الرائيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1576 لسنة 28 ق – جلسة 30 /12 /1986 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون – الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 – فبراير 1987) – صـ 553


جلسة 30 من ديسمبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح السيد بسيوني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد اللطيف أحمد أبو الخير ومحمد محمود البيار وفاروق علي عبد القادر وعطية الله رسلان أحمد فرج المستشارين.

الطعن رقم 1576 لسنة 28 القضائية

هيئة الشرطة – ضباط الشرطة – ترقية.
المادة من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة.
وضع المشرع قاعدة عامة مؤداها أن الترقية إلى رتبة لواء تكون بالاختيار المطلق – الضابط الذي لا يقع عليه الاختيار للترقية إلى رتبة لواء يحال إلى المعاش مع وجوب ترقيته إلى رتبة اللواء – استثناء من هذه القاعدة يجوز إحالة الضابط الذي لا يقع عليه الاختيار للترقية إلى المعاش برتبته دون ترقيته إلى رتبة اللواء – يشترط لإعمال هذا الاستثناء أن تتوافر لدى الضابط أسباب هامة يرى معها المجلس الأعلى للشرطة عدم ترقيته – هذه الأسباب يجب أن تكون على درجة من الأهمية بحيث تمس الضابط في نزاهته وسمعته واعتباره وكفاءته – تقدير ذلك يدخل في اختصاص المجلس الأعلى للشرطة – خضوع هذا التقدير لرقابة القضاء الإداري – إذا خلصت المحكمة إلى إلغاء قرار وزير الداخلية مع ما يترتب على ذلك من آثار فإن مقتضى تنفيذ الحكم ترقيته إلى رتبة اللواء وصرف مستحقاته عنها وهي تمثل كل ما لحق الطاعن من ضرر – يعتبر ذلك خير تعويض عن الأضرار الأمر الذي يتعين معه رفض طلب التعويض – تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ الخميس 5/ 8/ 1982 أودع الأستاذ نوح السيد نوح المحامي نائباً عن الأستاذ محمد واثق بركات المحامي تقرير طعن بقلم كتاب المحكمة بصفته وكيلاً عن السيد/ محمد خلوص بركات عبد المنعم ضد السيد وزير الداخلية بصفته ونائب الوزير ومساعد أول وزير الداخلية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة الجزاءات" بجلسة 9/ 6/ 1982 في الدعوى رقم 2382 لسنة 35 ق المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم والذي قضى بقبول طلب المدعي إلغاء القرار المطعون فيه شكلاً وفي الموضوع برفضه وبرفض طلب التعويض وإلزامه بالمصروفات. وطلب الطاعن في تقرير طعنه الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 439 لسنة 1977 فيما تضمن من إنهاء خدمة الطاعن بالإحالة إلى المعاش دون ترقيته إلى رتبة لواء وما يترتب على ذلك من آثار وأحقيته في الترقية إلى رتبة لواء مع تسوية معاشه على أساس هذه الرتبة وإلزام المطعون ضدهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن للمطعون ضدهم بتاريخ 15/ 8/ 1982، وأحيل إلى هيئة مفوضي الدولة التي قامت بتحضيره وتهيئته للمرافعة وأودعت فيه تقريراً بالرأي القانوني اقترحت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 439 لسنة 1977 فيما تضمن من إنهاء خدمة الطاعن بالإحالة إلى المعاش دون ترقيته إلى رتبة لواء وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب عن الدرجتين.
ونظر الطعن أمام الدائرة الثانية فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 12/ 5/ 1986 ثم تأجل لنظره لجلسة 23/ 6/ 1986 وبهذه الجلسة قررت الدائرة إحالة الطعن للمرافعة أمام الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا التي نظرته بجلسة 5/ 10/ 1986 وقررت إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره أمامها جلسة 4/ 11/ 1986 وفي هذه الجلسة سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن، وقدم الطاعن مذكرة بدفاعه طلب فيها الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بطلباته، وأرجأت المحكمة النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها أودعت مسودة الحكم المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل في أن السيد/ محمد خلوص بركات عبد المنعم أقام الدعوى رقم 60 لسنة 32 قضائية ضد وزير الداخلية وآخرين بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بتاريخ 5/ 11/ 1977 طلب فيها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 439 لسنة 1977 فيما تضمنه من إنهاء خدمته بالإحالة إلى المعاش دون ترقيته إلى رتبة اللواء اعتباراً من تاريخ إنهاء خدمته وتسوية معاشه على هذا المقتضى مع تعويضه بمبلغ قدره واحد وخمسون جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت وإلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأسس المدعي دعواه على أنه التحق بهيئة الشرطة برتبة ملازم فور تخرجه من كلية الشرطة عام 1950 مؤدياً عمله بالصدق والأمانة وحصل على ترقيتان إلى الدرجات الأعلى وعلاواته في مواعيد استحقاقها إلى أن رقي إلى رتبة العميد بمديرية أمن البحيرة وظل شاغلاً لها لمدة ثلاثة سنوات، وفي 7/ 4/ 1977 أصدرت وزارة الداخلية منشورها الدوري رقم 12 إلى مديريات الأمن متضمناً إسناد أعمال مساعدي مديري الأمن للعمداء وإن مديرية أمن الجيزة أخطأت فهم هذا المنشور وأسندت الوظيفة إلى عمداء أحدث منه رغم تعليمات وزير الداخلية بتصحيح الوضع بعد تظلم المدعي.
وفي 27/ 7/ 1977 أصدر وزير الداخلية القرار رقم 439 لسنة 1977 بإنهاء خدمة المدعي بالإحالة إلى المعاش اعتباراً من 2/ 8/ 1977، وقد صدر هذا القرار بالمخالفة لأحكام القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة كما ألحق بالمدعي أضراراً مادية وأدبية يستحق التعويض عنها. وخلص المدعي في عريضة دعواه إلى طلب الحكم له بطلباته.
وقد أودعت الجهة الإدارية ملف خدمة المدعي ومذكرة بردها على الدعوى طلبت فيها الحكم برفض الدعوى، عقب عليها المدعي بمذكرة طلب فيها الحكم له بطلباته.
وبجلسة 16/ 4/ 1981 قررت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية إحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة التي قيدت بجدولها تحت رقم 2383 لسنة 34 ونظرتها بجلسة 7/ 4/ 1982 وتدوولت أمامها بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر وبجلسة 9/ 6/ 1982 حكمت المحكمة بقبول طلب المدعي إلغاء القرار المطعون فيه شكلاً وفي الموضوع برفضه ورفض طلب التعويض وألزمته بالمصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن جهة الإدارة قد أفصحت على أسباب قرارها المطعون فيه وذلك في سببين: أولهما: توقيع عدة جزاءات على المدعي بلغ مجموعها 42 جزاء أولها الاعتذار في 21/ 8/ 1951 وآخرها ثلاثة عشر يوماً من راتبه في 21/ 12/ 1971 لعدم قيامه بالدوريات المقررة عليه رغم إثبات القيام بها بدفتر الأحوال وتقديمه تقريراً رغم عدم قيامه بها.
ثانيهما: إن مدير أمن البحيرة حرر تقريراً ضمنه عدم احترام المدعي لمواعيد العمل الرسمية سواء في الحضور والانصراف وعدم القيام بالمأموريات الرسمية معتمداً في ذلك على ما يثبته بنفسه خلافاً للحقيقة في دفتر أحوال الخدمة بنفسه مما دعا مدير الأمن إلى إلغاء النظام وإثبات تحريات الضباط في دفتر أحوال واحدة وتضمن التقرير عدم مثابرة المدعي على العمل وما حواه ملف خدمة المدعي من توقيع ثلاثة جزاءات تأديبية عليه وهي الإنذار في 9/ 6/ 1975 لحضوره متأخراً عن الموعد الرسمي يوم 20/ 5/ 1957 وانصرافه مبكراً يوم 19/ 6/ 1975 وجزاء التنبيه بشأن ضرورة تنفيذ التعليمات عند التفتيش على الوحدات بتاريخ 26/ 1/ 1971 ثم جزاء الإنذار في 3/ 5/ 1977 لتغيبه عن خدمات الاستاد الرياضي بمدنية دمنهور يوم 28/ 1/ 1977 بمناسبة إقامة مباراة كرة قدم. وعن السبب الأول رأت المحكمة في حكمها المطعون فيه أن الثابت من ملف خدمة المدعي أن المجلس الأعلى للشرطة وافق بتاريخ 3/ 3/ 1974 على ما ارتأته الإدارة العامة للتفتيش من محو كافة الجزاءات الموقعة على المدعي والتي كان آخرها الجزاء الموقع في 21/ 12/ 1971 تطبيقاً لحكم المادة 66 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة لما ثبت من أن سلوك المدعي وعمله أصبحا مرضيين وأن التقارير السرية أصبحت في صالحه، وأبلغ المدعي بهذا القرار ورقي بعد ذلك إلى رتبة عميد، وإذ يترتب على محو الجزاء اعتباره كأن لم يكن بحكم القانون فإن السبب الأول من الأسباب التي بني عليها القرار المطعون فيه يكون على غير أساس من القانون. أما عن السبب الثاني فإن الثابت أن المدعي قد وقعت عليه العقوبات التأديبية الثلاثة السالفة بيانها خلال الفترة اللاحقة على محو الجزاءات السابقة كما أن تقرير مدير الأمن المنوه عنه أكد عدم احترام المدعي لمواعيد العمل الرسمية وتهاونه فيه وإثباته بيانات مخالفة للحقيقة في دفتر الأحوال وهو دفتر رسمي مما حدا بمدير الأمن إلى تغيير نظام إثبات القيام بالمأموريات الرسمية على النموذج الموضح آنفاً، ومؤدى ذلك أن محو الجزاءات عن المدة المشار إليها لم يكن دافعاً للمدعي نحو تغيير مسلكه وحافزاً له على أداء عمله على النحو المتطلب وعلى ذلك فإن الجزاءات الثلاثة وتقرير مدير الأمن سالفي الذكر يعتبران في الواقع من الأمر من قبيل الأسباب العامة التي تسوخ للمجلس الأعلى للشرطة إحالة المدعي إلى المعاش دون ترقيته إلى رتبة لواء، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر سليماً قائماً على السبب القانوني المبرر له متضمناً حكم القانون ولا يؤثر في ذلك أنه كان مطروحاً أمام المجلس الأعلى للشرطة عند إحالة المدعي إلى المعاش بيان بالجزاءات التي وقعت عليه وتقرر محوها كما لا عبرة بما أثاره المدعي من أنه وجهت إليه خطابات شكر في بعض المناسبات ذلك أن العقوبات التي أنزلت بالمدعي في الفترة اللاحقة لمحو جزاءاته وتقرير مدير الأمن يكفيان لحمل القرار على سببه الصحيح وعلى ذلك يتعين رفض طلب المدعي إلغاء القرار المطعون فيه.
وأضافت المحكمة في أسباب حكمها أنها لا تعول على ما ضمنه المدعي مذكرته المقدمة بجلسة المرافعة في 5/ 5/ 1982 من طلب تعويض بمبلغ عشرة آلاف جنيه عن الأضرار التي لحقته من جراء صدور القرار المطعون فيه وذلك لعدم سداد الرسوم القضائية المقررة عليه ومن ثم يتعين استبعاده وبذلك ليقتصر البحث على طلب التعويض المؤقت الذي ضمنه عريضة دعواه، ولا يجوز الاستناد إلى خطأ الإدارة بحسبان أن القرار المطعون فيه قد صدر مطابقاً للقانون على النحو السالف الإشارة إليه ومن ثم يتعين رفض طلب التعويض دون حاجة إلى بحث باقي أركان المسئولية.
ومن حيث إن الطعن في هذا الحكم يقوم على مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك استناداً إلى ما ورد في تقرير الطعن من أسباب محصلها أن الحكم المطعون فيه قد شيد قضاءه على صحة السبب الثاني فقط من السببين اللذين أفصحت عنهما جهة الإدارة وقام عليه قرار وزير الداخلية المطعون فيه، وهذا السبب الذي استندت إليه المحكمة في حكمها يتعين أنه قد وقعت على الطاعن ثلاثة عقوبات في الفترة اللاحقة على قرار المجلس الأعلى للشرطة بمحو الجزاءات السابقة وتقرير مدير أمن البحيرة المتضمن عدم احترام الطاعن لمواعيد العمل وإثباته بيانات مخالفة للحقيقة في دفتر الأحوال، وهذه الأسباب لا ترقى إلى درجة حرمان الطاعن من الترقية عند إحالته للمعاش وذلك لعدم مطابقتها للقانون أو الواقع ذلك أن الجزاء الأول هو الإنذار الموقع عليه في 9/ 6/ 1975 قد انمحى بقوة القانون بمضي سنة من تاريخ توقيعه إعمالاً للمادة 66 من قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 وأما بالنسبة للجزاء الثاني وهو جزاء التنبيه الموقع في 16/ 1/ 1971 فإن هذا الجزاء قد تم محوه أيضاً ضمن الجزاءات التي تم محوها بقرار المجلس الأعلى للشرطة عام 1974 والذي تضمن محو كافة الجزاءات الموقعة على الطاعن. ويتبقى بعد ذلك الجزاء الثالث وهو جزاء الإنذار الموقع في 3/ 5/ 1977 للتغيب عن خدمات الاستاد الرياضي بمدينة دمنهور بمناسبة إقامة مباراة كرة قدم بين فريقين من فرق الدرجة الثالثة التي لا تحظى بأية أهمية فهو أيضاً سبب واه لا يستحق التعليق عليه ولا يصلح سبباً لحرمان الطاعن من الترقية. وأما عن تقرير مدير أمن البحيرة الذي كان أحد عناصر سبب القرار المطعون فيه فإنه ليس هناك أي دليل على صحة أي كلمة وردت في أي سطر من سطوره ولا يعدو أن يكون قولاً مرسلاً لا دليل عليه، سطره رئيس كانت تقوم بينه وبين الطاعن خصومة ومنازعات بسبب تخطيه للطاعن في تعيين مساعدي مديري الأمن تطبيقاً لتعليمات وزارة الداخلية بنية الإضرار بالطاعن والكيد له.
ومن حيث إن المادة 19 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة قد نصت على "أن تكون الترقية إلى رتبة لواء بالاختيار المطلق، ومن لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة لواء، إلا إذا رأى المجلس الأعلى للشرطة – لأسباب هامة – عدم ترقيته. ويبين من هذا النص الذي يحكم حالة الطاعن – أن المشرع قد وضع قاعدة عامة مقتضاها أن الترقية إلى رتبة لواء تكون بالاختيار المطلق وأن الضابط الذي لا يقع عليه الاختيار للترقية إلى رتبة لواء يحال إلى المعاش مع وجوب ترقيته إلى رتبة لواء، وقد أورد المشرع استثناء من هذه القاعدة مقتضاه جواز إحالة الضابط الذي لا يقع عليه الاختيار للترقية إلى المعاش برتبته دون ترقيته إلى رتبة لواء، وهذا الاستثناء مشروط بأن تتوافر في هذا الضابط أسباب هامة يرى معها المجلس الأعلى للشرطة عدم ترقيته، وكون المشرع قد عبر عنها بأنها أسباب هامة مقتضاه أن هذه الأسباب يجب أن تكون على درجة من الأهمية والخطورة بحيث تمس الضابط في نزاهته وسمعته واعتباره وكفاءته إلى الدرجة التي تحول دون ترقيته مع إحالته إلى المعاش، وتقدير ذلك يكون بالرجوع إلى المجلس الأعلى للشرطة صاحب الاختصاص بنص القانون، ويكون تقديره في هذا الشأن خاضعاً لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مشروعية قراره في هذا الشأن.
ومن حيث إن وزارة الداخلية قد ساقت في ردها سببين استندت إليهما في إصدار القرار المطعون فيه، تناولتهما محكمة القضاء الإداري في حكمها المطعون فيه بالبحث والتمحيص وخلصت إلى أن السبب الأول غير قائم على أساس من القانون وأن السبب الثاني كاف لحمل القرار المطعون على سببه الصحيح والطعن الماثل يقوم على مناقشة السبب الثاني والذي استند إليه الحكم المطعون فيه والذي يتحصل في أولاً: أنه وقد صدر قرار المجلس الأعلى للشرطة بتاريخ 3/ 3/ 1974 بمحو كافة الجزاءات الموقعة على الطاعن في الفترة السابقة على 21/ 12/ 1971 تطبيقاً للمادة 66 من القانون رقم 109 لسنة 1971، فإنه بعد ذلك قد وقعت عليه جزاءات ثلاثة لاحقة لقرار المحو هما:
1 – جزاء الإنذار في 9/ 6/ 1975 لحضوره متأخراً عن موعد العمل الرسمي يوم 20/ 5/ 75 وانصرافه مبكراً يوم 19/ 5/ 1975.
2 – جزاء التنبيه في 26/ 1/ 1971 بشأن ضرورة تنفيذ التعليمات عند التفتيش على الوحدات.
3 – جزاء الإنذار في 3/ 5/ 1977 لتغيبه عن خدمات الاستاد الرياضي بمدينة دمنهور يوم 28/ 1/ 1977 بمناسبة إقامة مباراة في كرة قدم.
ثانياً: إن مدير أمن البحيرة قد حرر تقريراً ضمنه عدم احترام الطاعن لمواعيد العمل الرسمية سواء في الحضور أو الانصراف وعدم القيام بالمأموريات الرسمية معتمداً في ذلك على ما يكتبه بنفسه خلاف الحقيقة في دفتر أحوال المدة بنفسه مما دعا مدير الأمن إلى إلغاء هذا النظام وإثبات تحركات الضباط في دفتر أحوال واحد.
ومن حيث إنه عن جزاء التنبيه الموقع على الطاعن في 26/ 1/ 1971 لما نسب إليه عن ضرورة تنفيذ التعليمات عند التفتيش على الوحدات، فإنه وقد صدر قرار المجلس الأعلى للشرطة بجلسة 3/ 3/ 1974 بمحو كافة الجزاءات الموقعة على الطاعن في الفترة السابقة على 21/ 12/ 1971 ولأن هذا الجزاء يقع في نطاق الفترة الزمنية التي وافق المجلس الأعلى للشرطة على محو الجزاءات الموقعة على الطاعن خلالها فإن هذا الجزاء يكون ضمن الجزاءات التي تم محوها ومن ثم فلا أثر له قانوناً ويعتبر كأن لم يكن وكان يتعين طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة 66 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 أن ترفع أوراق هذا الجزاء وكل إشارة إليه أو ما يتعلق به من ملف خدمة الطاعن.
وأما عن جزاء الإنذار الموقع على الطاعن في 9/ 6/ 1975 لحضوره متأخراً عن ميعاد العمل الرسمي يوم 20/ 5/ 1975 وانصرافه مبكراً يوم 19/ 5/ 1975 فالطاعن يقرر في تقرير طعنه أن الجزاء قد زال أثره بمضي سنة من تاريخ توقيعه إعمالاً للفقرة من المادة 66 من قانون هيئة الشرطة المشار إليه، ولما كانت الفقرة الثانية من المادة المشار إليها قد وضعت شرطاً لمحو الجزاء لا يتم إلا به مضمونه أن يتبين للمجلس الأعلى للشرطة أن سلوك الضابط وعمله منذ توقيع الجزاء مرضيان وذلك من واقع تقاريره السنوية وملف خدمته وما يبديه الرؤساء عنه، فمضي المدد المحددة في القانون لا يترتب عليها بحكم الفروق محو الجزاء الموقع على الضابط وإنما لا بد من إصدار قرار بذلك من المجلس الأعلى للشرطة بعد تحققه من توافر الشروط المشار إليها، ومن ثم يكون هنا الجزاء ما زال قائماً عند صدور قرار وزير الداخلية المطعون فيه، وكذلك يكون قراراً الجزاء الموقع في 3/ 5/ 1957.
ومن حيث إن هذين الجزاءين القائمين في حق الطاعن حتى صدور قرار وزير الداخلية المطعون فيه، وتوقعاً لأسباب تتعلق بالانضباط في مواعيد الحضور والانصراف فالأول كان أساسه حضور الطاعن متأخراً عن ميعاد العمل الرسمي يوم 20/ 5/ 1975 وانصرافه مبكراً في اليوم السابق مباشرة 19/ 5/ 1975 وقام القرار الثاني على تغيبه عن خدمات الاستاد الرياضي بمدينة دمنهور يوم 28/ 1/ 1977 بمناسبة مباراة في كرة القدم، وهذه المخالفات من المخالفات البسيطة والمألوفة والتي تقع كثيراً سواء من الضباط أو غيرهم من العاملين ولا تمس الضابط في كفاءته أو سمعته أو اعتباره ومن ثم فإنها لا تنهض سبباً لحرمان الضابط من الترقية عند عدم وقع الاختيار عليه للترقية إلى رتبة لواء وإحالته إلى المعاش وتوديعه لحياة الشرطة التي أفتى فيها زهرة شبابه وتقرر الاكتفاء بخدماته عند هذا الحد والتي ليس لها من أثر إلا تكريم الضابط في نهاية المطاف وتسوية معاشه على الرتبة التي أوجب القانون الترقية إليها وهي رتبة لواء.
ومن حيث إن فيما يتعلق بتقرير مدير أمن البحيرة والذي كان أحد عناصر السبب الثاني التي قام عليه القرار المطعون فيه، فإن هذا التقرير قد جاء مرسلاً وبعبارات عامة غير محددة أو مدعمة بدليل وقد حرر في وقت كانت العلاقة بينه وبين الطاعن على أشد ما تكون من العداء الشخصي على النحو الذي تنطق به الأوراق، فقد أصدرت وزارة الداخلية منشوراً بإسناد وظائف مساعدي مدير أمن إلى العمداء، فتخطى مدير الأمن الطاعن وعين من هو أحدث منه في هذه الوظيفة مما دفع الطاعن للتظلم إلى الوزارة التي أشارت بتنفيذ تعليماتها إلا أن مدير الأمن لم ينفذ هذه التعليمات وأسرها في نفسه للطاعن وعبر عن ذلك بالتقرير المشار إليه.. وهذا التقرير على النحو المشار إليه يستشف منه قيامه على عنصرين: الأول: هو عدم احترام الطاعن لمواعيد العمل الرسمية سواء في الحضور أو الانصراف وهو بذلك ترجمة للجزاء الموقع على الطاعن في 9/ 6/ 1975 والسابق الإشارة إليه: والثاني: عدم القيام بالمأموريات الرسمية معتمداً في ذلك على ما يثبته بنفسه خلافاً للحقيقة في دفتر أحوال المدة بنفسه مما دعا مدير الأمن إلى إلغاء هذا النظام وإثبات تحركات الضابط في دفتر أحوال واحد ولم يبين التقرير المأموريات التي تقاعس الطاعن عن القيام بها ورغم ذلك قام بإثباتها في دفتر الأحوال الخاص به على خلاف الحقيقة، ولم يبين تواريخها وماهيتها. فجاء التقرير في هذا الشأن غير معبر عن حقيقة، فضلاً عن أن إعداد دفتر أحوال للعمداء لإثبات كل منهم المأمورية التي يقوم بها كان لهذا نظاماً وثيقاً ومعترفاً به بدليل قيام مدير الأمن بعد ذلك بإلغائه وهذا يعني أنه كان قائماً ومعمولاً به قانوناً.
ومن حيث إن لكل ما تقدم يكون ما ساقته وزارة الداخلية كسبب لقرار إحالة الطاعن إلى المعاش دون ترقيته إلى رتبة لواء قاصراً على حد الكفاية لحمل القرار المطعون فيه على سببه ولا يرقى إلى مرتبة الأسباب الهامة التي عبر عنها المشرع في المادة 19 والتي تسوغ للمجلس الأعلى للشرطة أن يقرر عدم ترقية الطاعن إلى رتبة لواء عند إحالته إلى المعاش لعدم وقوع الاختيار عليه للترقية إلى رتبة لواء تلك الترقية التي لا تعد أن تكون ترقية شرفية قصد بها المشرع تكريم الضابط بمنحه رتبة لواء حتى يسوي عليها معاشه، وهذا النظر يتبين من مقارنة المادة 19 من القانون رقم 109 لسنة 1971 مع النص المقابل لها في القانون السابق بهيئة الشرطة رقم 61 لسنة 1964 وهو نص المادة 17 التي كان يجري نصها كالآتي: "الترقية إلى رتبة لواء تكون بالاختيار المطلق ومن لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش وقد جاء المشرع في المادة 19 من القانون الجديد وقلب القاعدة وجعل الأصل هو الترقية إلى رتبة لواء عند إحالة الضابط إلى المعاش عند عدم وقوع الاختيار عليه للترقية إلى رتبة لواء تحقيقاً للاعتراض السالف الإشارة إليها. ومن ثم يكون قرار وزير الداخلية المطعون فيه قد صدر فاقداً لركن السبب ووقع بالتالي مخالفاً للقانون متعين الإلغاء وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف هذا المذهب وقضى برفض الدعوى فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار.
ومن حيث إنه عن طلب الطاعن بتعويضه عما لحقه من أضرار مادية وأدبية من جراء صدور القرار المطعون فيه، فإن الثابت من الأوراق أن الطاعن قد أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 439 لسنة 1977 فيما تضمنه من إنهاء خدمته بالإحالة إلى المعاش دون ترقيته إلى رتبة لواء وأحقيته في الترقية إلى هذه الرتبة من تاريخ إنهاء خدمته وتسوية معاشه على هذا الأساس، وتعويضه بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ثم تقدم بمذكره بجلسة 5/ 5/ 1982 طلب فيها تعويضه بمبلغ قدره عشرة آلاف جنيه عن الأضرار التي لحقته من جراء صدور القرار المطعون فيه. وقد تولت محكمة القضاء الإداري بحث طلب التعويض وخلصت إلى عدم التعويل على ما طلبه الطاعن بمذكرته السالف الإشارة إليها لعدم سداده الرسوم القضائية واستبعاد هذا الطلب والاقتصار على بحث طلب التعويض المؤقت وانتهت إلى رفضه. وقد تقدم الطاعن بعريضة طعنه الماثل وقصر طلباته على طلب إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش دون ترقيته إلى رتبة لواء وأحقيته في الترقية من تاريخ إنهاء خدمته وتسوية معاشه على أساسها دون أن يضمن طعنه طلب التعويض، وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الطعن تطرقت فيه إلى بحث طلب التعويض وخلصت إلى أحقيته في تعويض عما أصابه من أضرار أدبية فقط. وقد عقب الطاعن على تقرير هيئة مفوضي الدولة بمذكرة مقدمة لجلسة 4/ 11/ 1986 ناقش فيها تقرير هيئة مفوضي الدولة ونص على التقرير ما تضمنه من أحقيته فقط لتعويض عن الضرر الأول وأن الضرر المادي المتمثل في الفرق بين معاشه الحالي ومعاشه على رتبة لواء يكفي لجبره إعادة تسوية معاشه وصرف مستحقاته من تاريخ صدور القرار المطعون فيه، قائلاً إن الضرر المادي الذي أصابه لا يتمثل فقط في الفرق بين معاشه الحالي ومعاشه بعد التسوية وإنما يتمثل أيضاً في تفويت فرصة العمل عليه حتى سن الستين سواء في الشرطة أو في غيرها لأن إحالته إلى المعاش دون ترقيته إلى رتبة لواء أساءت إلى سمعته وحرمانه من العمل في الحكومة والقطاع العام أو شركات الانفتاح. كما فوتت عليه فرصة محققة وهي البقاء بالخدمة حتى تتم ترقيته إلى رتبة لواء ثم إحالته إلى التقاعد بعد قضاء المدة المقررة للبقاء في رتبة لواء ثم بعد ذلك الفرق بين المعاش الحالي ومعاش اللواء – أما الضرر الأدبي فإن إحالة الطاعن إلى المعاش بهذه الصورة أضرت بسمعته وأثرت على اعتباره بين الناس وعلى أولاده باعتباره المثل الأعلى لهم كما أثرت على فرص الزواج لبناته وأولاده وخلص الطاعن في مذكرته المشار إليها إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم له بطلباته.
ومن حيث إن محور النزاع الرافض يدور حول طلب الطاعن إلغاء قرار وزير الداخلية المطعون عليه فيما تضمنه من عدم ترقيته إلى رتبة لواء عند إحالته إلى المعاش لعدم وقوع الاختيار عليه للترقية إلى رتبة لواء وتعويضه عن الأضرار التي لحقته من جراء ذلك بتعويض مؤقت قدره 51 جنيه. وأنه لا خلاف في أن الترقية إلى رتبة لواء تكون بالاختيار المطلق طبقاً لنص المادة 19 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 وأن من لم يشمله الاختيار للترقية يحال إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة لواء….. الخ ومعنى ذلك أن عدم وقوع الاختيار على الطاعن للترقية إلى رتبة لواء لا يمثل خطأ في جانب الإدارة وإنما ينطوي على حق لها استعملته وفقاً لأحكام القانون وأحالت الطاعن إلى المعاش وعلى ذلك فإن قول الطاعن بأن عناصر التعويض تشمل الفرق بين معاشه الحالي وبين مرتب اللواء شاملاً البدلات والمزايا المادية والعينية طوال ثلاث سنوات وهي مدة بقائه في هذه الرتبة ثم الفرق بين معاشه الحالي ومعاش رتبة لواء هذا القول لا يستند إلى أساس سليم من القانون لأن معناه إلزام الإدارة بأن تختاره للترقية إلى رتبة لواء ثم استمراره في الخدمة المدة المقررة للبقاء في هذه الوظيفة وهو قول خارج نطاق النزاع الراهن ويخلط بين عدم وقوع الاختيار عليه للترقية وبين إحالته إلى المعاش دون ترقيته. كما أن فرص العمل بالنسبة له لا تختلف عما إذا كان قد ترك الخدمة عند وصوله إلى رتبة لواء أو رتبة عميد، ومن ثم فإن إحالته إلى المعاش وهو برتبة عميد لم تكن لتحول بينه وبين الالتحاق بعمل جديد إذا أراد ذلك وليس العمل مقصوراً على من كان يحمل فقط رتبته لواء دون سواه.
ومن حيث إنه وقد خلصت المحكمة إلى إلغاء قرار وزير الداخلية المطعون عليه مع ما يترتب على ذلك من آثار فإن مقتضى ذلك ترقية الطاعن إلى رتبة لواء اعتباراً من تاريخ صدور القرار المطعون فيه في عام 1977 وإعادة تسوية معاشه على أساس هذه الرتبة وبصرف مستحقاته عنها وهي تمثل كل ما لحق الطاعن من ضرر من جراء صدور القرار المطعون فيه وقد استحقها كأثر من آثار الحكم بالإلغاء وكل هذا يعتبر خير تعويض له عن الأضرار التي لحقته الأمر الذي يتعين معه رفض التعويض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 439 لسنة 1977 فيما تضمنه من إنهاء خدمة الطاعن بالإحالة إلى المعاش برتبته دون الترقية إلى رتبة لواء، وما يترتب على ذلك من آثاره وبرفض طلب التعويض وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات