المحكمة – جلسة 23 /01 /1954
أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الثاني – السنة 5 – صـ 373
جلسة 23 من يناير سنة 1954
الطلبان رقما 21 سنة 21 و4 سنة 22 القضائية
برياسة السيد الأستاذ سليمان ثابت المستشار، وبحضور السادة الأساتذة:
محمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، وإسماعيل مجدي، وعبد العزيز سليمان، وأحمد العروسي، ومصطفى
حسن، وحسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومحمود عياد، وأنيس غالي، ومصطفى كامل المستشارين.
( أ ) أهلية. ترقية. الأهلية لوظيفة قضائية. ليست بذاتها دليلاً على الأهلية للترقية
إلى وظيفة أعلى منها. درجات الأهلية. الموازنة عند كل حركة بين المرشحين لها. المادة
23 من قانون استقلال القضاء.
(ب) تعويض. سقوط الحق في إقامة الدعوى بطلب التعويض. المراسيم المطالب بالتعويض عنها
صدرت في ظل قانون مجلس الدولة. سقوط الحق يكون وفقاً للأصول العامة.
1 – الأهلية لوظيفة من الوظائف القضائية ليست بذاتها دليلاً على الأهلية للترقية لوظيفة
أعلى منها، ومقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون استقلال القضاء، هو أن الأهلية
على درجات وعند التساوي فيها تراعى الأقدمية وعند التفاضل بين درجاتها يكون من هو حائز
على درجة أعلى من غيره أولى بالترقية، وتجرى هذه الموازنة عند كل حركة بين المرشحين
لها وهم ليسوا في كل حركة سواء.
2 – إذا كانت المراسيم المطالب بالتعويض عنها لتخطيها الطالب في الترقية قد صدرت قبل
العمل بقانون نظام القضاء وفي ظل قانوني مجلس الدولة رقمي 112 لسنة 1946 و9 لسنة 1949،
وكان الحق في إقامة الدعوى بطلب التعويض لا يسقط بمقتضى المادتين 35 و12 من قانوني
مجلس الدولة المذكورين إلا طبقاً للأصول العامة، فإن الدفع بعدم قبول الطعن عن طلب
التعويض شكلاً استناداً إلى المادة 23 من قانون نظام القضاء يكون على غير أساس.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع تقرير السيد المستشار المقرر، ومرافعة
المحامين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة؛
من حيث إن الطلب قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع كما يبين من الأوراق، تتحصل في أن الطالب حصل على الليسانس في القانون
سنة 1924، ثم عين معاوناً للنيابة العامة سنة 1925 وظل يرقى بها إلى أن عين قاضياً
من الدرجة الثانية في مارس سنة 1935، فقاضياً من الدرجة الأولى في مارس سنة 1944، ثم
رقي إلى وظيفة رئيس نيابة من الدرجة الثانية في فبراير سنة 1950 وقال إنه كان يقوم
بعمله خير قيام، ولكن الوزارة رغم ذلك أجرت حركة قضائية بموجب المرسوم الصادر في 8
من أكتوبر سنة 1951 ورقت بموجبه خمسة عشر زميلاً ممن يلونه في الأقدمية إلى وظيفة وكيل
محكمة فئة "أ" أو ما يعادلها ولم تشمله بالترقية، فطعن في هذا المرسوم وفي القرارات
الوزارية المكملة له بطريق النقض بالطعن رقم 21 سنة 21 ق رجال القضاء، وطلب إلغاء هذا
المرسوم والقرارات المكملة له والقضاء بأحقيته للترقية إلى وظيفة وكيل محكمة "أ" أو
ما يماثلها واعتبار ترتيبه في الأقدمية تالياً للأستاذ…… وسابقاً على الأستاذ…….
مع رد أقدميته في الدرجة التي يرقى إليها لتاريخ 8 من أكتوبر سنة 1951 والاحتفاظ بكل
الآثار القانونية المترتبة على القضاء له بهذا الحق، ثم أجرت الوزارة حركة قضائية أخرى
بموجب المرسوم الصادر في 21 من يناير سنة 1952 رقت بموجبه خمسة من زملاء الطالب الذين
يلونه في الأقدمية إلى وظيفة وكيل محكمة من الفئة "أ" ولم تشمله بالترقية. فطعن في
هذا المرسوم بالطعن رقم 4 سنة 22 ق رجال القضاء وطلب إلغاءه وإلغاء القرارات الوزارية
المكملة له فيما تضمنته من تخطيه في الترقية إلى وظيفة أعلى من وظيفته والقضاء له،
فضلاً عن طلباته السابقة، بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ. وبجلسة 21 من نوفمبر سنة 1953
عدل الطالب طلباته بإضافة طلب آخر هو إلغاء المرسوم الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1952
ثم طعن في مذكرته المؤرخة 3/ 12/ 1953 بإلغاء المرسوم الصادر في 3/ 7/ 1953 والقرارات
الوزارية المترتبة عليهما فيما تضمناه من عدم ترقية الطالب إلى درجة رئيس محكمة فئة
"أ" أو ما يماثلها. وفيما يختص بالتعويض عدل طلباته طالباً الحكم له بمبلغ 10788 جنيهاً
عن تخطيه في الترقية في المراسيم الصادرة أولاً في سبتمبر سنة 1947 و30 من ديسمبر سنة
1947 و23 من أغسطس سنة 1948 و26 من سبتمبر سنة 1949 و8/ 10/ 1951 و21/ 1/ 1952.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو أن الوزارة أخطأت في تطبيق القانون، إذ أغفلت ترقية الطالب
مع أنه حائز للكفاءة التي تؤهله للترقية متى حل دوره، والتي لا يجوز معها تخطيه ولو
كان من يليه في الأقدمية ممتازاً في كفايته، ذلك بأن القانون لم يعرف الأهلية ولكن
مدلولها هو الصلاحية والكفاية، ولم تشر الفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون استقلال
القضاء إلى الامتياز. فمتى اتصف قاض بالأهلية والصلاحية وجبت ترقيته، وقد رقي الطالب
إلى وظيفة رئيس نيابة من الدرجة الثانية في فبراير سنة 1950 وفي ذلك إقرار بصلاحيته
وأدى عمله فيه خير أداء، فكانت ترقيته بموجب المرسومين المطعون فيهما إذن واجبة، والوزارة
إذ لم ترقه تكون قد أخطأت في تطبيق القانون، وثانياً: إن الوزارة إذ أغفلت ترقية الطالب
أساءت استعمال السلطة وتعسفت في استعمال الحق، ذلك بأن الوزارة استندت إلى تقارير التفتيش
السابقة على ترقيته إلى وظيفة رئيس نيابة من الدرجة الثانية وجعلتها سبباً لعدم ترقيته
إلى الوظائف الأعلى، مع أنه لو كان الطالب غير أهل لوظيفة رئيس نيابة من الدرجة الثانية
لما رقته الوزارة إليها، ومع أن هذه التقارير لو فحصت بعين الإنصاف واستبعدت منها الملاحظات
الخاطئة لدلت على أهلية الطاعن. وقد استجد عليها تقرير جديد نوّه بنشاط الطالب الفقهي
والقضائي وأثبت أنه مجد في عمله وقد بنيت التقارير القديمة على أسباب غير صحيحة وشابها
سوء استعمال السلطة لدوافع شخصية ترجع إلى سنة 1947 وهي لا تؤدي عقلاً إلى النتائج
المستخلصة منها، وقد خالفت الوزارة مقتضى قرارها الصادر في 20 من مارس سنة 1943 بعدم
إخطار الطالب بالملاحظات المترتبة على بعض هذه التقارير وترتب على ذلك تعذر تفنيدها
مع أنها ملاحظات صورية وخاطئة.
ومن حيث إن الوزارة ردت على ذلك بأن الأهلية درجات وعند اختلافها يفضل من هو أوفر أهلية،
وقد استعرضت الوزارة عند إجراء الحركة حالات رؤساء النيابة من الدرجة الثانية، ووكلاء
المحاكم من الفئة "ب" واختارت للترقية لوظيفة وكيل محكمة "أ" أو ما يعادلها من رأت
صلاحيتهم لها، وليس من بينهم أحد في درجة أهلية الطالب، وليس يدل على صلاحية الطالب
للترقية أنه سبق أن رقي إلى وظيفة رئيس نيابة من الدرجة الثانية، لأن العبرة عند الاختيار
للترقية هي بدرجة الأهلية بالنسبة للآخرين الموجودين في مجال الترشيح وتقدير الأهلية
من إطلاقات الوزارة وهي تجريه مستعينة بتقارير التفتيش والهيئات الأخرى التي أنشأها
قانون استقلال القضاء. وهي إذ تقدير الأهلية لا تقدرها على أساس الكفاية الفنية وحدها
مستقاة من مجموع التقارير، بل على أساس ما يجب أن يتحلى به القاضي من رزانة ونزاهة
واستقامة. وقالت النيابة إن ترقية الطالب إلى وظيفة رئيس نيابة من الدرجة الثانية يعتبر
إقراراً بأهليته لهذه الوظيفة، ويترتب على ذلك أنه عند النظر في أمر ترقيته إلى درجة
أعلى لا محل للبحث إلا في عمله الذي أداه في وظيفته الأخيرة، وأنه إذا ساغ القول بأنه
يتعين عند النظر في أمر الترقية الرجوع إلى جميع التقارير، فإن ذلك يكون واجباً أيضاً
بالنسبة لجميع من شملهم المرسومان المطعون فيهما.
ومن حيث إن ما تذهب إليه الوزارة مردود بأنه وإن كان لها كامل الحق في وضع درجات للأهلية
لرجال القضاء بحسب ما يتجمع لديها من معلومات تستمدها من واقع أعمالهم وما تدل عليه
تقارير التفتيش وسائر الأوراق المودعة ملفاتهم الخاصة، وكان تقديرها في هذا الشأن هو
مما تستقل به متى كان يستند إلى ما هو ثابت في الملفات المشار إليها، إلا أن المادة
23 من قانون استقلال القضاء إذ نصت في الفقرة الأخيرة منها على أنه "يجرى الاختيار
في الوظائف الأخرى، أي وظائف وكلاء المحاكم وما يعادلها وما فوقها، على أساس الأهلية،
وعند التساوي تراعى الأقدمية" قد شرعت في هذا الخصوص أحكاماً تجب مراعاتها وفي الانحراف
عنها مخالفة للقانون، ومن ثم فإن أمر تطبيق هذه الأحكام ليس من إطلاقات الوزارة تباشره
بلا معقب عليها وإلا كان التظلم من الإخلال بها عبثاً لا جدوى منه.
ومن حيث إنه يبين من الملف السري الخاص بالطالب وما حواه من أوراق وتقارير ومقارنة
ذلك بالبيانات الرسمية المستخرجة بناء على أمر هذه المحكمة من واقع السجل السري لرجال
القضاء الذين تناولتهم الترقية بمقتضى المرسومين المطعون فيهما والقرارات الوزارية
المكملة لهما ممن كانوا يلون الطالب في الأقدمية يبين من هذه المقارنة أن الوزارة إذ
تخطت الطالب في الترقية إلى وظيفة رئيس نيابة من الدرجة الأولى بمقتضى المرسومين المذكورين
لم تخطئ في تطبيق القانون ولم ينطو عملها على سوء استعمال السلطة، ذلك بأن الصلاحية
لوظيفة من الوظائف ليست بذاتها دليلاً على الصلاحية للترقية لوظيفة أعلى منها، ومقتضى
الفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون استقلال القضاء السابقة الإشارة إليها هو أن
الأهلية درجات عند التساوي فيها تراعى الأقدمية. وعند التفاضل بين درجاتها يكون من
هو حائز على درجة أعلى من غيره أولى بالترقية. وتجرى هذه الموازنة عند كل حركة بين
المرشحين لها وهم ليسوا في كل حركة سواء.
ومن حيث إن الطالب بنى دعواه فيما يختص بطلب التعويض على أن الوزارة أغفلت ترقيته في
الحركات التي أجرتها بموجب المراسيم الصادرة في 2 من سبتمبر سنة 1947 و30 من ديسمبر
سنة 1947 و23 من أغسطس سنة 1948 و26 من سبتمبر سنة 1949 فتخطاه خمسة وسبعون قاضياً
ممن يلونه في الأقدمية لدرجة وكيل محكمة ثم رقي الطالب رئيساً للنيابة من الدرجة الثانية
في فبراير سنة 1950 وأغفلت ترقيته بعد ذلك في الحركتين اللتين أجرتهما الوزارة بموجب
المرسومين الصادرين في 8 من أكتوبر سنة 1951 و21 من يناير سنة 1952 فتخطاه 15 زميلاً
من زملائه إلى وظيفة وكيل محكمة من الفئة "أ" وكان ذلك منها استناداً إلى تقارير قديمة
مشوبة بسوء استعمال السلطة ولا تؤدي مقدماتها إلى النتائج التي استخلصت منها.
ومن حيث إن الوزارة دفعت بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى فيما يتعلق بالمراسيم
الأربعة الأولى لصدورها قبل العمل بقانون نظام القضاء وعدم الطعن فيها من الطالب، واستندت
إلى المادة 23 من القانون رقم 147 سنة 1949 التي تنص على أنه تختص محكمة النقض… بالفصل
في الطالبات المقدمة من رجال القضاء… بإلغاء المراسيم والقرارات المتصلة بإدارة القضاء…
كما تختص بالنظر في طلبات التعويض الناشئة عن ذلك وقالت إن هذا النص صريح في أن مناط
اختصاص هذه المحكمة بالتعويض أن يكون المرسوم أو القرار أساس التعويض مطلوباً إلغاؤه
أو قضي فعلاً بإلغائه. ورد الطالب على ذلك بأن تراخيه في الطعن في الأربعة المراسيم
الأولى يرجع إلى حرمانه من الاطلاع على الملف السري الخاص به للوقوف على أسباب تخطيه،
وأن التقارير متصلة ببعضها وتكون في مجموعها وحدة، وأن هذه المراسيم صدرت في ظل قانون
مجلس الدولة رقم 112 سنة 1946 المعدلة بالقانون رقم 9 سنة 1949 وقد استقرت أحكامه على
أن طلبات التعويض لا يسقط الحق فيها إلا بمضي 15 سنة. وترى النيابة قبول دعوى التعويض
عن المراسيم المذكورة استناداً إلى أن المقصود في الفقرة الثالثة من المادة 23 من قانون
نظام القضاء هو طلبات الإلغاء وحدها وهي التي حدد قانون مجلس الدولة ميعاداً لرفعها،
أما طلبات التعويض فقد جرى قضاؤها على قبولها ما دام الحق لم يسقط فيها طبقاً للقواعد
العامة.
ومن حيث إنه بالنسبة لطلب التعويض عن المراسيم الصادرة في 2/ 9/ 1947 و20/ 12/ 1947
و23/ 8/ 1948 و26/ 9/ 1949 لمخالفتها للقانون، إذ تخطت الطاعن في الترقية، فإنها قد
صدرت قبل العمل بقانون نظام القضاء وفي ظل قانون مجلس الدولة رقم 112 الصادر في 7/
8/ 1946 و9 سنة 1949، ولما كان طلب التعويض لا يسقط الحق في إقامة الدعوى به بمقتضى
المادتين 35 و12 من قانوني مجلس الدولة المذكورين إلا طبقاً للأصول العامة، وأنه يتعين
رفض الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً عن طلب التعويض عن هذه المراسيم دون حاجة إلى بحث
وجهة نظر وزارة العدل في تطبيق المادة 23 من قانون نظام القضاء على طلبات التعويض،
ورد النيابة على ما سبق بيانه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بموضوع طلب التعويض عنها، فإنه يبين مما احتواه ملف الطاعن
من تقارير وبيانات أنه لا مخالفة للقانون في هذه المراسيم، ويؤكد ذلك أن الطاعن سكت
عن طلب إلغائها في حينه أمام الجهة المختصة، ولم يطلب هذا التعويض في طعنه على المرسوم
الصادر في 8/ 10/ 1951 والمرسوم الصادر في يناير سنة 1952 إلا في أواخر سنة 1953 مع
علمه بما وجه إليه من ملاحظات ورده عليها.
ومن حيث إنه بالنسبة للتعويض المطلوب عن باقي المراسيم عدا المراسيم الأربعة الأولى،
فإنه وقد تبين أن هذه المراسيم لم يخالطها عيب من الخطأ في القانون أو سوء استعمال
السلطة، فإن طلب التعويض عنها يكون على غير أساس.
ومن حيث إنه بالنسبة لمرسومي 31/ 12/ 1952 و30 يوليه 1953 اللذين أضاف الطالب إلى طلباته
الطعن فيهما فيما تضمناه من عدم ترقيته إلى رئيس محكمة من الفئة "أ"، فإن هذا الطلب
غير مقبول ما دام أنه قد تبين عدم أحقية الطالب في الطعن على المرسومين الصادرين في
أكتوبر سنة 1951 ويناير سنة 1952، فلا يمكن اعتبار ذلك أثراً من آثار تخطيه في هذين
المرسومين.
