الطعن رقم 1168 لسنة 31 ق – جلسة 23 /05 /1987
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة أحكام
المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 – الجزء الثاني (أول مارس 1987 – 30 سبتمبر 1987) – صـ 1322
جلسة 23 من مايو سنة 1987
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر – المستشارين.
الطعن رقم 1168 لسنة 31 القضائية
مجلس الدولة – الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع – ما يخرج
عن اختصاصها – القرارات الصادرة من النيابة العامة في منازعات الحيازة.
المادة (373 أ) مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 29 لسنة 1982.
المادة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972.
وضع المشرع تنظيماً قانونياً خاصاً للإجراءات التي تتبعها النيابة العامة لحماية واضع
اليد الظاهر عندما يرتبط الأمر بجريمة من الجرائم التي تشكل انتهاكاً لحرمة ملك الغير
– أخضع المشرع الإجراءات التي تتخذها النيابة العامة في هذا الشأن لرقابة القاضي الجزئي
المختص ثم للمحكمة التي تفصل في الدعوى الجنائية وذلك بمراعاة المواعيد المقررة بالمادة
سالفة الذكر – مؤدى ذلك: عدم اختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع
بمثل هذه المنازعات حتى لو كانت جهة الإدارة غير راضية عن قرار النيابة العامة في هذا
الشأن – يتعين على جهة الإدارة أن تتظلم من القرار الصادر في منازعة الحيازة بالطريق
الذي رسمه قانون العقوبات أو قانون الإجراءات الجنائية خاصة وأن الطرف الثاني في المنازعة
ليس من جهة إدارية وإنما هو أحد الأفراد مما لا وجه معه لإعمال نص المادة من قانون
مجلس الدولة المشار إليه – تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 27 من فبراير سنة 1985 أودع الأستاذ محمود
كامل محمود المستشار بإدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة حالياً) نائباً عن السيد
وزير المالية بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1968
لسنة 31 قضائية عليا، ضد السيد وزير العدل بصفته وذلك عن الحكم الصادر من محكمة القضاء
الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلستها المنعقدة في 3 من يناير سنة 1985
في الدعوى رقم 7572 لسنة 38 ق المقامة من الطاعن بصفته ضد المطعون ضده بصفته، والقاضي
بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وألزمت المدعي المصروفات، وطلبت الجهة الطاعنة – للأسباب
الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون
فيه والقضاء بإلغاء قرار النيابة العامة بحفظ الأوراق وما يترتب على ذلك من آثار أهمها
تمكين الجهة الإدارية من العقار محل النزاع والأرض الفضاء المحيطة بالمبنى محل عقد
الإيجار مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وقد أعلن الطعن قانوناً، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت
فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام وزير المالية بصفته المصروفات، وعين
لنظر الطعن جلسة 2 من فبراير سنة 1987 أمام دائرة فحص الطعون، وبجلسة 6 من إبريل سنة
1987 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد
والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) لنظره بجلسة 18 من إبريل سنة 1987. وقد نظرته
المحكمة بالجلسة المذكورة وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته
المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع تخلص – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق في
أن الطاعن أقام دعواه بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 25 من سبتمبر
سنة 1984 طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من النيابة العامة لصالح
المؤجرة لمصلحة الضرائب بموجب عقد الإيجار المؤرخ 13 من سبتمبر سنة 1958، وفي الموضوع
بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده المصروفات وبجلسة
3 من يناير سنة 1985 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.
واستندت المحكمة في قضائها إلى أنه ولئن كان الظاهر من وقائع الدعوى أن الأمر يتعلق
بمنازعة حول حيازة حديقة الفيلا التي تحيط بمقر مأمورية الضرائب في العقار الذي تستأجره،
وهي منازعة قامت بين المأمورية المذكورة وبين مشتري هذه الحديقة من المالكة المؤجرة
لمصلحة الضرائب، إلا أن جوهر هذه الدعوى يقوم على مخاصمة القرار الصادر من النيابة
العامة في المحضر الإداري رقم 4066 لسنة 1984 شرطة الدقي، وهو القرار الذي يصدر من
النيابة العامة في حدود اختصاصها للمعاونة في الضبط الإداري بالإبقاء على الأوضاع القائمة
حتى يصدر حكم قاضي الموضوع بحسم النزاع القائم بشأن الحيازة، فهو قرار يصدر لمنع وقوع
الجرائم ومعاونة سلطات الضبط الإداري في المحافظة على الأمن العام، وأنه وإن كان مثل
هذا القرار يخضع لرقابة القضاء الإداري، إلا أن الثابت أن مخاصمة هذا القرار تأتي من
جانب وزير المالية بصفته، وعلى ذلك تكون المنازعة بين وزارتين وجهتين حكوميتين لا تختص
المحكمة بنظرها وفقاً لحكم المادة 96/ د من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وإنما
تختص بذلك الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب إذ استند إلى نص المادة
66 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 فيها انتهى إليه من عدم الاختصاص، ذلك أن
نص المادة المذكورة وإن قضى باختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بالمنازعات
التي تنشأ بين الوزارات وبين المصالح العامة إلا أنه لم يمنع الجهات القضائية المختصة
من نظر مثل تلك المنازعات، فقانون مجلس الدولة عندما أراد أن يمنع جهات قضائية أخرى
من نظر الدعاوى الإدارية نص في المادة منه على أن "تختص محاكم مجلس الدولة دون
غيرها" ولم يتبع القانون ذات المنهج بالنسبة لاختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى
والتشريع الوارد بالمادة 66 المشار إليها، كما أن المحكمة الدستورية العليا سبق أن
انتهت إلى أن ما يصدر من الجمعية العمومية للفتوى والتشريع في المنازعات التي تنشأ
بين الجهات الحكومية ليست حكماً وإنما هي فتوى ملزمة لطرفيها، والدستور قد قرر للجميع
الحق في التقاضي بما فيهم الجهات الحكومية، ولا يمكن أن يغير المشرع هذا الحق ويستبدل
به فتوى من مجلس الدولة، وأخيراً فهناك خصم حقيقي آخر في النزاع وإن لم يختصم في أول
درجة، وهو مالكة العقار الذي صدر ذلك الحكم من ناحية الواقع لصالحها.
ومن حيث إن الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى هو من الدفوع المتعلقة بالنظام
العام، فيجوز للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها، كما يمكن إثارته لأول مرة أمام المحكمة
الإدارية العليا. والثابت من صحيفة الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه أنها انصبت
على أمر الحفظ الذي أصدرته النيابة العامة في المحضر رقم 4066 لسنة 1984 إداري قسم
شرطة الدقي بشأن الشكوى التي قدمتها الجهة الإدارية الطاعنة متضررة من التعدي الحاصل
على حديقة مبنى مأمورية ضرائب الجيزة ثان بتاريخ 19 من يوليه سنة 1984 حيث تضع المأمورية
يدها على تلك الحديقة تبعاً لا استئجارها المبنى المذكور بعقد إيجار يرجع تاريخه إلى
13 من سبتمبر سنة 1958. وقد تبين للجهة الإدارية الطاعنة أن مالكة العقار المذكور قد
حصلت على قرار بتجزئته، وباعت الحديقة إلى السيد/ هشام الهجرسي الذي يقوم بأعمال الحفر
في الحديقة بالمخالفة لعقد الإيجار المشار إليه، ومن ثم فإن التكييف القانوني لأمر
الحفظ الصادر من النيابة العامة في هذا المحضر هو مناط الفصل في مدى اختصاص القضاء
الإداري – ولائياً – بنظر الطعن عليه بالإلغاء.
ومن حيث إن قانون العقوبات نص في الباب الرابع عشر من الكتاب الثالث منه على الجرائم
التي تشكل انتهاكاً لحرمة ملك الغير (المواد من 369 إلى 373) وبمقتضى القانون رقم 29
لسنة 1982 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية أضيفت مادة
جديدة برقم 373 مكرراً إلى قانون العقوبات نصها الآتي "يجوز للنيابة العامة متى قامت
دلائل كافيه على جدية الاتهام في الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة من هذا الباب
أن تأمر باتخاذ إجراء تحفظي لحماية الحيازة على أن يعرض الأمر خلال ثلاثة أيام على
القاضي الجزئي المختص لإصدار قرار مسبب خلال ثلاثة أيام على الأكثر بتأييده أو بتعديله
أو بإلغائه. ويجب رفع الدعوى الجنائية خلال ستين يوماً من تاريخ صدور هذا القرار، وعلى
المحكمة عند نظر الدعوى الجنائية أن تفصل في النزاع بناء على طلب النيابة العامة أو
المدعي بالحقوق المدنية أو المتهم بحسب الأحوال وبعد سماع أقوال ذوي الشأن بتأييد القرار
أو بإلغائه، وذلك كله دون مساس بأصل الحق، ويعتبر الأمر أو القرار الصادر كأن لم يكن
عند مخالفة المواعيد المشار إليها وكذلك إذا صدر أمر بالحفظ أو بأن لا وجه لإقامة الدعوى.
ويبين من هذا النص أن المشرع قد وضع تنظيماً قانونياً خاصاً للإجراءات التي تتبعها
النيابة العامة لحماية واضع اليد الظاهر عندما يرتبط الأمر بجريمة من الجرائم التي
تشكل انتهاكاً لحرمة ملك الغير وجعل ما عساه أن يصدر من إجراء تحفظي تتخذه النيابة
العامة في شأن الحيازة خاضعاً لرقابة القاضي الجزئي المختص ثم للمحكمة التي تفصل في
الدعوى الجنائية وذلك مع مراعاة المواعيد التي قررها النص سالف الذكر. وهذا التنظيم
القانوني الخاص هو الواجب التطبيق لفض النزاع في مثل الحالة المعروضة دون اللجوء إلى
الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة وفقاً لنص المادة 66 من قانون
مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، حتى ولو كانت الجهة الإدارية التي رفعت الأمر للنيابة
العامة غير راضية عما صدر من النيابة العامة من قرار في هذا الشأن، ويتعين على الجهة
الإدارية المذكورة أن تتظلم من القرار الصادر في منازعة الحيازة على الوجه الذي رسمه
قانون العقوبات أو قانون الإجراءات الجنائية، وخاصة وأن الطرف المتعدي – في واقعة الحال
– على حيازة مصلحة الضرائب لعين النزاع – وهو الذي ينصرف إليه أثر الإجراء أو القرار
الذي يتخذ في هذا الشأن – ليس جهة إدارية وإنما هو أحد الأفراد مما لا ينصرف إليه ما
يصدر عن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من رأي قانوني ملزم.
ومن حيث إن المادة 61 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه "إذا رأت النيابة العامة
أن لا محل للسير في الدعوى تأمر بحفظ الأوراق" ويبين من هذا النص أن أوامر الحفظ التي
تصدرها النيابة العامة فيما يتصل بتطبيق القوانين الجنائية على واقعة المنازعة في الحيازة
لا تعد إجراء تحفظياً بتمكين طرف في مواجهة طرف آخر، ولا تعدو في هذا النطاق أن تكون
إجراء مما تتخذه النيابة العامة بمقتضى وظيفتها القضائية وبوصفها سلطة تحقيق بصدد التصرف
في الاتهام الذي تجري تحقيقه حين ترى عدم السير في الدعوى الجنائية. وبهذه المثابة
تغدو أوامر الحفظ محض إجراءات قضائية وليست من قبيل القرارات الإدارية، كما لا يترتب
على صدورها أي أثر ملزم في منازعة الحيازة المدنية ولا فيما تثيره هذه المنازعة من
حماية صاحب وضع اليد الظاهر، ولذا فإن تلك الأوامر تكون بمنأى عن الاختصاص الولائي
لمحاكم مجلس الدولة، فرقابة المشروعية التي تمارسها على القرارات الإدارية لا تمتد
إلى الأوامر التي تصدرها النيابة العامة بحكم وظيفتها القضائية، وإذ صدر أمر للحفظ
المطعون فيه من النيابة العامة في ظل القانون رقم 29 لسنة 1982 المشار إليه والذي استحدث
المادة 373 مكرراً في قانون العقوبات التي تناولت دور النيابة العامة في منازعات الحيازة
وسلطاتها بشأنها سواء باتخاذ إجراء تحفظي لحماية الحيازة عندما يتوافر لديها دلائلي
كافية على جدية الاتهام بارتكاب إحدى جرائم الحيازة أو بإصدار أمر بحفظ الأوراق أو
بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، فمن ثم تكون الدعوى مثار الطعن وموضوعها أمر الحفظ
الصادر من النيابة العامة في المحضر رقم 4066 لسنة 1984 إداري قسم شرطة الدقي قد استهدفت
إجراء قضايا مما يخرج الطعن عليه بالإلغاء عن الاختصاص الولائي للقضاء الإداري، وتقضي
المحكمة بعدم اختصاصها ولو لم يدفع أمامها بذلك، وحيث إن الحكم المطعون فيه وقد قضى
بعدم الاختصاص بنظر الدعوى فإنه يكون قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن
متعين الرفض، وتلزم الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات.
