذي يدعيه المطعون عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه – إذ قضى بإلزام الطاعنة بالمبلغ الذي قدره تعويضاً للمطعون عليه دون أن يبين هل المبلغ المقدر للمطعون عليه كمكافأة استثنائية زيادة على ما استحقه من مكافأة عادية يخصم من هذا المبلغ أم لا – يكون مشوباً بالقصور. ذلك لأن المكافأة الاستثنائية هي في حقيقتها تعويض تلتزم به الحكومة بمجرد وقوع الحادث على أسس ونسب عينها قانون المعاشات.
فإن التزمت الحكومة أيضاً طبقاً للقانون المدني بتعويض المطعون عليه باعتبارها مسؤولة عن الخطأ الذي أدى إلى وقوع الحادث لم يكن للمطعون عليه أن يجمع بين التعويضين كليهما معاً لأن هذين الالتزامين متحدان في الغاية وهي جبر الضرر جبراً مكافئاً له ولا يجوز أن يزيد عليه. ومن ثم يتعين نقض الحكم في خصوص هذا الوجه.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات