الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1733 لسنة 6 ق – جلسة 23 /12 /1961 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) – صـ 140


جلسة 23 من ديسمبر سنة 1961

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني نائب رئيس المجلس، وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل وحسن أيوب وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1733 لسنة 6 القضائية

( أ ) هيئة قناة السويس – تعيين موظفيها – خضوعه للائحة موظفي الهيئة ما دام قد تم في ظلها – موافقة الموظف على سريانها عليه أو تطبيق الشروط التي أوردتها للتعيين – أثرها.
(ب) هيئة قناة السويس – تعيين موظفيها وتثبيتهم – عدم التلازم بينهما.
(جـ) هيئة قناة السويس – تعيين موظفيها وتثبيتهم – خلو لائحة موظفي الهيئة من نصوص تنظيم الاختيار اللازم للتثبيت أو الكيفية التي يجرى بها – يجيز للإدارة تنظيمه بما تراه محققاً لصالح الوظيفة بمراعاة طبيعتها – مثال بالنسبة للتعيين في وظيفة ضابط ميناء – فصل ضابط الميناء المعين تحت الاختبار إذا رفض إعادة أداء الامتحان في مادة التخصص (بإدارة الميناء) التي لم يحصل على النسبة المقررة للنجاح فيها، بالرغم من حصوله على هذه النسبة في جميع مواد الامتحان – صحيح – أساس ذلك.   
(د) هيئة قناة السويس – تعيين موظفيها تحت الاختبار – مدة هذا الاختبار – فصل الموظف قبل انتهائها لعدم الصلاحية غير مخالف للقانون.
(هـ) هيئة قناة السويس – تعيين موظفيها تحت الاختبار – السلطة المختصة بتقديم التقرير بالصلاحية للتثبيت – تقديمه من أحد الرؤساء غير المباشرين – لا يترتب عليه أي عيب شكلي يبطله – أساس ذلك.
1 – تنص المادة الأولى من لائحة وكادر موظفي هيئة قناة السويس على أن تسري أحكامها على كل موظف يعين بالهيئة وذلك وفقاً للجداول المرافقة لها، كما تسري على الموظفين الذين كانوا يعملون بالمرافق قبل وبعد 26 من يوليه سنة 1956، وأن تلغى جميع اللوائح والأحكام التنظيمية الصادرة قبل العمل بها مع عدم الإخلال بشرط نهاية مدة الخدمة المنصوص عليها في عقود أو خطابات التعيين بين الشركة المؤممة والموظفين الذين عينوا قبل 26 من يوليه سنة 1956، ومن ثم فإن المدعي إذ عين في ظل أحكام هذه اللائحة فإنها تسري عليه بأثر حال مباشر دون اشتراط الحصول منه على موافقة بسريانها عليه، لأن علاقته بالهيئة وهي مؤسسة عامة إنما هي علاقة تنظيمية وليست علاقة تعاقدية، فإذا كان المدعي قد وقع إقراراً عليه بما يفيد اطلاعه على شروط التعيين التي ستطبق عليه ووافق عليها، فإن ذلك لا يعدو أن يكون إجراء شكلياً حتى يكون الموظف على بينة تامة من أمره وبما لا يؤثر مطلقاً على خضوع المدعي لأحكام اللائحة سالفة الذكر، وبالتالي فلا حجية فيما أثاره المدعي بالاستناد إلى هذا القرار لأول مرة أمام المحكمة العليا من أن تعنت الرؤساء معه كان بسبب هذه الموافقة دون أن يبين وجه المصلحة في ذلك.
2 – إن لائحة موظفي قناة السويس أفردت حكماً خاصاً للتعيين وآخر للتثبيت في الوظيفة وبذلك فلا تلازم بين التعيين والتثبيت فقد يكون الشخص صالحاً للتعيين في الوظيفة لتوافر الشروط التي يتطلبها القانون فيه وفي الوقت نفسه لا يكون صالحاً للعمل إبان فترة الاختبار بحسب رأي الجهة الإدارية التابع لها الموظف فلا يثبت ويفصل من عمله.
3 – إن الاختبار لغة وفقهاً، هو الوقوف على مدى استعداد الموظف للعمل المرشح له من حيث الكفاية والسلوك الوظيفي ويرجع فيه إلى تقدير الجهة الرئيسية للموظف، الأمر الذي لا يتأتى معه وضع ضوابط له في القانون، فإذا كانت لائحة موظفي هيئة قناة السويس وقد خلت نصوصها من تنظيم لهذا الاختبار أو الكيفية التي يجرى بها، فإن ذلك يعني ترك الأمر فيه كله لجهة الإدارة تنظمه بالطريقة التي تراها محققة للغرض منه لصالح الوظيفة بمراعاة طبيعتها وعلى ذلك إذا رأى القائمون بالأمر في الهيئة أن يكون الاختبار بطريقة معينة تتناسب والأعمال التي يعهد بها إلى الموظف، فقرروا بالنسبة لضباط الميناء الجدد الذين يعينون تحت الاختبار أن يكون تدريبهم على الأعمال قبل قيامهم بأية مسئولية لمدة ستة أسابيع يجرى بعدها اختبارهم تحريراً في بعض العلوم وشفاها في البعض الآخر وعملياً في إدارة مكتب الميناء فإن هذا الإجراء ليس فيه أية مخالفة للقانون ولا يتعارض مع المادة من اللائحة وهي الخاصة بالتعيين تحت الاختبار – كما يقوم المدعي – والصحيح أن الأمر بالتدريب والامتحان إن هو إلا تنفيذ للمادة المشار إليها بالطريقة التي تمكن الإدارة من الوقوف على صلاحية الموظف للعمل الموكول إليه حتى إذا اتضحت صلاحيته ثبت في وظيفته. وترتيباً على ما تقدم فإن المدعي إذ عين لأول مرة في وظيفة ضابط ميناء وهذه الوظيفة بحسب الكادر تعتبر أدنى درجات وظائف البحريين طبقاً للمادة 10 من اللائحة كان تعيينه تحت الاختبار ولذلك جرى عليه الأمر بالتدريب ثم الامتحان وحصل فيه على 65.5% وهي أكثر من النسبة المشترطة للنجاح بالنسبة للمجموع الكلي للدرجات، إلا أن المسئولين عن إدارة الميناء رأوا أنه وإن كان المدعي قد حصل على النسبة المطلوبة لاعتباره ناجحاً بصفة عامة إلا أن درجاته في مادة التخصص وهي إدارة مكتب الميناء كانت أقل من 60% (17 من 30 درجة) فوضعوا له نظام تدريب لفترة معينة يجرى بعدها اختباره عملياً من جديد في هذه المادة لكي يطمئنوا على سلامة الملاحة بالقناة ولكن المدعي رفض إعادة الامتحان وأصر على الرفض بحجة أن لائحة التوظف لا تستلزمه من جهة ومن جهة أخرى فإنه سبق أن دخل الامتحان ونجح فيه بالنسبة المطلوبة فلا يجوز بعد ذلك للهيئة أن تتطلب اختباره من جديد.
وما دامت الهيئة حين أصدرت الأمر بالتدريب ونظام الامتحان لم تجعل التثبيت متوقفاً على نتيجة النجاح فيه بالنسبة المطلوبة وإنما أرادت به أن تستجمع عناصر التقدير في الموظف للوقوف على مدى صلاحيته للوظيفة وبالتالي فإن لها كامل الحق أن تكرر هذا الاختبار حتى تطمئن على سلامة إدارة المرفق ثم لها في النهاية حرية التقدير في التثبيت من عدمه دون التقيد بنتيجة الامتحان الذي لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصر التقدير بجانبه عناصر أخرى فإذا كانت الهيئة قد وجدت في الدرجة التي حصل عليها المدعي في مادة إدارة الميناء وهو العمل المرشح له ما يحتاج معه إلى المزيد من التدريب ثم إعادة الامتحان، فليس فيما فعلته ما يتنافى أو يتعارض مع طبيعة الاختبار المفروض على المدعي أن يؤديه قبل تثبيته في وظيفته وكان الواجب على المدعي أن يذعن لهذا الأمر الصادر من رؤسائه ومتعلقاً بعمله، ورفضه له خروج على المسلك الوظيفي وعدم تمكين الرؤساء من تقدير عنصر الصلاحية فيه بالنسبة لمرفق عالمي يجب أن يتسم فيه موظفوه بالكفاية العالية والطاعة وإلا اختل سير المرفق.
فإذا كانت المذكرة المقدمة من مدير التحركات والتي انبنى عليها صدور القرار بفصل المدعي من الخدمة تضمنت أن المدعي يتخذ موقفاً ينطوي على الكثير من عدم الانقياد لنصائح رؤسائه، هذه النصائح التي تهدف إلى استكمال تكوينه ليستطيع تأدية واجباته في المستقبل على وجه مرضي كما أن إصراره على معارضة الأوامر الصادرة إليه بهذا الشأن وهو في مستهل حياته في خدمة الهيئة لا يبشر بإمكان تقويمه في المستقبل والمدعي لم ينكر في دعواه أنه رفض إطاعة الأمر الصادر بإعادة امتحانه، كما أنه لم ينكر حصوله على 17 درجة من 30 في مادة إدارة الميناء، فإذا رأى عضو مجلس الإدارة المنتدب إزاء ذلك عدم صلاحية المدعي للوظيفة وبالتالي الاستغناء عن خدماته إبان فترة الاختبار فإن قراره يكون مستمداً من أصول ثابتة ومستخلصاً استخلاصاً سائغاً.
4 – إن لائحة موظفي هيئة قناة السويس، إذ نصت في المادة 10 منها على أن التعيين تحت الاختبار يكون لمدة ستة شهور يجوز تجديدها لمدة ستة شهور أخرى – فليس معنى ذلك الإبقاء على الموظف حتى نهاية هذه المدة ولو اتضح عدم صلاحيته قبل انتهائها، فالمدة هنا تعتبر حداً أدنى للتثبيت في الوظيفة، ومن ثم إذا كانت الهيئة قد رأت في موقف المدعي إزاء الخطة المرسومة للاختبار ما لا يبشر بإمكان تقويمه مستقبلاً فاستغنت عن خدماته قبل مضي المدة المحددة للاختبار، فإنها لا تكون قد خالفت القانون.
5 – إن المادة 10 من لائحة موظفي هيئة قناة السويس لم تشترط أن يكون التقرير بصلاحية الموظف المعين تحت الاختبار أو عدمها صادراً من الرئيس المباشر، وكل ما اشترطه أن يقدم التقرير من رئيس هذا الموظف فليس من الضروري أن يقدم من الرئيس المباشر فإذا قدم التقرير من أحد رؤساء المدعي غير المباشرين فلا يترتب على ذلك أي عيب شكلي يشوب التقرير ويجعله باطلاً، ذلك أن الغرض من وضع التقارير إبان فترة الاختبار هو تمكين السلطة التي تملك تقدير صلاحية الموظف أو عدم صلاحيته من تعرف حالة الموظف وإصدار القرار المناسب لحالته، وما دام أن المرد في النهاية في تقدير صلاحية الموظف المعين تحت الاختبار هو للسلطة التي تملك التعيين بما لا يترتب عليه أي عيب شكلي يشوب التقرير بالبطلان ما دام أن هذا التقرير ليس ملزماً للسلطة المذكورة وتملك تقدير صلاحية الموظف المعين تحت الاختبار أو عدم صلاحيته بالاستناد إلى هذا التقرير أو إلى أية عناصر أخرى تستمد منها قرارها، وهي قد تستقل بهذا التقرير بلا معقب عليها ما دام قرارها يكون خالياً من إساءة استعمال السلطة.


إجراءات الطعن

في 21 من يونيه سنة 1960 أودع السيد/ محمد حسني الشعراوي سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1959 في الدعوى رقم 508 لسنة 13 القضائية المقامة منه ضد هيئة قناة السويس والقاضي برفض دعواه مع إلزامه المصروفات. وطلب للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن "قبوله شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء له بطلباته الواردة في دعواه لمحكمة القضاء الإداري" وقد أعلن هذا الطعن إلى الهيئة في 2 من يوليه سنة 1960، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 11 من ديسمبر سنة 1960 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لجلسة 6 مايو سنة 1961، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة – حسبما يبين من أوراق الطعن – تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 215 لسنة 5 القضائية ضد هيئة قناة السويس أمام المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 20 من يوليه سنة 1958 طلب فيها الحكم أولاً – وبصفة مؤقتة استمرار صرف مرتبه اعتباراً من تاريخ فصله من الخدمة في أول إبريل سنة 1958 إلى أن يفصل في الطلب الموضوعي وثانياً – وفي الموضوع إلغاء قرار الفصل المطعون فيه مع إلزام المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وحفظ كافة الحقوق الأخرى. وبتاريخ 13 من يناير سنة 1959 قضت المحكمة الإدارية المذكورة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى لأن المدعي من الفئة العالية مما يدخل في اختصاص محكمة القضاء الإداري مع إحالتها بحالتها إليها. وكان المدعي قبل ذلك قد رفع الدعوى رقم 846 لسنة 12 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري في 7/ 5/ 1958 يطلب فيها الحكم بصفة مؤقتة باستمرار صرف مرتبه ابتداء من أول إبريل سنة 1958. وعند نظر هذا الطلب بجلسة 11/ 6/ 1958 قرر المدعي بترك الخصومة فيه مع تحمله بالمصروفات. وقد قيدت دعواه الأصلية بعد إحالتها إلى المحكمة الإدارية المشار إليها بجدول محكمة القضاء الإداري برقم 509 لسنة 13 القضائية وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه تخرج في الكلية البحرية في سنة 1947 بطريق الامتياز فألحقته الحكومة ببعثة إلى إنجلترا وحصل منها على شهادة درجة أولى من فنون الإشارة والملاحة والمدفعية والطوربيد ومكافحة الغواصات برتبة اليوزباشي وأثناء ذلك أتم التمرين على السفن الإنجليزية ثم عمل في القوات المسلحة المصرية وشارك في معارك فلسطين البحرية إلى أن أحيل إلى المعاش في 15/ 9/ 1952 فتابع عمله في البحار على بواخر المملكة السعودية التجارية كقائد على (السعد الموفق) ولم يقف نشاطه عند هذا الحد بل جد إلى أن حصل في عام 1955 على أرقى شهادة في البحرية وهي شهادة (ربان أعالي البحار) وبذلك قد تأهل لأن يسند إليه عن جدارة أي وظيفة بحرية. وفي 28 من يناير سنة 1958 تسلم عمله بهيئة قناة السويس بوظيفة ضابط ميناء بور سعيد وتحددت له مدة للتمرين أقصاها ستة أسابيع أتمها على أحسن وجه، ومع أن القواعد التي جرت عليها الهيئة السابقة لا تعرف في اختيار رجالها نظم الامتحانات إلا أنه رئي أخير ولغير سبب مشروع إدخال الطالب في امتحان تحريري وشفاهي واشترط للنجاح فيه الحصول على 60% من مجموع مواد الامتحان، ولم يعارض المدعي في تأدية هذا الامتحان ونجح فيه وحصل على 65.5% من مجموع درجات مواد الامتحان، ثم في أول إبريل سنة 1958 أخطر شفاها بفصله من الخدمة، فتظلم من هذا القرار إلى المسئولين في الهيئة وأخطر في 22 من مايو سنة 1958 برفض تظلمه بدعوى عدم الصلاحية للعمل، وقد علم أن مبنى عدم الصلاحية هذه هي عدم حصوله على 60% في كل مادة من مواد الامتحان على حدة، وكانت الهيئة قد طالبت بإعادة امتحانه فرفض وبذلك يكون قرار فصله من الهيئة قد بني على أسباب باطلة وخالف أبسط القواعد القانونية واتسم بالتعسف وسوء استعمال السلطة، لأن كل ما اشترطته لائحة التوظف بالهيئة هو الاختبار الشخصي عند التعيين وقد تم اختبار المدعي وعين فعلاً تحت الاختبار لمدة ستة شهور ثم عرضت عليه الهيئة اختباره كتابة وشفاهاً فكان عليها أن تتقيد بشروط هذا الامتحان ونتيجته لأنها ارتبطت به واعتبرت النجاح فيه دليل الصلاحية للوظيفة، والمدعي إذ رفض الدخول في الامتحان الثاني فإن ذلك كان تمسكاً منه بحقه الناشئ من الامتحان الأول ونجاحه فيه بالنسبة المطلوبة وأكثر، خاصة وإن الهيئة قبل التأميم وبعده كانت تجرى في تعيين الضباط بغير امتحان اكتفاء بمؤهلاتهم العلمية والشهادة الحاصلين عليها، وقد أمضى المدعي في التدريب العملي ستة أسابيع على أحسن وجه مما كان يغني عن قضاء ستة أشهر تحت الاختبار وبالتالي كان يتعين على الهيئة تثبيته في وظيفته لا فصله من الخدمة لأسباب لا تمت للقانون بصلة تتسم بالانحراف وإساءة استعمال السلطة، وهذا فضلاً عن أن تقرير الصلاحية الذي انبنى عليه الفصل صدر من غير مختص، لأنه كان يجب أن يصدر من الرئيس المباشر بالتطبيق للمادة العاشرة من لائحة التوظف بالهيئة، كما أن القول بعدم الصلاحية يتنافى مع الشهادات الحاصل عليها المدعي وخبرته المكتسبة من العمل على السفن الإنجليزية والبواخر السعودية وتفوقه في التخرج من الكلية البحرية وإيفاده في بعثة إلى الخارج ولم يكن امتناعه عن دخول الامتحان التحريري والشفاهي لثاني مرة إلا لأنه استشعر بأن الهيئة قد بيتت له أمراً وأن لائحة التوظف في الهيئة لا تفسر مثل هذا الامتحان وليس في التمسك بالحق أي إخلال بواجب الطاعنة نحو الرؤساء، ثم خلص المدعي إلى تأثيم القرار الصادر بفصله لصدوره بغير سبب يبرره.
وترد الهيئة على الدعوى بأن هناك فرقاً بين اجتياز الامتحان المقرر لشغل الوظيفة وبين الصلاحية للنهوض بأعبائها تلك الصلاحية التي يجب توافرها فيمن يعين تحت الاختبار لإمكان تثبيته في وظيفته، وفي ضوء أحكام لائحة التوظف بالهيئة رشح المدعي ليشغل وظيفة ضابط ميناء تحت الاختبار وهي أدنى وظائف البحريين، وقد أقر المدعي كتابة في 28 من يناير سنة 1958 بأن اطلع على شروط التعيين التي ستطبق عليه ووافق عليها، وكان لزاماً عليه – وقد أوجبت اللائحة أن يؤدي الامتحان المقرر للوظيفة – اجتياز هذا الامتحان بنجاح، ورأت الهيئة أن مصلحة العمل تقتضي تدريب ضباط الميناء الجدد على نظام معين قبل تأديتهم هذا الامتحان وقام المدعي فعلا ًبالتدريب على الأعمال حسب النظام الموضوع لها ثم تقدم للامتحان وعلى الرغم من حصوله على 65.5% من المجموع الكلي للدرجات إلا أنه كان ضعيفاً في إدارة مكتب الميناء لحصوله على 17 درجة من 30، ولما كانت إدارة مكتب الميناء هو عمل المدعي الرئيسي والذي يتوقف عليه سير المرفق في انتظام، فقد رأت الهيئة وهي القوامة على تسيير المرفق أن المصلحة العامة تقتضي إعادة تدريب المدعي لفترة خمسة عشر يوماً ثم امتحانه في نهاية هذه الفترة، وقد أخطر المدعي بذلك وحدد له يوم 31 من مارس سنة 1958 إلا أنه رفض الامتحان رغم المحاولات التي أبداها القائمون على إدارة المرفق لإقناعه بأن المصلحة العامة تقتضي ذلك وأن الهدف من إعادة الامتحان هو استكمال تكوينه ليستطيع تأدية واجبات وظيفته على وجه مرضي، فإذا ما قررت الهيئة بعد ذلك الاستغناء عن خدماته لما رأته بحسب تقديرها أنه أصبح غير صالح للنهوض بأعباء الوظيفة فليس له الاحتجاج بأن له أصل حق في البقاء فيها، ما دام تصرف الهيئة قد تم في حدود القانون وبغير إساءة استعمال السلطة، ولا يفيد المدعي المحاجة بعمله في الماضي واتخاذه من ذلك دليلاً على الصلاحية، لأن الصلاحية تتخصص بالزمان وبنوع العمل المسند للموظف وهي ليست صفة لازمة بل قد تزايل صاحبها وقد تختلف باختلاف العمل المنظور إلى الصلاحية فيه.
وبجلسة 30 من ديسمبر سنة 1959 حكمت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى وبإلزام المدعي بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أن المدعي قد عين تحت الاختبار بوظيفة ضابط ميناء وهي أدنى الدرجات بعد أن وقع إقراراً بقبوله المعاملة على أساس لائحة وكادر موظفي هيئة قناة السويس وأن الهيئة قد راعت أصول العدالة حينما أعطت للمدعي الفرصة الملائمة للتحضير والاستعداد لأداء الامتحان بإصدارها الأمر البحري رقم 5 بتنظيم مدة التدريب وجعلها ستة أسابيع، كما كانت على حق في إعطائه فرصة أخرى بمد فترة التدريب لمدة أسبوعين آخرين يجرى بعدهما الامتحان للتحقق من استكمال المدعي لنقط الضعف فيه ولكنه أصر على عدم أداء الامتحان مما حدا برئيسه (مدير التحركات) بأن يكتف في تقرير عنه أن الموقف الذي اتخذه المدعي ينطوي على شيء كثير من عدم الانتباه لنصائح رؤسائه – هذه النصائح التي تهدف إلى استكمال تكوينه ليستطيع تأدية واجباته في المستقبل على وجه مرضي – كما أن إصراره على معارضة الأوامر الصادرة إليه بهذا الشأن وهو في مستهل حياته في خدمة الهيئة لا يبشر بإمكان تقدمه في المستقبل.
وفوق كل ما تقدم فإن إدارة مرفق قناة السويس وهو مرفق عالمي تتطلب إدارته وتسيير أموره على الوجه الأكمل من القائمين عليه أقصى قدره من العناية وحسن الإدراك إذ يتعين على الرؤساء علاوة على الكفاية الممتازة الحزم والعدالة ومن المرؤوسين الطاعة والتفاني في الإخلاص للعمل، والمدعي قد فاتته هذه الأمور الرئيسية وتجرد في تلك الصفات التي كان من المتعين عليه أن يتحلى بها خاصة وهو حديث عهد بالخدمة بل وفي مستهل فترة الاختبار وآية ذلك نفس دفاعه الذي ضمنه مذكراته التي يشيع فيها نوع من الاعتراض على النظم القائمة بذلك المرفق وتحدى الرؤساء بما لا يبشر بملاءمته لهذا العمل – وهكذا كانت رئاسة هيئة قناة السويس على حق في فصله من الخدمة.
ومن حيث إن الطعن المقدم من المدعي يقوم في حقيقته على سببين: أولهما – أن تعيينه في الهيئة قد تم بعد اختبار شفوي كما تقضي بذلك المادة من لائحة وكادر موظفي هيئة قناة السويس وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه، إذ ربط بين هذا التعيين وبين الاختبار الثاني الذي أجرته الهيئة ولم تنص عليه اللائحة مخالفاً للقانون.. والسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ القانون لمخالفته نص المادة من اللائحة المذكورة التي توجب بأن يكون تقرير الصلاحية صادراً من الرئيس المباشر بينما أن التقرير الذي انبنى عليه فصل المدعي بالقرار المطعون صادر من مدير التحركات المقيم بمدينة الإسماعيلية، هذا فضلاً عن أن التقرير لم يكن عن الصلاحية وإنما كان عن امتناع المدعي عن قبول إعادة امتحانه في برنامج التدريب، وكذلك أخطأ حين اعتبر دخول هذا الامتحان شرطاً لازماً للتعيين مع ثبوت عدم النص عليه في اللائحة المشار إليها وحين ربط بينه وبين تقرير الرئيس بالصلاحية من عدمها بعد ستة أسابيع فقط من التعيين ولم يكن امتناع المدعي عن إعادة امتحانه إلا استشعاراً منه بأن الغرض منه ليس الكشف عن الصلاحية وإنما للإضرار به وعلى كل فلا يجوز الاستناد إلى هذا السبب وحده في فصل المدعي من وظيفته التي عين فيها طبقاً للقانون وأن له من خبرته في أعمال البحار ونجاحه في الاختبار الشفوي عند التحاقه بالخدمة ثم نجاحه في الامتحان الذي عقد بعد فترة التدريب الأولى ما يجعله صالحاً لشغل هذه الوظيفة، ومن ثم يكون قرار فصله قد صدر فاقداً لركن السبب ومشوباً بعيب سوء استعمال السلطة ومخالفة القانون.
قدمت الهيئة مذكرة بالرد على أسباب الطعن جاء فيها أنه بالرغم من نجاح المدعي في الامتحان الذي أجري بعد فترة التدريب الأولى وحصوله على النسبة المطلوبة للنجاح في جميع المواد فإن لجنة الامتحان لاحظت ضعفه في مادة إدارة مكتب الميناء الأمر الذي حدا بالهيئة لكي تطمئن على سلامة الملاحة بالقناة أن تعيد تدريبه ثم امتحانه للتحقق من مدى إلمامه بعمله قبل أن تسند مسئولية الوظيفة إليه، وكان قرار عدم الصلاحية لعدم إذعانه لذلك وإصراره على هذا الموقف الذي اعتبرته الهيئة موقفاً ينطوي على الكثير من عدم الانقياد لنصائح الرؤساء مما لا يبشر بإمكان تقويمه مستقبلاً، أما ما أثاره الطاعن في جلسة المرافعة أمام المحكمة العليا من وجود خلاف بينه وبين رؤسائه لقبوله التعيين وفق أحكام لائحة التوظف بالهيئة فهو أمر بعيد عن الصحة لأن المدعي وهو موظف عمومي علاقته بالهيئة علاقة لائحية تخضع للوائح التي تصدرها الهيئة وقد عين الطاعن (المدعي) في ظل لائحة صدرت في يوليه سنة 1957 بينما تم تعيينه تحت الاختبار في ينار سنة 1958، هذا فضلاً عن أنه لم يقدم أي دليل يثبت وجود مثل هذا النزاع كما أنه لم يقم الدليل على أن الهيئة قد تنكبت وجه المصلحة العامة، وليست الهيئة في حاجة إلى بيان أن التقرير الذي انتهى بالاستغناء عن خدمات الطاعن صادر من مدير التحركات وهو رئيس الطاعن ولم تنص لائحة التوظف على أن مثل هذا التقرير يصدر من الرئيس المباشر كما هو الحال في قانون موظفي الدولة فلا مجال إذن لتطبيق نصوص هذا القانون أمام صراحة النص الوارد باللائحة المذكورة وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر مطابقاً للقانون وغير مشوب بعيب الانحراف أو إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً ارتأت فيه رفض الطعن للأسباب التي قام عليها الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه بالاطلاع على أوراق الدعوى يبين منها أن المدعي عين في 28/ 1/ 1958 في وظيفة ضابط ميناء تحت الاختبار بهيئة قناة السويس بعد أخذ الإقرار عليه بأنه اطلع على شروط التعيين التي ستطبق عليه ووافق عليها. وفي 30/ 1/ 1958 ألحق بالعمل كضابط ميناء تحت التدريب. ويتضح من قائمة المعينين بالهيئة المذكورة اعتباراً من أكتوبر سنة 1957 حتى فبراير سنة 1958 أن المدعي هو المعين الوحيد بوظيفة ضابط ميناء في 28/ 1/ 1958 وأن الآخرين عينوا قبل وبعد هذا التاريخ في وظائف أخرى فنية وكتابية في أدنى الدرجات وتحت الاختبار. وفي 31/ 3/ 1958 كتب مدير التحركات مذكرة رفعها إلى السيد/ رئيس مجلس الإدارة جاء فيها "أن المدعي التحق بالخدمة في 28 من يناير سنة 1958 في وظيفة ضابط ميناء تحت الاختبار وبدأ تدريبه فوراً. وفي 13/ 3/ 1958 – تقدم للامتحان أمام لجنة بور سعيد ورغماً من حصوله على 65.5% من المجموع الكلي إلا أنه حصل على 55% فقط في مادة قوانين الهيئة كما أنه كان ضعيفاً في إدارة مكتب الميناء (17 درجة من 30) ونتيجة لذلك أعيد للتدريب لفترة 15 يوماً أخرى وأخطر في نفس الوقت بأنه سيعاد امتحانه مرة ثانية في نهاية فترة التدريب الإضافية. وقد حدد يوم 31/ 3/ 1958 لإعادة امتحانه إلا أنه رفض التقدم لتأدية الامتحان بإدعاء أنه نجح في الامتحان السابق عقده ببور سعيد وبعد محاولات متعددة من رئيس قسم بور سعيد ومدير ووكيل التحركات شخصياً لإقناعه بتأدية الامتحان على أن يجرى التصحيح بالإسماعيلية أصر على موقف الرفض. ونظراً لأن الموقف الذي يتخذه السيد/ حسني الشعراوي (المدعي) ينطوي على الكثير من عدم الانقياد لنصائح رؤسائه هذه النصائح التي تهدف إلى استكمال تكوينه ليستطيع تأدية واجباته في المستقبل على وجه مرض. كما أن إصراره على معارضة الأوامر الصادرة إليه بهذا الشأن وهو في مستهل حياته في خدمة الهيئة لا يبشر بإمكان تقويمه في المستقبل.." وبناء على هذه المذكرة صدر القرار المطعون فيه من عضو مجلس الإدارة المنتدب بتاريخ 9 من إبريل سنة 1958 بالاستغناء عن خدمات المدعي اعتباراً من 2 من إبريل سنة 1958.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى لائحة وكادر موظفي هيئة قناة السويس يبين أن المادة الأولى نصت على أن تسري أحكامها على كل موظف يعين بالهيئة وذلك وفقاً للجداول المرافقة لها، كما تسري على الموظفين الذين كانوا يعملون بالمرفق قبل وبعد 26 من يوليه سنة 1956 وأن تلغى جميع اللوائح والأحكام التنظيمية الصادرة قبل العمل بها مع عدم الإخلال بشرط نهاية مدة الخدمة المنصوص عليها في عقود أو خطابات التعيين بين الشركة المؤممة والموظفين الذين عينوا قبل 26 من يوليه سنة 1956. وتنص المادة 8 من هذه اللائحة على أن يكون التعيين باختبار في جميع الوظائف ويكون الاختبار شخصياً للوظائف التي يشترط في شاغلها أن يكون حاصلاً على مؤهل جامعي. وتنص المادة 10 على أن التعيين لأول مرة في أدنى الدرجات يكون تحت الاختبار لمدة ستة شهور يجور تجديدها لمدة ستة شهور أخرى، ولا يجوز تثبيت الموظف إلا إذا اتضحت صلاحيته للعمل وذلك بموجب تقرير يقدمه رئيسه، وإذا ظهر العكس يستغنى عن خدماته فوراً بدون إنذار، على أن يمنح الموظف عند التعيين أول مربوط الدرجة المقررة للوظيفة ويجوز إذا كان للموظف خبرة أفادها من أعمال سابقة أو توافرت فيه مزايا خاصة – أن يمنح ماهية تزيد على أول مربوطها (مادة 11). وتنص المادة من اللائحة المذكورة "على الموظف إطاعة الأوامر وتعليمات الإدارة والرؤساء ما دامت خاصة بالعمل وعليه أن ينفذها بدقة. ويجب أن تكون علاقته طيبة فيما بينه وبين رؤسائه وزملائه ومرؤوسيه وأن تكون قائمة على أساس من التفاهم والمودة، كما يجب عليه أن يؤدي عمله بهمة ونشاط وأن يحافظ على أموال الهيئة وممتلكاتها".
وتنص المادة 79 على جواز فصل الموظف المعين تحت الاختبار دون سبق إعلان. وبالرجوع إلى الكادر الملحق باللائحة المشار إليها يبين أن وظيفة ضابط ميناء التي عين فيها المدعي تحت الاختبار هي أدنى درجات البحريين بمرتب 288 جنيه سنوياً.
ومن حيث إنه على ضوء الوقائع السابق تفصيلها وما استعرض من نصوص اللائحة فإن المدعي وقد عين في ظل أحكام هذه اللائحة، فإنها تسري عليه بأثر حال مباشر دون اشتراط الحصول منه على موافقة بسريانها عليه لأن علاقته بالهيئة وهي مؤسسة عامة إنما هي علاقة تنظيمية وليست علاقة تعاقدية، فإذا كان المدعي قد وقع إقراراً عليه بما يفيد اطلاعه على شروط التعيين التي ستطبق عليه ووافق عليها، فإن ذلك لا يعدو أن يكون إجراء شكلياً حتى يكون الموظف على بينه تامة من أمره وبما لا يؤثر مطلقاً على خضوع المدعي لأحكام اللائحة سالفة الذكر، وبالتالي فلا حجية فيما أثاره المدعي بالاستناد إلى هذا الإقرار لأول مرة أمام المحكمة العليا من أن تعنت الرؤساء معه كان بسبب هذه الموافقة دون أن يبين وجه المصلحة في ذلك.
ومن حيث إن اللائحة أفردت حكماً خاصاً للتعيين وآخر للتثبيت في الوظيفة وبذلك فلا تلازم بين التعيين والتثبيت فقد يكون الشخص صالحاً للتعيين في الوظيفة لتوافر الشروط فيه التي يتطلبها القانون وفي الوقت نفسه لا يكون صالحاً للعمل إبان فترة الاختبار بحسب رأي الجهة الإدارية التابع لها الموظف فلا يثبت ويفصل من عمله.
ومن حيث إن الاختبار لغة وفقهاً هو الوقوف على مدى استعداد الموظف للعمل المرشح له من حيث الكفاية والسلوك الوظيفي يرجع فيه إلى تقدير الجهة الرئيسية للموظف الأمر الذي لا يتأتى معه وضع ضوابط له في القانون، فإذا كانت لائحة موظفي هيئة قناة السويس قد خلت نصوصها من تنظيم لهذا الاختبار أو الكيفية التي يجرى بها فإن ذلك يعني ترك الأمر فيه كله لجهة الإدارة تنظمه بالطريقة التي تراها محققة للغرض منه لصالح الوظيفة بمراعاة طبيعتها، وعلى ذلك إذا رأى القائمون بالأمر في الهيئة أن يكون الاختبار بطريقة معينة تتناسب والأعمال التي يعهد بها إلى الموظف فقرروا بالنسبة لضباط الميناء الجدد الذين يعينون تحت الاختبار أن يكون تدريبهم على الأعمال قبل قيامهم بأية مسئولية لمدة ستة أسابيع يجرى بعدها اختبارهم تحريرياً في بعض العلوم وشفاهياً في البعض الآخر وعملياً في إدارة مكتب الميناء، فإن هذا الإجراء ليس فيه أية مخالفة للقانون ولا يتعارض مع المادة من اللائحة وهي الخاصة بالتعيين تحت الاختبار – كما يقول المدعي – والصحيح أن الأمر بالتدريب والامتحان إن هو إلا تنفيذ للمادة المشار إليها بالطريقة التي تمكن الإدارة من الوقوف على صلاحية الموظف للعمل الموكول إليه حتى إذا اتضحت صلاحيته ثبت في وظيفته.
ومن حيث إن المدعي عين لأول مرة في وظيفة ضابط ميناء ولأن هذه الوظيفة بحسب الكادر تعتبر أدنى درجات وظائف البحريين، فطبقاً للمادة 10 من اللائحة كان تعيينه تحت الاختبار ولذلك جرى عليه الأمر بالتدريب ثم الامتحان وحصل فيه على 65.5% وهي أكثر من النسبة المشترطة للنجاح بالنسبة للمجموع الكلي للدرجات، إلا أن المسئولين عن إدارة الميناء رأوا أنه وإن كان المدعي قد حصل على النسبة المطلوبة لاعتباره ناجحاً بصفة عامة، إلا أن درجاته في مادة التخصص وهي إدارة مكتب الميناء كانت أقل من 60% (17 من 30 درجة)، فوضعوا له نظام تدريب لفترة معينة يجرى بعدها اختباره عملياً من جديد في هذه المادة لكي يطمئنوا على سلامة الملاحة بالقناة، ولكن المدعي رفض إعادة الامتحان وأصر على الرفض بحجة أن لائحة التوظف لا تستلزمه من جهة ومن جهة أخرى فإنه سبق أن دخل الامتحان ونجح فيه بالنسبة المطلوبة فلا يجوز بعد ذلك للهيئة أن تطلب اختباره من جديد.
ومن حيث إن الهيئة حين أصدرت الأمر بالتدريب ونظام الامتحان لم تجعل التثبيت متوقفاً على نتيجة النجاح فيه بالنسبة المطلوبة، وإنما أرادت به أن تستجمع عناصر التقدير في الموظف للوقوف على مدى صلاحيته للوظيفة وبالتالي فإن لها كامل الحق أن تكرر هذا الاختبار حتى تطمئن على سلامة إدارة المرفق ثم لها في النهاية حرية التقدير في التثبيت من عدمه دون التقيد بنتيجة الامتحان الذي لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصر التقدير بجانبه عناصر أخرى فإذا كانت الهيئة قد وجدت في الدرجة التي حصل عليها المدعي في مادة إدارة الميناء وهو العمل المرشح له ما يحتاج معه إلى المزيد من التدريب ثم إعادة الامتحان فليس فيما فعلته ما يتنافى أو يتعارض مع طبيعة الاختبار المفروض على المدعي أن يؤديه قبل تثبيته في وظيفته وكان الواجب على المدعي أن يذعن لهذا الأمر الصادر من رؤسائه ومتعلقاً بعمله ورفضه له خروج على المسلك الوظيفي وعدم تمكين الرؤساء من تقدير عنصر الصلاحية فيه بالنسبة لمرفق عالمي يجب أن يتسم فيه موظفوه بالكفاية العالية والطاعة وإلا اختل سير المرفق.
ومن حيث إن المذكرة المقدمة من مدير التحركات والتي انبنى عليها صدور القرار بفصل المدعي من الخدمة تضمنت أن المدعي يتخذ موقفاً ينطوي على الكثير من عدم الانقياد لنصائح رؤسائه، هذه النصائح التي تهدف إلى استكمال تكوينه ليستطيع تأدية واجباته في المستقبل على وجه مرضي، كما أن إصراره على معارضة الأوامر الصادرة إليه بهذا الشأن وهو في مستهل حياته في خدمة الهيئة لا يبشر بإمكان تقديمه في المستقبل. والمدعي لم ينكر في دعواه أنه رفض إطاعة الأمر الصادر بإعادة امتحانه كما أنه لم ينكر حصوله على 17 درجة من 30 في مادة إدارة الميناء فإذا رأى عضو مجلس الإدارة المنتدب إزاء ذلك عدم صلاحية المدعي للوظيفة وبالتالي الاستغناء عن خدماته إبان فترة الاختبار فإن قراره يكون مستمداً من أصول ثابتة ومستخلصاً استخلاصاً سائغاً، ولا يقدح في ذلك كون المدعي عين في الوظيفة باختبار شخصي أو كونه حاصلاً على شهادات عالية في شئون البحار وأن له خبرة سابقة في أعمال البحار ما دام أن تعيينه كان تحت الاختبار الذي يرجع في تقدير عنصر الصلاحية فيه لجهة الإدارة – والقانون إذ نص على أن التعيين تحت الاختبار يكون لمدة ستة أشهر يجوز تحديدها لمدة ستة أشهر أخرى – فليس معنى ذلك الإبقاء على الموظف حتى نهاية هذه المدة ولو اتضح عدم صلاحيته قبل انتهائها فالمدة هنا تعتبر حداً أدنى للتثبيت في الوظيفة، ومن ثم إذا كانت الهيئة قد رأت في موقف المدعي إزاء الخطة المرسومة للاختبار ما لا يبشر بإمكان تقويمه مستقبلاً فاستغنت عن خدماته قبل مضي المدة المحددة للاختبار فإنها لا تكون قد خالفت القانون في شيء.
وأما ما يعيبه المدعي على القرار المطعون فيه استناده إلى تقرير صادر من غير رئيسه المباشر فمردود عليه بأن المادة 10 لم تشترط أن يكون التقرير بالصلاحية أو عدمها صادراً من الرئيس المباشر، وكل ما اشترطه أن يقدم التقرير من رئيس الموظف المعين تحت الاختبار، فليس من الضروري أن يقدم من الرئيس المباشر، فإذا قدم التقرير من أحد رؤساء المدعي غير المباشرين فلا يترتب على ذلك أي عيب شكلي يشوب التقرير ويجعله باطلاً، ذلك أن الغرض من وضع التقارير إبان فترة الاختبار هو تمكين السلطة التي تملك تقدير صلاحية الموظف أو عدم صلاحيته من تعرف حالة الموظف وإصدار القرار المناسب لحالته، وما دام أن المرد في النهاية في تقدير صلاحية الموظف المعين تحت الاختبار هو للسلطة التي تملك التعيين بما لا يترتب عليه أي عيب شكلي يشوب التقرير بالبطلان ما دام أن هذا التقرير ليس ملزماً للسلطة المذكورة وتملك تقدير صلاحية الموظف المعين تحت الاختبار أو عدم صلاحيته بالاستناد إلى هذا التقرير أو إلى أية عناصر أخرى تستمد منها قرارها، وهي قد تستقل بهذا التقدير بلا معقب عليها ما دام كان قرارها خالياً من إساءة استعمال السلطة.
وهذا فضلاً عن أن الواقعة التي تضمنها التقرير الذي انبنى عليه صدور القرار المطعون فيه غير منكورة ومسلم بها من المدعي في كل أوراق الدعوى.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن القرار المطعون فيه قد قام على صحيح سببه بريء من عيب مخالفة القانون أو إساءة استعمال السلطة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى فإنه والحالة هذه يكون صحيحاً متفقاً مع القانون وبالتالي يكون الطعن فيه على أساس متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات