الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 159 سنة 21 ق – جلسة 29 /10 /1953 

أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الأول – السنة 5 – صـ 108

جلسة 29 من أكتوبر سنة 1953

القضية رقم 159 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، ومصطفى فاضل، وأحمد العروسي ومحمود عياد المستشارين.
( أ ) عقد. عقد مبرم مع أمين نقل. وصف هذا الأمين في العقد بأنه مالك لعربات وسيارات أجرة. تقرير الحكم أن هذه الصفة لم تكن جوهرية في التعاقد. تقرير موضوعي.
(ب) إثبات. شهود. استدلال المحكمة بأقوال شهود سئلوا في محضر أعمال الخبير دون حلف يمين. جوازه.
(ج) حكم. تسبيبه. تقريره أن الغش المفسد للرضا هو سبب للبطلان لا للفسخ. لا خطأ.
1 – تقرير الحكم بأن الصفة التي اتخذها أمين النقل في التعاقد من أنه مالك لسيارات وعربات أجرة لم تكن صفة جوهرية يترتب على عدم توافرها إبطال العقد هو تقرير موضوعي.
2 – لا تثريب على المحكمة إذ اتخذت من أقوال الشهود الذين سمعهم الخبير دون حلف يمين دليلاً مضافاً إلى أدلة أخرى على أن التقصير وقع من جانب الطاعن لا من جانب المطعون عليه.
3 – إذا كان الحكم قد قرر أن الغش المفسد للرضا لا يعتبر سبباً من أسباب الفسخ، بل هو سبب لبطلان التعاقد فإنه ليس في هذا التقرير ما يخالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامين عن الطاعن والمطعون عليه الثاني والنيابة العامة، وبعد المداولة؛
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعة الشكلية؛
ومن حيث إن الوقائع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وباقي أوراق الطعن – تتحصل في أنه بموجب عقد محرر في 3 من يونيه سنة 1946 باع الطاعن إلى المطعون عليه الأول ست سيارات نقل مقابل 1425 جنيهاً واتفقا على ألا يدفع الثمن فوراً بل يدفع أولاً بأول من قيمة نصف أجور نقل بضائع الطاعن بمعرفة المطعون عليه الأول الذي التزم بنقل الأقطان الزهر والزيت والكسب وكافة ما يطلب الطاعن نقله بأجور اتفق عليها بملحق العقد. ونفذ العقد غداة تحريره باتفاق الطرفين. وفي 18 من يونيه سنة 1946 وجه الطاعن برقية إلى المطعون عليه الأول زعم فيها أن بعض بضائعه تعطل نقلها. وفي 20 من يونيه وجه إليه إنذاراً آخر يقول فيه إنه أوهمه بأنه صاحب سيارات وعربات نقل "كارو" تكفي للقيام بتعهده، وطلب منه موافاته بأرقام السيارات والعربات التي يملكها فرد عليه المطعون عليه الأول بإنذار معلن في 25 من يونيه سنة 1946 بأنه قائم بتنفيذ تعهده خير قيام وليس من حق الطاعن أن يطالبه بتقديم البيان المطلوب،
وكل ما له أن تنقل بضائعه وفق رغبته فإذا حصل تقصير فإن له ضامناً مليئاً. واستمر المطعون عليه الأول يباشر عمليات النقل تنفيذاً للعقد دون أن يدفع إليه الطاعن شيئاً من الأجور المستحقة له فوجه إلى الطاعن إنذاراً أعلن به في 20 من يوليه سنة 1946 يسجل عليه فيه عدم قيامه بدفع شيء من الأجور المستحقة له وأن عماله يعاكسونه في عمله وينذره بوجوب دفع ما هو مستحق عليه من أجور خلال ثلاثة أيام وإلا اضطر لاتخاذ اللازم، فرد عليه الطاعن في 23 من يوليه بإنذار يحيل فيه على إنذاره الأول ويطلب فيه موافاته بالبيان المطلوب وإلا كان في حل من التعاقد مع مقاول آخر حتى لا تتعطل بضائعه في موسم العمل فتبور تجارته. واستمر المطعون عليه الأول يباشر أعمال النقل للطاعن حتى آخر يوليه إذ أنذر الطاعن بأن عماله منعوه من مزاولة العمل عنوة بحضور شهود ثم أقام الدعوى رقم 595 سنة 1946 كلي الزقازيق في 15 من أغسطس سنة 1946 وطلب الحكم بإلزام الطاعن بأن يدفع إليه 213 جنيهاً و698 مليماً قيمة نصف الأجور التي استحقها عن نقل بضائع الطاعن من 4 يونيه سنة 1946 لغاية آخر يوليه سنة 1946 فرفع الطاعن الدعوى رقم 160 سنة 1947 كلي في أول فبراير سنة 1947 وطلب الحكم أولاً – بتعيينه حارساً على السيارات التي باعها للمطعون عليه الأول لاستغلالها وتسلم صافي ريعها إلى أن يوفي ثمنها، ثانياً – فسخ عقد الاتفاق المحرر في 3 من يونيه سنة 1946 وإلزام المطعون عليهما متضامنين بأن يدفعا إليه 1576 جنيهاً و707 مليمات من ذلك 1425 جنيهاً ثمن السيارات والباقي فرق أسعار الأجور مع الفوائد بواقع 7% سنوياً من الطلب الرسمي للوفاء. وأسس دعواه على أن المطعون عليه الأول أخل بالتزامه فاضطر إلى الالتجاء إلى متعهدين آخرين بأجور أعلى مما اتفق عليه من المطعون عليه الأول بضمانة المطعون عليه الثاني. وقررت المحكمة ضم الدعويين إحداهما إلى الأخرى. وفي 21 من إبريل سنة 1947 حكمت بتعيين السيد الفيومي حارساً على السيارات. وفي 18 من مايو سنة 1948 حكمت بتعيين خبير حسابي لتحقيق أوجه دفاع الطرفين لمعرفة من الذي قصر منهما في تنفيذ تعهداته التي التزم بها بمقتضى العقد المؤرخ في 3 من يونيه سنة 1946 ومدى هذا التقصير وتقدير المبالغ التي يستحقها أحد الطرفين على الآخر وفقاً لما نص عليه العقد سواء أكانت هذه المبالغ من أجور النقل التي تكون مستحقة للمطعون عليه الأول قبل الطاعن أو عن فرق الأجور التي للطاعن في ذمة المطعون عليه الأول حتى آخر موسم سنة 1947 – 1948. وفي 14 من نوفمبر سنة 1949 حكمت محكمة الزقازيق الابتدائية في القضيتين بإلزام المطعون عليهما الأول بوصفه مديناً والثاني بوصفه ضامناً متضامناً بأن يدفعا إلى الطاعن 21 جنيهاً و810 مليماً. فاستأنف الطاعن وقيد استئنافه برقم 67 سنة 1 ق المنصورة. وفي 18 من يناير سنة 1951 حكمت محكمة استئناف المنصورة بالتأييد. فقرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم شابه القصور وبطلان في الإسناد من أربعة وجوه: الأول – إذ قرر أن إيراد اسم المطعون عليه الأول في عقد التعهد بالنقل مشفوعاً بوصف أنه صاحب سيارات نقل وعربات كارو أمر غير مقصود في ذاته، ولم يدخل في اعتبار المتعاقدين، مع أن إيراد هذا الوصف في العقد وما ورد في البند الثالث منه من أن المطعون عليه الأول "يلتزم بنقل العروض بواسطة جميع سياراته سواء ما اشتراه بهذه الصفقة أو ما يملكه غيرها" يدل على أن هذه الصفة كانت من الصفات الجوهرية التي لم يكن ليتم التعاقد بدون توافرها، ذلك بأن أساس التعاقد هو أن يكون المطعون عليه الأول مالكاً لعربات كارو وسيارات نقل غير التي اشتراها من الطاعن ليستطيع مواجهة ما يحتاج إليه الطاعن في موسم القطن من عمليات نقل كثيرة وإلا لما كانت هناك حاجة تدفع الطاعن إلى بيع سياراته إلى المطعون عليه الأول: والوجه الثاني – إذ قرر الحكم أنه إذا سلم جدلاً أن المطعون عليه الأول لم يكن مالكاً لعربات كارو، وهي صفة لم يبين العقد اتفاق المتعاقدين عليها، ما دام التزام المطعون عليه الأول كان منصباً على النقل بالسيارات، فإن هذا الأخير وقد تملك سيارات بمجرد توقيعه على العقد يكون قد حقق الصفة التي تمسك الطاعن بعدم توافرها فيه، مع أنه يبين من مراجعة ملحق العقد أن هناك عمليات نقل لا يتجاوز مداها أربعة الأمتار من رصيف المحطة إلى المحلج المواجه له لا تتم إلا بواسطة العربات، والوجه الثالث: إذ أسند الحكم إلى الطاعن أنه أرسل برقية إلى المطعون عليه الأول بعد أيام قلائل من تاريخ العقد زعم فيها أن بعض بضائعه قد تعطل نقلها، ثم أتبعها بإنذار في 20 من يونيه سنة 1946 كرر فيه هذه الشكوى، مع أن الثابت من مطالعة البرقية والإنذار أن الطاعن أرسلهما قبل حلول الموعد المحدد لتنفيذ العقد بعد أن وصل إلى علمه أن الطاعن لا يملك سيارات نقل أو عربات كارو يستطيع أن يواجه بها طلبات الطاعن، والوجه الرابع: إذ قرر الحكم أن الطاعن كان متجنياً على المطعون عليه الأول عندما طالبه ببيان. ما يملكه من سيارات وعربات، مع أن عذر الطاعن في ذلك وحسن نيته واضحان، فهو تاجر كبير يضطره عمله في موسم القطن إلى نقل كميات كبيرة منه، ويقتضيه بعد النظر أن يطمئن إلى أن أعماله ستسير سيراً مرضياً، فإذا سمع أن أمين النقل الذي تعاقد معه لا يملك الوسائل الكافية لذلك كان معذوراً إذا أراد أن يتحقق من مدى صحة هذه الإشاعة.
ومن حيث إن هذا السبب بجميع وجوهه مردود بما يبين من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه من أن محكمة الموضوع خلصت إلى أن الطاعن هو الذي قصر في القيام بالتزاماته التي رتبها العقد وأن عماله هم الذين منعوا المطعون عليه الأول من الاستمرار في القيام بعمليات النقل، خلصت المحكمة إلى ذلك من أدلة عديدة فصلتها في حكمها تتحصل في أن الطاعن لم يدفع للمطعون عليه الأول شيئاً من أجور النقل التي استحقها في الفترة من 4 يونيه إلى آخر يوليه سنة 1946 رغم النص في العقد على وجوب دفعها عقب كل عملية ورغم إنذاره بوجوب دفعها ورغم إقراره أمام الخبير بأنها بلغت 381 ج و358 م وأنه أخل بالتزامه الوارد في البند العاشر من العقد بتسليم المطعون عليه الأول وصولاً يحدد أجر النقل الخاص بكل عملية ولم يثبت في دفاتره أي مبلغ لأية عملية نقل قام بها المطعون عليه الأول. وأن المطعون عليه الأول سجل على الطاعن أن عماله منعوه من الاستمرار في عمليات النقل وأشهد على ذلك شهوداً سمعهم الخبير بينما اكتفى الطاعن بإرسال برقيات وخطابات مسجلة قرر المطعون عليه الأول أنها مصطنعة وأثبت الخبير أن الطاعن لم يقدم له دفتر الكوبيا حتى يمكن تصديق ما ورد في الصورة المكتوبة المقدمة منه على أنها طبق الأصل للخطابات التي يزعم أنه أرسلها للمطعون عليه الأول، وأن ما يزعمه الطاعن من أن المطعون عليه الأول لا يملك سيارات غير ما باعها له لا يلتف إليه، لأنه لا يشترط في متعهد النقل أن يكون مالكاً لما ينقل عليه البضائع فضلاً عن أنه تبين للمحكمة أن المطعون عليه الأول متعهد نقل وقام بنقل محصولات التموين لبنك التسليف الزراعي المصري من منيا القمح وبلبيس إلى جميع نواحي مديرية الشرقية في المدة من فبراير سنة 1940 إلى آخر فبراير سنة 1946 علاوة على تعهده بنقل عروض البنك جميعها، وأن للمطعون عليه الأول ضامناً مليئاً هو المطعون عليه الثاني لم ينازع الطاعن في ملاءته، وأن الطاعن لو كان جاداً فيما زعمه في إنذاره الذي وجهه إلى المطعون عليه الأول بعد أيام قلائل من بدء تنفيذ التعاقد بأنه لا يملك الوسائل اللازمة لمواجهة عمليات النقل لبادر إلى رفع دعوى مستعجلة بإثبات الحالة، ولكنه استند في الإنذار إلى أن صفة صاحب سيارات وعربات كارو التي جاءت في صدر العقد لم تتوافر في المطعون عليه الأول مع أنها لم تذكر في العقد باعتبارها صفة جوهرية وإنما ذكرت على سبيل البيان واتخذها الطاعن تكأة لإبداء تخوفه في الإنذار من تقصير المطعون عليه الأول في وقت لم يقم الدليل فيه على أنه قد بدر منه أي إخلال بالتزامه، وأن العبرة في صدد المسئولية التقصيرية ليست بصفة عابرة تذكر في صدر العقد بل هي بالعمل الإيجابي الذي يقوم به المتعاقد أو يمتنع عنه مخالفاً بذلك شروط العقد، وأن الطاعن إنما أراد فسخ العقد تفادياً من مطالبة أمين نقل آخر هو أحمد أبو غالي له بتعويض لعدم قيامه بتنفيذ عقد نقل آخر سابق على العقد المتنازع عليه كان قد أبرمه مع أحمد أبو غالي المذكور، وهذه كلها أدلة سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم من إثبات التقصير في جانب الطاعن وبيان أن وصف المطعون عليه الأول في العقد بأنه صاحب سيارات وعربات كارو لم يكن وصفاً جوهرياً في اعتبار المتعاقدين يترتب على عدم توافره إبطال العقد، ومن ثم يكون ما أورده في هذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فيما تستقل به محكمة الموضوع، ولم يقدم الطاعن أي دليل على أن ما أورده الحكم من وقائع يخالف الثابت في الأوراق.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم أخطأ في القانون، وبني على إجراءات باطلة، إذ استند إلى أقوال شهود سمعهم الخبير دون حلف يمين في إثبات حصول التقصير من جانب الطاعن، مع أنه كان لزاماً على المحكمة أن تجيب الطاعن إلى ما طلبه في هذا الشأن من إحالة الدعوى على التحقيق لسماع شهود الطرفين بعد تحليفهم اليمين القانونية.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه لا تثريب على المحكمة إذا هي استندت إلى أقوال شهود سمعهم الخبير دون حلف يمين كقرائن مضافة إلى غيرها من الأدلة لتؤيد بها ما انتهت إليه من ثبوت خطأ الطاعن ونفي التقصير عن المطعون عليه الأول.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ قرر أن الغش المفسد للرضا وإن كان سبباً من أسباب بطلان العقد فهو ليس من أسباب فسخه مع أن ما يصلح للبطلان يجيز الفسخ، لأن البطلان أعم أثراً.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن ما جاء في الحكم المطعون فيه من أنه: "فوق هذا وذاك فإن هذه الطلبات وهي تتضمن بطبيعتها افتراض عدم وفاء المستأنف عليه الأول (المطعون عليه الأول) بالتزامه لا تتفق وما زعمه المستأنف (الطاعن) من إيهامه بصفة لا يملكها المستأنف عليه الأول، إذ أنه من المقرر قانوناً أن الغش المفسد للرضا وإن كان سبباً من أسباب بطلان التعاقد فهو ليس من أسباب فسخه". هذا الذي جاء به الحكم لا خطأ فيه وقد أورده بعد أن أثبت أن الصفة التي يشير إليها الطاعن ليست صفة جوهرية لم يكن ليتم العقد دون توافرها وبذلك نفى عن العقد شبهة البطلان، ويبين من سياق الحكم أنه إنما أشار إلى ذلك تبياناً لتناقض الطاعن في دعواه ببنائها تارة على الفسخ وتارة على البطلان مع عدم توافر أسباب كليهما في حق المطعون عليه الأول.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات