الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1217 لسنة 7 ق – جلسة 29 /02 /1964 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة – العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) – صـ 676


جلسة 29 من فبراير سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1217 لسنة 7 القضائية

( أ ) جنسية – إسقاطها – حرية المشرع حرية مطلقة في تنظيمها وتقديرها – لا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين أو في استمرار احتفاظه بها متى كان المشروع قد عدل ذلك بتشريع جديد – مثال بالنسبة للمادة 19 من القانون رقم 291 لسنة 1965 الخاص بالجنسية المصرية – تخويلها وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها أن يسقط الجنسية عن كل مصري غادر البلاد بقصد عدم العودة إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر.
(ب) جنسية – إسقاطها – المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية – سلطة وزير الداخلية في إسقاط الجنسية المصرية بقرار مسبب منه عن كل من يعمل لمصلحة دولة أجنبية هي في حالة حرب مع جمهورية مصر – قيام مبرر لإسقاط الجنسية عن الزوجة والأولاد القصر يبيح للإدارة تعديل قرار الإسقاط الصادر طبقاً للمادة 18 بإسناده إلى المادة 19 من القانون حتى يشملهم أثر الإسقاط – صحة هذا التعديل ما دامت شروط تطبيق المادة 19 متوافرة في شأن الجميع.
1) أن النقطة القانونية مثار النزاع تخلص في حق الدولة في إسقاط الجنسية المصرية عمن يغادر الوطن من المصريين بقصد عدم العودة ثانية.
ويبين من استقراء قوانين الجنسية المصرية أن المشرع قد استحدث هذا الحق وخوله لوزير الداخلية في المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية وهي التي تقضي بأنه "يجوز لوزير الداخلية ولأسباب هامة يقدرها إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري غادر الجمهورية المصرية بقصد عدم العودة إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر، وتبدأ هذه المدة بالنسبة إلى من غادر الجمهورية المصرية قبل العمل بهذا القانون من اليوم التالي لتاريخ العمل به"، وذلك أنه قد لوحظ أن عدداً كبيراً من المصريين غادر جمهورية مصر بصفة نهائية في السنوات الأخيرة وأعطى بعضهم قراراً بتنازلهم عن جنسيتهم المصرية ونظراً لأن قانون الجنسية المصرية رقم 160 لسنة 1950 والقوانين المعدلة له، ما كان يأخذ بمبدأ التنازل عن الجنسية المصرية فكانت وزارة الداخلية تواجه صعوبات جمة عند بحث إجراءات إسقاط الجنسية عنهم وقد لا تتوافر في أيهم حالة من حالات الإسقاط فكانت تبقي لهؤلاء الجنسية المصرية وبالتالي حق العودة إلى مصر في أي وقت، مما يتعارض وصالح الدولة وأمنها وسلامتها مما حدا بالمشرع إلى تضمين قانون الجنسية رقم 391 لسنة 1956 الحكم الوارد في المادة 19، آنفة الذكر وهو يجيز إسقاط الجنسية المصرية، بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها عن كل مصري غادر البلاد بنية عدم العودة إليها إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر.
والجنسية رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة توجب عليه الولاء لها وتوجب عليها حمايته ومنحه المزايا المترتبة على هذه الرابطة، ومن ثم كانت موضوعات الجنسية تنبثق من سيادة الدولة ذاتها، وكانت سلطة المشرع في تحديد الاشتراطات اللازم توافرها فيمن يتصف بالجنسية المصرية وفيمن يجوز منحه إياها، سلطة واسعة تمليها اعتبارات سيادة الدولة والمصلحة العليا للوطن، وكان للدولة أن تتولى بناء على ذلك تحديد عنصر السكان فيها. وهي إذ تنشئ الجنسية – بإرادتها وحدها – تحدد منحها وشروط كسبها وشروط فقدها أو إسقاطها حسب الوضع الذي تراه.
ولما كانت مسائل الجنسية من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة وكان تنظيمها يتعلق بسيادتها لاتصالها بالنظام العام من جهة ولكونها من عناصر الحالة الشخصية من جهة أخرى، فإن للمشرع مطلق الحرية، بمقتضى القانون العام، في تنظيم الجنسية وتقديرها على الوجه الملائم الذي يتفق وصالح الجماعة، ولا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين أو في استمرار احتفاظه بها متى كان المشرع قد رأى تعديل ذلك بتشريع جديد.
وعلى هدي الاعتبارات السالفة خول المشرع، وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها أن يسقط الجنسية المصرية عن كل مصري غادر الجمهورية المصرية بقصد عدم العودة إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر.
2) أن المشرع قد خول وزير الداخلية في المادة 18 فقرة ج من القانون رقم 391 لسنة 1956 بقرار مسبب منه أن يسقط الجنسية المصرية عن كلن من يعمل لمصلحة دولة أجنبية في حالة حرب مع جمهورية مصر، أي عن كل من تقوم بينه وبين دولة أجنبية وهي في حالة حرب مع مصر، رابطة عمل لصالح الأعداء، ولما كانت إدارة المباحث العامة، وهي الجهة الرسمية المختصة لاستجماع هذه البيانات، قدمت المعلومات لذوي الشأن في 14 من ديسمبر سنة 1956، أي في المجال الزمني للفترة التي تلت العدوان الإسرائيلي، فلا تثريب والحالة هذه على أولى الأمر إذا ما اطمأنوا في أعقاب هذه الظروف إلى قيام السبب المبرر لإسقاط الجنسية عن المدعي استناداً إلى الفقرة "ج" من المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 لأنه عمل لمصلحة دولة أجنبية فيكون قرار وزير الداخلية الصادر في 29 من مايو سنة 1957 قد صدر مطابقاً للقانون، لا فاسد الأساس كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه.
وإذا كانت وزارة الداخلية، بعد إسقاطها الجنسية المصرية عن المدعي بالقرار الصادر في 29 من مايو سنة 1957 عملاً بالمادة 18 فقرة "ج"، قامت لديها الأسباب المبررة لإسقاط الجنسية المصرية عن زوجته وعن ولديه جوزيف وكاميليو القاصرين بطريق التبعية للمذكور، كما كسبوا تلك الجنسية بحكم القانون بطريق التبعية أيضاً وذلك لمغادرتهم البلاد معه في سبتمبر سنة 1956، ومجاوزة غيبتهم في الخارج ستة أشهر وذلك بالتطبيق لنص المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956.
ولما كان يتعين لإعمال نص المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 أن يكون المصري الذي يراد إسقاط الجنسية المصرية عنه بالغاً حتى يمكن القول بأنه كان ينتوي عدم العودة إلى مصر إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر، ولما كان الثابت من الأوراق أن الولدين المراد إسقاط الجنسية عنهما قاصران، فما كان يجوز والحالة هذه إسقاط الجنسية المصرية عنهما طبقاً للمادة 19 المشار إليها، ولا محيص والأمر كذلك من تعديل القرار الصادر بإسقاط الجنسية المصرية عن والدهما المدعي، وذلك بإسقاط الجنسية المصرية عنه طبقاً للمادة 19 طالما أن الثابت أنه غادر الجمهورية المصرية بقصد عدم العودة وأن غيبته في الخارج جاوزت ستة أشهر – ذلك أن المدعي وقد عمل لمصلحة دولة أجنبية هي في حالة حرب مع الجمهورية المصرية وباع جميع أثاث منزله ومنقولاته قبل مغادرته البلاد واصطحب معه عند مغادرته إياها أسرته المكونة من زوجته وولديه إنما قد توافرت لديه نية عدم العودة إلى مصر ذلك أن بيعه لمنقولات بيته وجميع أثاث منزله كما قررت المباحث العامة في 9 من مايو سنة 1957 واصطحابه كامل أسرته المكونة من الزوجة والأولاد وتدبير الأمر بالعمل في شركة أو تورتيز، يدل على هجرته، سعياً وراء تهيئة أسباب المعيشة خارج الجمهورية المصرية، فضلاً عن قيامه بأعمال ضارة بمصلحة الوطن العليا وعن اتصاله بالأعداء وتوقيت كل ذلك قبيل العدوان الإسرائيلي في أكتوبر سنة 1956، وكأنه على موعد مع ذلك العدوان وهو الإسرائيلي ديانة – كل أولئك يحمل في طياته نية عدم العودة إلى الجمهورية المصرية فضلاً عن أن خشيته من التعرض لمحاكمته جنائياً عن الخيانة التي اقترفها في حق الجمهورية المصرية تدفع به إلى التفكير في عدم العودة إلى الجمهورية المصرية.
ويخلص من ذلك أن المدعي قد توافرت في شأنه الشرائط التي حددتها المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 لإسقاط الجنسية المصرية عنه فهو غادر الجمهورية المصرية في 17 من سبتمبر سنة 1956 بقصد عدم العودة وتدل على ذلك الظروف والملابسات السابق بيانها وهي تؤكد أنه غادر مصر بهذه النية وقد جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر، وقد استعملت وزارة الداخلية حقها في إسقاط الجنسية المصرية عنه لأسباب هامة، استقتها من أجهزتها الرسمية، وقدرتها ولها في ذلك سلطة تقديرية أملتها المصلحة العليا للوطن، فيكون القرار المطعون فيه بهذه المثابة قد صدر مطابقاً للقانون خالياً من أي عيب.


إجراءات الطعن

في يوم السبت 20 من مارس سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن وزارة الداخلية، سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1217 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 28 من مارس سنة 1961 في الدعوى رقم 588 لسنة 12 القضائية المقامة من ألبير ايزاك مزراحي ضد وزارة الداخلية والقاضي "بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزير الداخلية بتاريخ 26 من ديسمبر سنة 1957 بإسقاط الجنسية عن المدعي وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في عريضة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة في الدرجتين".
وقد أعلن هذا الطعن للمدعي في 5 من يونيه سنة 1961.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الدعوى حددت فيه وقائعها والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأيدت رأيها مسبباً ضمنته أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الحكومة بالمصروفات وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 30 من نوفمبر سنة 1963 وأبلغت الحكومة والمدعي في 27 من أكتوبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 25 من يناير سنة 1964 وقد أخطرت الحكومة والمدعي في 17 من ديسمبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة، قرر إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي أقام دعواه بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 26 من فبراير سنة 1958 طالباً إلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية بتاريخ 26 من ديسمبر سنة 1957 والمنشور بالجريدة الرسمية في 20 من يناير سنة 1958 والقاضي بإسقاط الجنسية المصرية عنه وأحقيته في جنسيته المصرية مع إلزام وزارة الداخلية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 26 من ديسمبر سنة 1957 صدر من السيد وزير الداخلية القرار الوزاري المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 20 من يناير سنة 1958 بإسقاط الجنسية المصرية عنه تأسيساً على المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 بدعوى مغادرته للأراضي المصرية بتاريخ 17 من سبتمبر سنة 1956 بنية عدم العودة وتغيبه خارج القطر لمدة تزيد على ستة أشهر، مع أنه مصري مولود لأب مصري بمصر في 13 من أكتوبر سنة 1919 حيث نشأ وعاش واشتغل طول حياته وجنسيته ثابتة من شهادة الجنسية الصادرة له من وزير الداخلية بتاريخ 4 من سبتمبر سنة 1946 (ملف رقم 5867/ 2/ 23) وهي تشهد باعتباره مصرياً بقوة القانون طبقاً للمادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، ورغبة منه في حسين مركزه، طلب من وزارة الداخلية وحصل منه بتاريخ 21 من أغسطس سنة 1956 على ترخيص بالعمل في الخارج، وهذا الترخيص الإداري الممنوح له طبقاً للقانون رقم 32 لسنة 1956 ينص على أنه في إمكانه العمل بباريس، وتنفيذاً للترخيص المذكور سافر فعلاً في إلى الالتجاء إلى سفارة الهند بباريس، التي تمثل الحكومة المصرية، طالباً التصريح له بالعمل في باريس على أساس أنه لا يستطيع العودة إلى الأراضي المصرية وأنه مضطر للعمل حتى يقيم أوده وحفظاً لمعاشه، وقد صدر له هذا القرار من السفارة الهندية نيابة عن الحكومة المصرية بباريس في مارس عام 1957 وعلى أثر ذلك صدر القرار الوزاري المطعون فيه بإسقاط الجنسية المصرية عنه وبذلك فقد أضحى، بدون وجه حق، في مركز غير محتمل وهو مركز من لا جنسية له.
ويذكر المدعي أن إسقاط الجنسية المصرية عنه قد بني على المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 بشأن الجنسية المصرية وهذه المادة تشترط عدة شروط حتى تجد مجال تطبيقها فهي تشترط:
أن يتخذ القرار لأسباب هامة يقدرها الوزير.
وأن يكون الأمر متعلقاً بمصري غادر الجمهورية العربية المتحدة بقصد عدم العودة.
وأن تكون الغيبة في الخارج قد جاوزت ستة أشهر.
ويرى المدعي أن شرطين من هذه الشروط، وعلى الأخص الثاني منها، غير متوفرين في حالته وبالتالي يكون القرار المتخذ ضده مخالفاً لأحكام تلك المادة.
ويطلب بناء على إلغاء هذا القرار لأنه مخالف للقانون ولأن فيه تجاوزاً للسلطة، ذلك أنه اكتسب الجنسية المصرية بناء على المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 والعدالة تقضي أن تطبق عليه أحكام هذا المرسوم بقانون فيما يتعلق بإسقاط الجنسية أو فقدها وهو يقضي بإسقاط الجنسية في المواد 10، 12، 13 منه وهذه المواد تنص على إسقاط الجنسية لمغادرة البلاد دون نية العودة إذ أن هذا هو سبب استحدثه القانون رقم 391 لسنة 1956.
أما المادة 19 من هذا القانون الأخير فلا يمكن تطبيقها عليه، لأنها لا تجد مجالاً لتطبيقها إلا في حالة وحيدة، وهي حالة أن يكون المهاجر المصري قد غادر القطر بنية عدم العودة مرة أخرى، فالهجرة في ذاتها أو الغيبة الطويلة لا تكفيان في ذاتهما لتطبيق أحكام المادة سالفة الذكر، بل يجب أن تكون الهجرة نهائياً ودائماً وبدون نية العودة مرة أخرى إلى الوطن، فقد يكون السفر يسبب مشاغل شخصية أو ظروف غير ملائمة ولكن ليس معنى هذا أن المرء فقد حبه للعودة أو أسفه على فراق الوطن. كما أن نية العودة لا يمكن تقديرها إلا بإفصاح أو بإبداء الرغبة أو الإدارة إبداء صريحاً من جانب الشخص المسافر يمكن بمقتضاه الحكم على موقفه، ومفاد ذلك أن يطلب المسافر جنسية البلد الذي استقر فيه أو أن يصفي جميع أمواله التي يمتلكها في وطنه ثم يتزوج ويشتري عقاراً في البلد الذي ذهب إليه، أما العامل الذي يغادر بلده للبحث عن عمل بالخارج فالمفروض فيه أن يحتفظ بنية العودة والزواج بالخارج من أجنبية وتغيير الدين ومد الإقامة بالبلد الأجنبي والدخول إلى دير بالبلد الأجنبي لا تكفي للتدليل على عدم وجود نية العودة، وأيضاً إذا حصل بعد الإقامة الممتدة أن توفى الشخص بالبلد الأجنبي وصفوة القول أنه لا يمكن افتراض نية التخلي عن الجنسية بل يجب دائماً افتراض نية العودة.
ويستطرد المدعي إلى القول بأنه يلاحظ أنه مسافر وهو يحمل ترخيصاً من وزارة الداخلية ليتمكن من الاشتغال بالخارج وقد سافر في فترة سلم (سبتمبر سنة 1956) في وقت لم يكن في الإمكان التخمين فيه بأن حرباً غادرة سوف تقع على مصر، ثم جاءت بعد ذلك الحرب التي تسبب في توقف المواصلات – ويرتب على ذلك قوله أنه قد تصرف بصراحة وأمانة مع احترام القوانين وسافر إلى الخارج دون أن يتخلى عن جنسيته أو يتخلى عن مصالحه العائلية والمالية بمصر أو يتخلى عن حبه لوطنه. بل أبلغ من هذا عندما حال حائل دون رجوعه إلى مصر أثر العدوان الغاشم عليها وأثر قطع العلاقات بين فرنسا ومصر، تقدم إلى السفارة الهندية بباريس التي كانت ترعى شئون مصر في فرنسا باعتباره مصرياً وجد في بلد أجنبي في ظرف غير ملائم وطلب إليها النصح والحماية لأنه أما أن يتخلى عن عمله فيصبح بلا عائل وأما أن يسمح له بالاستمرار في عمله امتداداً للتصريح المعطى له من وزارة الداخلية المصرية – وفعلاً أعطت له لسفارة الهندية بصفتها ممثلة للحكومة المصرية تصريحاً يجيز له الاستمرار في عمله.
وهذا التصريح هو أكبر دليل على أنه لم يفكر أبداً في التخلي عن جنسيته المصرية أو في أن يطيل غيبته في الخارج بنية عدم العودة – بل إن تقدمه إلى السفارة الهندية باعتباره مصرياً طالباً منها حمايته ورعايته وإعطائه مثل هذا التصريح تطبيقاً للقوانين واللوائح المصرية لأكبر دليل على أنه مصري متمسك بمصريته محترماً قوانين البلاد وأنظمتها وأن بقاءه في الخارج إنما هو لظروف خارجة عن إرادته وأنه حتى إذا بقى تنفيذاً لقرارات صادره من الحكومة المصرية أو من ينوب عنها ويمثلها قانوناً (السفارة الهندية) فإن المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 لا يمكن أن تنطبق عليه لأنه اكتسب الجنسية طبقاً للمرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929) كما أن فكرة عدم العودة إلى وطنه لم تخطر قط على باله، ومن ثم فإن القرار الوزاري الذي أسقط عنه جنسيته بسبب سفره المزعوم بدون نية العودة يتعين إلغاؤه لمخالفته للقانون ولتجاوزه السلطة بتقديره الأسباب التي بني عليها تقديراً خاطئاً لم يقم عليه أي دليل.
ولهذه الأسباب فإنه يلتمس القضاء بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزير الداخلية بتاريخ 26 من ديسمبر سنة 1957 والقاضي بإسقاط الجنسية المصرية عنه، وأحقيته في جنسيته المصرية مع إلزام وزارة الداخلية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد قدم المدعي حافظة بها صورة فوتوغرافية من المستندات الآتية:
صورة من القرار الصادر من وزير الداخلية بإسقاط الجنسية المصرية عنه.
صورة من شهادة ميلاد تفيد أنه مولود بقسم عابدين في 11 من أكتوبر سنة 1919.
صورة من شهادة صادرة من إدارة القرعة بوزارة الحربية والبحرية بتاريخ 2 من يناير سنة 1937 تفيد معافاته من الملزومية بالخدمة العسكرية لسداد البدل النقدي بتاريخ 3 من ديسمبر سنة 1936.
صورة من الشهادة الصادرة من وزارة الداخلية في 4 من سبتمبر سنة 1946 تفيد أنه معتبر داخلاً في الجنسية المصرية بحكم القانون طبقاً لنص المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929.
صورة من التصريح الصادر من مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية في 21 من أغسطس سنة 1956 بالموافقة على استخدامه بالهيئات الأجنبية بالالتحاق بشركة أثورتيز بفرنسا (بالحي 13 بباريس) وذلك بناء على الطلب المقدم منه بتاريخ 6 من يونيه سنة 1956 طبقاً للقانون رقم 32 بالهيئات الأجنبية.
وقد ردت وزارة الداخلية على الدعوى بأن المدعي من مواليد سنة 1919 وأنه إسرائيلي الديانة وقد حررت له الوزارة شهادة بإثبات جنسيته المصرية بتاريخ 4 من سبتمبر سنة 1946 وكان يعمل بشركة هتشلوود للبويات بالقاهرة، وفي 29 من مايو سنة 1957 صدر قرار وزاري بإسقاط الجنسية المصرية عنه طبقاً لنص المادة 18 من قانون الجنسية المصرية رقم 391 لسنة 1956 لأنه عمل لمصلحة دولة أجنبية وهي في حالة حرب مع جمهورية مصر وذلك على ضوء إفادة إدارة المباحث العامة المؤرخة 14 من ديسمبر سنة 1956 المودعة بملف جنسية زوجته فيكتوريا ماير ألياكيم والمتضمنة أن المعلومات التي لديها عن المدعي أنه يعمل لصالح الأعداء.
وقد حدث بعد ذلك أن أرادت الوزارة إسقاط الجنسية عن زوجته السيدة فيكتوريا ماير ألياكيم إذ أنها تعتبر مصرية بالزواج طبقاً لنص المادة التاسعة من القانون رقم 160 لسنة 1950 كما يعتبر ولداهما من زوجها (المدعي) مصريين أيضاً، ولما كانت السيدة المذكورة قد غادرت البلاد نهائياً مع ولديها فقد أشارت إدارة الفتوى والتشريع بتعديل القرار الوزاري الصادر بإسقاط الجنسية المصرية عن الزوج وإسقاطها عنه طبقاً لنص المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 إذ يترتب على ذلك أن تسقط الجنسية المصرية أيضاً عن الزوجة والأولاد القصر طبقاً للمادة 20 من القانون المذكور.
وفعلاً تم ذلك وصدر قرار وزاري في 26 من ديسمبر سنة 1957 بإسقاط الجنسية المصرية عن المدعي بالتطبيق لنص المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 نظراً لأنه ثبت أنه غادر البلاد في 17 من سبتمبر سنة 1956 بنية عدم العودة وجاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر. وقد ترتب على إسقاط الجنسية المصرية عنه طبقاً للمادة المشار إليها إسقاط الجنسية عن زوجته فيكتوريا ماير ألياكيم وعن ولديه القاصرين جوزيف وكاميلو الذين غادروا البلاد نهائياً معه.
وأودعت الوزارة ملف الجنسية رقم 22/ 2/ 5867 الخاص بالمدعي وكذا ملف الجنسية رقم 23/ 52/ 622 وملف مكتب الجوازات رقم 11492/ 100 الخاصين بالسيدة فيكتوريا ماير ألياكيم زوجته – وصورة من الطلب المقدم منه لمصلحة الأمن العام في 3 من إبريل سنة 1956 بالتماس الترخيص له في العمل باوثورتيز بباريس.
وبجلسة 28 من مارس سنة 1961 حكمت المحكمة بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزير الداخلية بتاريخ 26 من ديسمبر سنة 1957 بإسقاط الجنسية المصرية عن المدعي وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة – وأقامت قضاءها على أن المدعي ينعى على قرار وزير الداخلية الصادر بتاريخ 26 من ديسمبر سنة 1957 والمنشور بالوقائع المصرية بالعدد رقم 2 بتاريخ 2 من يناير سنة 1958 بإسقاط الجنسية المصرية عنه بأنه صدر مخالفاً للقانون مشوباً بالتعسف والانحراف، وأنه قد استبان لها من الاطلاع على الأوراق وعلى ملفات إدارة الجوازات والجنسية الخاصة به وبزوجته السيدة/ فيكتوريا ماير ألياكيم أنه مصري الجنسية من مواليد القاهرة في أكتوبر سنة 1919 وأنه تلقى تعليمه بمدارسها واشتغل في إحدى الشركات وفي 6 من يونيه سنة 1956 تقدم لمصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية يطلب الإذن له بالاشتغال لدى شركة أوتورتيز بفرنسا (23 بوليفارد أراجو بالحي الثالث عشر بفرنسا) وقد وافق مدير عام مصلحة الأمن العام على طلبه وأصدر له التصريح رقم 68807 بتاريخ 21 من أغسطس سنة 1956 بالإذن له بالعمل لدى هذه المؤسسة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 32 لسنة 1956 الخاص باشتراط الحصول على إذن قبل العمل بالهيئات الأجنبية وتنفيذاً لهذا التصريح سافر إلى باريس في 17 من سبتمبر سنة 1956 بجواز سفره المصري رقم 2611 الصادر من القاهرة في 21 من إبريل سنة 1954 والصالح للعمل حتى سنة 1958 بتأشيرة خروج من البلاد رقم 22723 القاهرة في 11 من سبتمبر سنة 1956 وغادر البلاد مصطحباً زوجته وولديه عن طريق مطار القاهرة في 17 من سبتمبر سنة 1956، وبالتحري عن السبب الذي ذكره هو وزوجته في طلب تأشيرة الخروج، أفاد رئيس مكتب تأشيرات الخروج في 6 من نوفمبر سنة 1957 بما نصه: "للعلم بأن المذكور سافر للعمل طرف شركة أوتورتيز بباريس ومرفق بطلب تأشيرة الخروج شهادة من الشركة بذلك، وقد وافقت المباحث العامة على طلبه بالسفر". غير أن إدارة الجوازات وهي بصدد بحث طلب مقدم من الزوجة في 11 من مارس سنة 1954 بمنحها الجنسية المصرية التي اكتسبتها بزواجها من المدعي، قام لديها الشك في أمر الزوجين، نتيجة خطاب ورد إليها من الزوجة في 28 من يوليه سنة 1956 تستعجل فيه جهة الإدارة إتمام إجراءات منحها الجنسية المصرية وتذكر فيه أنها تقيم بصفة مؤقتة في القاهرة وأنها ستسافر إلى باريس مقر عمل زوجها وأنها ستقيم معه هناك في العنوان رقم 26 شارع فيزاندري بالحي السادس عشر بباريس، فطلبت من إدارة المباحث العامة في 3 من ديسمبر سنة 1956 (بعد حرب القنال وبعد سفر المدعي وزوجته إلى فرنسا) إجراء التحريات عن نشاط المذكور وزوجته والإفادة عما إذا كان لدى المباحث من الأسباب ما يدعو لإسقاط الجنسية المصرية عن الزوج وسحبها من الزوجة وفي 14 من ديسمبر سنة 1956 كتب مدير إدارة المباحث العامة بأن المعلومات التي لديه عن المدعي أنه يعمل لصالح الأعداء، دون أن يقدم ما يؤيد هذه النتيجة وذلك في وقت كان المدعي فيه هو وزوجته وأولاده غائبين عن القاهرة ومع ذلك سارت جهة الإدارة في هذا الاتجاه الذي رسمته لها المباحث العامة مسايرة لظروف حرب القنال واستصدرت في 29 من مايو سنة 1957 قراراً من وزير الداخلية بإسقاط الجنسية المصرية عنه طبقاً للمادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 بشأن الجنسية المصرية بمقولة أنه يعمل لمصلحة دولة أجنبية وهي في حالة حرب مع جمهورية مصر، وقد حصل بعد ذلك أنه تبين لجهة الإدارة فساد الأساس الذي قام عليه ذلك القرار فعرض مدير عام الجوازات الأمر على وزير الداخلية بمذكرة مؤرخة 22 من ديسمبر سنة 1957 قال فيها: "وحيث إنه تبين بعد ذلك أن المذكور غادر البلاد إلى باريس بتاريخ 17 من سبتمبر سنة 1956 حاملاً لجواز سفر مصري للعمل بشركة أوتورتيز بباريس وأنه يعمل حالياً بهذه الشركة وأن للمذكور زوجة تدعى فيكتوريا ماير ألياكيم وولدين قاصرين هما جوزيف وكاميليو غادروا البلاد معه، الأمر الذي يتوافر معه لدى الطالب وزوجته وولديه القاصرين نية المغادرة النهائية.. وحيث إن الإسقاط طبقاً لنص المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 المشار إليها لا يتعدى أثره إلى الزوجة والولدين القاصرين كنص المادة 20 من القانون المذكور، فقد رأينا بالاتفاق مع مجلس الدولة استصدار قرار جديد يلغى القرار الوزاري السابق صدوره في 29 من مايو سنة 1957 بالنسبة للمذكور (أي المدعي) ويسقط الجنسية عنه بالتطبيق لنص المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 وبذلك تسقط الجنسية المصرية عن الزوجة والوالدين القاصرين المذكورين آنفاً…" ويستطرد الحكم قائلاً وهكذا استصدرت جهة الإدارة القرار المطعون فيه الذي ألغت بمقتضاه القرار الأول. وأسقطت عن المدعي جنسيته المصرية على أساس جديد هو الزعم بأنه غادر البلاد بنية عدم العودة وأن غيبته في الخارج جاوزت ستة أشهر بالتطبيق للمادة 19 المشار إليها التي تنص على أنه: يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها إسقاط جنسية الجمهورية العربية المتحدة عن كل شخص متمتع بها يكون قد غادر البلاد بقصد عدم العودة إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر وتبدأ هذه المدة بالنسبة لمن غادر الجمهورية قبل العمل بهذا القانون من اليوم التالي لتاريخ العمل به…".
ويذكر الحكم أن هذا النص وإن كان يجيز لوزير الداخلية إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري يغادر البلاد بقصد عدم العودة، إلا أن هذه السلطة مشروطة بأن تكون مغادرة البلاد قد تمت بقصد عدم العودة وأن يكون إسقاط الجنسية لأسباب هامة يقدرها الوزير، وغني عن البيان أن قصد عدم العودة لا يفترض ابتداء بمجرد الهجرة أو الغبية الطويلة، فهما لا يكفيان في ذاتهما لتوافر هذا الشرط ما لم يقم الدليل من واقعة الحال أو من فعل المهاجر على وجود هذا القصد.
والثابت أن المدعي عندما وفق في الحصول على عمل في شركة أوتورتيز بباريس لم يشأ أن يغادر بلاده التي يتمتع بجنسيتها إلا بالطريق المشروع متخذاً الإجراءات التي تستلزمها تشريعات البلاد فحصل أولاً على التصريح بالعمل لدى الشركة الأجنبية طبقاً للقانون رقم 32 لسنة 1956 المشار إليه ثم حصل على تأشيرة خروج له ولزوجته وأولاده وأثبت في الطلب الذي قدمه للحصول عليها أن سبب سفره هو العمل في تلك الشركة وأرفق به ما يفيد موافقة المباحث العامة على ذلك، هذا بالإضافة إلى أن المدعي سافر في سبتمبر سنة 1956 أي في وقت السلم ولم تكن هناك مظنة حرب تقوم بين بلده وبين البلاد التي سافر إليها وقد حرص على أن تكون مغادرته للبلاد أو إقامته خارجها مطابقة للقانون – حتى أنه لما انتهت المدة المرخص له بها في العمل لدى الشركة الأجنبية وكانت العلاقات بين مصر وفرنسا مقطوعة تقدم حسبما جاء بمذكرته إلى السفارة الهندية التي كانت قائمة بشئون المصريين المقيمين بفرنسا في ذاك الوقت بطلب الإذن في الاستمرار في عمله لدى الشركة الأجنبية فوافقت على ذلك كما حرصت زوجته على إخطار الجوازات باعتزامها السفر مع زوجها إلى باريس مقر عمله وطالبت بسرعة البت في منحها الجنسية المصرية التي حرصت على طلبها بمجرد زواجها من المدعي في سنة 1954 وذكرت عنوانها في باريس، كل ذلك يقطع بحرص المدعي وزوجته على جنسيتهما المصرية وعلى تمسكهما بالعودة إلى مصر بصرف النظر عن المدة التي قد يقضيانها هناك، لأن هذه المدة مرتبطة ببقاء المدعي قائماً بعمله بالشركة المذكورة الذي هو مورد رزقه. ولا يمكن أن يدل طولها بصفة قاطعة على انصراف نيته عن العودة إلى البلاد – ما دام أنه حرص على الاستئذان للبقاء بعمله ولم يكلف رسمياً بالعودة إلى مصر، ومن ناحية أخرى لم يثبت من القرار المطعون فيه ولا من المذكرة التي صدر على أساسها ولا من ملف المدعي أو زوجته ما يدل على قيام أسباب هامة لإسقاط جنسيته كما أن الإدارة لم تبين هذه الأسباب بالرغم من مطالبة المحكمة لها بذلك، في حين أن قيام الأسباب الهامة أمر يشترطه القانون لإسقاط الجنسية في هذه الحالة وبالتالي فإن القرار المطعون فيه يكون قد فقد شرطاً من شروط صحته، يؤكد ذلك أن الثابت مما تقدم شرحه أن جهة الإدارة لم تستصدر القرار المذكور إلا بعد أن ثبت لها فساد الأساس الذي قام عليه القرار الأول استناداً إلى المادة 18 من الجنسية رقم 391 لسنة 1956 عندما وضح لها أنه لا يعمل لدى دولة أجنبية في حالة حرب مع مصر وإنما يعمل لدى مؤسسة خاصة فرنسية بإذن صادر من الحكومة المصرية، ومن ثم أصدرت القرار المطعون فيه، كما هو واضح من مذكرة مدير عام الجوازات والجنسية المؤرخة 22 من ديسمبر سنة 1957 والسابق الإشارة إليها – استناداً إلى المادة 19 من قانون الجنسية المشار إليه وذلك لكي يمتد أثر إسقاط الجنسية إلى زوجة المدعي وولديه القاصرين طبقاً للمادة 20 من القانون المشار إليه مع أن الشروط الواردة في هذه المادة لإسقاط الجنسية غير متوافرة في حقهم كما سلف البيان، إذ لا يوجد في الأوراق ما يدل على انصراف نيتهم عن العودة للبلاد أو على ارتكابهم أي عمل ضار بمصلحة البلاد يهدد أمنها في الداخل أو الخارج.
ويستطرد الحكم إلى القول بأن لا اعتداد بموقف جهة الإدارة من دفاع المدعي ذلك أن الحاضر عنها في الجلسة وإن أنكر صدور التصريح للمدعي بالعمل لدى شركة أوتورتيز إلا أنه سلم في جلسة 6 من ديسمبر سنة 1960 بأن المذكور قد طلبا للعمل لدى هذه الشركة وأنه قدم هذا الطلب وتجاهل صدور التصريح له، ولما عرضت عليه المحكمة الصورة الفوتوغرافية للتصريح الصادر للمدعي من مصلحة الأمن العام في 21 من أغسطس سنة 1956 في هذا الخصوص وطالبته بإيداع الملف الخاص بهذا التصريح، وعد ببحث الأمر ولكنه لم ينفذ قرار المحكمة، يضاف إلى ذلك أن واقعة صدور التصريح للمدعي ثابتة مما جاء في تأشيرة الخروج وموافقة المباحث العامة على سفره للعمل بهذه الشركة وما جاء بمذكرة الجوازات المؤرخة 22 من ديسمبر سنة 1957 السابق الإشارة إليها.
وتنتهي المحكمة إلى القول بأنه لما تقدم يكون القرار المطعون فيه قد صدر مخالفاً للقانون ويتعين إلغاؤه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية: –
تنص المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية على أنه "يجوز بقرار من وزير الداخلية إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري في أية حالة من الحالات الآتية: –
إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية وهي في حالة حرب مع جمهورية مصر أو كانت العلاقة السياسية قد قطعت معها.
وتنص المادة 19 من هذا القرار بقانون على أنه: "يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها، إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري غادر الجمهورية المصرية بقصد عدم العودة، إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر وتبدأ هذه المدة بالنسبة لمن غادر الجمهورية المصرية قبل العمل بهذا القانون من اليوم التالي لتاريخ العمل به".
وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 20 من القرار بقانون سالف الذكر على أنه: "يترتب على إسقاطها (أي الجنسية المصرية) عن صاحبها في الحالة المنصوص عليها في المادة 19 أن تسقط الجنسية أيضاً عن زوجته وأولاده القصر المغادرين معه".
ويقول الطعن أن هذه هي نصوص القانون التي تحكم موضوع النزاع وأن يبين من نص المادة 19 أنه يشترط لتطبيق حكمها شروط ثلاثة: –
1) مغادرة مصر بقصد عدم العودة.
2) أن تجاوز غيبة الشخص في الخارج ستة أشهر.
3) أن يصدر قرار من وزير الداخلية بإسقاط الجنسية لأسباب هامة يقدرها.
ويذكر الطعن أنه في هذا الخصوص يتمتع وزير الداخلية بسلطة تقديرية واسعة ولا يلتزم بتسبيب قراره كما هو الحال في صور الإسقاط الأخرى، كما تفرق هذه الحالة الأخيرة عن صور الإسقاط الأخرى كذلك في أن الأصل في الإسقاط أنه لا يصيب إلا من صدر ضده فقط أي تزول الجنسية المصرية عنه وحده وقد استثنى المشرع من هذا الحكم في المادة 19 زوجة من يغادر مصر بقصد عدم العودة وكذلك أولاده القصر فقرر أن إسقاط الجنسية يشملهم بطريق التبعية إذا غادروا مصر أيضاً.
كما يقول الطعن أن المطعون عليه قد توافرت بشأنه الشرائط التي حددتها المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 لإسقاط الجنسية المصرية عنه فهو قد غادر مصر في الواقع بقصد عدم العودة وتدل على ذلك الظروف والملابسات المحيطة به وقد تجاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر وقد استعملت الجهة الإدارية حقها في إسقاط الجنسية المصرية عنه لأسباب هامة قدرتها ولها ذلك سلطة تقديرية لا تلتزم معها بتسبيب قرارها إذ أن سلطتها في تقدير الأسباب الهامة سلطة تقديرية واسعة تمليها اعتبارات سيادة الدولة والمصلحة العليا للوطن.
وينتهي الطعن إلى القول، بأنه من أجل ذلك يكون القرار المطعون فيه قد قام على أساس سليم من القانون، فإذا ما ذهب الحكم المطعون فيه خلاف هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله.
1 – أن النقطة القانونية مثار النزاع تخلص في حق الدولة في إسقاط الجنسية المصرية عمن يغادر الوطن من المصريين بقصد عدم العودة ثانية.
ويبين من استقراء قوانين الجنسية المصرية أن المشرع قد استحدث هذا الحق وخوله لوزير الداخلية في المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية وهي التي تقضي بأنه "يجوز لوزير الداخلية ولأسباب هامة يقدرها إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري غادر الجمهورية المصرية بقصد عدم العودة إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر، وتبدأ هذه المدة بالنسبة إلى من غادر الجمهورية المصرية قبل العمل بهذا القانون من اليوم التالي لتاريخ العمل به"، وذلك أنه قد لوحظ أن عدداً كبيراً من المصريين غادر جمهورية مصر بصفة نهائية في السنوات الأخيرة وأعطى بعضهم إقرارات بتنازلهم عن جنسيتهم المصرية ونظراً لأن قانون الجنسية المصرية رقم 160 لسنة 1950 والقوانين المعدلة له، ما كان يأخذ بمبدأ التنازل عن الجنسية المصرية فكانت تبقى لهؤلاء الجنسية المصرية وبالتالي حق العودة إلى مصر في أي وقت، مما يتعارض وصالح الدولة وأمنها وسلامتها، مما حدا بالمشرع إلى تضمين قانون الجنسية رقم 391 لسنة 1956 الحكم الوارد في المادة 19، آنفة الذكر وهو يجيز إسقاط الجنسية المصرية، بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها عن كل مصري غادر البلاد بنية عدم العودة إليها إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر.
والجنسية رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة توجب عليه الولاء لها وتوجب عليها حمايته ومنحه المزايا المترتبة على هذه الرابطة، ومن ثم كانت موضوعات الجنسية تنبثق من سيادة الدولة ذاتها، وكانت سلطة المشرع في تحديد الاشتراطات اللازم توافرها فيمن يتصف بالجنسية المصرية وفيمن يجوز منحه إياها، سلطة واسعة تمليها اعتبارات سيادة الدولة والمصلحة العليا للوطن، وكان للدولة أن تتولى بناء على ذلك تحديد عنصر السكان فيها. وهي إذ تنشئ الجنسية – بإرادتها وحدها – تحدد شروط منحها وشروط كسبها وشروط فقدها أو إسقاطها حسب الوضع الذي تراه.
ولما كانت مسائل الجنسية من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة وكان تنظيمها يتعلق بسيادتها لاتصالها بالنظام العام من جهة ولكونها من عناصر الحالة الشخصية من جهة أخرى، فإن للمشرع مطلق الحرية، بمقتضى القانون العام، في تنظيم الجنسية وتقديرها على الوجه الملائم الذي يتفق وصالح الجماعة، ولا محل للاحتجاج بوجود حق مكتسب أو ترتب مركز ذاتي للفرد قبل الدولة في اكتساب جنسيتها على وجه معين أو في استمرار احتفاظه بها متى كان المشرع قد رأى تعديل ذلك بتشريع جديد.
وعلى هدي الاعتبارات السالفة خول المشرع، وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها، أن يسقط الجنسية المصرية عن كل مصري غادر الجمهورية المصرية بقصد عدم العودة إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر.
ومن حيث إنه يبين من استظهار الأوراق أن المدعي يعتبر داخلاً في الجنسية المصرية بحكم القانون طبقاً لنص المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وهو من مواليد القاهرة في أكتوبر سنة 1919، إسرائيلي الديانة، وقد غادر البلاد في سبتمبر سنة 1956 بجواز سفر مصري ومعه تصريح رقم 68807 صادر إليه في 21 من أغسطس سنة 1956 من مدير عام مصلحة الأمن العام بالموافقة على الإذن له بالعمل بشركة أوتورتيز بباريس بالتطبيق للقانون رقم 32 لسنة 1956 الخاص باشتراط الحصول على إذن قبل العمل بالهيئات الأجنبية، وذلك بعد أن باع جميع منقولات مسكنه حيث كان يقيم مع زوجته السيدة فيكتوريا ماير ألياكيم بالشقة رقم 9 بالعمارة رقم 11 بشارع شجرة الدر بالزمالك حسبما تقرره إدارة المباحث العامة في 9 من مايو سنة 1957 (بملف الزوجة) وقد غادر الجمهورية المصرية مصطحباً معه زوجته فيكتوريا ماير ألياكيم وولديه القاصرين جوزيف وكاميليو وزوجته هذه مولودة بمصر في سنة 1922 وهي إسرائيلية الديانة وقد منح والدها ماير ألياكيم الجنسية المصرية بمرسوم ملكي بتاريخ 20 من فبراير سنة 1959 وكانت الزوجة في ذلك التاريخ قد جاوزت سن الرشد فلم تشملها الجنسية المصرية التي منحت لأبيها كما أنها لم تمنح الجنسية المصرية، وقد تزوجت المسيو الفريد سوسكوفينتش (وهو عديم الجنسية من أصل بولوني) وطلقت منه في يونيه سنة 1953 ثم تزوجت بالمدعي في 7 من يناير سنة 1954 وأبدت رغبتها في 11 من مارس سنة 1954 في كسب جنسية زوجها هذا وأثناء قيام المباحث العامة بعمل التحريات الدورية عن الزوجة، كما تقضي بذلك التعليمات للتثبيت من استمرار قيام الزوجية لمدة سنتين من تاريخ إعلان الرغبة في كسب جنسية الزوج والتحري عن جدية هذا الزواج وعن سير كل من الزوجين وسلوكه، استلفت نظر إدارة الجوازات والجنسية، أثناء فحص حالة الزوجة أن هذه الأخيرة قدمت استعجالاً لطلب منحها الجنسية المصرية بتاريخ 28 من أغسطس سنة 1956 أقرت فيه أنها تقيم بصفة مؤقتة بالقاهرة 11 شارع شجرة الدر بالزمالك شقة رقم 9، وأن إقامتها المستديمة في باريس مقر عمل زوجها وعنوانه رقم 26 بشارع فيزاندري بباريس، فطلبت إدارة الجوازات إلى إدارة المباحث العامة في 3 من ديسمبر سنة 1956 إجراء التحريات عن كل من الزوجين والإفادة بما إذا كان لدى المباحث من الأسباب ما يدعو لإسقاط الجنسية المصرية عن الزوج وسحبها من الزوجة التي كسبت الجنسية المصرية بحكم القانون بزواجها من المدعي (المصري الجنسية) بمضي مدة سنتين من تاريخ إعلان رغبتها في كسب هذه الجنسية وبعدم اعتراض وزير الداخلية أثناء هذه المدة طبقاً للمادة 9 من قانون الجنسية رقم 391 وفي 14 من ديسمبر سنة 1956 كتب مدير إدارة المباحث العامة بأنه تبين من المعلومات التي لديه عن المدعي أنه يعمل لصالح الأعداء وبناء على ذلك أصدر وزير الداخلية بتاريخ 29 من مايو سنة 1957 قراره بإسقاط الجنسية المصرية عن الزوج (المدعي) طبقاً لنص المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 لأنه عمل لمصلحة دولة أجنبية وهي في حالة حرب مع الجمهورية المصرية وذلك في ضوء إفادة إدارة المباحث العامة المؤرخة في 14 من ديسمبر سنة 1956، ومثل هذا المسلك من جانب المدعي يدل على انقطاع رابطة الولاء للوطن وهو في الوقت ذاته قرينة كافية على انتفاء نية العودة لديه مخافة محاكمته جنائياً لما اقترفه في حق الوطن من خيانة.
ومن حيث إن المدعي حصل عند مغادرته مصر، على تصريح بموافقة مصلحة الأمن العام على الإذن له بالعمل بشركة أوتورتيز طبقاً للقانون رقم 32 لسنة 1956 الخاص باشتراط الحصول على إذن قبل العمل بالهيئات الأجنبية، وقد كان حصوله على هذا التصريح هو المبرر الشرعي الذي على أساسه وافقت الجهات الرسمية في الجمهورية المصرية على الإذن له بمغادرة البلاد، هو وزوجه وولداه إلى فرنسا، ولم تكن السلطات المسئولة لتصرح له ولكامل أسرته بمغادرة البلاد والسفر بدون هذا الإذن.
ومن حيث إن المدعي لم يكن حريصاً أثناء إقامته بالخارج على اتباع تشريعات البلاد لخروجه على واجب الولاء للجمهورية المصرية بالعمل لصالح الأعداء في دولة أجنبية هي في حالة حرب مع الجمهورية المصرية، كما قررت إدارة المباحث العامة في كتابها المحرر في 14 من ديسمبر سنة 1956، فيكون المذكور والحالة هذه قد سلك سلوكاً يتعارض وصالح جمهورية مصر وأمنها وسلامتها بعمله لصالح دولة أجنبية. وهي في حالة حرب مع جمهورية مصر، مستتراً وراء موافقة مصلحة الأمن العام بالإذن له بالعمل بشركة أوتورتيز، ومطمئناً إلى أن أحداً لن يطلع على ما يرتكبه في حق البلاد ولم يكن يدري أن إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية بما لها من إمكانيات ستكشف عن خبيئة أمره ومكنون سره وتبلغ ذلك إلى الجهات المعنية في الجمهورية المصرية فيصدر وزير الداخلية في 29 من مايو سنة 1957 قراره لإسقاط الجنسية المصرية بالتطبيق للفقرة ج من المادة 18 من قانون الجنسية رقم 391 لسنة 1956.
ومن حيث إن المشرع قد خول وزير الداخلية في المادة 18 فقرة (ج) من القانون رقم 391 لسنة 1956، بقرار مسبب منه أن يسقط الجنسية المصرية عن كل من يعمل لمصلحة دولة أجنبية هي في حالة حرب مع جمهورية مصر، أي عن كل من تقوم بينه وبين دولة أجنبية وهي في حالة حرب مع مصر، رابطة عمل لصالح الأعداء، ولم تغب هذه الرابطة بالنسبة إلى المدعي عن ذوي الشأن ممن بيدهم زمام الأمر الذين استظهروها بأنفسهم بمصادرهم الخاصة أو بالأجهزة الرسمية المخصصة لاستجماع هذه البيانات والمعلومات وتحريها وتقصيها واستقرائها.
ولما كانت إدارة المباحث العامة، وهي الجهة الرسمية المخصصة لاستجماع هذه البيانات، قدمت المعلومات لذوي الشأن في 14 من ديسمبر سنة 1956، أي في المجال الزمني للفترة التي تلت العدوان الإسرائيلي، فلا تثريب والحالة هذه على أولى الأمر إذ ما أطمأنوا في أعقاب هذه الظروف إلى قيام السبب المبرر لإسقاط الجنسية عن المدعي استناداً إلى الفقرة (ج) من المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 لأنه عمل لمصلحة دولة أجنبية فيكون قرار وزير الداخلية الصادر في 29 من مايو سنة 1957 قد صدر مطابقاً للقانون، لا فاسد الأساس كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه.
وإذا كانت وزارة الداخلية، بعد إسقاطها الجنسية المصرية عن المدعي بالقرار الصادر في 29 من مايو سنة 1957 عملاً بالمادة 18 فقرة (ج)، قامت لديها الأسباب المبررة لإسقاط الجنسية المصرية عن زوجته وعن ولديه جوزيف وكاميليو القاصرين بطريق التبعية للمذكور، كما كسبوا تلك الجنسية بحكم القانون بطريق التبعية له أيضاً وذلك لمغادرتهم البلاد معه في سبتمبر سنة 1956، ومجاوزة غيبتهم في الخارج ستة أشهر وذلك بالتطبيق لنص المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956.
ولما كان يتعين لإعمال نص المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 أن يكون المصري الذي يراد إسقاط الجنسية المصرية عنه بالغاً حتى يمكن القول بأنه كان ينتوي عدم العودة إلى مصر إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر، ولما كان الثابت من الأوراق أن الولدين المراد إسقاط الجنسية عنهما قاصران، فما كان يجوز والحالة هذه إسقاط الجنسية المصرية عنهما استقلالاً طبقاً للمادة 19 المشار إليها، ولا محيص والأمر كذلك من تعديل القرار الصادر بإسقاط الجنسية المصرية عن والدهما المدعي، وذلك بإسقاط الجنسية المصرية عنه طبقاً للمادة 19 طالما أن الثابت أنه غادر الجمهورية المصرية بقصد عدم العودة وأن غيبته في الخارج جاوزت ستة أشهر – ذلك أن المدعي وقد عمل لمصلحة دولة أجنبية هي في حالة حرب مع الجمهورية المصرية وباع جميع أثاث منزله ومنقولاته قبل مغادرته البلاد واصطحب معه عند مغادرته إياها أسرته المكونة من زوجته وولديه، وجميع أثاث منزله كما قررت المباحث العامة في 9 من مايو سنة 1957 إنما قد توافرت لديه نية عدم العودة إلى مصر ذلك أن بيعه لمنقولات بيته واصطحابه كامل أسرته المكونة من الزوجة والأولاد وتدبير الأمر بالعمل في شركة أوتورتيز، يدل على هجرته، سعياً وراء تهيئة أسباب المعيشة خارج الجمهورية المصرية، فضلاً عن قيامه بأعمال ضارة بمصلحة الوطن العليا وعن اتصاله بالأعداء وتوقيت كل ذلك قبيل العدوان الإسرائيلي في أكتوبر سنة 1956، وكأنه على موعد مع ذلك العدوان وهو الإسرائيلي ديانة كل أولئك يحمل في طياته نية عدم العودة إلى الجمهورية المصرية فضلاً عن أن خشيته من التعرض لمحاكمته جنائياً عن الخيانة التي اقترفها في حق الجمهورية المصرية تدفع به إلى التفكير في عدم العودة إلى الجمهورية المصرية.
ومن حيث إن تعديل قرار إسقاط الجنسية المصرية عن المدعي الصادر في 29 من مايو سنة 1957 استناداً إلى الفقرة (ج) من المادة 18 من القانون رقم 391 لسنة 1956 بإرجاع سبب هذا الإسقاط إلى المادة 19 من هذا القانون لأن المذكور غادر البلاد في 17 من سبتمبر سنة 1957 بنية عدم العودة وجاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر، هذا التعديل أصبح حتماً لا مناص منه حتى يمكن أن يمتد أثر ذلك الإسقاط إلى الزوجة والأولاد القصر بالتبعية عملاً بالفقرة الأخيرة من المادة 20 من القانون رقم 391 لسنة 1956 التي تقضي بأنه "ويترتب على إسقاطها (الجنسية المصرية) عن صاحبها في الحالة المنصوص عليها في المادة 19 أن تسقط الجنسية أيضاً عن زوجته وأولاده القصر المغادرين معه".
وقد ترتب على إسقاط الجنسية المصرية عن المدعي عملاً بالمادة 19، إسقاط الجنسية عن زوجته السيدة/ فيكتوريا ماير ألياكم وعن ولديه القاصرين جوزيف وكاميليو اللذين غادرا الجمهورية المصرية معه في 17 من سبتمبر سنة 1956.
ويخلص من ذلك أن المدعي قد توافرت في شأنه الشرائط التي حددتها المادة 19 من القانون رقم 391 لسنة 1956 لإسقاط الجنسية المصرية عنه فهو غادر الجمهورية المصرية في 17 من سبتمبر سنة 1956 بقصد عدم العودة وتدل على ذلك الظروف والملابسات السابق بيانها وهي تؤكد أنه غادر مصر بهذه النية وقد جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر، وقد استعملت وزارة الداخلية حقها في إسقاط الجنسية المصرية عنه لأسباب هامة، استنتها من أجهزتها الرسمية، وقدرتها ولها في ذلك سلطة تقديرية أملتها المصلحة العليا للوطن. فيكون القرار المطعون فيه بهذه المثابة قد صدر مطابقاً للقانون خالياً من أي عيب.
ومن حيث إنه من أجل ذلك يكون الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب، قد خرج عن مجال التعقيب القانوني الصحيح للقرار، واتجه وجهة أخرى قوامها مراجعة الإدارة في وزنها لمناسبات القرار وملاءمة إصداره، فأحل نفسه بذلك محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها بحجة أن الأسباب التي أخذت بها الإدارة لا تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها مع أن هذه الحجة لا تستند إلى أساس سليم من الواقع أو القانون والحال على العكس من ذلك أن وزن الإدارة لمناسبة إصدار قرارها جاء سليماً سائغاً وهي صاحبة التقدير الأول والخير في هذا الشأن وليس للقضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار ما دام هذا التقدير قد استخلص استخلاصاً سائغاً مما هو ثابت في الأوراق وإلا كان مصادرة للإدارة على تقديرها وغلا ليدها عن مباشرة وظيفتها في الحدود الطبيعية التي تقتضيها هذه الوظيفة وما تستلزمه من حرية في وزن مناسبات القرارات التي تصدرها وتقدير ملاءمة إصدارها، ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات