الطعن رقم 1386 لسنة 8 ق – جلسة 14 /03 /1964
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ
القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة – العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) – صـ 798
جلسة 14 من مارس سنة 1964
برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.
القضية رقم 1386 لسنة 8 القضائية
مناقصة عامة – التأمين المؤقت الواجب إيداعه كشرط للنظر في العطاءات
التي تقدم في المناقصات العامة – الغاية منه – عدم ترتب البطلان على عدم إيداعه إذا
ما اطمأنت الإدارة إلى ملاءة مقدم العطاء – لا يجوز لمقدم العطاء التحلل من التزامه
بمقولة أنه لم يتقدم بالتأمين المؤقت مع العطاء – نكوله عند تنفيذ ما التزم به يجيز
للإدارة توقيع الجزاء مع مطالبته بالتعويض – أساس ذلك.
يثور التساؤل عما يترتب على تقديم عطاء غير مصحوب بتأمين نقدي كامل، وما إذا يجوز لجهة
الإدارة أن تقبل مثل هذا العطاء المجرد من التأمين أم بتعين عليها استبعاده وعدم الاعتداد
به أو التعويل عليه. وإذا هي قبلته فما هو الأثر الذي يترتب على هذا القبول وقد سبق
لهذه المحكمة أن قضت بأن إيداع التأمين المؤقت من مقدم العطاء في الوقت المحدد شرط
أساسي للنظر في عطائه سواء أكان هذا التأمين نقداً أم سندات أم كفالة مصرفية، وهذا
الشرط مقرر للصالح العام دون ترتيب جزاء البطلان على مخالفته إذا ما أطمأنت الإدارة
إلى ملاءة مقدم العطاء. – (جلسة 9 من مايو سنة 159 الطعن رقم 288 لسنة 4 القضائية)
– ذلك أن الحكمة المتوخاه من إيداع التأمين المؤقت هي ضمان جدية مساهمة المتقدم العطاء
في المناقصة، والتحقق من سلامة قصده في تنفيذ العقد في حالة رسو العطاء عليه، وتفادي
تسلب كل من تحدث نفسه بالانصراف عن العملية إذا ما رسا عطاؤها عليه، وتصادر جهة الإدارة
قيمة التأمين المؤقت إذا عجز الراسي عليه العطاء عن دفع قيمة التأمين النهائي على النحو
وفي الوقت المطلوب. ولا جدال في أن من حق جهة الإدارة أن تستبعد العطاء المجرد غير
المصحوب بالتأمين المؤقت الكامل إلا أنها إذا قدرت مع ذلك أن تقبل مثل هذا العطاء لأنه
يتفق ومصلحتها أو لأنها أطمأنت إلى صاحبه فلا تثريب عليها في ذلك ولا يقبل الاحتجاج
بعدم دفع التأمين المؤقت إلا ممن شرع تقديم التأمين ضماناً لحقوقه، وهو إما جهة الإدارة
لكي تضمن جدية العطاءات المقدمة إليها وإما أولئك المتقدمون الآخرون الذين أودعوا تأميناً
كاملاً إذ في قبول عطاء غير مصحوباً بالتأمين المؤقت إخلال بمبدأ المساواة بين أصحاب
العطاءات. أما من قبلت جهة الإدارة عطاءه فلا يقبل منه التحدي بأنه لم يقم بدفع التأمين،
ما دام التأمين غير مشروط لمصلحته. ولا يجوز للمقصر أن يستفيد من تقصيره لأن في ذلك
خروجاً على مبدأ ضرورة تنفيذ العقود بحسن نية. ومن ثم فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون
فيه من ضرورة استبعاد كل عطاء غير مصحوب بتأمين كامل دون أن يكون لجهة الإدارة الحق
في قبول مثل هذا العطاء يكون غير سديد لأنه يتعارض مع اعتبارات المصلحة العامة. فمن
الأصول التي يقوم عليها تعاقد جهة الإدارة مع الأفراد أو الهيئات، أن يخضع هذا التعاقد
لاعتبارات تتعلق بمصلحة المرفق المالية، التي تتمثل في إرساء المناقصة على صاحب العطاء
الأرخص وفي إرساء المزايدة على صاحب العطاء الأعلى، وبتغليب مصلحة الخزانة على غيرها
من الاعتبارات. وكذلك يخضع هذا التعاقد لاعتبارات تتعلق بمصلحة المرفق الفنية وهذه
تتمثل في اختبار المتناقص أو المتزايد الأفضل من حيث الكفاية الفنية، وحسن السمعة إلى
غير ذلك من شتى الاعتبارات. وتأسيساً على ذلك لا يجوز لمن قدم عطاء مناقصة أو مزايدة
أن يتحلل من التزامه بمقولة أنه لم يتقدم بالتأمين المؤقت مع العطاء، وإلا كان في ذلك
حض على العبث بمصلحة الإدارة ووقتها وجهودها. فيجب أن يرد على مثل هذا المتلاعب قصده
بحيث إذا هو نكل عن تنفيذ ما التزم به حق عليه الجزاء ولزمه التعويض.
إجراءات الطعن
في 18 من يوليو سنة 1962 أودع السيد الأستاذ محامي الحكومة، سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري – هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض بجلسة 10 من يونيه سنة 1962 في الدعوى رقم لسنة 14 القضائية المقامة من السيد/ رئيس مجلس مدينة ادفو بصفته ضد فهمي مدني محمد والذي قضى: (برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات) وطلب السيد محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه (الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلزام المطعون عليه بأن يدفع للسيد الطاعن بصفته مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة حتى تمام السداد مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.) وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 31 من يوليو سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963 وفيها قررت الدائرة إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة أول فبراير سنة 1964 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن مجلس بلدي
مدينة ادفو أقام الدعوى رقم لسنة 14 القضائية ضد السيد/ فهمي مدني محمد أمام
محكمة القضاء الإداري – هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض – بعريضة أودعها سكرتارية
تلك المحكمة في 31 من يناير سنة 1960 طلب فيها الحكم بإلزام المطعون عليه بأن يدفع
للمجلس البلدي الطاعن مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً، والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً
من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المجلس
البلدي شرحاً لدعواه أنه قد طرح مزايدة استغلال (معدية الشيخ محمود) بادفو لمدة سنة
واحدة طبقاً للشروط المبينة بعقد الاستغلال. وفي 13 من فبراير سنة 1955 رسا المزاد
على السيد (حسن يس أحمد) بإتاوة قدرها (250 جنيهاً) وقام الراسي عليه المزاد بدفع التأمين
النهائي بنسبة (50%) من مقابل الاستغلال. وفي 21 من فبراير سنة 1955، وقبل اعتماد المزايدة
طبقاً للبند الرابع من قائمة شروط المزاد، أبرق المدعى عليه (فهمي مدني محمد) للمجلس
المدعي بما يفيد دخوله المزايدة بزيادة قدرها (10%) عن القيمة التي رسا بها المزاد.
وفي 20 من مارس سنة 1955 أفادت مراقبة الشئون البلدية والقروية بقبول عطاء المدعى عليه.
فأعاد المجلس إجراء المزاد، وجعل قيمة العطاء حداً أدنى لمقابل استغلال المعدية، ولكن
لم يتقدم أحد للتزايد، فرسا على المدعى عليه. وعلى هذا طالبه المجلس بدفع التأمين المطلوب
وقدره (50%) من قيمة عطائه ولكنه أخذ يماطل ويتعلل بأعذار واهية مما اضطر المجلس إلى
إسناد العملية إلى صاحب العطاء الثاني وهو السيد/ حسن يس أحمد بمبلغ جنيهاً،
وبذلك يكون المدعى عليه (فهمي مدني محمد) ملزماً بدفع الفرق وقدره خمسة وعشرون جنيهاً
وهو المبلغ المطالب به وقد أجاب المدعى عليه بمذكرة حاصلها أنه لم يقم بدفع التأمين
المؤقت ومن ثم فكان يتعين اعتبار عرضه التلغرافي باطلاً ويصبح المجلس البلدي، ولا حق
له في مطالبته بشيء. إذ أن عرضه باطل، وذلك وفقاً لما يقضي به البند الأول من قائمة
شروط المزاد، من أنه لا يقبل أي عطاء إلا إذا دفع صاحبه قيمة التأمين المستحق فور تقديم
العطاء وخلص من هذا إلى طلب القضاء برفض الدعوى مع إلزام المجلس المدعي بالمصروفات
وبمقابل أتعاب المحاماة.
وقد رد المجلس البلدي على هذا الدفاع بمذكرة قال فيها أن اشتراط دفع المتزايد للتأمين
المؤقت، وإن كان شرطاً أساسياً للنظر في عطائه إلا أنه شرط مقرر للصالح العام دون ترتيب
جزاء على مخالفته، وهو مقرر لضمان جدية العطاء واستند المجلس في ذلك إلى ما سبق أن
قرره في هذا الشأن القضاء الإداري. ولذلك صمم المجلس على طلباته الواردة في صحيفة الدعوى
– ثم قدم السيد مفوض الدولة تقريره بالرأي القانوني في المنازعة انتهى فيه إلى رفض
طلبات المجلس المدعي. وبجلسة 20 من مايو سنة 1962 سمعت محكمة القضاء الإداري إيضاحات
ذوي الشأن وجرى تصحيح شكل الدعوى بصحيفة أعلنت في 31 من ديسمبر سنة 1961 بتوجيه الدعوى
من السيد رئيس مجلس مدينة ادفو.
وبجلسة 10 من يونيو سنة 1962 حكمت محكمة القضاء الإداري – هيئة العقود الإدارية وطلبات
التعويض – (برفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات) وأقامت قضاءها هذا على أنه لم ينعقد
عقد بين مجلس مدينة ادفو، من جهة، وبين (فهمي مدني محمد) من جهة أخرى، ولا يكون للمجلس
المدعي أن ينسب إلى المدعى عليه أي إخلال بالتزاماته العقدية أو أن يرجع عليه بالتعويض
عن هذا الإخلال ذلك أن عطاء المدعى عليه لم يكن مصحوباً بالتأمين المؤقت ومن ثم كان
جديراً بعدم الالتفات إليه واعتباره كأن لم يكن ولا يجوز للإدارة قبول عطاء واجب الاستبعاد
وإذ قبل مجلس مدينة ادفو العطاء المجرد المقدم من المذكور فإنه يكون قد أخطأ. وتكون
دعواه بالمطالبة بالفرق بين قيمة عطاء هذا الأخير وقيمة عطاء الملتزم (يس) الذي تعاقد
فعلاً مع المجلس غير قائمة على سند سليم من القانون، ويتعين الحكم برفضها..
ومن حيث إن طعن الحكومة يقوم على أن شروط المزايدة المتعلقة باستغلال معدية الشيخ محمود
لم تضع جزاء على عدم تقديم التأمين، إذ اكتفت بالنص في البند الأول، منها على أن كل
من يرغب في الدخول في هذه المزايدة يجب أن يدفع تأميناً نقدياً يوازي (10%) من عطائه
وقت تقديم هذا العطاء. وأن المطعون عليه كتب على نفسه تعهداً بإمضائه بسداد التأمين
المطلوب بمجرد اعتماد العطاء. وأن القضاء الإداري جرى على أن الأحكام المتعلقة بالتأمين
المؤقت مقررة للصالح العام دون ترتيب جزاء البطلان على مخالفتها. لأن شرط تقديم التأمين
المؤقت موضوع لصالح الجهة الإدارية وحدها، ضماناً لجدية العطاء، تقوم بمصادرته إذا
نكل مقدم العطاء عن إيجابه. ومن ثم فلا مأخذ عليها إذا هي تجاوزت عن هذا الشرط، ولا
يترتب على عدم مراعاته البطلان، إلا إذا كانت جهة الإدارة هي التي تتمسك بهذا البطلان.
وبالتالي يكون قبول الجهة الإدارية لعطاء المطعون عليه قبولاً صحيحاً منتجاً لآثاره.
ويكون العقد قد انعقد فعلاً بين جهة الإدارة، والمطعون عليه. ويحق لها إعمال أحكامه
التي تقضي بأنه في حالة عدم دفع التأمين يعاد المزاد على ذمة الملتزم الناكل، ويكون
ملزماً بدفع الفرق إذا ما رسا العطاء على ملتزم سواه بقيمة أقل.
ومن حيث إنه يبين من استقراء ملف الدعوى أن مجلس بلدي ادفو (المدعي) الذي حل محله في
الدعوى مجلس مدينة ادفو كان قد أعلن في يناير سنة 1955 عن مزاد استغلال معدية الشيخ
محمود بإدفو لمدة سنة واحدة وفقاً للشروط الموضحة بنموذج عقد الالتزام باستغلال المعدية.
وبجلسة المزايدة في 13 من فبراير تقدم كل من سيد علي طه، وعطية الله محكمة عليان، وحسن
يس أحمد، وعرض الأول جنيهاً مقابل الاستغلال وعرض الثاني جنيهاً لنفس الغرض
وعرض الثالث جنيه وبعد مزايدة بينهم رسا هذا العطاء في ختام الجلسة على حسن يس
أحمد بأكبر إتاوة وقدرها جنيهاً وتحصل منه فوراً مبلغ جنيهاً تورد لخزينة
المجلس بالقسيمة رقم بتاريخ 13 من فبراير سنة 1955 وقد ثبت أنه سبق أن تقدم
بشيك رقم بتاريخ 32 من يناير سنة 1955. بمبلغ جنيهاً في مزايدة أولى لهذه
المعدية وكان قد تقرر إلغاؤها، فبقي هذا الشيك معلى بحساب الأمانات. وبذلك يكون الملتزم
(حسن يس أحمد) قد دفع التأمين النهائي في ختام جلسة المزايدة وقدره جنيهاً بنسبة
(50%) من مبلغ الإتاوة مقابل استغلال معدية الشيخ محمود. ثم حدث بعد ذلك، في 21 من
فبراير سنة 1955، وقبل اعتماد المزايدة من الجهة الإدارية المختصة (هيئة المجلس ومراقبة
الشئون البلدية والقروية، بأسوان) إن أبرق المطعون عليه (فهمي مدني محمد) إلى السيد
رئيس مجلس بلدي ادفو بما يفيد دخوله المزايدة بزيادة عشرة في المائة عن المبلغ الذي
رسا به المزاد وقد جاء في برقيته (أرسلت تلغرافاً للمراقبة بدخولي معادي الشيخ محمود
بزيادة المائة عشرة وأرغب دفع التأمين) وبذلك يعتبر عطاء هذا المتدخل بمبلغ جنيهاً.
وعلى هذا أشر السيد رئيس المجلس البلدي على برقيته بما يفيد إخطار المراقبة فوراً بإشارة
تليفونية. وفي 20 من مارس سنة 1955 أرسل السيد مراقب إقليم أسوان إلى السيد رئيس المجلس
البلدي يقول: (نرجو التنبيه بطلب التأمين الابتدائي من فهمي مدني محمد عن معادي الشيخ
محمود، حسب برقيته عن الزيادة عشرة في المائة. مع سرعة الإعلان لإعادة المزايدة عن
المعدية، مع مراعاة اتخاذ مبلغ أساسي مقداره جنيهاً لمعدية الشيخ محمود، وفي
حالة عدم تقدم أحد بزيادة عن هذا السعر يقبل عطاء المذكور – فهمي مدني محمد – ونرجو
العلم أنه صار من اختصاص رئيس المجلس البلدي مباشرة البت في مثل هذا المزاد.) وفي 12
من إبريل سنة 1955 حرر فهمي مدني محمد تعهداً بخطه وتوقيعه جاء فيه: (أتعهد بناء على
كتاب المجلس المرسل إلى بنمرة والمؤرخ 31 من مارس سنة 1955 بخصوص دفع تأمين قدره
عشرة في المائة من العطاء المقدم مني بزيادة عشرة في المائة عن العطاء الأكبر المقدم
من (حسن يس أحمد) بمبلغ جنيهاً لمعدية الشيخ محمود أقبل تأجير المعدية بالعطاء
الذي وضعته بمبلغ (275 جنيهاً في السنة ولمدة عام واحد بالشروط التي وضعها المجلس،
ومستعد لسداد التأمين المطلوب بمجرد اعتماد هذا العطاء. كما أنني لا أقبل دخولي في
مزايدة. وهذا إقرار مني بذلك) وبتاريخ اليوم ذاته، أشر رئيس المجلس على هذا التعهد
بما يأتي: (يرفع للمراقبة ونرى اعتماد هذا العطاء حيث لا مناص من عدم الحصول عليه إذا
أعيدت المزايدة) وفي 27 من إبريل سنة 1955 كتب السيد المراقب إلى مجلس بلدي ادفو بقول:
(بالإشارة إلى كتابكم رقم 953/ في 12 من إبريل سنة 1955 نفيد باعتماد العطاء المقدم
بمبلغ جنيهاً للأسباب التي أبداها المجلس عن هذه المعدية) وقد أشر رئيس مجلس
بلدي ادفو في 30 من إبريل سنة 1955 على هذا الخطاب بعبارة: (يكلف بدفع التأمين). وراح
المجلس ينفذ هذه التأشيرة وطالب فهمي مدني محمد بأن يدفع التأمين المطلوب بنسبة (50%)
من قيمة عطائه الذي رسا عليه، ولكنه أخذ يماطل ويسوف ويلتمس أو هي المعاذير. من ذلك
أنه أرسل في 16 من مايو سنة 1955 الكتاب الآتي إلى السيد مأمور المركز ورئيس مجلس بلدي
ادفو: (مقدمه إليكم فهمي مدني محمد، الراسي عليه معادي الشيخ محمود بواقع جنيهاً
سنوياً علمت أن مراقبة البلديات وافقت على عطائي المذكور. ونظراً لأنه مطلوب مني أن
أقوم بدفع خمسين في المائة من العطاء بصفة تأمين، وأن هذا المبلغ كثير في مثل هذه الظروف،
وحيث إن الالتزام لمدة سنة بخلاف المستقبل، وهو ثلاث سنوات، كذلك أرجو الموافقة على
قبول التأمين بواقع (25%) خمسة وعشرين في المائة حتى يمكننا دفع هذا التأمين وقسط شهر
مقدماً. وفي حالة تأخيري لأي قسط في أول كل شهر أقبل أن يصادر التأمين ويفسخ العقد.
وهذا إقرار مني بذلك). وفي 16 من يونيو سنة 1955 أرسل السيد الطاعن إلى المطعون عليه
الكتاب الآتي: (بناء على ما جاء بكتاب المراقبة رقم في 11 من يونيو سنة 1955
والوارد للمجلس في 15 من يونيو سنة 1955 نأمل سرعة سداد مبلغ جنيهاً قيمة الفرق
بين العطاء المقدم منكم بمبلغ (275 ج) لمعدية الشيخ محمود، وبين العطاء المقدم من السيد
(حسن يس أحمد) بمبلغ جنيهاً الذي تسلمت له المعدية ابتداء من 15 من يونيو سنة
1955 لمماطلتكم في استلامها ودفع التأمين المطلوب. وقد تحدد لسداد هذا المبلغ مدة أقصاها
سبعة أيام ثم مطالبتكم به قضائياً).
ومن حيث إنه يتعين الرجوع إلى الشروط الموضحة بنموذج عقد الالتزام باستغلال معدية الشيخ
محمود بمدينة ادفو لمعرفة مدى احترام كل من طرفي العقد لنصوص تلك الشروط التي تحكم
العلاقة بينهما وتحدد الوضع القانوني لكل منهما في مواجهة الطرف الآخر بصدد المنازعة
الراهنة. فالبند الأول من هذه الشروط يقضي بأنه (يجب على كل من يرغب في الدخول في هذه
المزايدة أن يدفع تأميناً نقدياً يوازي عشرة في المائة من عطائه، وقت تقديم هذا العطاء.)
والبند الثالث يؤكد أنه (يجب على صاحب أكبر عطاء أن يدفع في الحال المبلغ اللازم لتكملة
التأمين ليكون موازياً لنصف قيمة الالتزام الحالي الذي يوازي عطاءه – بحيث إذا تأخر
عن الوفاء بذلك يعاد المزاد على ذمته في نفس الجلسة، ويكون ملزماً للمجلس بالفرق، وإذا
لم يف التأمين فللمجلس مطالبة الراسي عليه المزاد بالباقي، وفي حالة الزيادة لا يكون
لمن أعيد المزاد على ذمته حق في مطالبة المجلس بأي حق من الحقوق) ويجري البند الرابع
بأنه (لا يعتبر صاحب أكبر عطاء ومن دفع نصف قيمة التزام راسياً عليه، المزاد إلا بعد
تصديق هيئة المجلس عليه، ومراقبة وزارة الشئون البلدية والقروية بأسوان، وإعلانه بذلك
بخطاب رسمي بهذا التصديق.) وينص البند السادس على أنه: (إذا تنحى الراسي عليه المزاد
عن المزاد، بعد قفله يكون التأمين المدفوع منه حقاً للمجلس، بصفة تعويض بغير حاجة إلى
اتخاذ إجراءات رسمية أو غير رسمية فضلاً عن حق المجلس في مطالبته بما يزيد عن مبلغ
التأمين بقدر الفرق بين الإيجار الذي رسا به المزاد عليه، والإيجار الذي يرسو به المزاد
على غيره.) ويقرر البند السابع أنه (بمجرد تقديم عطاء أي شخص يعتبر بأنه به قد اطلع
على الشروط المدونة بهذه القائمة، وبعقد الاستغلال والتسعيرة المرفقة بها وقبوله جميع
هذه الشروط) وجاء في البند التاسع أن للمجلس الحق في قبول أو رفض أي عطاء بدون إبداء
الأسباب.
ومن حيث إن المطعون عليه دفع دعوى مطالبة مجلس مدينة ادفو، بأن تدفع له مبلغ خمسة وعشرين
جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد، وذلك
بالأوجه الآتية: أن في شروط قائمة المزاد التي عرضها الطاعن على المتزايدين اشتراطاً
صريحاً من مقتضاه أن لا يقبل أي عطاء إلا إذا دفع صاحبه مقدماً قيمة التأمين المستحق
فور تقديم العطاء، والثابت أن المطعون عليه لم يدفع أي تأمين في العرض التلغرافي الذي
تقدم به ومن ثم يكون عرضه باطلاً وواجباً استبعاده أن تفصيلات العرض الذي تقدم
به المطعون عليه، لم يقبلها المجلس البلدي عندما رغب المطعون عليه في دفع التأمين المستحق
عن هذا العرض، ولذلك فلا يكون هناك أي ارتباط قانوني بين المطعون عليه والطاعن في العرض
التلغرافي لم يقدم المجلس البلدي ما يستفاد منه أن أحداً لم يتقدم بمزاد يوازي
العطاء التلغرافي لهذا الأخير بل قام المجلس البلدي بإسناد العملية للراسي عليه المزاد
أولاً وهو السيد/ حسن يس أحمد بدون أية إجراءات.
ومن حيث إن مثار المنازعة هو التساؤل عما يترتب على تقديم عطاء غير مصحوب بتأمين نقدي
كامل، وما إذا كان يجوز لجهة الإدارة أن تقبل مثل هذا العطاء المجرد من التأمين أم
يتعين عليها استبعاده وعدم الاعتداد به أو التعويل عليه. وإذا هي قبلته فما هو الأثر
الذي يترتب على هذا القبول. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن إيداع التأمين المؤقت
من مقدم العطاء في الوقت المحدد شرط أساسي للنظر في عطائه سواء أكان هذا التأمين نقداً
أم سندات أم كفالة مصرفية، وهذا الشرط مقرر للصالح العام دون ترتيب جزاء البطلان على
مخالفته إذا ما اطمأنت جهة الإدارة إلى ملاءة مقدم العطاء – (جلسة 9 من مايو سنة 1959
الطعن رقم 288 لسنة 4 القضائية) – ذلك أن الحكمة المتوخاه من إيداع التأمين المؤقت
هي ضمان جدية مساهمة المتقدم بالعطاء في المناقصة، والتحقق من سلامة قصده في تنفيذ
العقد في حالة رسو العطاء عليه، وتفادي تسلب كل من تحدثه نفسه بالانصراف عن العملية
إذا ما رسا عطاؤها عليه، وتصادر جهة الإدارة قيمة التأمين المؤقت إذا عجز الراسي عليه
العطاء عن دفع قيمة التأمين النهائي على النحو وفي الوقت المطلوب. ولا جدال في أن من
حق جهة الإدارة أن تستبعد العطاء المجرد غير المصحوب بالتأمين المؤقت إلا أنها قدرت
مع ذلك أن تقبل مثل هذا العطاء لأنه يتفق ومصلحتها أو لأنها اطمأنت إلى صاحبه فلا تثريب
عليها في ذلك ولا يقبل الاحتجاج بعدم دفع التأمين المؤقت إلا ممن شرع تقديم التأمين
ضماناً لحقوقه، وهو إما جهة الإدارة لكي تضمن جدية العطاءات المقدمة إليها وإما أولئك
المتقدمون الآخرون الذين أودعوا تأميناً كاملاً إذ في قبول عطاء غير مصحوب بالتأمين
المؤقت إخلال بمبدأ المساواة بين أصحاب العطاءات. أما من قبلت جهة الإدارة عطاءه فلا
يقبل منه التحدي بأنه لم يقم بدفع التأمين، ما دام التأمين غير مشروط لمصلحته. ولا
يجوز للمقصر أن يستفيد من تقصيره لأن في ذلك خروجاً على مبدأ ضرورة تنفيذ العقود بحسن
نية. ومن ثم فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من ضرورة استبعاد كل عطاء غير مصحوب
بتأمين كامل دون أن يكون لجهة الإدارة الحق في قبول مثل هذا العطاء يكون غير سديد لأنه
يتعارض مع اعتبارات المصلحة العامة. فمن الأصول التي يقوم عليها تعاقد جهة الإدارة
مع الأفراد أو الهيئات، أن يخضع هذا التعاقد لاعتبارات تتعلق بمصلحة المرفق المالية،
التي تتمثل في إرساء المناقصة على صاحب العطاء الأرخص وفي إرساء المزايدة على صاحب
العطاء الأعلى، وبتغليب مصلحة الخزانة على غيرها من الاعتبارات. وكذلك يخضع هذا التعاقد
لاعتبارات تتعلق بمصلحة المرفق الفنية وهذه تتمثل في اختبار المتناقص أو المتزايد الأفضل
من حيث الكفاية الفنية، وحسن السمعة إلى غير ذلك من شتى الاعتبارات. وتأسيساً على ذلك
لا يجوز لمن قدم عطاء مناقصة أو مزايدة أن يتحلل من التزامه بمقولة أنه لم يتقدم بالتأمين
المؤقت مع العطاء. وإلا كان في ذلك حض على العبث بمصلحة الإدارة ووقتها وجهودها. فيجب
أن يرد على مثل هذا المتلاعب قصده بحيث إذا هو نكل عن تنفيذ ما التزم به حق عليه الجزاء
ولزما التعويض..
ومن حيث إن الثابت في الأوراق، أن مزايدة استغلال معدية الشيخ محمود بمركز ادفو مديرية
أسوان قد رست بجلسة يوم الأحد 13 من فبراير سنة 1955 على السيد (حسن يس أحمد) بإتاوة
بلغت جنيهاً في السنة وأن السيد المذكور قدم في نهاية تلك الجلسة مبلغ التأمين
المؤقت نزولاً على حكم البند الأول من شروط قائمة المزاد. ولكن المطعون عليه (فهمي
مدني محمد) تقدم مقرراً دخوله المزايدة بزيادة العشر أي بعطاء قدره جنيهاً مما
كان من شأنه عدم إتمام إجراءات إرساء المزايدة على (حسن يس أحمد) على أنه ولئن كان
المتدخل (مدني) لم يقدم تأميناً مؤقتاً مع عطائه إلا أنه قدم تعهداً في 12 من إبريل
سنة 1955 بسداد هذا التأمين وقد جاء فيه: (ومستعد لسداد هذا التأمين المطلوب بمجرد
اعتماد هذا العطاء) وفي 28 من إبريل سنة 1955 أخطرته جهة الإدارة (بأننا نعتمد العطاء
المقدم منكم 275 جنيهاً للأسباب التي أبداها مجلس بلدي ادفو وكلفته بدفع التأمين وبنص
البند السابع من الشروط على أنه بمجرد تقديم العطاء يعتبر مقدمه أنه اطلع على شروط
قائمة المزاد. ومن بينها دفع تأمين نقدي يوازي عشرة في المائة من قيمة العطاء، فضلاً
عن دفع المبلغ اللازم لتكملة التأمين ليكون موازياً لنصف قيمة الالتزام الحالي الذي
يوازي عطاءه بحيث إذا تأخر عن الوفاء بذلك يعاد المزاد على ذمته في نفس الجلسة ويكون
ملزماً للمجلس بالفرق – وإذا لم يف التأمين، فللمجلس مطالبة الراسي عليه المزاد بالباقي.
ومفاد ذلك بوضوح أن قائمة المزاد في الخصوصية المعروضة وإن كانت قد أوجبت تقديم تأمين
مؤقت مع العطاء إلا أنها لم ترتب جزاء البطلان على مخالفة ذلك، بل اعتبرت مجرد تقديم
العطاء قبولاً للشروط كلها ورتبت على التخلف عن الوفاء بالشرط الخاص بالتأمين إعادة
المزاد على ذمة مقدم العطاء المتخلف وإلزامه بالفرق أي اعتبار عطائه سارياً وملزماً
ومنتجاً لآثاره قبله لا لاغياً ولا مستبعداً. وتأسيساً على ذلك يكون المجلس الطاعن
قد قبل الإيجاب المقدم من المطعون عليه وقام بينهما ارتباط وعقد إداري منتج لكافة آثاره
القانونية المترتبة عليه. ويتعين والحالة هذه إلزام المطعون عليه المقصر بالفرق بين
عطائه والعطاء الذي رسا به المزاد باعتبار أن هذا الفرق يمثل الضرر الذي لحق مجلس مدينة
ادفو من جزاء نكول المذكور عن تنفيذ التزامه التعاقدي.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً آخر فإنه يكون قد جانب الصواب ويكون الطعن فيه على
النحو المتقدم قد قام على سند سليم من القانون. ويتعين إلغاء هذا الحكم والقضاء لمجلس
مدينة ادفو بطلباته..
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلزام المدعى عليه فهمي مدني محمد بأن يدفع للجهة الإدارية المدعية مبلغ جنيهاً خمسة وعشرين جنيهاً مصرياً وفوائده القانونية بواقع 4% (أربعة في المائة) سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 31 من يناير سنة 1960 حق تمام الوفاء، وألزمت المدعى عليه بالمصروفات.
