الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1283 لسنة 8 ق – جلسة 25 /01 /1964 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة – العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) – صـ 511


جلسة 25 من يناير 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1283 لسنة 8 القضائية

موظف – تأديب – تقرير الاتهام – ضمانات الدفاع – حكم المحكمة التأديبية بمجازاة الموظف عن ثبوت واقعة، هي إحدى عناصر الاتهام المطروحة عليها جملة، بعد مواجهته بها وسماع دفاعه وأقوال الشهود في حضوره – ليس فيه مخالفة للقانون قولاً بأن المحكمة وقعت جزاء عن تهمة لم يتضمنها تقرير الاتهام المعلن إلى الموظف ولم توجه إليه – مثال.
إن الثابت من الوقائع أن المتهم وهو مدير بإحدى الشركات قد خط محرراً لأحد الموظفات بالشركة بالترقية ليس من اختصاصه إصداره، مع علمه بعدم جديته وأن المحكمة التأديبية قد ركزت الكثير من الاهتمام على الورقة التي حررها المتهم بخط يده بترشيح السيدة الشاكية للترقية، وأن إجابات الشهود الذين سئلوا ونوقشوا في شأنها كشفت عن خروج المتهم فيها على اختصاصه وعلى ما يجب أن تكون عليه العلاقة الوظيفية بين الرئيس والمرءوس، وبينت مدى ما ينطوي عليه تحريره لتلك الورقة وتركه إياها بين يدي الشاكية من مسلك معيب ما كان يجدر به التردي فيه أياً كان الباعث له على ذلك سواء كان هو غرض الترضية أو العطف أو المزاح مما لا يليق منه على هذه الصورة بالنسبة إلى مرءوسته، وأن المحكمة قد واجهت المتهم في صراحة بهذه الواقعة وبصرته بها، وقد أبدى دفاعه فيها بتعليل قصده من الورقة موضوع الاستنكار وشرح ظروف تحريره إياها، كما أن النيابة الإدارية قد أجملت واقعة تحرير هذه الورقة في ضمن ما صممت على طلب مؤاخذته من أجله تأديبياً. وإذا كان تقرير الاتهام قد حدد واقعة ذات تاريخ معين ووصف معلوم فإنه يؤخذ منه ومن مذكرة النيابة الإدارية المرفقة به والتي تضمنت تفصيلاً مسهباً للوقائع التي يقوم عليها السلوك موضوع الاتهام أن الواقعة المذكورة لم تكن سوى خاتمة مسلسلة من وقائع متتابعة ومترابطة الحلقات انتهت بهذه الواقعة الأخيرة. وقد رأت المحكمة استحقاقه التأثيم بالقدر المتيقن في واقعة تحرير ورقة الترقية وإنكاره إياها ثم اعترافه بها عندما أطلعه عليها المحقق، على اعتبار أن هذه الواقعة هي إحدى عناصر الاتهام المطروحة عليها جملة وأنها واجهته بها وسمعت فيها دفاعه وأقوال الشهود في حضوره. وقد كونت عقيدتها واقتناعها بثبوتها قبله فأدانته من أجلها بالإنذار بعد إذ رأت في تصرفه هذا خروجاً على مقتضى ما يوجبه عليه مركزه من السير الحسن والسلوك الحميد على نحو ما ورد بتقرير الاتهام. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من مخالفته للقانون بتوقيع جزاء عليه عن تهمة لم يتضمنها تقرير الاتهام المعلن إليه ولم توجه إليه، يكون في غير محله. وإذ استند الحكم المذكور إلى وقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق كون منها عقيدته واقتناعه واستخلص منها النتيجة التي انتهى إليها بإدانة سلوك الطاعن عما ثبت في حقه استخلاصاً سائغاً يؤدي إلى هذه النتيجة مادياً وقانوناً، فإنه يكون سليماً مطابقاً للقانون وقائماً على سببه المبرر لتوقيع الجزاء الذي قضي به.


إجراءات الطعن

في 17 من يونيه سنة 1962 أودع الأستاذ محمد سامي مازن المحامي نيابة عن الأستاذ/ سعد كامل المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا والموكل عن السيد شفيق محمد صالح سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1283 لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المختصة بموظفي الهيئات والمؤسسات والشركات والبنوك بجلسة 22 من إبريل سنة 1962 في الدعوى التأديبية رقم 25 لسنة 3 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد السيد/ شفيق محمد صالح، القاضي "بمجازاة الموظف المتهم شفيق محمد صالح بالإنذار عما ثبت قبله على النحو المبين بالأسباب". وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه "تحديد جلسة لنظر هذا الطعن والحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بما قضى به من مجازاة الطاعن بإنذاره، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن إلى النيابة الإدارية في 21 من يونيه سنة 1960، وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها لما أبدته بها من أسباب إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من معاقبة الطاعن عن تهمة لم ترد في قرار الاتهام، وإلزام المطعون ضدها المصروفات". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 19 من أكتوبر سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 24 من يوليه سنة 1963. وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا التي عين لنظره أمامها جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963. وقد أبلغ الطرفان بهذه الجلسة في 27 من نوفمبر سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر الدعوى، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 25 لسنة 3 القضائية أمام المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي الهيئات والمؤسسات والشركات والبنوك بإيداع أوراقها سكرتيرية المحكمة في 20 من إبريل سنة 1961 ضد السيد/ شفيق محمد صالح، المدير بشركة التأمين الأهلية، وراتبه 120 جنيهاً شهرياً، طالبة محاكمته تأديبياً طبقاً للمادتين 76/ 7 من قانون عقد العمل الموحد و11 من الفقرة الثانية من لائحة جزاءات الشركة والمواد 1، 5، 6 من القانون رقم 19 لسنة 1959، وذكرت في تقرير الاتهام الذي انتهت إليه في القضية رقم 27 لسنة 1961 (231 لسنة 1961) أن المذكور "في يوم الأربعاء الموافق 25 من يناير سنة 1961 حوالي الساعة السادسة والنصف مساء وما بعد ذلك بقليل بمقر الشركة، خرج على مقتضى ما يوجبه مركزه عليه من السير الحسن والسلوك الحميد، فوجه إلى إحدى موظفات الشركة السيدة فائزة رأفت – مستغلاً رياسته – عبارات خادشة للحياء وحاول تقبيلها عنوة، وحالت مقاومتها دون ذلك. وبهذا (يكون الموظف المذكور قد ارتكب المخالفات الإدارية المنصوص عليها في المادتين 76/ 7 من قانون عقد العمل الموحد، 11 من الفقرة الثانية من لائحة جزاءات الشركة). وجاء في مذكرة النيابة الإدارية للمؤسسات والشركات التي بني عليها قرار الاتهام أن السيدة فائزة رأفت قررت في التحقيق الذي أجري بصدد شكواها ضد السيد/ شفيق محمد صالح أنه في مساء يوم الأربعاء 25 من يناير سنة 1961 وبعد انتهاء موعد العمل الرسمي بعشر دقائق استدعاها المشكو إلى غرفته حيث استفسر منها عما فعلته في مهمة خاصة بجواز سفر والدته بمناسبة أنها المختصة بإنهاء بعض الأعمال المتعلقة بالشركة في إدارة الجوازات والجنسية فأبلغته أن الموضوع لما يتم بعد. وعقب هذا الحديث ترك مكتبه ووقف مواجهاً لها حيث انتقل إلى حديث عتاب لها بألفاظ تدل على التودد والمغازلة بسبب أنها كانت قد رفضت نقل مكتبها إلى غرفة مجاورة لغرفته. وبعد ذلك فوجئت به يمسك بها من كتفها محاولاً ضمها إليه وتقبيلها، فصدته عن ذلك ونزعت نفسها منه – بالقوة وغادرت غرفته إلى خارج الشركة. وأضافت أن المشكو سبق أن خدش حياءها بعبارات غير لائقة بمحضر التحقيق فضلاً عن تصرفه معها تصرفات غير عادية فوضع يده على كتفيها، وأنها أبلغت السيد/ إبراهيم عاصم أحد المديرين بهذه التصرفات بوصفه المشرف على شئون الموظفين. ونفت وجود أية خلافاً بينها وبين المشكو بدليل أنه وعدها بالترقية إلى وظيفة رئيسية للسكرتيرية قبل الحادث بأيام، إذ خط بنفسه كتاباً في صورة منشور تضمن مدى ثقته في خلقها وعملها ورشحها فيه للترقية. وذكرت أنها التقت بعد الحادث بزميل لها يدعى مدحت مبروك المحامي بقلم قضايا الشركة الذي لاحظ اضطرابها وقلقها، فلما استفسر منها عن سببه لم تجبه سوى أن نعتت المشكو بأوصاف تدل على الخسة والنذالة ثم توجهت بعد ذلك مباشرة إلى والد زوجها حيث أفضت له بالحادث ولم تشأ أن تخبر زوجها حرصاً على رابطة الزوجية وتنفيذاً لرغبة والده. وفي صبيحة اليوم التالي توجهت إلى إدارة الجوازات والجنسية يرافقها زوجها ولكنها لم تنجز المهمة الخاصة التي كان قد كلفها بها المشكو بسب شعورها بالضيق، وعندما توجهت إلى مقر الشركة ودخلت غرفتها لاحظت تعديلاً في وضع مكتبها بالغرفة وعرفت أن هذا بداية اضطهاد لها لرفضها الاستجابة إلى نزوات المشكو الذي علمت أنه اتفق على ذلك مع السيد/ مصطفى رياض المدير المساعد الذي يناصره ويؤيده في تصرفاته. وقد صادق الأستاذ مدحت مبروك المحامي بقلم قضايا الشركة السيدة الشاكية على أقوالها فيما يتعلق بواقعة لقائها يوم الحادث، وقرر أنه لاحظ من حديثها عن العمل شدة ضيقها فلما استفسر عن سببه أبلغته أنها متضررة من المشكو وأنها ستخبره بما حدث فيما بعد. وذكر الشاهد يوسف حسن رزق أن السيدة الشاكية كثيراً ما كانت تشكو إليه تصرفات المشكو غير اللائقة ومعاملته لها، وأنه كان يعتقد أن هذه التصرفات لا تخرج عن نطاق العمل ولا تصل إلى درجة خدش حيائها، وأضاف أنه سمع بهذه الشكوى من موظفين آخرين بالشركة وأنه بصفته من أقدم موظفي الشركة يعرف عن سلوك المشكو أنه غير متزوج وأنه تدور إشاعات حول تصرفات شخصية تصدر منه خارج نطاق العمل، وإشاعات أخرى حول استئجاره شقة مفروشة في شارع عدلي لقضاء نزواته الخاصة. وقد قرر السيد/ إبراهيم عاصم أنه سمع السيدة فائزة رأفت ثائرة بسبب تعديل وضع مكتبها، وأنه قالت له أن المشكو يضطهدها لأنها رفضت محاولته الاعتداء عليها، وأن زوجها حضر بعد ذلك وقابل السيد المدير العام المساعد وحاول الاثنان إنهاء الموضوع حرصاً على سمعة السيدة الشاكية وسمعة الشركة أيضاً وأن المذكور سبق أن شكت إليه تصرفات المشكو معها وأبدت له تضررها من هذا المسلك، وقرر السيد/ مصطفى رياض المدير العام المساعد أن السيد/ إبراهيم عاصم أبلغه أن السيدة المجني عليها تتهم السيد/ شفيق صالح بمحاولة الاعتداء عليها في مساء اليوم السابق على تعديل وضع مكتبها. وقد نفى السيد/ شفيق صالح كل ما نسب إليه وعلل الاتهام بأنه حاصل بإيعاز وتدبير من السيد/ إبراهيم عاصم أحد المديرين لوجود ضغائن بينهما ولمصلحته في القضاء عليه، وقرر أنه لا توجد أية خلافات بينه وبين السيدة/ فائزة رأفت وأنه لم يسبق أن رشحها لوظيفة السكرتارية، وبمواجهته بما حرره بخط يده من كتاب في صورة منشور يثني فيه عليها ويرشحها للترقية أجاب بأن ذلك كان على سبيل المزاح معها. وأضاف أن مصلحة المذكورة في تدبير هذا الاتهام له تنحصر في نيلها رضاء المسئولين. وقد خلصت النيابة الإدارية في مذكرتها إلى أنه من غير المعقول أن سيدة قد حسنت الشهادة في خلقها وعملها وهي متزوجة من أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة تعرض سمعتها وتسيء إلى نفسها بما يحط من شرفها لمجرد مناصرة أحد المديرين في خصومة بينه وبين مدير آخر دون ما مصلحة لها في ذلك. ولا سيما أن السيد/ إبراهيم عاصم قد سعى من جانبه في إنهاء موضوع هذه السيدة عندما حضر زوجها إلى مقرر الشركة، وإذا كانت بينه وبين المشكو خلافات فإنها لا تخرج عن نطاق العمل ولا تدعو إلى أن تزج المجني عليها بنفسها فيها. وقد ثبت أن المشكو أنكر تحريره كتاباً في صورة منشور قبل الحادث بأيام يثني فيه على أخلاق الشاكية وعملها ويرشحها للترقية لوظيفة رئيسة السكرتارية، فلما ووجه بهذا الكتاب المدون بخط يده علل ذلك بأنه إنما حرره على سبيل المزاح معها. وقد كشف التحقيق عما تحيزت به الشاكية من سمعة طيبة يؤيدها خلو ملف خدمتها منذ سنة 1957 من أية ملاحظة أو أجزاء وامتداح المسئولين في الشركة لخلقها وعملها وعدم وجود أية خلافات بينها وبين المشكو، الأمر الذي يجعل التهمة الموجهة إلى المشكو ثابتة في حقه ويهدر ما أبداه هذا الأخير من دفاع ظاهر البطلان.
وقد أبدى السيد/ شفيق محمد صالح دفاعه رداً على هذا الاتهام في مذكرة طلب فيها الحكم ببراءته مما هو منسوب إليه، ويتلخص دفاعه في أن التهمة الموجهة إليه لو صحت لكانت جناية هتك عرض تقع تحت طائلة قانون العقوبات وتهدم كل مستقبله مع أنها تقوم على أقوال لا تبلغ مرتبة الشبهة، وقد اعتمدت النيابة الإدارية على رواية السيدة الشاكية التي أخذت بها قضية مسلمة وجعلت منها الأساس الأوحد للاتهام بمقولة إن هذه الرواية جديرة بالتصديق لصدورها من سيدة مثقفة لا مصلحة لها في توجيه الاتهام، والحال أنها رواية مصطنعة مشوبة بالافتراء ولا يقبلها العقل والمنطق بل إن واقع الأمر يقطع في كذبها، فضلاً عن تناقض الشهود في أقوالهم في خصوص الواقعة الواحدة وقصور تحقيق النيابة عن التدقيق والمواجهة مع أنه كشف من أقوال الشهود عن وجود خلاف شديد بين القائمين على الشركة يرجح أن يكون هو السبب في الاتهام للإيقاع بالمتهم والتخلص من منافسته بمناصرة الشاكية لفريق من الرؤساء أملاً منها في الوصول عن هذا الطريق إلى تحقيق طموحها بوصفها حاصلة على ليسانس الآداب، وهو مؤهل عالي من المؤهلات غير الجامعة التي يحملها مديرو الشركة، ومع ذلك تشغل وظيفة كتابية تريد أن تنطلق منها بالانضمام إلى فريق من المتناجزين إلى مدارج الرقي بمثل الاعتداء الذي صورت وقوعه من المتهم على شخصيتها، وهو اعتداء لو صح لما سكت زوجها، وهو مدرس القانون الجنائي بالجامعة، ولا حموها، وهو من المحامين المرموقين، عن إبلاغ أمره إلى النيابة العامة.
وقد قدم السيد/ شفيق محمد صالح بعد ذلك مذكرة ثانية دفع فيها "بعدم اختصاص الهيئة بنظر الدعوى" وذلك استناداً إلى أنه قد صدر أثناء نظر الدعوى التأديبية القانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم شركات التأمين وأيلولة ملكيتها للدولة، ومنها الشركة التي يعمل بها، وأعقب ذلك صدور قرار جمهوري بإنشاء مؤسسة عامة للتأمين ولما كان يتقاضى مرتباً يزيد على ثمانين جنيهاً شهرياً فإن محاكمته تكون من اختصاص الهيئة التي تختص بمحاكمة الموظفين من الدرجة الأولى فما فوقها.
وبجلسة 11 من فبراير سنة 1963 قضت المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي رئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل ومن في حكمهم من موظفي الهيئات والمؤسسات والشركات والبنوك "برفض الدفع بعدم الاختصاص المبدى من الموظف المتهم وباختصاصها بنظر الدعوى.." ولم يطعن في هذا الحكم الذي بني على أن الشركة التي يعمل بها المتهم لا تزال بعد تأميمها محتفظة بنظمها وبشكلها وأوضاعها القانونية وأن المشرع لم يضف عليها في القانون رقم 19 لسنة 1959 أو القانون رقم 117 لسنة 1962 صفة المؤسسة العامة.
وقد نظرت المحكمة المذكورة الموضوع بعد ذلك وسمعت أقوال من رأت سماعهم من الشهود، وقضت بجلسة 22 من إبريل سنة 1962 "بمجازاة الموظف المتهم شفيق محمد صالح بالإنذار عما ثبت قبله على النحو المبين بالأسباب" وأقامت قضاءها على ما استخلصته بعد استعراض أقوال كل من الشاكية وذويها والمتهم والشهود من قيام شك في الاتهام وعدم وجود دليل مقنع من الأوراق يصلح لإثباته، الأمر الذي يتعين معه تبرئة المتهم من التهمة على وصفها المبين بتقرير الاتهام. إلا أن المحكمة أخذت على المذكور أنه ما كان يسوغ له أن يخط للشاكية محرراً بالترقية ليس من اختصاصه إصداره وهو يعلم عدم جديته ولم يقره أول الأمر بالتحقيق الإداري إلا بعد أن أطلعه عليه المحقق فأقره مستشفعاً بأنه حرره إرضاء للشاكية ومزاحاً معها، مع أنه في أعلا درجات السلم الإداري بالشركة وهي في أدناها إذ تعمل سكرتيرة له، وهذا مسلك معيب يجب أن ينأى عنه فلا يمزح العمل بالهزل والمزاح، وبهذا القدر المتيقن فحسب يستحق التأثيم ويتعين مجازاته عن هذه الواقعة بالإنذار.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 17 من يونيه سنة 1962 طعن السيد/ شفيق محمد صالح في هذا الحكم طالباً "تحديد جلسة لنظر هذا الطعن، والحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بإنذار مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". ونعى على الحكم المطعون فيه أنه انطوى على مخالفة للقانون فيما قضى به من مجازاة الطاعن بإنذار، إذ أن المحكمة خلقت من عندياتها تهمة لم توجه إليه وأدانته من أجلها، مع أنه من المقرر قانوناً أنه لا يجوز توقيع جزاء عن تهمة لم يتضمنها تقرير الاتهام المعلن إلى المتهم والذي يحال بمقتضاه إلى المحاكمة التأديبية والثابت أن ما أدانت المحكمة التأديبية الطاعن من أجله لم يتضمنه تقرير الاتهام المعلن إليه بل لم توجه إليه أية تهمة في شأنه.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من معاقبة الطاعن عن تهمة لم ترد في قرار الاتهام، وإلزام المطعون ضدها المصروفات". وأسست رأيها على أن من المبادئ الأساسية في المحاكمات الجنائية والتأديبية أنه لا تجوز معاقبة المتهم عن واقعة غير واردة في قرار الاتهام ولو تضمنتها أوراق الدعوى. وقد حرص المشرع في القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية على توفير الضمانات الأساسية للمتهم للدفاع عن نفسه ودرء الاتهام عنه، وذلك بإحاطته علماً بما هو منسوب إليه وإعلانه بقرار الإحالة المتضمن بياناً بالتهم وبتاريخ الجلسة ليتمكن من الحضور وتقديم ما لديه من بيانات وأوراق وأوجه دفاع وما إلى ذلك مما يتصل بحق الدفاع ويعتبر بالنسبة لهذا الحق ضمانة جوهرية يترتب على إغفالها البطلان. ومن ثم لا يجوز للمحكمة التأديبية أن تدين الموظف في تهمة لم ترد في قرار الإحالة ولم ترفع بها الدعوى لأن في هذا مفاجأة للمتهم وحرماناً له من درجة من درجات التقاضي وواضح من الحكم المطعون فيه أن المحكمة بعد أن برأت الطاعن من التهم المنسوبة إليه في قرار الاتهام عادت في ختام حكمها فأدانته عن واقعة لم ترد في هذا القرار ولا تعتبر بمثابة تعديل للوصف لأنها إضافة لتهمة جديدة لم تكن واردة في القرار أصلاً، حاصلها أن الطاعن خط للمجني عليها محرراً بالترقية ليس من اختصاصه إصداره وهو يعلم عدم جديته وعلله تعليلاً لا يليق بمثله. وبذلك تكون المحكمة التأديبية قد فصلت في واقعة لم تكن معروضة عليها ويكون حكمها واجب الإلغاء.
ومن حيث إن مثار البحث في الطعن المرفوع من المتهم شفيق محمد صالح ينحصر فيما قضى به حكم المحكمة التأديبية المطعون فيه الصادر بجلسته 22 من إبريل سنة 1962 من مجازاة المذكور بالإنذار عما اقتنعت المحكمة بثبوته قبله من سلوكه مسلكاً معيباً إذ خط للشاكية محرراً بالترقية ليس من اختصاصه إصداره مع علمه بعدم جديته، وإذ أنكر هذه الواقعة في بادئ الأمر في التحقيق الإداري ثم عاد فأقر بها بعد أن واجهه المحقق بالمحرر الذي سطره وعللها بالرغبة في إرضاء الشاكية والمزاح معها على ما بينهما من فوارق في السلم الوظيفي، وما إذا كان جزاء الإنذار هذا الذي قضت به المحكمة قد وقع عن تهمة لم يتضمنها تقرير الاتهام الذي أحيل به الموظف المذكور إلى المحاكمة التأديبية ولم توجه إليه لإبداء دفاعه فيها، أم أن هذه التهمة تدخل في ضمن عناصر الواقعة التي قدم من أجلها للمحاكمة التأديبية وتملك المحكمة رد الاتهام إليها ومساءلته عنها، وذلك بقطع النظر عما شاب منطق الحكم فيما ساقه من أسباب في خصوص التهمة الأصلية على الوجه الذي وصفتها به النيابة الإدارية في قرار الاتهام من تخاذل لا يبرر النتيجة التي انتهى إليها في شأن هذه التهمة بوصفها المشار إليه.
ومن حيث إنه يبين من التحقيق الذي أجرته المحكمة التأديبية بجلسات 4 من يونيه سنة 1961 و26 من نوفمبر سنة 1961 و25 من مارس سنة 1962 أن المحكمة ناقشت الدفاع عن المتهم في الورقة التي حررها هذا الأخير بخط يده ورشح فيها الشاكية السيدة فائزة محمد رأفت للترقية، وسألته رأيه في مدلول هذه الورقة في ضوء العلاقة بين الشاكية والمتهم، فأجاب بأن المذكور إنما حرر تلك الورقة على سبيل المزاح عندما دخلت عليه السيدة فائزة مكتبه متبرمة من عدم ترقيتها أسوة بزملائها وطالبة أن ترقى رئيسة للسكرتارية فلما خط الورقة نزعتها من البلوكنوت واحتفظت بها قائلة أنها تكتفي بذلك، وأن السيد/ إبراهيم علي عامر المدير بالشركة ذكر أن هذا الحق لا يملكه المديرون إذ أن الترقية ليست من اختصاصهم. وقد عقبت النيابة الإدارية على الدفاع عن المتهم بقولها "والنيابة تقرر بأنها قدمت الموظف المتهم عن اقتناع بارتكاب الفعل المنسوب إليه وقيام الأدلة على صحة ذلك، وهذا ثابت في شهادة المجني عليها ومن شهادة الزملاء وموظفي الشركة ومن أن تصرف المتهم كان معها موضع شكواها ومن رفع الكلفة بينه كمدير للشركة وبينها كموظفة صغيرة، وذلك بدليل الورقة التي رشحها فيها للترقية. يضاف إلى كل هذا وذاك أن الموظف المتهم لم يبد حتى الآن سبباً واحداً يدفع المجني عليها إلى اتهامه. وأخيراً انفراده بسكن مستقل في شارع عدلي باشا رغم إقامته مع والدته. وأنه لكل ذلك تصمم النيابة على طلباتها". هذا إلى أن المحكمة قد سألت السيد/ محمد مظلوم حمدي عضو مجلس الإدارة المنتدب للشركة في حضور المتهم عن قوله فيما جاء بالورقة التي حررها هذا الأخير وعما يفسرها به فرد بأن معناها يسأل عنه هو، لأنه غير مختص بترقية الشاكية، وأضاف "هذه الورقة لو رفعت إلي وكان موقعاً عليها من المدير كنت أحاسبه لتجاوزه اختصاصه، ولكن هذه الورقة لم أرها من قبل إلا الآن أمام المحكمة". كما أن النيابة سألت الشاهد المذكور عما يعلل به ما تضمنته تلك الورقة فأجاب بقوله، أنا لا اعتبرها خطاباً ولا منشوراً، وإذا وصلت إلى علمي وكان عليها توقيع فطبيعي كنت سأتخذ فيها إجراء على أساسه أنه تجاوز حدود اختصاصاته بإصدار مثل هذا القرار وحمله على الكف عن كتابة مثل هذه المنشورات التي لا تدخل في اختصاصه". كذلك استفسرت المحكمة السيد/ حليم زكي سليمان مدير الشركة معلوماته بخصوص الورقة عينها، وعما إذا لم يكن من الأجدر بالمتهم أن يتخذ الحيطة والحذر في أمرها، وما إذا كانت العادة قد جرت على تحرير مثل هذه الورقة للمرؤوسين وعن رأيه فيها وفيما احتوته. وقد أجاب عن كل هذه الأسئلة تفصيلاً بما خلاصته أن المقصود بالورقة أنه هو ترضية الشاكية وإظهار العطف عليها ولو أن الترقية هي من اختصاص العضو المنتدب وسلطاته.
إن الثابت من الوقائع أن المتهم وهو مدير بإحدى الشركات قد خط محرراً لإحدى الموظفات بالشركة بالترقية ليس من اختصاصه إصداره مع علمه بعدم جديته وأن المحكمة التأديبية قد ركزت الكثير من الاهتمام على الورقة التي حررها المتهم بخط يده بترشيح السيدة الشاكية للترقية، وأن إجابات الشهود الذين سئلوا ونوقشوا في شأنها كشف عن خروج المتهم فيها على اختصاصه وعلى ما يجب أن تكون عليه العلاقة الوظيفية بين الرئيس والمرءوس، وبينت مدى ما ينطوي عليه تحريره لتلك الورقة وتركه إياها بين يدي الشاكية من مسلك معيب ما كان يجدر به التردي فيه أياً كان الباعث له على ذلك سواء كان هو غرض الترضية أو العطف أو المزاح مما لا يليق منه على هذه الصورة بالنسبة إلى مرءوسته، وأن المحكمة قد واجهت المتهم في صراحة بهذه الواقعة وبصرته بها، وقد أبدى دفاعه فيها بتعليل قصده من الورقة موضوع الاستنكار وشرح ظروف تحريره إياها، كما أن النيابة الإدارية قد أجملت واقعة تحرير هذه الورقة في ضمن ما صممت على طلب مؤاخذته من أجله تأديبياً. وإذ كان تقرير الاتهام قد حدد واقعة ذات تاريخ معين ووصف معلوم فإنه يؤخذ منه ومن مذكرة النيابة الإدارية المرفقة به والتي تضمنت تفصيلاً مسهباً للوقائع التي يقوم عليها السلوك موضوع الاتهام أن الواقعة المذكورة لم تكن سوى خاتمة مسلسلة من الوقائع متتابعة ومترابطة الحلقات انتهت بهذه الواقعة الأخيرة. وقد رأت المحكمة استحقاقه التأثيم بالقدر المتيقن في واقعة تحرير ورقة الترقية وإنكاره إياها ثم اعترافه بها عندما أطلعه عليها المحقق، على اعتبار أن هذه الواقعة هي إحدى عناصر الاتهام المطروحة عليها جملة وأنها واجهته بها وسمعت فيها دفاعه وأقوال الشهود في حضوره. وقد كونت عقيدتها واقتناعها بثبوتها قبله فأدانته من أجلها بالإنذار بعد إذ رأت في تصرفه هذا خروجاً على مقتضى ما يوجبه عليه مركزه من السير الحسن والسلوك الحميد على نحو ما ورد بتقرير الاتهام. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من مخالفته للقانون بتوقيع جزاء عليه عن تهمة لم يتضمنها تقرير الاتهام المعلن إليه، ولم توجه إليه يكون في غير محله. وإذ استند الحكم المذكور إلى وقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق كون منها عقيدته واقتناعه واستخلص منها النتيجة التي انتهى إليها بإدانة سلوك الطاعن عما ثبت في حقه استخلاصاً سائغاً يؤدي إلى هذه النتيجة مادياً وقانوناً، فإنه يكون سليماً مطابقاً للقانون وقائماً على سببه المبرر لتوقيع الجزاء الذي قضى به. ويكون الطعن فيه، والحالة هذه على غير أساس سليم من القانون متعيناً القضاء برفضه، مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات