القضيتان رقما 192/ 469 لسنة 16 ق – جلسة 15 /03 /1975
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ
القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) – صـ 254
جلسة 15 من مارس سنة 1975
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمود طلعت الغزالي، محمد نور الدين العقاد المستشارين.
القضيتان رقما 192/ 469 لسنة 16 القضائية
ترقية بالاختيار – شرطة – جزاءات – سلطة تقديرية.
إفصاح الإدارة عن أسباب تخطي المدعي في الترقية بالاختيار – خضوع هذه الأسباب لرقابة
المحكمة – استنادها إلى الجزاءات الموقعة على المدعي وإلى ما قيل عن ضعف شخصيته وعدم
قدرته على التوجيه والإدارة الحازمة – لا أثر للجزاءات ما دام الحكم قد تضمن إلغاءها
– لا ينظر لضعف الشخصية ما دام سيحال إلى المعاش – بيان ذلك.
1 – إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما ذهب إليه بادئ الأمر من تبرئة المدعي من
جميع المخالفات التي نسبها إليه قرار الجزاء، إذ بنى قضاءه فيها على أسباب تقره عليها
هذه المحكمة لأنها استخلصت استخلاصاً صحيحاً سائغاً من الأوراق المودعة ملف الدعوى
إلا أن الحكم عاد في موضع لا حق فنسب إلى المدعي مخالفة عدم الدقة في تحرير بيانات
استمارات بدل السفر، ومخالفة التأشير بتواريخ غير واقعية على بعض الإشارات الواردة
لمديرية الأمن، ورأي لذلك أن تعيد الإدارة تقدير الجزاء بما يناسب هاتين المخالفتين،
وبذلك يكون الحكم قد تناقض في أسبابه، ذلك أنه وقد نفى المدعي مخالفة الحصول على بدل
سفر بدون وجه حق عن طريق الاستمارات المذكورة، ومن ثم قضى في منطوقه باستحقاقه لبدل
السفر الذي ألزمه القرار برده، فما كان يصح أن يسائله عن عدم الدقة في تحرير استمارات
السفر المشار إليها، إذ أن هذه المخالفة لم ترد بأسباب القرار المطعون فيه، ولأنه بفرض
ورودها فإنها تكون قد سقطت بسقوط المخالفة الأصلية التي تفرعت عنها.
أنه عن الشق الخاص بإلغاء قرار إحالة المدعي إلى المعاش برتبة عميد لتعيد جهة الإدارة
النظر فيه، فإنه يبين من الأوراق أن مبنى هذا القرار هو رأي المجلس الأعلى للشرطة بجلسته
المنعقدة يوم 15 من يوليه سنة 1965 بأن يحال المدعي إلى المعاش برتبته لعدم توافر عناصر
الصلاحية فيه للترقية لرتبة لواء.
وإنه وإن كان القرار المذكور قد صدر استناداً إلى السلطة التقديرية طبقاً للمادة 17
من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1964، والتي تقضي بأن "الترقية لرتبة
لواء تكون بالاختيار المطلق ومن لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش برتبته، كما تجوز
ترقيته إلى رتبة لواء وإحالته إلى المعاش"، إلا أنه وقد أفصحت جهة الإدارة عن الأسباب
التي استند إليها قرارها المبني على سلطتها التقديرية وهي الأسباب التي تضمنها كتاب
كاتم أسرار وزارة الداخلية المؤرخ 24 من أكتوبر سنة 1968 المودع ملف الدعوى (بحافظة
إدارة قضايا الحكومة رقم 14 دوسيه) فإن هذه الأسباب تخضع لرقابة المحكمة لتتحقق من
مطابقة القرار لحكم القانون وخلوه من الانحراف بالسلطة.
2 – وإذ استهل الكتاب المذكور ببيان ماضي المدعي الوظيفي بقوله أن تقاريره السنوية
منذ دخوله الخدمة في سنة 1937 وحتى بلوغه رتبة المقدم سنة 1958 التي لا يخضع شاغلها
لنظام التقارير كانت "جميعها في صالحه بتقدير ممتاز وجيداً جداً ولا يوجد فيها ما يشينه"،
ثم أورد واقعة ارتكابه غشاً في امتحان كلية الحقوق بالجامعة ترتب عليها فصله من الجامعة
ومجازاته إدارياً بإحالته إلى الاحتياط من 26/ 7 إلى 1/ 10/ 1955، ثم واقعة اعتدائه
بالضرب على مبلغ في جناية تهديد بالقتل بقصد التأثير عليه للعدول عن بلاغه، وقد جوزي
عنها بخصم يومين من مرتبه في 13/ 8/ 1956 (وتم محو هذا الجزاء سنة 1965) – ثم استطرد
الكتاب قائلاً أن الوزارة أتاحت له الفرصة ليثبت جدارته للمناصب العليا بتعيينه نائباً
لمدير الأمن بمديرية أمن مرسى مطروح ولكنه عجز عن ذلك للدلائل الآتية:
1 – تم ضبط غسالة كهربائية مهربة من الرسوم الجمركية مساء 3/ 4/ 1965 بطريق سيوه ودلت
التحريات على إنهاء خاصة بالمدعي.
2 – ارتكب سلسلة من الأعمال المعيبة والتي أثارت الشك في أعماله وسوء استعمال سلطة
وظيفته مما دعا إلى وقفه عن العمل ثم مجازاته بخصم عشرة أيام من مرتبه في 3 من يوليه
سنة 1965.
3 – ضعف شخصيته وعدم قدرته على التوجيه والإدارة الحازمة.
كل ذلك كان أساساً لزعزعة الثقة فيه وعدم توافر عناصر الصلاحية لترقيته لرتبة لواء.
3 – ولما كان المستفاد مما تقدم أن مبنى عدم صلاحية المدعي للترقية إلى رتبة لواء في
نظر جهة الإدارة هو أساساً المخالفات التي نسبت إليه في قرار الجزاء الموقع في 3 من
يوليه سنة 1965 بخصم عشرة أيام من مرتبه والذي جاء معاصراً لقرار الإحالة إلى المعاش،
ثم من بعده مخالفة تهريب غسالة من الرسوم الجمركية، ثم ما قدرته الإدارة بما لديها
من معلومات من عدم قدرته على التوجيه والإدارة الحازمة.
ومن حيث إنه عن السبب الأول فقد أصبح ولا وجود له بعد الحكم بإلغاء قرار الجزاء الصادر
في 3 من يوليه سنة 1965 لانتفاء جميع المخالفات التي نسبها إلى المدعي أما عن السبب
الثاني فقد ثبت من التحقيقات الإدارية سالفة الذكر أن مأمور سيوة أقر صراحة بأن الغسالة
المضبوطة مملوكة له وليست للمدعي وأن النيابة العامة لم تنته إلى قرار من تحقيقها ولا
يقبل عقلاً أن يقرر المأمور ذلك بما ينطوي عليه من مسئولية في حالة ثبوت تهريبها لمجرد
حماية المدعي أو مجاملته ومن ثم فلا اعتداد بالتحريات التي استندت إليها جهة الإدارة
في إسناد هذه المخالفة للمدعي أما عن القول بضعف شخصيته وعدم قدرته على التوجيه والإدارة
الحازمة فإن الاستناد إلى هذه الاعتبارات إنما يكون مجاله عند النظر في ترقية الضباط
إلى رتبة لواء مع استمراره في الخدمة، لأن القدرة على التوجيه والإدارة الحازمة وقوة
الشخصية هي من الصفات اللازمة لمن يشغلون فعلاً المناصب الرئيسية في هيئة الشرطة من
رتبة اللواء فما فوقها أما إذا كان الأمر بصدد الإحالة إلى المعاش مصحوبة بالترقية
إلى رتبة أو غير مصحوبة بها فإنه لا يصبح ثمة وجه لتطلب الصفات في الضابط المزمع إحالته
إلى المعاش.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن رقم 192 لسنة 16 قد استوفى أوضاعه الشكلية، كذلك فإنه وإن كان الطعن
رقم 469 لسنة 16 قد أودع في 11 من مايو سنة 1970، إلا أن الثابت بالأوراق أنه بعد صدور
الحكم المطعون فيه بجلسة 4 من ديسمبر سنة 1969 تقدم الطاعن في أول فبراير سنة 1970
إلى هيئة مفوضي الدولة بطلب إعفاء من رسوم إقامة الطعن قيد لديها برقم 65 لسنة 16 القضائية
وتقرر قبوله في 16 من مارس سنة 1970، ومن ثم يكون هذا الطعن بدوره مستوفياً أوضاعه
الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل على ما يبين من الأوراق في أن السيد/ محمد صلاح
الدين أحمد نور أقام الدعوى رقم 121 لسنة 20 القضائية في 30 من أكتوبر سنة 1965 أمام
محكمة القضاء الإداري ضد السيد وزير الداخلية بصفته، طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر
في 3 من يوليه سنة 1965 بمجازاته بخصم عشرة أيام من مرتبه، وبإلغاء القرار الصادر في
20 من يوليه سنة 1965 بإحالته إلى المعاش فيما تضمنه من إحالته برتبة عميد وأحقيته
في الإحالة إلى المعاش برتبة لواء وما يترتب على ذلك من آثار في معاشه وغيره، مع إلزام
المدعى عليه المصروفات. وقال شرحاً لدعواه أنه تخرج في كلية الشرطة سنة 1938 وتدرج
في الترقية حتى رتبة عميد في سنة 1962 وعين نائباً لمدير الأمن بمحافظة مرسى مطروح
في أغسطس سنة 1963 وعرف طول حياته الوظيفية بالاستقامة والجد والكفاءة، وتواترت تقاريره
السنوية على امتيازه وقد وضع قواعد لتنظيم العمل وانضباطه بين أفراد جهاز الأمن بالمحافظة
مما أدى إلى توقيع جزاءات تأديبية على بعض المخالفين، وأثارت هذه الإجراءات حفيظة الضابط
رشاد عبد الكريم فأرسل برقية إلى وزارة الداخلية نسب فيها إلى المدعي على غير الحقيقة
ارتكاب بعض المخالفات، وقد أجرت الوزارة تحقيقاً فيما ادعاه هذا الشاكي الذي أخذ يتصيد
للمدعي أموراً عارضة مما يقع في زحام العمل الروتيني اليومي كالخطأ في ذكر تواريخ بعض
استمارات بدل السفر أو ساعات القيام المتبينة فيها، وتفسير أحكام لائحة بدل السفر،
وأنه على الرغم من أن المدعي أبدى دفاعه فيما فوجئ به من اتهامات وأن المحقق أغفل تحقيق
دفاعه في البعض الآخر فقد صدر قرار في 3 من يوليه سنة 1965 بمجازاته بخصم عشرة أيام
من مرتبه مع إلزامه برد مبلغ 860 مليم و45 جنيهاً يزعم أنه بدل سفر تقاضاه دون وجه
حق، كما حرم من نصف مرتبه عن مدة وقفه بمناسبة التحقيق في المدة من 27 من يونيه إلى
4 من يوليه سنة 1965 وحرم أيضاً من منحه الخمسة عشر يوماً بمقولة أنه كان موقوفاً –
ومضى قائلاً أنه فوجئ بصدور قرار من 20 من يوليه سنة 1965 بإحالته إلى المعاش برتبة
عميد، بينما أحالت الوزارة في ذات القرار زملاء له إلى المعاش برتبة لواء، وقال أنه
تظلم من هذين القرارين فلم تستجب الوزارة لتظلمه، ونعى على القرار الأول افتقاده ركن
السبب لقيامه على مزاعم باطلة، ونعى على القرار الثاني مخالفته القانون لأنه بني أساساً
على قرار الجزاء المذكور، وكذلك انحراف الإدارة بسلطتها التقديرية لأنها لم تحقق المساواة
في المعاملة بينه وبين زملائه الذين أحيلوا إلى المعاش برتبة لواء مع أنه يفضلهم في
حياته الوظيفية التي حفلت بالأعمال الحسنة ولم يوقع عليه طوالها سوء جزاء واحد.
وتحصل رد وزارة الداخلية على الدعوى في أن التحقيق الذي أجرى مع المدعي أسفر عن مساءلته
عن ارتكاب المخالفات الآتية:
أولاً – السلوك المعيب:
1 – استولى دون وجه حق على بدل سفر عن أربع ليال هي 2 و25 من فبراير و9 و11 من مارس
سنة 1965 بإثبات بيانات غير صحيحة في الاستمارات أرقام 4460 و5242 و5416 ولم يرد المبلغ
المستحق في ذمته إلا بعد الشروع في التحقيق.
2 – تقاضي بدل سفر كامل عن عشر ليال على أساس أنه لم يقض الليل بمساكن حكومية بينما
ثبت أنه قضى تسع ليال منها في منازل مأموري أقسام الشرطة وهي منازل حكومة كما قضى الليلة
العاشرة في سراي ملك ليبيا ببلدة الحمام.
ثانياً – الاضطراب المثير للشكوك في أعماله:
1 – أثبت باستمارات بدل السفر أرقام 4460 و5342 و5416 أنه كان خارج مقر عمله بمرسى
مطروح أيام 28 و29 من يناير، 3 و12 و18 و19 و26 من فبراير سنة 1965 و11 و14 من مارس
سنة 1965 في الوقت الذي وجدت له تأشيرات في هذه الأيام بدفاتر إشارات مديرية الأمن.
2 – قام بإجراء تغيير في بيانات الاستمارتين 5342 و5416 بأن عدل في الأولى ساعة القيام
من الضبعة إلى الحمام إلى الساعة 7 مساءً بدلاً من 6 صباحاً، وفي الثانية جعل ساعة
القيام من مرسى مطروح إلى السلوم 10.30 مساءً بدلاً من صباحاً. كما أثبت في الثانية
أنه وصل القاهرة يوم 6/ 3/ 65 وصحته يوم 5/ 3/ 1965.
3 – لم توجد له تأشيرات بدفاتر تفتيش الأقسام التي قرر في استمارات بدل السفر أنه قام
بالمرور عليها.
ثالثاً – سوء استعمال السلطة والإهمال في واجبات وظيفته:
1 – أمر بتخفيض عدد الأيام في 45 استمارة بدل سفر عن مأموريات قام بها بعض الصف والعساكر
دون أن يسبق ذلك تحقيق لمعرفة الأيام الحقيقية للمأموريات.
2 – قام بالمرور بدائرة المديرية لمدة ليلتين من 28 يناير سنة 1965 وليلتين أخريين
من 11 من فبراير سنة 1965 أثناء تغيب مدير الأمن في إجازة، ولم تكن هناك ضرورة توجب
قيام المدعي بهذا المرور باعتباره قائماً بعمل مدير الأمن في غيابه.
وأضافت الوزارة في ردها أن المدعي أوقف عن العمل بمناسبة التحقيق معه في المدة 27 من
يونيه حتى 4 من يوليه سنة 1965، أنه جوزي عن المخالفات سالفة الذكر بخصم عشرة أيام
من مرتبة مع إلزامه برد مبلغ 860 مليم و45 جنيهاً قيمة بدل السفر الذي حصل عليه دون
وجه حق.
وقالت الوزارة بالنسبة للقرار الخاص بإحالة المدعي إلى المعاش برتبة عميد ودون ترقيته
إلى رتبة لواء أن سندها في ذلك هو سلطتها التقديرية المقررة بالمادة 17 من القانون
رقم 61 لسنة 1964 الخاص بهيئة الشرطة والتي تقضي بأن الترقية إلى رتبة لواء تكون بالاختيار
المطلق ومن لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش برتبته، كما تجوز ترقيته إلى رتبة لواء
وإحالته إلى المعاش – وشرحت في مذكرتها الصادرة من إدارة كاتم أسرار الوزارة بتاريخ
24 من أكتوبر سنة 1968 (حافظة الحكومة رقم 14 دوسيه المقدمة بجلسة 7 من نوفمبر سنة
1968) الأسباب التي أدت إلى صدور قرر إحالته إلى المعاش برتبة عميد، محصلها: أنه في
سنة 1955 ارتكب غشاً أثناء تأدية امتحان مادة الاقتصاد السياسي بكلية الحقوق بجامعة
القاهرة وحاكمته الجامعة تأديبياً طبقاً للوائحها وقررت فصله من الدراسة، وإزاء هذا
السلوك قررت الوزارة إحالته للاحتياط عقاباً له من 26 من يوليه حتى أعيد في أول أكتوبر
سنة 1955. وأنه في سنة 1956 طلبت النيابة العامة النظر في أمره إدارياً لما نسب إليه
في القضية رقم 1852 لسنة 1955 جنح بندر المحلة من عدم إبلاغه عن جناية تهديد بالقتل
واعتدائه بالضرب على المجني عليه، وقد جوزي عن ذلك بخصم يومين من مرتبة في 13 من أغسطس
سنة 1956 ومحي هذا الجزاء في سنة 1965. وقد عين في وظيفة نائب مدير الأمن بمرسى مطروح
وهي مديرية قليلة الأهمية من ناحية الأمن العام وكان ذلك بمثابة تجربة له وإتاحة الفرصة
أمامه لإثبات جدارته وصلاحيته للترقية إلى رتبة اللواء ونقله إلى وظيفة أكثر أهمية،
إلا أنه لم يحقق أمل الوزارة فيه بالدلائل الآتية:
1 – تم ضبط غسالة له كهربائية مهربة من الرسوم الجمركية مساء 3 من إبريل سنة 1965 بطريق
سيوة ودلت التحريات على أنها مهربة وخاصة بالمدعي الذي كان وقت ذلك يشغل وظيفة نائب
مدير الأمن.
2 – ارتكب سلسلة من الأعمال المعيبة التي أثارت الشك في أعماله وسوء استعماله السلطة
والإهمال في واجبات الوظيفة مما دعا الوزارة إلى وقفه عن العمل لحين انتهاء التحقيق
معه ثم مجازاته بخصم عشرة أيام من مرتبه في 3 من يوليه سنة 1965.
وإزاء هذه الظروف مجتمعة من ارتكابه غشاً في الامتحان سنة 1955 وهو برتبه مقدم، ومحاولته
الحصول على غسالة كهربائية مهربة من الرسوم الجمركية، والمخالفات التي وقع عليه بسببها
الجزاء بخصم عشرة أيام من مرتبة وهو برتبة عميد، فصلاً عما عرف عنه من ضعف الشخصية
وعدم قدرته على التوجيه والإدارة الحازمة – كل ذلك كان أساساً لزعزعة الثقة فيه ولعدم
توافر عناصر الصلاحية للترقية إلى رتبة اللواء، ولذلك أحيل إلى المعاش برتبة عميد.
وعقب المدعي على دفاع الوزارة بمذكرة نفى فيها الاتهامات المنسوبة إليه وقدم حافظتي
مستندات (رقم 11 و13 دوسيه) تضمنتا:
1 – مذكرة من السيد الدكتور كمال رمزي ستينو نائب رئيس الوزراء للتموين سابقاً يقرر
فيها أنه اتصل بالمدعي تليفونياً في الأسبوع الأخير في شهر يناير سنة 1965 وطلب منه
المرور في أنحاء المحافظة لتنفيذ القرار الوزاري رقم 31 لسنة 1965 الخاص بحظر تواجد
الأغنام والمواشي البلدية بدائرة المحافظة لمنع تهريبها إلى ليبيا. 2 – صورة الكتاب
رقم 412 المؤرخ 9/ 6/ 1965 الموجه من اللواء يوسف غراب مدير أمن مرسى مطروح إلى المحقق
العميد حازم رشدي متضمناً إقراره بأن جميع المأموريات التي قام بها المدعي والمبينة
بسبع من استمارات السفر التي يجرى التحقيق فيها قد تمت فعلاً وبتكليف من المدير لأعمال
تتعلق بالصالح العام وأن المأمورية المبينة بالاستمارة الثامنة قام بها المدعي مباشرة
أثناء غياب المدير وكانت في 28/ 1/ 1965 إلى 6/ 2/ 1965.
3 – بيان من اللواء يوسف غراب مدير أمن مرسى مطروح يوضح به ما سبق أن شهد به في التحقيق
مقرراً أنه لا مأخذ على المدعي في عدم إثبات مروره بدفاتر تفتيش الأقسام التي قام بالتفتيش
عليها لأن العمل جرى بأن كبار المسئولين لا يثبتون في هذه الدفاتر إلا الملاحظات والمسائل
الهامة مثل التعليمات الواردة من الوزارة وما شابه ذلك، وأن المدعي استأذنه في مراجعة
استمارات بدل السفر قبل بدء التحقيق وقام برد المبالغ الزائدة دون تراخ مما يؤكد حسن
نيته وأن المدير هو الذي كلف المدعي بالقيام بمأمورية إلى القاهرة ومنها إلى قسم العامرية
لمتابعة أعمال اللجان الفرعية تمهيداً لانتخابات رئاسة الجمهورية، ثم لاستقبال نائب
رئيس جمهورية يوغوسلافيا في زيارته للصحراء الغربية.
وبجلسة 4 من ديسمبر سنة 1969 صدر الحكم المطعون فيه وأقامت المحكمة قضاءها بإلغاء قرار
الجزاء – على النحو السالف إيراده – على أسباب تناولت فيها بحث الاتهامات المنسوبة
إلى المدعي على الترتيب الوارد بالقرار، فقالت عن الشطر الأول وهو الخاص بالسلوك المعيب:
أن الواقعة الأولى منه، وهي الخاصة باستيلاء المدعي دون وجه حق على بدل سفر عن أربع
ليال متفرقة في مأموريات متعددة، أنه قد ثبت من التحقيق ومن شهادة مدير الأمن المقدمة
للمحكمة أن المدعي استأذن رئيسه في مراجعة استمارات بدل السفر المتضمنة لهذه الليالي
قبل أن تقدم الشكوى أو يبدأ التحقيق. ولما أذن مدير الأمن في ذلك وتبين المدعي وجود
الزيادة قام بردها، وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن مسلك المدعي يدل على سلامة القصد والبعد
عن الشبهات. أما عن الواقعة الثانية من هذا الشطر وهي الخاصة بمبيت المدعي في استراحات
حكومية عشر ليالي متفرقة أثناء المأموريات وحصوله مع ذلك على بدل سفر كامل، فقد أهدرها
الحكم استناداً إلى أن المادة الثالثة من لائحة بدل السفر تنص على أن يخفض البدل بمقدار
الربع في حالة الإقامة بمنزل أعدته الحكومة أو سلطة أو هيئة محلية واستراحات البنوك
والشركات ويدخل في مدلول عبارة منازل الحكومة عربات السكك الحديدية والخيام والبواخر
وكل ما عداها مما تكون الحكومة مالكة أو مستأجرة لها. ومؤدى ذلك أن يكون نزول الموظف
في منزل أعدته الحكومة لهذا الغرض وهو يجب وصف الكتاب الدوري لوزارة المالية رقم 234
– 1/ 147 المؤرخ 24/ 3/ 1935 أشبه بالفنادق من حيث انتفاع المقيمين به بملحقات السكن
كالمياه والإنارة والأثاث والخدمة، وأنه لما كان الثابت أن المدعي قد نزل تسع ليالي
في ضيافة مأموري أقسام الشرطة بمنازلهم الخاصة في الجهات التي مر بها، فإنه لا يصدق
وصف هذه الأماكن بأنها استراحات أو منازل حكومية ولو كانت الحكومة هي المستأجرة لها
إذ أنها مخصصة لإقامة مأموري الأقسام وعائلاتهم إقامة خاصة، كذلك فإن قضاءه الليلة
العاشرة بقصر ملك ليبيا الخاص لا يعد مبيتاً في استراحة حكومية. ثم تناول الحكم الشطر
الثاني من سبب القرار وهو الخاص بالاضطراب المثير للشكوك، فبحث الواقعة الأولى منه
المتحصلة في أن المدعي أثبت في بعض استمارات بدل السفر وجوده خارج عاصمة المحافظة في
أيام معينة ثم تبين أن له في هذه الأيام تأشيرات على بعض الإشارات الواردة لمقر المديرية،
وخلص الحكم من بحثه إلى أن نتيجة التحقيق في هذه المخالفة بنيت على تقديرات احتمالية
من المحقق بأن التوقيعات قد تكون صادرة من المدعي لأنها غير واضحة، كما أورد المحقق
تعداداً لكثير من الإشارات دون أن يحدد ما يتعلق منها بالواقعة وما لا يتعلق بها، هذا
إلى أن التوقيعات المذكورة لا تصلح دليلاً على عدم قيام المدعي بالمأموريات في الأيام
المذكورة، إذ يتعين قيام الدليل القاطع على اصطناع المدعي لهذه المأموريات وعدم قيامه
بها فعلاً، وأنه مما ينفي هذه الشبهة شهادة مدير الأمن اللواء يوسف غراب بكتابه السري
رقم 442 المؤرخ 9/ 6/ 1965 الموجه إلى المحقق والذي قرر فيه صراحة أن المدعي قام فعلاً
بالمأموريات السبع المبينة بالاستمارات موضوع التحقيق أرقام 604، 711، 1869، 2517،
3227، 5242، 5416 بتكليف من مدير الأمن، أما المأمورية الثامنة المثبتة بالاستمارة
رقم 4460 والتي كانت في المدة من 28 من يناير إلى 7 من فبراير سنة 1965 فإنه وإن كان
المدعي قد قام بها في غياب مدير الأمن إلا أن الدليل على صحتها مستمد من شهادة السيد
نائب رئيس الوزراء للتموين سابقاً التي تضمنت اتصاله بالمدعي تليفونياً في الأسبوع
الأخير من شهر يناير سنة 1965 وتكليفه بالمرور في أقسام المحافظة لمراقبة تنفيذ القرار
الوزاري الخاص بمنع تصدير الأغنام البلدية إلى ليبيا. وعن الواقعة الثانية الخاصة بتعديل
ساعة القيام في الاستمارتين رقمي 5342، 5416 فقد أهدرها الحكم حيث لم يثبت من التحقيق
أن المدعي هو الذي أجرى التعديل وأن الأمر لا يعدو أن يكون استنتاجاً من المحقق لا
يسانده دليل هذا فضلاً عن فقدان هذه الواقعة لكيانها وأهميتها إزاء ما شهد به مدير
الأمن بكتابه السري سالف الذكر من أن المدعي قام بالمأمورية المدونة بهاتين الاستمارتين.
وعن الواقعة الثالثة بعدم وجود تأشيرات للمدعي في دفاتر تفتيش الأقسام التي مر بها
في المأموريات فقد نفاها الحكم عن المدعي استناداً إلى ما شهد به مدير الأمن من أن
كبار المسئولين لا يلتزمون بإثبات زيارتهم في هذه الدفاتر وأنهم لا يدونون بها إلا
الملاحظات والمسائل الهامة.
وفيما يتعلق بالشطر الثالث من سبب الجزاء وهو الخاص بسوء استعمال السلطة والإهمال في
واجبات الوظيفة فقد نفى الحكم الواقعة الأولى منه – والخاصة بأن المدعي خفض عدد الأيام
في 45 استمارة بدل سفر خاصة بصف الضباط والجنود دون أن يسبق ذلك تحقيق – بقوله أن الثابت
من شهادة العميد محمد يوسف في التحقيق أنه تم الاتفاق أمام وكيل وزارة الداخلية ومدير
عام مصلحة الشرطة على عدم إرسال العساكر للتدريب بالإسكندرية حيث قارب بند بدل السفر
النفاذ، ومن ثم أمر المدعي أن تعرض استمارات بدل السفر على الشاهد للنظر في تخفيض عدد
الأيام بما يتلاءم وطبيعة المأمورية، وفي هذه الحالة يتعين على الموظف المختص أن يحرر
للقسم لسؤال العسكري عن سبب تجاوزه، وأضاف الشاهد أنه أجريت فعلاً تحقيقات في بعض الاستمارات
وتم الصرف في الحالات التي ثبت فيها عدم التجاوز. ومضى الحكم قائلاً أن مقتضى حكم المادة
16 من لائحة بدل السفر أن على الرئيس قبل اعتماد استمارة بدل السفر أن يتحقق من صحة
البيانات الواردة بإقرار الموظف ومتى اقتنع بصحتها يرفعها للاعتماد، ومفاد ذلك أن التحقق
من مناسبة المدة للمأمورية لا يستلزم إجراء تحقيق لا سيما في مثل المخالفة المنسوبة
للمدعي لأن مأموريات العساكر يمكن تحديد مدتها على وجه الدقة، هذا إلى أن ما أمر به
المدعي من تعليمات يقضي بأن يرتبط تخفيض بدل السفر بتجاوز المدة المقررة للمأمورية،
وعلى ذلك فلا أساس لاتهام المدعي بأنه تجاوز سلطته الرئاسية أو أنه أساء استخدامها.
وعن الواقعة الثانية من هذا الشطر وهي الخاصة بقيام المدعي بالمرور بدائرة المديرية
في 28 من يناير و11 من فبراير 1965 أثناء غياب مدير الأمن ودون وجود موجب لذلك، فقد
أهدرها الحكم استناداً إلى أن المحقق لم يستوف دفاع المدعي فيها، وإلى البيان آنف الذكر
الصادر من المدير نائب رئيس الوزراء السابق للتموين والذي شهد فيه بأنه اتصل بالمدعي
تليفونياً في الأسبوع الأخير من شهر يناير سنة 1965 وكلفه بالمرور بإرجاء المديرية
للتحقيق من تنفيذ القرار الوزاري الخاص بمنع نقل الأغنام والمواشي البلدية من وادي
النيل إلى الصحراء الغربية ويمنع تصديرها أو تهريبها إلى ليبيا مراعاة لمصلحة البلاد
الاقتصادية، ومن ثم فقد كان قيام المدعي بالمأموريتين المذكورتين في غياب مدير الأمن
مستنداً إلى أسباب تبرره الأمر الذي لا تصح معه مساءلته عنه.
وخلص الحكم من هذا البيان المفصل إلى أن "أقصى ما يمكن نسبته إلى المدعي استناداً إلى
التحقيقات هو عدم الدقة في تحرير استمارات بدل السفر أو في التأشير بتواريخ غير واقعية
وهو ما حاول أن يدفعه بأسباب لا تنفي عنه الإهمال." وقال بناءً على ذلك أنه لما كان
القرار لا يقوم على سببه بجميع أشطاره فإنه يتعين إلغاؤه لإعادة تقدير الجزاء على أساس
استبعاد ما لم يقم من تهم في حق المدعي، وما ثبت عليه من إهمال وعدم دقة.
ومضي الحكم فقال إن قرار وقف المدعي عن العمل بمناسبة التحقيق معه صدر باطلاً لمخالفته
القانون إذ تقرر وقفه من يوم 27 من يونيه سنة 1965 الذي انتهى فيه التحقيق معه، الأمر
الذي ينافي الغرض من الوقف الاحتياطي ويهدر حكمته، ورتب على هذه النتيجة استحقاق المدعي
لمرتبة عن مدة الوقف واستحقاقه لمنحه الخمسة عشر يوماً التي منعت عنه بسبب هذا الوقف
الباطل.
وأقام الحكم قضاءه بالنسبة لقرار إحالة المدعي إلى المعاش برتبة العميد على أنه وإن
كانت الترقية إلى رتبة لواء تدخل في حدود السلطة التقديرية لجهة الإدارة طبقاً للمادة
17 من قانون هيئة الشرطة إلا أنه لما كان المستفاد من معاصرة قرار إحالة المدعي إلى
المعاش لقرار الجزاء سالف الذكر أن هذا القرار التأديبي بما قام عليه من أسباب كان
سبباً لقرار الإحالة إلى المعاش، وهذا ما أفصحت عنه مذكرة كاتم أسرار وزارة الداخلية
المودعة ملف الدعوى، وأنه إذا كانت هذه المذكرة قد أضافت إلى مبررات الإحالة للمعاش
واقعة ضبط غسالة كهربائية مهربة من الرسوم الجمركية وواقعة ارتكاب المدعي الغش في امتحان
كلية الحقوق سنة 1955، فإن الواقعة الأولى لم تثبت صحة نسبتها إلى المدعي، والواقعة
الثانية مضى عليها زمن طويل ولم تقف عائقاً دون تدرج المدعي في الترقية بعدها. ومن
ثم يكون قرار الجزاء سالف الذكر هو السبب الأساسي لقرار إحالة المدعي إلى المعاش وأنه
لما كانت المحكمة قد ألغت ذلك القرار لتعيد الإدارة تقدير الجزاء المناسب، فإن الأمر
يستتبع إلغاء قرار الإحالة إلى المعاش بدوره لتعيد الإدارة النظر في جواز إحالة المدعي
إلى المعاش برتبة لواء إعمالاً لسلطتها التقديرية في هذا الشأن.
ومن حيث إن مبنى طعن الحكومة أن الحكم المطعون فيه قد انطوى على تناقض في أسبابه إذ
بينما بدأ ينفي الاتهام عن المدعي في شأن حصوله على بدل سفر بدون وجه حق، عاد فنسب
إليه الإهمال وعدم الدقة في تحرير استمارات بدل السفر وفي التأشير على الأوراق بتواريخ
غير واقعية وهو ما حاول دفعه بأسباب لا تنفي عنه الإهمال. وهذا الذي نسبه الحكم إلى
المدعي يكفي بذاته لحمل قرار الجزاء ولو انتفت عنه باقي الاتهامات. كذلك أخطأ الحكم
بإلغائه قرار إحالة المدعي إلى المعاش برتبة عميد لمجرد عدم ثبوت المخالفات التي وقع
عنها الجزاء التأديبي مع أنه ليس ثمة تلازم بين الأمرين لأن الترقية إلى رتبة اللواء
مع البقاء في الخدمة أو مع الإحالة إلى المعاش مردها إلى الاختبار المطلق الذي تملكه
الجهة الإدارية بما لها من سلطة تقديرية نص عليها القانون، ولا يعول فيها على التقارير
التي حصل عليها الضابط وهو في وظائف أدنى كما لا يعتمد فيها على ملف الخدمة وحده، وهذا
ما أكدته أحكام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن طعن المدعي يقوم على أن الحكم وقع في قصور إذ نسب إلى المدعي الإهمال في
تحرير استمارات السفر دون أن يوضع كونه هذه المخالفة فضلاً عن أن الخطأ في تحرير استمارة
بدل سفر يسترد بها الموظف ما أنفق أمر لا يدخل في واجبات الوظيفة حتى يساءل عنه كذلك
فقد تناقضت الأسباب بأن قرر الحكم سلامة موقف المدعي في مسارعته بمراجعة الاستمارات
بعد استئذان رئيسه وقبل بدء التحقيق ورد الزيادة وهو ما اعتبره الحكم دليلاً على سلامة
موقفه وبعده عن الشبهات ثم عاد بعد ذلك فأخذه بتهمة الإهمال في تحرير الاستمارات كما
سأله عن التوقيع بتواريخ غير واقعية على بعض الإشارات التليفونية بينما قرر في موضع
آخر أن هذه المخالفة لا دليل عليها لأنها مجرد استنتاج من المحقق أهدرته الأدلة أما
عن قرار الإحالة إلى المعاش فقد أخطأ الحكم بعدم إلغائه إلغاء تاماً حيث ثبت تعسف جهة
الإدارة بعدم مساواتها بين المدعي وبعض زملائه الذين يفضلهم ويقل عنهم في الجزاء بأن
إحالتهم إلى المعاش بعد ترقيتهم لرتبة اللواء بينما إحالته برتبة عميد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما ذهب إليه بادئ الأمر من تبرئة المدعي
من جميع المخالفات التي نسبها إليه قرار الجزاء إذ بنى قضاءه فيها على أسباب تقره عليها
هذه المحكمة لأنها استخلصت استخلاصاً صحيحاً سائغاً من الأوراق المودعة ملف الدعوى
على ما سلف بيانه تفصيلاً، إلا أن الحكم عاد في موضوع لا حق فنسب إلى المدعي مخالفة
عدم الدقة في تحرير بيانات استمارات بدل السفر، ومخالفة التأشير بتواريخ غير واقعية
على بعض الإشارات الواردة لمديرية الأمن، ورأي لذلك أن تعيد الإدارة تقدير الجزاء بما
يناسب هاتين المخالفتين، وبذلك يكون الحكم قد تناقض في أسبابه، ذلك أنه وقد نفى عن
المدعي مخالفة الحصول على بدل سفر بدون وجه حق عن طريق الاستمارات المذكورة، ومن ثم
قضى في منطوقه باستحقاقه لبدل السفر الذي ألزمه القرار برده، فما كان يصح أن يسائله
عن عدم الدقة في تحرير استمارات السفر المشار إليها، إذ أن هذه المخالفة لم ترد بأسباب
القرار المطعون فيه، ولأنه بفرض ورودها فإنها تكون قد سقطت بسقوط المخالفة الأصلية
التي تفرعت عنها.
أما عن مخالفة التأشير بتواريخ غير واقعية على بعض الإشارات الواردة للمديرية فإنه
بالإضافة إلى سلامة الأسباب التي ساقها الحكم بادئ الأمر على عدد ثبوتها فإن القرار
المطعون لم يورد هذه المخالفة لذاتها وإنما أوردها باعتبار أنها الوجه الآخر لعدم قيام
المدعي فعلاً ببعض المأموريات المثبتة في استمارات بدل السفر ولما كان الحكم قد استخلص
بحق أن المدعي قام فعلاً بجميع المأموريات المبينة باستمارات السفر الثاني موضوع التحقيق
– على التفصيل السالف إيراده بأسبابه – فإنه بني على ذلك عدم ثبوت المخالفة المشار
إليها ومن حيث إنه لما تقدم يتعين تصويب الحكم في هذا الشق من قضائه والحكم بإلغاء
قرار الجزاء المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وتأييده فيما قضى به من استحقاق
المدعي بدل السفر الذي ألزم برده ومرتبه كاملاً عن مدة الوقف عن العمل ومنحه الخمسة
عشر يوماً التي حرم منها وذلك للأسباب التي ساقها الحكم المطعون فيه والتي تأخذ بها
هذه المحكمة.
ومن حيث إنه عن الشق الآخر من الحكم المطعون فيه والتماس إلغاء قرار إحالة المدعي إلى
المعاش برتبة عميد لتعيد جهة الإدارة النظر فيه، فإنه يبين من الأوراق أن مبنى هذا
القرار هو رأي المجلس الأعلى للشرطة بجلسته المنعقدة يوم 15 من يوليه سنة 1965 بأن
يحال المدعي إلى المعاش برتبته "لعدم توافر عناصر الصلاحية فيه للترقية لرتبة لواء".
وإنه وإن كان القرار المذكور قد صدر استناداً إلى السلطة التقديرية طبقاً للمادة 17
من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1964، والتي تقضي بأن "الترقية لرتبة
لواء تكون بالاختيار المطلق ومن لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش برتبته، كما تجوز
ترقيته إلى رتبة لواء وإحالته إلى المعاش"، إلا أنه وقد أفصحت جهة الإدارة عن الأسباب
التي استند إليها قرارها المبني على سلطتها التقديرية وهي الأسباب التي تضمنها كتاب
كاتم أسرار وزارة الداخلية المؤرخ 24 من أكتوبر سنة 1968 المودع ملف الدعوى (بحافظة
إدارة قضايا الحكومة رقم 14 دوسيه) فإن هذه الأسباب تخضع لرقابة المحكمة لتتحقق من
مطابقة القرار لحكم القانون وخلوه من الانحراف بالسلطة.
إذا استهل الكتاب المذكور ببيان ماضي المدعي الوظيفي بقوله أن تقاريره السنوية منذ
دخوله الخدمة في سنة 1937 وحتى بلوغه رتبة المقدم سنة 1958 التي لا يخضع شاغلها لنظام
التقارير كانت "جميعها في صالحه بتقدير ممتاز وجيداً جداً ولا يوجد فيها ما يشينه".
ثم أورد واقعة ارتكابه غشاً في امتحان كلية الحقوق بالجامعة ترتب عليها فصله من الجامعة
ومجازاته إدارياً بإحالته إلى الاحتياط من 26/ 7 إلى 1/ 10/ 1955، ثم واقعة اعتدائه
بالضرب على مبلغ في جناية تهديد بالقتل بقصد التأثير عليه للعدول عن بلاغه، وقد جوزي
عنها بخصم يومين من مرتبه في 13/ 8/ 1956 (وتم محو هذا الجزاء سنة 1965) – ثم استطرد
الكتاب قائلاً أن الوزارة أتاحت له الفرصة ليثبت جدارته للمناصب العليا بتعيينه نائباً
لمدير الأمن بمديرية أمن مرسى مطروح ولكنه عجز عن ذلك للدلائل الآتية:
1 – تم ضبط غسالة كهربائية مهربة من الرسوم الجمركية مساء 3/ 4/ 1965 بطريق سيوه ودلت
التحريات على إنهاء خاصة بالمدعي.
2 – ارتكب سلسلة من الأعمال المعيبة والتي أثارت الشك في أعماله وسوء استعمال سلطة
وظيفته مما دعا إلى وقفه عن العمل ثم مجازاته بخصم عشرة أيام من مرتبه في 3 من يوليه
سنة 1965.
3 – ضعف شخصيته وعدم قدرته على التوجيه والإدارة الحازمة.
كل ذلك كان أساساً لزعزعة الثقة فيه وعدم توافر عناصر الصلاحية لترقيته لرتبة لواء.
ولما كان المستفاد مما تقدم أن مبنى عدم صلاحية المدعي للترقية إلى رتبة لواء في نظر
جهة الإدارة هو أساساً المخالفات التي نسبت إليه في قرار الجزاء الموقع في 3 من يوليه
سنة 1965 بخصم عشرة أيام من مرتبه والذي جاء معاصراً لقرار الإحالة إلى المعاش، ثم
من بعده مخالفة تهريب غسالة من الرسوم الجمركية، ثم ما قدرته الإدارة بما لديها من
معلومات من عدم قدرته على التوجيه والإدارة الحازمة.
ومن حيث إنه عن السبب الأول فقد أصبح لا وجود له بعد الحكم بإلغاء قرار الجزاء الصادر
في 3 من يوليه سنة 1965 لانتفاء جميع المخالفات التي نسبها إلى المدعي أما عن السبب
الثاني فقد ثبت من التحقيقات الإدارية سالفة الذكر أن مأمور سيوة أقر صراحة بأن الغسالة
المضبوطة مملوكة له وليست للمدعي وأن النيابة العامة لم تتنبه إلى قرار من تحقيقها
ولا يقبل عقلاً أن تقرير المأمور ذلك بما ينطوي عليه من مسئولية في حالة ثبوت تهريبها
لمجرد حماية المدعي أو مجاملته، ومن ثم فلا اعتداد بالتحريات التي استندت إليها جهة
الإدارة في إسناد هذه المخالفة للمدعي أما عن القول بضعف شخصيته وعدم قدرته على التوجيه
والإدارة – الحازمة فإن الإسناد إلى هذه الاعتبارات إنما يكون مجاله عند النظر في ترقية
الضباط إلى رتبة لواء مع استمراره في الخدمة، لأن القدرة على التوجيه والإدارة الحازمة
وقوة الشخصية هي من الصفات اللازمة لمن يشغلون فعلاً المناصب الرئيسية في هيئة الشرطة
من رتبة اللواء فما فوقها أما إذا كان الأمر بصدد الإحالة إلى المعاش مصحوبة بالترقية
إلى رتبة أو غير مصحوبة بها فإنه لا يصبح ثمة وجه لتطلب تلك الصفات في الضابط المزمع
إحالته إلا المعاش.
ومن حيث إنه لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على بيان جزاءات الضباط الذين أحيلوا
إلى المعاش على ترقيتهم لرتبة لواء، والذين طلب المدعي أن يعامل أسوة بهم عملاً بقاعدة
المساواة في المعاملة بين ذوي المراكز المتماثلة، أن اللواء…… الذي أحيل إلى المعاش
في 30/ 7/ 1973 وقع عليه جزاء بخصم خمسة أيام من مرتبه وأن اللواء……. الآخر الذي
أحيل إلى المعاش في 15/ 10/ 1965 وقع عليه أربعة جزاءات بالخصم من المرتب فضلاً عن
جزاء الإنذار وأن اللواء بالمعاش…… الثالث وقعت عليه خمسة جزاءات بالخصم أحدها
من مجلس التأديب بينما وقع على المدعي جزاء واحد بخصم يومين من مرتبه فإنه يخلص من
كل ما تقدم أن قرار إحالة المدعي إلى المعاش برتبة عميد وبدون ترقيته إلى رتبة لواء
قد صدر مخالفاً للقانون لفقدان ركن السبب. ومن ثم صدر قرار جديد بالإلغاء فيما تضمنه
من عدم ترقية المدعي إلى رتبة لواء عند إحالته إلى المعاش بالتطبيق للمادة 17 من قانون
هيئة الشرطة سالف الذكر.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد ذهب إلى غير ذلك المذهب فإنه يتعين الحكم بقبول الطعن
رقم 469 لسنة 16 القضائية شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه بإلغاء القرار
الصادر في 3 من يوليه سنة 1965 بمجازاة المدعي بخصم عشرة أيام من مرتبه وما يترتب على
ذلك من آثار وباستحقاق المدعي بدل السفر الذي ألزم برده ومرتبه كاملاً عن مدة الوقف
عن العمل ومنحه الخمسة عشر يوماً وبإلغاء القرار الصادر في 20 من يوليه سنة 1965 بإحالة
المدعي إلى المعاش برتبة عميد فيما تضمنه من عدم اقتران الإحالة إلى المعاش بالترقية
إلى رتبة لواء وما يترتب على ذلك من أثار والحكم بقبول الطعن رقم 192 لسنة 16 القضائية
شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة المصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلغاء القرار الصادر في 3 من يوليو سنة 1965 بمجازاة المدعي بخصم عشرة أيام من مرتبه وما يترتب على ذلك من آثار وبإلغاء القرار الصادر في 20 من يوليو سنة 1956 بإحالة المدعي إلى المعاش برتبة عميد فيما تضمنه من عدم اقتران الإحالة إلى المعاش بالترقية إلى رتبة لواء وما يترتب على ذلك من آثار وباستحقاق المدعي بدل السفر الذي ألزم برده ومرتبه كاملاً عن مدة الوقف عن العمل ومنحه الخمسة عشر يوماً التي حرم منها وألزمت الحكومة المصروفات.
