قاعدة رقم الطعن رقم 68 لسنة 19 قضائية “دستورية” – جلسة 31 /07 /2005
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الحادي
عشر (المجلد الثاني)
من أول أكتوبر 2003 حتى آخر أغسطس 2006 – صـ 1912
جلسة 31 يوليو سنة 2005
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري ومحمد عبد القادر عبد الله ومحمد خيري طه والدكتور عادل عمر شريف وتهاني محمد الجبالي، وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 68 لسنة 19 قضائية "دستورية"
1 – دستور "شريعة إسلامية – تطبيق المادة الثانية من الدستور".
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها في مجال
تطبيقها للمادة الثانية من الدستور بعد تعديلها لا تمتد لغير النصوص القانونية الصادرة
بعد ذلك التعديل الحاصل في 22 من مايو سنة 1980.
2 – شريعة إسلامية "أحكام قطعية: امتناع الاجتهاد – أحكام ظنية: اجتهاد ولي الأمر".
الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معاً هي وحدها التي يمتنع الاجتهاد فيها
– الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معاً، باب الاجتهاد يتسع فيها
لمواجهة تغير الزمان والمكان وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد – هذا الاجتهاد وإن كان
جائزاً ومندوباً من أهل الفقه فهو في ذلك أولى وأوجب لولى الأمر.
3 – شريعة إسلامية "عقود: عقد إيجار: تحديد الأجرة".
اختلاف الفقهاء فيما هو مقصود بالعقد في تفسير الآية الكريمة {يا أيها الذين آمنوا
أوفوا بالعقود} هذا الاختلاف يكشف عن ظنية دلالة هذا النص بالرغم من قطعية ثبوته –
رحبت الآفاق باجتهاد الفقهاء في أحكام عقد الإيجار – تدخل المشرع في أمر تحديد الأجرة
ووضع ضوابط لتقديرها بقصد علاج أزمة الإسكان وتيسير الانتفاع بالأعيان المؤجرة لغالبية
المواطنين ومواجهة الارتفاع الفاحش في الإيجارات وتحقيقاً للتوازن في العلاقة بين المؤجر
والمستأجر دون حيف أو جور يؤدي إلى مصلحة معتبرة شرعاً ولا يكون المشرع قد خرج عن دائرة
ما اجتهد فيه الفقهاء ولم يخالف حكماً شرعياً قطعي الثبوت والدلالة – لا مخالفة لأحكام
الشريعة الإسلامية بأي وجه من الوجوه.
4 – حق الملكية "دور اجتماعي – قيود".
كفل الدستور حق الملكية الخاصة – لم يخرج الدستور عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق
الملكية حيث يجوز تجميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية طالما
لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق الملكية في جوهره أو يعدمه جل خصائصه.
5 – حرية التعاقد "صلتها بحق الملكية".
جرى قضاء المحكمة على أن حرية التعاقد، وثيقة الصلة بالحق في الملكية، هذه الحرية تعتبر
حقاً طبيعياً ولازماً لكل إنسان – يستحيل وصف هذه الحرية بالإطلاق – يجوز فرض قيود
عليها وفق أسس موضوعية.
1 – حيث إنه عن النعي بمخالفة النصين المطعون عليهما لأحكام الشريعة الإسلامية بما
تضمنته من تقرير لحرية التعاقد وتحريم للتسعير. فإنه مردود، ذلك أن المقرر في قضاء
هذه المحكمة أن الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها
للمادة الثانية من الدستور بعد تعديلها، لا تمتد لغير النصوص القانونية الصادرة بعد
ذلك التعديل الحاصل في 22 مايو سنة 1980.
2 – قضاء هذه المحكمة من أن الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معاً، هي وحدها
التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً
أو تبديلاً، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معاً، فإن باب
الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد وهو
اجتهاد وإن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو في ذلك أوجب وأولى لولي الأمر ليواجه
ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءاً وجلباً للأمرين معاً.
3 – إذ كان الحكم القطعي الثبوت في شأن العقود كافة، هو النص القرآني الكريم "يا أيها
الذين أمنوا أوفوا بالعقود" – آية رقم سورة المائدة – وقد اختلف الفقهاء اختلافا
كبيراً فيما هو مقصود بالعقد في تفسير الآية الكريمة، ونضحت كتب المفسرين بهذا الاختلاف
الذي كشف عن ظنية دلالة هذا النص بالرغم من قطعية ثبوته. كما رحبت الآفاق لاجتهاد الفقهاء
في أحكام عقد الإيجار سواء من ناحية مدته أو من ناحية قيمة الأجرة وجواز التسعير فيها
شرعاً، فحرمه البعض بينما أجازه آخرون بل أوجبوه تحقيقاً للعدل الاجتماعي، الأمر الذي
تعين معه القول بأن تدخل المشرع في أمر تحديد الأجرة ووضع ضوابط لتقديرها بقصد علاج
أزمة الإسكان وتيسير الانتفاع بالأعيان المؤجرة لغالبية المواطنين ومواجهة الارتفاع
الفاحش في الإيجارات، وتحقيقاً للتوازن في العلاقة بين المؤجر والمستأجر دون حيف أو
جور بما يؤدي إلى مصلحة معتبره شرعاً، لا يكون قد خرج عن دائرة ما اجتهد فيه الفقهاء
ولم يخالف حكماً شرعياً قطعي الثبوت والدلالة، ومن ثم فلا مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية
بأي وجه من الوجوه.
4 – حيث إنه عن النعي بمساس النصين الطعينين بالملكية الخاصة وإخلالهما بمبدأ التضامن
الاجتماعي، فإنه مردود أيضاً، ذلك أنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة،
وحوطه بسياج من الضمانات التي تصون هذه الملكية وتدرأ كل عدوان عليها، إلا أنه في ذلك
كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود
التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، وطالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق
الملكية في جوهره أو يعدمه جل خصائصه.
5 – جرى قضاء المحكمة أيضاً على أن حرية التعاقد – وهي وثيقة الصلة بالحق في الملكية
– قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية، وهذه الحرية التي تعتبر حقاً
طبيعياً ولازماً لكل إنسان يستحيل وصفها بالإطلاق، بل يجوز فرض قيود عليها وفق أسس
موضوعية تكفل متطلباتها دون زيادة أو نقصان فلا تكون حرية التعاقد بذلك ألا حقاً موصوفاً
لا يدنيها من أهدافها إلا قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها، بين تمردها على كوابحها
والحدود المنطقية لممارستها، بين مروقها مما يحد من اندفاعها وردها إلى ضوابط لا يمليها
التحكم. وفي إطار هذا التوازن تتحدد دستورية القيود التي يفرضها المشرع عليها. فإذا
ساغ للسلطة التشريعية استثناءً أن تتناول أنواعاً من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم
آمر فإن ذلك لا بد وأن يكون مستنداً إلى مصلحة مشروعة.
الإجراءات
بتاريخ الخامس من إبريل سنة 1997، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادتين (14 و15)
من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر
والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً
برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعى
عليه الرابع كان قد أقام الدعوى رقم 10 لسنة 1991 أمام محكمة الجيزة الابتدائية، طعناً
على قرار لجنة تقدير الأجرة للوحدة السكنية التي يستأجرها بالعقار المملوك للمدعية
بقرية وراق العرب مركز إمبابة بأجرة شهرية اتفاقية مقدارها أربعون جنيهاً طالباً إلغاءه.
والمحكمة ندبت خبيراً، وقدم تقريره منتهياً فيه إلى أن البيت أنشئ عام 1978على كل مساحة
الأرض المسموح بالبناء عليها مستكملاً إلى الحد الذي تسمح به قيود الارتفاع، وأنه وفقاً
للقانون 49 لسنة 1977 الذي يخضع له تكون الأجرة 23.75 جنيها شهرياً. وبجلسة 3/ 3/ 1997
دفعت المدعية بعدم دستورية المادتين (14 و15) من القانون 49 لسنة 1977 وبعد أن قدرت
المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إنه قد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بحكمها الصادر بتاريخ 2/ 12/ 2000
في القضية رقم 166 لسنة 21 قضائية دستورية والمنشور في الجريدة الرسمية في عددها رقم
بتاريخ 14/ 12/ 2000 برفض الدعوى بالنسبة لنص الفقرتين الثانية والثالثة في المادة
من القانون الطعين. ومن ثم فإن هذا القضاء بماله من حجية مطلقه في مواجهة الكافة،
تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه من جديد فإن الدعوى بشأن هاتين الفقرتين
تكون غير مقبولة. ويبقى الطعن قاصراً على الفقرة الأولى من المادة والمادة من القانون المشار إليه.
وحيث إن النص في الفقرة الأولى من المادة المطعون عليها على أنه "تقدر أجره المبنى
المرخص في إقامته من تاريخ العمل بهذا القانون على الأسس التالية:
صافى عائد استثمار العمارة بواقع 7% (سبعة في المائة) من قيمة الأرض والمباني.
مقابل استهلاك رأس المال ومصروفات الإصلاحات والصيانة والإدارة بواقع 3% (ثلاثة في
المائة من قيمة المباني) كما جاء النص في المادة على أنه "يكون تحديد أجرة المباني
بعد إنشائها على أساس تقدير قيمة الأرض، وفقاً لثمن المثل في عام 1974 مع زيادة سنوية
مقدارها 7% (سبعة في المائة) لحين البناء، وتقدير قيمة المباني وفقاً للتكلفة الفعلية
وقت البناء، وذلك دون التقيد بالأجرة المبدئية المقدرة للمبنى قبل إنشائه مع الالتزام
بمستوى المباني المبين بالموافقة الصادر على أساسها ترخيص البناء، ودون اعتداد بأية
زيادة في المواصفات أثناء التنفيذ.
وتحسب كامل قيمة الأرض والمباني والأساسات……..
أما في حالة البناء على كل المساحة المسموح بالبناء عليها….. وإذا كان البناء لا
يشغل غير جزء من الأرض المسموح بالبناء عليها………..".
وحيث إن المدعية تنعى على النصين المطعون عليهما إهدارهما لإرادة المتعاقدين بما يناهض
مبادئ الشريعة الإسلامية التي تقضى بأن العقد شريعة المتعاقدين وتحرم التسعير. فضلاً
عن مساسها بالملكية الخاصة ومخالفتها لمبدأي التضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النصين المطعون عليهما لأحكام الشريعة الإسلامية بما تضمنته
من تقرير لحرية التعاقد وتحريم للتسعير. فإنه مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة
أن الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها للمادة
الثانية من الدستور بعد تعديلها، لا تمتد لغير النصوص القانونية الصادرة بعد ذلك التعديل
الحاصل في 22 مايو سنة 1980، ولا كذلك المادتين المطعون عليهما حيث لم يلحقهما تعديل
بعد نفاد التعديل. وحتى لو قيل بخضوعهما له بتصور أنه قد لحقهما تعديل بالإحالة الواردة
في المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 فإن النعي يبقى كذلك مردوداً بما استقر
عليه قضاء هذه المحكمة من أن الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معاً، هي
وحدها التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل
تأويلاً أو تبديلاً، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معاً،
فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان وتطور الحياة وتنوع مصالح
العباد وهو اجتهاد وإن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو في ذلك أوجب وأولى لولي
الأمر ليواجه ما تقتضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءا وجلباً
للأمرين معاً، وإذ كان الحكم القطعي الثبوت في شأن العقود كافة، هو النص القرآني الكريم
"يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود" – آية رقم سورة المائدة – وقد اختلف الفقهاء
اختلافا كبيراً فيما هو مقصود بالعقد في تفسير الآية الكريمة، ونضحت كتب المفسرين بهذا
الاختلاف الذي كشف عن ظنية دلالة هذا النص بالرغم من قطعية ثبوته. كما رحبت الآفاق
لاجتهاد الفقهاء في أحكام عقد الإيجار سواء من ناحية مدته أو من ناحية قيمة الأجرة
وجواز التسعير فيها شرعاً، فحرمه البعض بينما أجازه آخرون بل أوجبوه تحقيقاً للعدل
الاجتماعي، الأمر الذي تعين معه القول بأن تدخل المشرع في أمر تحديد الأجرة ووضع ضوابط
لتقديرها بقصد علاج أزمة الإسكان وتيسير الانتفاع بالأعيان المؤجرة لغالبية المواطنين
ومواجهة الارتفاع الفاحش في الإيجارات، وتحقيقاً للتوازن في العلاقة بين المؤجر والمستأجر
دون حيف أو جور بما يؤدي إلى مصلحة معتبره شرعاً، لا يكون قد خرج عن دائرة ما اجتهد
فيه الفقهاء ولم يخالف حكماً شرعياً قطعي الثبوت والدلالة، ومن ثم فلا مخالفة لأحكام
الشريعة الإسلامية بأي وجه من الوجوه.
وحيث إنه عن النعي بمساس النصين الطعينين بالملكية الخاصة وإخلالهما بمبدأ التضامن
الاجتماعي، فإنه مردود أيضاً، ذلك أنه ولئن كان الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة،
وحوطه بسياج من الضمانات التي تصون هذه الملكية وتدرأ كل عدوان عليها، إلا أنه في ذلك
كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود
التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، وطالما لم تبلغ هذه القيود مبلغاً يصيب حق
الملكية في جوهره أو يعدمه جل خصائصه، كما جرى قضاء المحكمة أيضاً على أن حرية التعاقد
– وهي وثيقة الصلة بالحق في الملكية – قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية،
وهذه الحرية التي تعتبر حقاً طبيعياً ولازماً لكل إنسان يستحيل وصفها بالإطلاق، بل
يجوز فرض قيود عليها وفق أسس موضوعية تكفل متطلباتها دون زيادة أو نقصان فلا تكون حرية
التعاقد بذلك ألا حقاً موصوفاً لا يدنيها من أهدافها إلا قدر من التوازن بين جموحها
وتنظيمها، بين تمردها على كوابحها والحدود المنطقية لممارستها، بين مروقها مما يحد
من اندفاعها وردها إلى ضوابط لا يمليها التحكم. وفي إطار هذا التوازن تتحدد دستورية
القيود التي يفرضها المشرع عليها. فإذا ساغ للسلطة التشريعية استثناءً أن تتناول أنواعاً
من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم آمر فإن ذلك لا بد وأن يكون مستنداً إلى مصلحة
مشروعة. لما كان ذلك، وكان المشرع قد أورد بنص المادتين (14 و15) المطعون عليهما وغيرهما
من مواد القانون رقم 49 لسنة 1977 تنظيماً متكاملاً لتحديد أجرة الأماكن التي يسري
عليها أحكامه، واضعاً أسس وقواعد موضوعية لتقدير الأجرة وإجراءات تحديدها، وأوكل ذلك
إلى لجان إدارية تشكل وتقوم بأعمالها وفق أحكام القانون، وتلتزم بالأسس الموضوعية التي
حددها لها، دون أن يجعل قراراتها نهائية، وإنما أباح لذوي الشأن حق الطعن فيها أمام
المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها المكان المؤجر. وقد كان المشرع في تقريره لذلك
التنظيم محكوماً بضرورة اجتماعية ملحة من زيادة في أجرة الأماكن بما لا يتناسب مع دخول
القاعدة العريضة من أفراد المجتمع، وما قد يؤدي إلى ذلك من تشريد لآلاف منهم لعدم قدرتهم
على الوفاء بالتزاماتهم في سداد الأجرة إذ ما ترك أمر تحديدها بيد مؤجريها وحدهم وما
ينتج عن ذلك من تفتيت لبنية المجتمع وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته ممن لا يملكون
ولا يقدرون ومن يملكون ويتحكمون، ومن ثم كان لزاماً على المشرع – بما له من سلطة تقديرية
– أن يتدخل بالتنظيم مستهدفاً إزالة أسباب الخلاف بين المؤجرين والمستأجرين، موازناً
بين مصلحة هذا وذاك ودون تعسف أو استغلال، عن طريق وضع أسس موضوعية عادلة لتقدير الأجرة
عن طريق لجان محايدة، تراقبها المحكمة المختصة. ومن ثم فإن تدخل المشرع على هذا النحو
يكون قد قام على سبب صحيح يبرره مرتبطاً منطقياً بالأغراض التي توخاها بما لا يعد إخلالاً
بمبدأ التضامن الاجتماعي، بل تأكيداً له، فضلاً عن أن النصين الطعينين لم يهدرا الأجرة
الاتفاقية التي قبلها الطرفان المتعاقدان، إذ لم يجعل المشرع لإدارة المتعاقدين بشأناً
في تقدير هذه الأجرة، بل ضبطها بقواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها وهو ما يملكه.
ولا يعدو كل اتفاق على مقدار الأجرة، أن يكون تحديداً مبدئياً لمبلغها، لا يبطل عمل
القواعد الآمرة ولا يقفها. بل تظل هذه القواعد وحدها إطاراً نهائياً لتقديرها. ولا
يجوز بالتالي القول بأن المشرع قد عدل بهذه القواعد الآمرة عقداً نشأ صحيحاً وفقاً
لأحكام القوانين المعمول بها. بل الصحيح أن العقد أبرم في ظل نفاذ القواعد الآمرة وعلى
خلافها ويتعين بالتالي أن يرد إلى أحكامها.
وحيث إنه عن قاله مخالفة النصين المطعون عليها لمبدأ تكافؤ الفرص فإنه لا محل لها،
ذلك أن هذا المبدأ يفترض بالضرورة أن تكون ثمة فرص محدودة عدداً تعهدت الدولة بتقديمها،
ويتزاحم عليها طالبوها للنفاذ إليها وهو ما يخرج عن مجال التنظيم محل النصين الطعينين.
وحيث إن النصين المطعون عليهما لم يخالفا حكماً أخر من أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
