الطعن رقم 803 لسنة 7 ق – جلسة 02 /12 /1961
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ
القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) – صـ
73
جلسة 2 من ديسمبر سنة 1961
برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني وكيل المجلس، وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل وحسن أيوب وأبو الوفا زهدي المستشارين.
القضية رقم 803 لسنة 7 القضائية
( أ ) موظف – تأديب – سوء السمعة والسيرة – تحققه بقيام شبهات قوية
تتردد على ألسنة الخلق بما يمس خلق الموظف ويؤثر على سمعته الوظيفية – للإدارة مجازاة
من يتسم بذلك ولو لم يصل الفعل إلى حد تكوين جريمة جنائية – أساس ذلك – مثال.
(ب) قرار تأديبي – سببه – فصل الموظفة لما علق بسمعتها من شوائب شديدة التأثير على
عملها كتمورجية في مستشفى – قرار صحيح قائم على سببه – استلزام ثبوت واقعة معينة في
حقها – في غير محله – أساس ذلك.
1 – إن حسن السمعة كما أنه شرط أساسي عند الالتحاق بالخدمة فإنه كذلك شرط لازم قيامه
أثناء الخدمة، والموظف الذي يتسم بسوء السيرة من حق الإدارة بل من واجبها أن توقع عليه
العقوبات التي تراها محققة للصالح العام وذلك متى اطمأنت واقتنعت بصحة ما نسب إلى الموظف
من أمول قد تخدش السمعة والسيرة وإن لم يصل الأمر إلى حد تكوين الفعل المنسوب إليه
جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات – فيكفي لتحقيق سوء السمعة أو سوء السيرة قيام شبهات
قوية تتردد على ألسنة الخلق بما يمس خلق الموظف ويؤثر على سمعته الوظيفية، وعلى ذلك
إذا تضمنت الشكوى المقدمة ضد المدعية نواحي أخلاقية متعددة توحي باعوجاج السير والسلوك
الواجب توافرهما فيها كموظفة في مستشفى وتأيدت بتقرير المباحث فإن الجهة الإدارية إذا
ما اقتنعت بما جاء بهذه الأوراق ورأت فيها ما يفقد المدعية حسن السمعة والسيرة وبالتالي
غير جديرة بالبقاء في وظيفتها فلا تكون قد خالفت القانون في شيء.
2- إن القرار الصادر بفصل المدعية وهو قرار تأديب يجب أن يقوم على سببه، وسببه في هذه
الحالة هو ما علق بسمعة المدعية من شوائب شديدة التأثير على عملها كموظفة في مستشفى
تقوم فيه على خدمة المرضى مما يتطلب توافر الثقة التامة فيها وهو الأمر الذي يتنافى
مع ما عرف عنها في الوسط الذي تعيش فيه من سوء السمعة وانحرف السلوك إلى أقصى الحدود
ولا يجب في هذه الحالة – كما يقول الحكم المطعون فيه – ثبوت واقعة معينة مما أسند للمدعية
في الشكوى وفي تقرير المباحث إذ يكفي لتحقق المسئولية وبالتالي إنزال العقاب الإداري
أن تستخلص الجهة الإدارية الواقعة التي بنت عليها الجزاء استخلاصاً سائغاً ومقبولاً
من واقع الأوراق المطروحة عليها وليس لجهة القضاء رقابة على هذا الاقتناع ما دامت الأوراق
التي استخلص منها هذا الاقتناع قد تؤدي إليه كما أنه لا رقابة على تقدير العقوبة ما
دامت تدخل في النطاق القانوني للجزاءات الجائز توقيعها في مثل هذه الحالة.
إجراءات الطعن
بتاريخ 11 من فبراير سنة 1961 أودع السيد إدارة قضايا الحكومة سكرتارية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الصحة بجلسة 12 من ديسمبر سنة 1960 في الدعوى رقم 591 لسنة 7 القضائية المقامة من السيدة/ سنية محمد موسى ضد وزارة الصحة والقاضي بإلغاء القرار الإداري الصادر في 21/ 10/ 1959 بفصل المدعية وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعية بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 25 من مارس سنة 1961، وقد أبلغ الخصوم في 26 من إبريل سنة 1961 بجلسة 21/ 5/ 1961 التي عينت لنظر الطعن أمام هيئة فحص الطعن، وقد أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لجلسة 4 من نوفمبر سنة 1961 للمرافعة وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات وأرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة – حسبما يبين من الأوراق – تتحصل في أن المدعية أقامت
هذه الدعوى قالت فيها أنها فصلت من الخدمة في 22/ 10/ 1959 بناء على وقائع نسبت إليها
ولم يثبت صحتها الأمر الذي يجعل قرار الفصل غير مستند إلى أساس سليم يبنى عليه وبالتالي
فهو قرار باطل خليق بالإلغاء. وقد أجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدعية كانت
تعمل بوظيفة تمورجية "خدمة سايرة" بمستشفى العياط المركزي وأشيع عنها سوء السلوك بين
أهالي البلد وقدمت ضدها شكوى نسب فيها إليها أمور مخلة بالسلوك والشرف وقد أجرى تحقيقاً
بالتحري عن حقيقة ما جاء بهذه الشكوى وجاءت التحريات مؤيدة صحتها ثم انتهى التحقيق
بإدانتها لارتكابها المخالفات الإدارية المنصوص عليها في المواد 117 و120 و128 من القانون
رقم 210 لسنة 1951 وقد رأت الجهة الإدارية أن ما نسب إلى المدعية وثبت ضدها يجعلها
تفقد شرطاً من شروط التوظف وهو حسن السير والسلوك وهو الأمر الواجب توافره في الموظف
العام فإن فقده كان غير جدير بالبقاء ويتعين فصله وقد تم ذلك كله في الحدود المرسومة
قانوناً. وبجلسة 12 من ديسمبر سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية بإلغاء القرار الصادر
في 21 من أكتوبر سنة 1959 بفصل المدعية وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليها
المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، مستندة في ذلك إلى أن فصل المدعية
وهو فصل تأديبي يجب أن يقوم على وقائع محددة ثابتة وليس على مجرد شبهات مشكوك في صحتها
ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر فاقداً ركن السبب وبالتالي وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن أسباب الطعن تقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خلط بين الجريمة الجنائية
والجريمة التأديبية مع اختلاف طبيعة كل منهما من حيث التكوين إذ يكفي في الجريمة التأديبية
وجود ما يقنع جهة الإدارة بسوء مسلك الموظف أو تصرفه مما يتنافى مع مقتضيات الشرف والأمانة
وحسن السمعة والابتعاد عن مواطن الشبهات وعلى ذلك إذا استخلصت جهة الإدارة من الأوراق
المطروحة عليها أن المدعية قد اقترفت جرماً إدارياً وقدرت الجزاء المناسب له فإنها
لا تكون قد خالفت القانون في شيء ويكون تصرفها بمنأى عن الطعن.
ومن حيث إنه يبين من أوراق الدعوى أن شكوى من مجهول قدمت ضد المدعية وزميلة أخرى لها
تدعى نفوسة بكر محمد نسب فيها إليهما أموراً شائنة من شأنها المساس بالسمعة وحسن السيرة
فنسب إليهما الاتجار في الأعراض وفي المواد المخدرة وتناولت الشكوى وقائع معينة وأشخاصاً
معينين بالذات وقد أرسلت النيابة الإدارية هذه الشكوى إلى مركز بوليس العياط للتحري
عن صحة ما جاء فيها وبعد ورود التحريات بما يفيد صحتها قامت النيابة الإدارية بفتح
محضر تحقيق اقتصرت فيه على سؤال المدعية وزميلتها المذكورة عما جاء الشكوى وفي التحريات
فأنكرتا ما نسب إليهما ثم قيدت الشكوى ضدهما مخالفة إدارية بالمواد 17 و20 و128 من
القانون رقم 210 لسنة 1951 لأنهما لم يتصفا بحسن السير والسلوك وبذلك أخلا بشرط من
شروط الوظيفة وثبت ذلك من تحريات المباحث، وقد رأى وكيل النيابة الإدارية المحقق النظر
في أمرهما إدارياً مع الاقتراح بنقلهما إلى جهة أخرى. ورأى في بادئ الأمر مجاراتهما
بخصم ثلاثة أيام من راتبهما مع التوصية بالنقل والمراقبة. وبعرض الموضوع على السيد
وكيل الوزارة وافق في 15/ 10/ 1959 على فصلهما من الخدمة لسوء السلوك الشديد الثابت
قبلهما من تحقيق النيابة الإدارية وتقرير ضابط مباحث مركز العياط وقد تضمن هذا التقرير
الصادر من ضابط المباحث مركز العياط في 18/ 2/ 1959 بأنه قام شخصياً بالتحري الدقيق
نحو هذه الشكوى ضد كل من نفوسة بكر محمد وسنية محمد موسى اللتين تشتغلان بالمستشفى
الأميري ببندر العياط فاتضح له من التحريات السرية بأنهما سيئتا السير والسلوك وهما
على علاقة غير شريفة بمن ذكرت أسماؤهم بالشكوى كما أنهما على صلات ببعض نساء ساقطات
وأشخاص من ذوي السيرة السيئة والأخلاق الفاسدة.
ومن حيث إن حسن السمعة كما أنه شرط أساسي عند الالتحاق بالخدمة فإنه كذلك شرط لازم
قيامه أثناء الخدمة، والموظف الذي يتسم بسوء السيرة فإن من حق الإدارة بل من واجبها
أن توقع عليه العقوبات التي تراها محققة للصالح العام وذلك متى اطمأنت واقتنعت بصحة
ما نسب إلى الموظف من أمول قد تخدش السمعة والسيرة وإن لم يصل الأمر إلى حد تكوين الفعل
المنسوب إليه جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات – فيكفي لتحقيق سوء السمعة أو سوء السيرة
قيام شبهات قوية تتردد على ألسنة الخلق بما يمس خلق الموظف ويؤثر على سمعته الوظيفية،
وعلى ذلك إذا تضمنت الشكوى المقدمة ضد المدعية نواحي أخلاقية متعددة توحي باعوجاج السير
والسلوك الواجب توافرهما فيها كموظفة في مستشفى وتأيدت بتقرير المباحث المشار إليه
فإن الجهة الإدارية إذا ما اقتنعت بما جاء بهذه الأوراق ورأت فيها ما يفقد المدعية
حسن السمعة والسيرة وبالتالي غير جديرة بالبقاء في وظيفتها فلا تكون قد خالفت القانون
في شيء.
ومن حيث إن القرار الصادر بفصل المدعية، وهو قرار تأديبي، يجب أن يقوم على سببه، وسببه
في هذه الحالة هو ما علق بسمعة المدعية من شوائب شديدة التأثير على عملها كموظفة في
مستشفى تقوم فيه على خدمة المرضى مما يتطلب توافر الثقة التامة فيها وهو الأمر الذي
يتنافى مع ما عرف عنها في الوسط الذي تعيش فيه من سوء السمعة وانحرف السلوك إلى أقصى
الحدود، ولا يجب في هذه الحالة – كما يقول الحكم المطعون فيه ثبوت واقعة معينة مما
أسند للمدعية في الشكوى وفي تقرير المباحث إذ يكفي لتحقق المسئولية وبالتالي إنزال
العقاب الإداري أن تستخلص الجهة الإدارية الواقعة التي بنت عليها الجزاء استخلاصاً
سائغاً ومقبولاً من واقع الأوراق المطروحة عليها وليس لجهة القضاء رقابة على هذا الاقتناع
ما دامت الأوراق التي استخلص منها هذا الاقتناع تؤدي إليه، كما أنه لا رقابة على تقدير
العقوبة ما دامت تدخل في النطاق القانوني للجزاءات الجائز توقيعها في مثل هذه الحالة.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم فالقرار التأديبي المطعون فيه قد صدر صحيحاً ممن يملكه فهو
بمنأى عن الطعن، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون ويتعين إلغاؤه
والقضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعية بالمصروفات.
