الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 909 لسنة 7 ق – جلسة 18 /01 /1964 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة – العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) – صـ 447


جلسة 18 من يناير سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 909 لسنة 7 القضائية

دعوى – صفة في الدعوى – عدم جواز المنازعة فيها بعد صدور حكم حائز قوة الشيء المقضي برفض طلب وقف التنفيذ – أساس ذلك ومثال.
إذا كان الثابت من الأوراق أن الدعوى رفعت في 25 من فبراير سنة 1959 على بلدية الإسكندرية مصدر القرار المطعون فيه وذلك في مواجهة السيد وزير الشئون البلدية والقروية والسيد رئيس مجلس بلدي الإسكندرية، وقد قضي في الطلب المستعجل بوقف تنفيذ هذا القرار من محكمة القضاء الإداري بجلسة 19 من مايو سنة 1959 فطعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التي قضت في 17 من فبراير سنة 1962 بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف التنفيذ – ولما كان قانون نظام الإدارة المحلية قد صدر وعمل به اعتباراً من 28 من مارس سنة 1960 وزالت بمقتضاه صفة رئيس مجلس بلدي الإسكندرية في تمثيل المجلس في التقاضي وأصبحت هذه الصفة معقودة لمحافظ الإسكندرية – فإن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في طلب وقف التنفيذ يكون قد تضمن في الوقت ذاته قبول الدعوى شكلاً وبذلك لا يجوز الرجوع إلى المنازعة في صفة المدعي عليهما بعد أن بت فيها بحكم له قوة الشيء المقضى به في هذه الخصوصية. هذا إلى أن الهيئة المختصة في المجلس البلدي هي التي تولت الرد على الدعوى والدفاع فيها وما كان الأمر ليختلف إذا ما أقيمت الدعوى ضد محافظ الإسكندرية، ومن ثم تنعدم المصلحة في الدفع ولا دفع بلا مصلحة وعلى ذلك فهذا الوجه لا يقوم على سند سليم من القانون، ولا سيما أن الجهة الإدارية لم تدفع بعدم القبول سواء أمام المحكمة الإدارية العليا عند نظر طلب وقف التنفيذ أو أمام محكمة القضاء الإداري عند نظر الموضوع وقد كان قانون الإدارة المحلية نافذاً وقتذاك. ومن ثم يتعين القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها.


إجراءات الطعن

في الطعن المقيد بسجل المحكمة برقم 909 لسنة 7 القضائية المقدم بعريضة مودعة في أول مارس سنة 1961 من السيد/ رئيس إدارة قضايا الحكومة نائباً عن السيد/ رئيس مجلس بلدي إسكندرية بصفته والسيد/ وزير الشئون البلدية والقروية بصفته نائباً عن حكومة الجمهورية العربية المتحدة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 3 من يناير سنة 1961 في القضية رقم 565 لسنة 13 القضائية المرفوعة من السيد/ سامي توفيق حبيب بصفته ممثلاً قانونياً لشركة إسكندرية للنقل والتوريدات بالإسكندرية ضد السيد/ رئيس مجلس بلدي إسكندرية والسيد/ وزير الشئون البلدية والقروية والقاضي "بإلغاء القرار الصادر من بلدية الإسكندرية في 17 من يونيه سنة 1958 بوضع الشركة المدعية في القائمة السوداء وحرمانها من الدخول في المناقصات الحكومية لمدة ثلاث سنوات وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وطلب السيد/ رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته المذكورة للأسباب التي أوردها في عريضة الطعن "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة واحتياطياً بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 565 لسنة 13 القضائية بجلسة 3 من يناير سنة 1961 والحكم برفض الدعوى مع إلزام الشركة المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد أعلن الطعن لذوي الشأن ثم نظر أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة النزاع – حسبما يبين من أوراق الطعن – تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 565 لسنة 13 القضائية في 25 من فبراير سنة 1959 طالباً فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من بلدية الإسكندرية بشطب اسم الشركة المدعية من بين المتعهدين وحرمانها من الدخول في المناقصات الحكومية وجميع الآثار المترتبة عليه مع القضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ هذا القرار حتى يفصل في الدعوى مع إلزام المعلن إليهما بالمصروفات.. وقال شرحاً لدعواه إن الشركة التي يمثلها كانت تقوم بأعمال رصف الطرق للمصالح الحكومية ومنها بلدية الإسكندرية على نطاق واسع فخصصت لهذه الأعمال أدوات ومعدات تبلغ قيمتها قرابة المائة ألف جنيه. وقد اتصل أخيراً بعلم الشركة أن بلدية الإسكندرية شطبت اسمها من بين المتعهدين لمدة ثلاث سنوات وحرمت عليها الدخول في مناقصاتها عن هذه المدة عملاً بأحكام المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات الصادر بها قرار وزارة المالية والاقتصاد رقم 542 لسنة 1957 – وبالرجوع إلى هذه المادة يبين أن الحالات الواردة بها هي وقوع غش أو تلاعب من المتعهد في معاملته مع المصالح الحكومية أو قيامه برشوة أحد موظفي الحكومة أو التواطؤ معه – وهذه الحالات عند توافرها توجب فسخ العقد ومصادرة التأمين النهائي.. لكنه من المحقق أنه لم يقع بين الشركة المدعية وبين البلدية في أية عملية أسندت إليها بشيء مما ورد في المادة المذكورة، كما أنه لم يقع خلاف اقتضى فسخ العقد ومصادرة التأمين حتى يمكن شطب اسم الشركة من بين المتعهدين تطبيقاً لحكم تلك المادة، إذ الثابت أن البلدية تسلمت من الشركة عملية رصف الطرق المحيطة بجمعية الرفق بالحيوان بمحرم بك بالإسكندرية بتاريخ 21 من يوليه سنة 1958 وصرفت للشركة جميع مستحقاتها عنها بغير اعتراض وهي آخر عملية رصف أسندت من البلدية للشركة فضلاً عن تسلم البلدية جميع أعمال الرصف الأخرى المسندة إليها بغير اعتراض. ومن ثم يكون القرار الصادر من بلدية الإسكندرية المطعون فيه قد خالف حكم القانون. وقد أجابت البلدية عن الدعوى بأنها أسندت إلى الشركة المدعية عملية رصف الشوارع المحيطة بجمعية الرفق بالحيوان بعد رسو العطاء عليها واعتمد العقد في 7 من إبريل سنة 1958 ثم صدر الأمر إلى الشركة المذكورة بالبدء في التنفيذ. وأثناء مرور السيد/ مدير الأعمال صباح يوم 9 من يونيه 1958 على مخزن الشركة الواقع على جسر ترعة المحمودية حيث تقوم الشركة بخلط مواد الرصف بآلات الخلط الميكانيكية المثبتة بالمخزن ثم تقوم بنقلها بعد عملية الخلط إلى موقع العمل وفرشها على طبقة الأساس بشوارع المنطقة لاحظا أن الشركة تقوم باستعمال الزلط القديم الذي حصلت عليه من تكسير طبقات المكدوم القديمة من الشوارع التي يتطلب الأمر تجديد رصفها. ويكون هذا الزلط عادة مختلطاً بالبيتومين والسن والأتربة وعلى هيئة كتل متماسكة مما يجعله غير صالح للاستعمال ومخالفاً لشروط البلدية ومواصفاتها التي تنص على استعمال الزلط المستورد من محاجر أبي زعبل والذي لم يسبق استعماله في أي غرض آخر. وبسؤال الريس والعمال عن الجهة التي يرسلون إليها هذا المخلوط ذكروا أنه يرسل بالسيارات إلى شارع أمين الرافعي بمحرم بك، وعلى ذلك صدر أمر بوقف أعمال الخلط بواسطة أحد ملاحظي البلدية على محتويات القادوس ثم انتقل السيد/ مدير الأعمال إلى شارع أمين الرافعي فوجد أن الكميات التي تم خلطها بالزلط القديم والتي أرسلت من المخزن قد وصلت إلى الطريق وقامت الشركة بفرشها فأوضح هذا الغش للسيد/ حبيب توفيق أحد الشركاء في هذه الشركة والذي كان موجوداً بموقع العمل وأمر بإزالة كل المسطحات التي تم فرشها بمخلوط الزلط القديم. وفعلاً نفذ سيادته هذا الأمر دون أي اعتراض. ثم توجه السيد/ مدير الأعمال إلى نقطة البوليس وقام بعمل محضر إثبات حالة رقم 45 أحوال بتاريخ 9 من يونيه سنة 1958 بحضور السيد/ حبيب توفيق حبيب. وقد قامت الإدارة الهندسية بدراسة الموضوع فاتضح لها أن هذا الغش يقع تحت البند رقم 1 من المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات التي تقضي بفسخ العقد ومصادرة التأمين النهائي وشطب الاسم من بين المتعهدين. وبدراسة موقف الشركة من العملية تبين أن الأعمال قاربت على الانتهاء ولم يبق من مدة العملية سوى أسبوعين علاوة على قرب السنة المالية. وبناء على ذلك رأت الإدارة الهندسية عدم سحب العملية من الشركة والسماح لها بتكملة الأعمال الناقصة تحت رقابة مشددة لإمكان تنفيذ باقي الأعمال حسب شروط البلدية ومواصفاتها وقد أتمت الشركة العملية تحت هذه الرقابة المشددة وسلمت العملية ابتدائياً من الشركة. وباستطلاع رأي مجلس الدولة أبدى أن ما ارتكبته الشركة يعتبر غشاً وتلاعباً يندرج تحت حكم البند رقم 1 من المادة 85 من لائحة المناقصات وأن من حق البلدية إذن شطب اسم الشركة من بين أسماء المتعهدين. وعلى ذلك فقد تقرر حرمان هذه الشركة من الدخول في المناقصات المزايدات الحكومية لمدة ثلاث سنوات ولم تخطر البلدية المدعي بالقرار واكتفت بنشره على المصالح بكتابها الدوري المؤرخ 26 من يناير سنة 1959 طبقاً للمادة 19 من قانون مجلس الدولة.
وقد عقب المدعي على رد البلدية بأن الخلط لا يتم عادة إلا بحضور مهندس البلدية ولم يحضر سيادته يوم 9 من يونيه سنة 1958 في الميعاد فقامت الشركة بإعداد الخلطة اللازمة وقد انتقل صول نقطة البوليس إلى المخزن وسأل السيد/ حبيب توفيق مندوب الشركة فقرر أن الزلط الذي أرسل إلى شارع أمين الرافعي هو زلط غير مستعمل وأن الزلط الذي كان في القادوس معد لإرساله إلى شركة الطويل وينعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون لأنه صدر بالتطبيق للفقرة الأولى من المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات ونصها "يفسخ العقد ويصادر التأمين وذلك بعد أخذ رأي مجلس الدولة وبدون إخلال بحق المصلحة في التعويضات المترتبة على ذلك في الأحوال الآتية: –
1 – إذا استعمل المتعهد الغش والتلاعب في معاملته مع المصلحة أو السلاح وحينئذ يشطب اسمه من بين المتعهدين وتخطر وزارة المالية والاقتصاد بذلك ولا يسمح له بالدخول في مناقصة حكومية هذا علاوة على إبلاغ أمره إلى النيابة العامة" ويفهم من ذلك أن استطلاع رأي مجلس الدولة إنما هو أمر حتمي. وباستقراء الأوراق يبين أن البلدية أصدرت القرار المطعون فيه بتاريخ 17 من يونيه سنة 1958 بغير أخذ رأي مجلس الدولة واعتبرت القرار نافذ المفعول من هذا التاريخ بل ونفذته فعلاً، ولا يغير من هذا المركز القانوني عرض الأمر بعد ذلك على مجلس الدولة لأن الإجراء اللاحق لا يصحح البطلان. هذا إلى عدم استناد القرار المطعون فيه إلى واقعة صحيحة، مما يلفت النظر أن البلدية مع ادعائها بوقوع غش وتلاعب من الشركة يقع تحت طائلة المادة 85 فإنها لم توقع العقوبات الأصلية وهي فسخ العقد ومصادرة التأمين وقنعت بتوقيع عقوبة تبعية. كذلك لم يتخذ المهندسون المبلغون الإجراءات التي يوجبها القانون في مثل هذه الحالة فلم يعمل محضر تثبت فيه حالة الزلط الذي وجد بقادوس الآلة ولم تؤخذ منه عينة لتحليلها، ولم تؤخذ أيضاً عينة من الزلط المقروش بمحل العمل لتحليلها طبقاً لنص المادة 43 من دفتر الشروط الفنية، هذا إلى أن مندوب الشركة قرر للمحقق من الوهلة الأولى أن الزلط الموجود في قادوس الخلاطة الميكانيكية معد للإرسال إلى مصنع شركة الطويل.
وبجلسة 19 من مايو سنة 1959 قضي في الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وقد طعن في هذا الحكم بالطعن رقم 1067 لسنة 5 القضائية الذي قضي فيه من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 17 من فبراير سنة 1962 بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف التنفيذ تأسيساً على أنه "يبدو واضحاً غش الشركة للزلط المستعمل في رصف الشوارع التي رسى على الشركة المدعية عملية رصفها وذلك من اعتراف أحد أصحاب الشركة بأن الزلط الذي كان موجوداً في قادوس ماكينة الخلط قديم ومما قرره عمال الشركة من أن هذا الزلط أرسل منه إلى شارع أمين الرافعي لاستعماله في الرصف هناك. ومن معاينة الجزء الذي كانت تقوم الشركة برصفه من الشارع المذكور ومن امتثال الشركة لأمر إزالة هذا الجزء. ويبدو مما تقدم أن البلدية كانت على حق في شطب اسم الشركة المدعية من بين المتعهدين إذ يشترط دائماً فيمن يتقدم للتعاقد مع الإدارة أن يكون متمتعاً بحسن السمعة وهذا قيد لمصلحة المرفق أكده نص المادة 3 من القانون رقم 236 لسنة 1954 الخاص بتنظيم المناقصات والمزايدات والذي يقضي بأن "تعرض العطاءات على لجنة البت مشفوعة بملاحظات رئيس المصلحة أو الفرع المختص ويجب أن تتضمن هذه الملاحظات إبداء الرأي في أصحاب العطاءات من حيث كفايتهم المادية والفنية وحسن السمعة. فللإدارة إذن حق أصيل في استبعاد من ترى استبعادهم من قائمة عملائها ممن لا يتمتعون بحسن السمعة ولها مطلق التقدير في مباشرة هذا الحق لا يحدها في ذلك إلا عيب إساءة استعمال السلطة. ولا يخل بحق الإدارة في هذا الشأن ما نصت عليه المادة 85 بند من لائحة المناقصات والمزايدات. فيجوز لها أن تشطب اسم المتعهد إذا استعمل الغش أو التلاعب ولو لم يفسخ العقد لهذا السبب. وحاصل القول أن شطب اسم المتعهد بسبب استعمال الغش والتلاعب إذا كان واجباً في حالة الفسخ فإنه أيضاً جائز إذا لم يفسخ العقد.
وبجلسة 3 من يناير سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري في موضوع الدعوى بإلغاء القرار الصادر من بلدية الإسكندرية في 17 يونيه سنة 1958 بوضع الشركة المدعية في القائمة السوداء وحرمانها من الدخول في المناقصات الحكومية لمدة ثلاث سنوات. وأقامت المحكمة قضاءها هذا على أن "واقعة الحال لا تعدو أن تكون مجرد شبهة قامت لدى مهندس البلدية في مطابقة الزلط المستعمل في الرصف في يوم 9 من يونيه سنة 1958 – وقد انتهى الأمر برفع ما تم رصفه وإعادة الرصف بما يطابق المواصفات وتسلمت البلدية العمل بعد إتمامه وصرف للشركة المدعية كامل مستحقاتها. وشطب اسم الشركة من قائمة المتعهدين هو عقوبة تبعية لا يتصور توقيعها استقلالاً دون توقيع الجزاء الأصلي الواجب إعماله بحكم القانون على المقاول الذي يلجأ إلى الغش والتلاعب في معاملته مع المصالح الحكومية فهو بهذه المثابة جزاء إجباري لا خيار لجهة الإدارة في توقيعه من عدمه إذا ما ثبت لديها غش المقاول وتلاعبه. فإذا اكتفت جهة الإدارة بتطبيق الفقرة الثانية من المادة 47 من العقد باستبعاد المواد المخالفة للمواصفات دون أن تتخذ الإجراءات المنصوص عليها في العقد ودفتر الشروط في حالات الغش، فإن واقعة الغش والتلاعب بالمعنى المقصود في حكم المادة 85 من اللائحة تكون غير قائمة قانوناً، يؤيد ذلك أن جهة الإدارة لم تنزل على الشركة المدعية الحكم الذي أوجبته هذه المادة من فسخ العقد ومصادرة التأمين – ولا اعتداد بما تثيره البلدية من أنها لم تفسخ العقد لاكتشاف واقعة الغش لقرب إنجاز العملية ولأنها تترخص في تقدير الجزاء اللازم طبقاً للمادة 85 من اللائحة – لا اعتداد بذلك لأن الغش والتلاعب في مفهوم هذه المادة من الأمور الخطيرة التي استوجب المشرع فيها فسخ العقود ومصادرة التأمين ولم يترك لجهة الإدارة فيما لا تترخص معه في التقدير.
ومن حيث إن الطعن في هذا الحكم يقوم في الشكل على الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة لأن الذي يمثل بلدية الإسكندرية التي أصدرت القرار المطعون فيه هو محافظ الإسكندرية وليس وزير الشئون البلدية والقروية أو رئيس مجلس بلدي الإسكندرية، وفي الموضوع على أن الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه على أن الغش المدعى به لم يترتب عليه فسخ العقد ومصادرة التأمين – وهذا النظر الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه مخالف للقانون.
فقد نصت المادة 85 من القرار الوزاري رقم 542 لسنة 1957 بإصدار لائحة المناقصات والمزايدات على أن "يفسخ العقد ويصادر التأمين النهائي وذلك بعد أخذ رأي مجلس الدولة وبدون إخلال بحق المصلحة في المطالبة بالتعويضات المترتبة على ذلك في الحالات الآتية: –
إذا استعمل المتعهد الغش أو التلاعب في معاملته مع المصلحة أو السلاح وحينئذ يشطب اسمه من بين المتعهدين وتخطر وزارة المالية والاقتصاد وبذلك لا يسمح له بالدخول في مناقصات حكومية علاوة على إبلاغ أمره إلى النيابة عند الاقتضاء ويتضح من مطالعة هذا النص أنه لا تلازم بين فسخ العقد ومصادرة التأمين وبين شطب اسم الشركة من بين المتعهدين من جهة أخرى. وإنما يقوم التلازم بين واقعة الغش وبين جزاء الشطب مع عدم الإخلال بحق الحكومة في المطالبة بالتعويضات. والنص المشار إليه يضع عدة جزاءات والمفروض قانوناً أن للجهة الإدارية السلطة التقديرية في توقيعها كلها أو بعضها حسبما تقتضيه المصلحة العامة، ومن ثم فإن سلطة الإدارة في توقيع الجزاءات هي سلطة تقديرية واسعة فلا تثريب عليها إن هي اختارت توقيع أحد الجزاءات دون الجزاءات الأخرى وكل ذلك يتمشى مع المنطق السليم للأصول المقررة في مجالات العقود الإدارية ذلك لأن العقد الإداري يجب أن ينفذ وفق ما يقتضيه سير المرافق العامة.
وقد تجاهل الحكم الرد على هذا الدفاع، ومن ثم يكون قضاؤه قد جاء مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن وهو الخاص بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة فالثابت من الأوراق أن الدعوى رفعت في 25 من فبراير سنة 1959 على بلدية الإسكندرية مصدره القرار المطعون فيه وذلك في مواجهة السيد/ وزير الشئون البلدية والقروية والسيد/ رئيس مجلس بلدي الإسكندرية، وقد قضي في الطلب المستعجل بوقف تنفيذ هذا القرار من محكمة القضاء الإداري بجلسة 19 من مايو سنة 1959 فطعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التي قضت في 17 من فبراير سنة 1962 بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف التنفيذ – ولما كان قانون نظام الإدارة المحلية قد صدر وعمل به اعتباراً من 28 من مارس سنة 1960 وزالت بمقتضاه صفة رئيس مجلس بلدي الإسكندرية في تمثيل المجلس في التقاضي وأصبحت هذه الصفة معقودة لمحافظ الإسكندرية – فإن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في طلب وقف التنفيذ يكون قد تضمن في الوقت ذاته قبول الدعوى شكلاً وبذلك لا يجوز الرجوع إلى المنازعة في صفة المدعى عليهما بعد أن بت فيها بحكم له قوة الشيء المقضى به في هذه الخصوصية. هذا إلى أن الهيئة المختصة في المجلس البلدي هي التي تولت الرد على الدعوى والدفاع فيها وما كان الأمر ليختلف إذا ما أقيمت الدعوى ضد محافظ الإسكندرية، ومن ثم تنعدم المصلحة في الدفع ولا دفع بلا مصلحة وعلى ذلك فهذا الوجه لا يقوم على سند سليم من القانون ولا سيما أن الجهة الإدارية لم تدفع بعدم القبول سواء أمام المحكمة الإدارية العليا عند نظر طلب وقف التنفيذ أو أمام محكمة القضاء الإداري عند نظر الموضوع وقد كان قانون الإدارة المحلية نافذاً وقتذاك. ومن ثم يتعين القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها.
ومن حيث عن موضوع الطعن فإنه مما لا نزاع فيه – حسبما هو ثابت في الأوراق أنه وجد زلط مستعمل في قادوس آلة الخلط وأن العمال الذين كانوا يباشرون عملية الخلط قرروا أن هذا الزلط يرسل إلى الشوارع بمنطقة العمل المكلفة به الشركة المدعية لحساب البلدية وقد تبين فعلاً أن العمل جار في فرش المخلوط الوارد من مخزن الشركة المذكورة على الأرض المراد رصفها وقد تأيد ذلك بمعاينة البوليس في حضور مندوب الشركة وقد أزيل فعلاً – وبدون أي اعتراض من جانب ممثل الشركة – ما تم رصفه من هذا الزلط. وكل ما أبدته الشركة من دفاع لا يؤثر في صحة الدليل القائم ضدها ولا في مساءلتها عن هذا الفعل الذي يتنافى وحسن النية في تنفيذ التزاماتها والذي يعد إخلالاً خطيراً بالعقد المبرم بينها وبين البلدية وبالتالي يزعزع الثقة ويوجب عدم الاطمئنان إليها في أن توكل إليها أعمالاً متعلقة بالمرافق العامة، وغني عن البيان أن لجهة الإدارة حق أصيل في أن ترفض التعاقد مع أي شخص أو شركة لا تطمئن إليها خصوصاً إذا ما بدا من الجانب الآخر ما يؤكد هذه المخاوف وتلك الظنون وذلك إما لأجل محدود أو غير محدود. وقد تضمن هذا الأصل القانون رقم 236 لسنة 1954 إذ نصت المادة الثالثة منه على أن تعرض العطاءات على لجنة البت مشفوعة بملاحظات رئيس المصلحة أو الفرع المختص ويجب أن تتضمن هذه الملاحظات إبداء الرأي في أصحاب العطاءات من حيث كفايتهم المادية والفنية وحسن السمعة فإذا ما رأت جهة الإدارة من تصرفات الشركة المدعية ما يمس حسن السمعة فاتخذت حيالها إجراء يدخل في سلطتها القانونية والفعلية وكان لهذا الإجراء سند في الأوراق يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها فإن قرارها على هذا الوضع يكون بمنأى عن الطعن ولا يغير من ذلك كون الجهة الإدارية قد أصدرت قرارها المطعون فيه مستندة إلى البند 1 من المادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة في سنة 1957 السابق الإشارة إليها إذ أن شطب اسم المتعهد بسبب الغش والتلاعب إذا كان أمراً واجباً في حالة فسخ العقد فإنه جائز إذا لم يفسخ العقد بحسب هذه المادة. ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر على وجه قانوني صحيح ويكون الحكم المطعون فيه إذ نحا غير هذا المنحى قد خالف القانون ويتعين والحالة هذه القضائية بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بصفته بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض لدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بصفته بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات