الطعن رقم 444 لسنة 34 ق – جلسة 28 /11 /1968
أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الثالث – السنة 19 – صـ 1426
جلسة 28 من نوفمبر سنة 1968
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وعثمان زكريا، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.
الطعن رقم 444 لسنة 34 القضائية
( أ ) جمارك. "العجز أو الزيادة في البضاعة". إثبات. "القرائن القانونية".
"نفي القرينة". رسوم. "رسوم جمركية".
كل عجز أو زيادة في البضائع والطرود المفرغة من السفينة، قرينة على نية التهريب لدى
الربان، التزامه بالغرامة والرسوم الجمركية. للربان نفي هذه القرينة سواء في حالة وجود
العجز أو حالة الزيادة. عدم تقييد المشرع نفي القرينة بطريق معين من طرق الإثبات في
حالة وجود الزيادة. تبريرها بكافة طرق الإثبات. في حالة العجز يكون التبرير بواسطة
مستندات حقيقية. المنع من نفي القرينة القانونية لا يكون إلا بنص صريح.
(ب) إثبات. "القرائن". محكمة الموضوع. نقض. "سلطة محكمة النقض".
تقدير القرائن من مسائل الواقع تستقل به محكمة الموضوع.
تسبيب المحكمة إثبات القرينة أو نفيها. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(جـ) جمارك. "الواقعة المنشئة للرسم الجمركي". رسوم. حكم. "عيوب التدليل". "الفساد
في الاستدلال".
الواقعة المنشئة للرسم الجمركي. اختلافها عن الواقعة الموجبة للغرامة. استحقاق الرسوم
ولو كانت البضاعة مطابقة لبيانات "المانيفستو". استخلاص الحكم انتفاء قرينة التهريب
لدى الربان من إمكان الحصول على الرسم الجمركي على الطرد الزائد ومن إقرار الربان بوجود
هذه الزيادة بعد كشفها. فساد في الاستدلال.
1 – الأصل أن تكون البضائع والطرود المفرغة من السفينة مطابقة لبيانات المانيفستو وأن
كل عجز أو زيادة يقوم قرينة على نية التهريب فيلزم الربان بالغرامة المقررة في المادة
37 من اللائحة الجمركية علاوة على الرسوم الجمركية. وقد أجاز المشرع صراحة في المادة
17 من هذه اللائحة للربان نفي هذه القرينة في حالة وجود العجز واستلزم في الحالات المنصوص
عليها في هذه المادة أن يكون البرهان على أسباب العجز بواسطة مستندات حقيقية تؤيد صحة
الواقع وأن تقدم هذه المستندات في المواعيد التي حددها، أما في حالة وجود الزيادة فقد
سكت المشرع ولم يرسم طريقاً معيناً لتبريرها إلا أن هذا السكوت لا يتأدى منه أنه قد
قصد إلى التصريح بنفي القرينة القائمة على نية التهريب في حالة العجز دون الزيادة ذلك
لأنه لا مبرر لهذه التفرقة فضلاً عن أن المنع من نفي القرينة القانونية لا يكون – وفقاً
للمادة 404 من القانون المدني – إلا بنص صريح وقد خلت لائحة الجمارك من نص يمنع الربان
من نقض القرينة في حالة الزيادة. وقد جاء قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 مزيلاً لكل
شك في هذا الخصوص بنصه في المادة 117 منه على أن الغرامة لا تفرض إلا في حالتي النقص
والزيادة غير المبررين وهو ما يقطع بأن المشرع قد أجاز للربان نقض القرينة في الحالين
على السواء وأن الغرامة لا تفرض إلا إذا عجز الربان عن تبرير الزيادة أو النقص الذي
يوجد وما دام المشرع لم يقيد نقض القرينة بطريق معين من طرق الإثبات في حالة وجود الزيادة
فإن تبريرها يكون بطرق الإثبات كافة حسبما تقضي القواعد العامة [(1)].
2 – لئن كان تقدير القرائن من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع إلا
أنها إذا أوردت أسباباً لإثبات القرينة أو نفيها فإن هذه الأسباب تخضع لرقابة محكمة
النقض.
3 – لما كانت الواقعة المنشئة للرسم الجمركي تختلف عن الواقعة الموجبة للغرامة ولا
تلازم بينهما إذ الرسوم الجمركية تستحق ولو كانت البضاعة مطابقة لبيانات "المانيفستو"
وكان إقرار الربان بوجود الزيادة بعد كشفها بواسطة عمال الجمرك ومواجهته بها لا يمكن
أن يؤدي عقلاً إلى حسن نيته التي ينتفي بها مظنة التهريب فإن استخلاص الحكم المطعون
فيه انتفاء قرينة التهريب التي افترضها المشرع في جانب الربان من إمكان الحصول على
الرسم الجمركي المستحق على الطرود الزائدة ومن إقرار الربان بوجود هذه الزيادة بعد
كشفها يكون استخلاصاً غير سائغ ويكون الحكم مشوباً بفساد الاستدلال.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أنه
عند تفريغ السفينة "جلال دسوقي" التابعة للشركة المطعون ضدها بميناء الإسكندرية في
18 من إبريل سنة 1962 تبين أن من بين حمولتها أربعة صناديق بها "أجزاء ماكينات" وصندوق
به "خرطوم وخزان" زيادة عما هو ثابت بمانيفستو الشحن وإذ لم تقدم المطعون ضدها مبرراً
لوجود هذه الزيادة أصدر مدير عام الجمارك – الطاعن الثاني قراراً بتغريمها مبلغ 381
ج و930 م – عارضت الشركة في هذا القرار أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بالدعوى رقم
953 سنة 1962 تجاري كلي، وبتاريخ 23 فبراير سنة 1963 قضت المحكمة بإلغاء القرار الجمركي
المعارض فيه فاستأنفت مصلحة الجمارك هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية طالبة
إلغاءه وتأييد القرار المذكور وقيد استئنافها برقم 191 سنة 19 ق – وفي 26 مايو سنة
1964 قضت تلك المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف فطعنت مصلحة الجمارك في
هذا الحكم بطريق النقض بتقرير تاريخه 8 يوليه سنة 1964 وأودعت الشركة المطعون ضدها
مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأي بنقض الحكم
المطعون فيه وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى الطاعنان فيه على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون
والخطأ في تطبيقه وتأويله من ثلاثة وجوه يتحصل أولها في أن الحكم أجاز للربان عند وجود
زيادة في البضائع المفرغة عما هو ثابت في مستندات الشحن نفي مظنة التهريب المفترضة
بكافة طرق الإثبات في حين أن تلك الزيارة تحكمها القرينة المنصوص عنها في المادة 17
من اللائحة الجمركية وإنما تحكمها القاعدة الواردة في المادة 37 من ذات اللائحة والتي
تقوم على افتراض التهريب في حالة الزيادة افتراضاً لا يقبل إثبات العكس – ويتحصل الوجه
الثاني في أنه لو قيل بأن الزيادة في البضائع والطرود المفرغة تحكمها القرينة المنصوص
عنها في المادة 17 من اللائحة الجمركية فإن على الربان نفي هذه القرينة بإقامة الدليل
على ما ينقضها بالمستندات الحقيقية المؤيدة للواقع كما تتطلب هذه المادة وإذ لم يبرهن
الربان بهذه المستندات على سبب وجود الطرود الزائدة في الميعاد المحدد في المادة المذكورة
فإن التهريب يكون قد ثبت في جانبه.
وحيث إن النعي الوارد بهذين الوجهين غير صحيح ذلك بأن الأصل أن تكون البضائع والطرود
المفرغة من السفينة مطابقة لبيانات المانيفستو وأن كل عجز أو زيادة يقوم قرينة على
نية التهريب فيلزم الربان بالغرامة المنصوص عليها في المادة 37 من لائحة الجمارك علاوة
على الرسوم الجمركية المقررة وقد أجاز المشرع صراحة في المادة 17 من هذه اللائحة للربان
نفي هذه القرينة في حالة وجود العجز واستلزم في الحالات المنصوص عليها في هذه المادة
أن يكون البرهان على أسباب العجز بواسطة مستندات حقيقية تؤيد صحة الواقع وأن تقدم هذه
المستندات في مواعيد معينة – أما في حالة وجود الزيادة فقد سكت المشرع ولم يرسم طريقاً
معيناً لتبريرها ولما كانت المادة 404 من القانون المدني تقضي بأن القرينة القانونية
يجوز نقضها بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك وكانت لائحة الجمارك قد خلت
من نص يمنع الربان من نقض القرينة في حالة الزيادة وكان سكوت المشرع في هذه اللائحة
عن التصريح للربان بتبرير الزيادة على خلاف نهيه بالنسبة للعجز لا يتأدى منه أنه قصد
إلى التصريح بنفي القرينة القائمة على نية التهريب في حالة العجز دون زيادة ذلك بأنه
علاوة على أن المنع من نفي القرينة القانونية لا يكون إلا بنص صريح فإنه لا مبرر لهذه
التفرقة وقد جاء قانون الجمارك رقم 66 سنة 1963 مزيلاً لكل شك في هذا الخصوص بنصه في
المادة 117 منه على أن الغرامة لا تفرض إلا في حالتي النقص والزيادة غير المبررين –
وهو ما يقطع بأن المشرع قد أجاز للربان نقض القرينة في الحالين على السواء وأن الغرامة
لا تفرض إلا إذا عجز الربان عن تبرير الزيادة أو النقص الذي يوجد وما دام المشرع لم
يقيد نقض القرينة بطريق معين من طرق الإثبات في حالة وجود الزيادة فإن تبريرها يكون
بطرق الإثبات كافة حسبما تقضي القواعد العامة وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر
فإن النعي عليه في هذا الخصوص بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من سبب الطعن مخالفة القانون وفساد الاستدلال وفي بيان ذلك
يقول الطاعنان إن الحكم المطعون فيه استند في قضائه إلى ما قرره من أن إدخال الطرود
الزائدة في مخازن الجمرك وإقرار الشركة بها فيه ما يدل على حسن نية القبطان وينفي قرينة
التهريب لأن مصلحة الجمارك تستطيع اقتضاء الرسوم الجمركية المستحقة عنها سواء من صاحبها
أو من حصيلة بيعها وأنه ليس ينفي حسن النية قعود الشركة عن الإبلاغ عنها وتحرير محضر
ضم بها – هذا في حين أن إدخال الطرود الزائدة على بيانات المانيفستو داخل الدائرة الجمركية
يعتبر بذاته سبباً لاستحقاق الغرامة المنصوص عليها في المادة 37 من لائحة الجمارك إذ
تختلف الواقعة المنشئة للرسم عن تلك الموجبة للغرامة كما أن إقرار الربان بالزيادة
بعد كشفها لا ينفي الواقعة الموجبة لاستحقاق الغرامة وإلا لانهارت أحكام الرقابة المقررة
على التجارة الخارجية وفتح باب التهريب على مصراعيه أمام القبطان طالما كان في وسعه
مسئوليته بالإقرار بالزيادة عند كشفها.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك بأنه وإن كان تقدير القرائن من مسائل الواقع التي تستقل
بتقديرها محكمة الموضوع إلا أنه إذا أوردت المحكمة أسباباً لإثبات القرينة أو نفيها
فإن هذه الأسباب تخضع لرقابة محكمة النقض. ولما كان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم
المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد أقام قضاءه بنفي مظنة التهريب عن ربان السفينة التابعة
للشركة المطعون ضدها على ما قرره من أن إدخال الطرود الزائدة على بيانات سند الشحن
مخازن الجمارك وإقرار الشركة بها في ردها على خطاب الجمارك ذلك يدل على حسن نية الربان
وينفي قرينة التهريب لأنه بدخول البضاعة الزائدة مخازن الجمرك أصبحت في حوزة مصلحة
الجمارك فتستطيع اقتضاء الرسوم الجمركية المستحقة عنها – ولما كانت الواقعة المنشئة
للرسم الجمركي تختلف عن الواقعة الموجبة للغرامة ولا تلازم بينهما إذ الرسوم الجمركية
تستحق ولو كانت البضاعة مطابقة لبيانات المانيفستو وكان إقرار الربان بوجود الزيادة
بعد كشفها بواسطة عمال الجمرك ومواجهته بها لا يمكن أن يؤدي عقلاً إلى حسن نيته الذي
ينتفي به مظنة التهريب فإن استخلاص الحكم المطعون فيه انتفاء قرينة التهريب التي افترضها
المشرع في جانب الربان من إمكان الحصول على الرسم الجمركي المستحق على الطرود الزائدة
ومن إقرار الربان بوجود هذه الزيادة بعد كشفها يكون استخلاصاً غير سائغ لابتنائه على
قرائن ليس من شأنها أن تؤدي عقلاً إليه لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً
بفساد الاستدلال بما يستوجب نقضه.
[(1)] صدر نفس المبدأ في الطعن رقم 491 لسنة 34 ق بجلسة 30 أكتوبر سنة 1968.