الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 449 لسنة 34 ق – جلسة 07 /11 /1968 

أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الثالث – السنة 19 – صـ 1307

جلسة 7 من نوفمبر سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.


الطعن رقم 449 لسنة 34 القضائية

( أ ) نقض. "أسباب الطعن". "سبب جديد". خبرة. "الاعتراض على عمل الخبير".
الاعتراض على شخص الخبير أو عمله. إبداء الاعتراض أمام الخبير أو أمام محكمة الموضوع. التمسك بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض سبب جديد غير مقبول.
(ب) خبرة. "تقدير عمل الخبير". محكمة الموضوع. إثبات. "إجراءات الإثبات". تزوير.
تقدير عمل أهل الخبرة والموازنة بين آرائهم مما يستقل به قاضي الموضوع. ندب الخبير لا يمنع المحكمة من إجراء المضاهاة بنفسها.
(ج) تزوير. "تغيير الحقيقة المنتج في إثبات التزوير".
تحشير عبارة "المقر بما فيه" بعد تحرير السند ليس منتجاً في تزويره متى أثبت الحكم صحة التوقيع تحت هذه العبارة.
(د) تزوير. "إجراء المضاهاة". إثبات. "إجراءات الإثبات". بطلان.
حصول الاستكتاب دون حضور الخبير المنتدب لإجراء المضاهاة. لا بطلان.
1 – إذا بدا لأحد خصوم الدعوى اعتراض على شخص الخبير أو على عمله فعليه أن يثبت هذا الاعتراض عند مباشرة الخبير عمله فإن فاته ذلك فعليه أن يثبت هذا الاعتراض لدى محكمة الموضوع فإن فاته ذلك أيضاً كان طعنه على ذلك أمام محكمة النقض سبباً جديداً وبالتالي يكون غير مقبول.
2 – تقدير عمل أهل الخبرة والموازنة بين آرائهم فيما يختلفون عليه هو مما يستقل به قاضي الموضوع ولا تثريب عليه إذا استعان في ذلك بالمضاهاة التي يجريها بنفسه ولا يمنع من إجرائه لها أن يكون قد رأى من قبل ندب خبير أو أكثر للقيام بها لأن القاضي هو الخبير الأعلى فيما يتعلق بوقائع الدعوى المطروحة عليه وله أن يسعى بنفسه لجلاء وجه الحق فيما اختلف فيه الخبراء لأن تقاريرهم لا تعدو أن تكون من عناصر الإثبات التي تخضع لتقديره.
3 – تحشير عبارة "المقر بما فيه" وتدوينها بعد تحرير السند ليس منتجاً في إثبات تزوير السند متى أثبت الحكم صحة توقيع الطاعن تحت هذه العبارة لأن هذا التوقيع يفيد بذاته إقراره بما جاء في السند بغير حاجة إلى تدوين تلك العبارة.
4 – ليس في نصوص المواد 264 – 266 من قانون المرافعات ما يوجب حصول الاستكتاب بحضور الخبير المنتدب لإجراء المضاهاة وإلا كان الاستكتاب باطلاً. بل إن نص المادة 269/ 3 من قانون المرافعات صريح في أن الخط أو الإمضاء أو بصمة الإصبع الذي يكتب أمام القاضي يقبل للمضاهاة في حالة عدم اتفاق الخصوم ولم تشترط هذه المادة حضور الخبير إجراء هذا الاستكتاب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أنه بتاريخ 26 نوفمبر سنة 1959 استصدر المطعون ضده أمر الأداء رقم 38 سنة 1959 كلي الفيوم بإلزام الطاعن بأن يؤدي له مبلغ 4699 ج والمصروفات مع شمول الأمر بالنفاذ المعجل وبلا كفالة وقد عارض الطاعن في هذا الأمر طالباً وقف النفاذ المشمول به وفي الموضوع بإلغاء هذا الأمر واعتباره كأن لم يكن وقيدت المعارضة برقم 202 سنة 1959 كلي الفيوم وفي 15 ديسمبر سنة 1959 قرر الطاعن بالطعن بالتزوير على السند المؤرخ 10 سبتمبر سنة 1959 الذي صدر الأمر المعارض فيه استناداً إليه وأسس طعنه على أن التوقيع المنسوب له مزور عليه وأن ما تضمنه هذا السند غير صحيح لعدم حصول تعامل بينه وبين المطعون ضده وفي 15 ديسمبر سنة 1959 قضت محكمة الدرجة الأولى بقبول المعارضة شكلاً وبوقف النفاذ المعجل المشمول به الأمر وأجلت الدعوى لإعلان شواهد التزوير وفي 19 يناير سنة 1960 قضت تلك المحكمة بقبول الادعاء بالتزوير وشواهده وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير من قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لإجراء مضاهاة توقيع الطاعن بالإمضاء على السند المدعي بتزويره على أوراق المضاهاة التي بينتها المحكمة في حكمها وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود أن السند المدعي بتزويره مزور ولم يوقع عليه وصرحت للمطعون ضده بالنفي بذات الطرق وتنفيذاً لهذا الحكم قدم الدكتور حسن راتب الخبير بقسم أبحاث التزييف والتزوير تقريراً انتهى فيه إلى صحة التوقيع المدعي بتزويره كما سمعت المحكمة شهود الطرفين وقدم الطاعن تقريرين استشاريين أولهما للخبير أحمد العزيزي وقد انتهى فيه إلى أن التوقيع المنسوب للطاعن مزور عليه وثانيهما للدكتور هواويني وقد انتهى فيه إلى أن صلب السند مزور وإزاء هذا الخلاف قضت المحكمة بتاريخ 13 فبراير سنة 1962 بندب كبير خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لبحث أوجه الخلاف بين التقرير المقدم من خبير قسم أبحاث التزييف والتزوير والتقرير الاستشاري المقدم من الخبير أحمد العزيزي بعد إجراء المضاهاة اللازمة والقيام بالمأمورية المبينة بالحكم الصادر بتاريخ 16 يناير سنة 1960 وقدم كبير خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير تقريره الذي انتهى فيه إلى أنه يقر ما انتهى إليه الدكتور حسن راتب خبير القسم من صحة التوقيع المدعي بتزويره ويخالف التقريرين الاستشاريين المقدمين من الطاعن فيما ذهب إليه لفساد الأسس التي بنيا عليها وفي 23 إبريل سنة 1963 قضت المحكمة برفض الادعاء بالتزوير وتغريم الطاعن 25 جنيهاً وبرفض التظلم وتأييد الأمر المتظلم فيه فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 964 سنة 80 ق طالباً الحكم بوقف النفاذ المعجل المشمول به الحكم المستأنف وإلغاء هذا الحكم ورد وبطلان السند المؤرخ 10 سبتمبر سنة 1959 واعتباره كأن لم يكن وإلغاء أمر الأداء رقم 38 سنة 1959 كلي الفيوم ورفض دعوى المطعون ضده بكامل أجزائها وفي 30 يونيه سنة 1963 قضت محكمة استئناف القاهرة برفض طلب وقف النفاذ الذي شمل به الحكم المستأنف وبإحالة القضية إلى محكمة بني سويف المختصة لنظر الموضوع وبعد إحالة الاستئناف إلى هذه المحكمة قيد أمامها برقم 297 سنة 1 ق وفي 11 مايو سنة 1964 قضت محكمة استئناف بني سويف بتأييد الحكم المستأنف وبتقرير تاريخه 9 يوليه سنة 1964 طعن الطاعن في الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة في 30 يونيه سنة 1963 والحكم الصادر من محكمة استئناف بني سويف في 11 مايو سنة 1964 بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم قبول الطعن في الحكم الأول وبرفض الطعن في الحكم الثاني وبالجلسة المحددة لنظر الطعن تمسكت النيابة بهذا الرأي.
عن الطعن في الحكم الصادر في 11 مايو سنة 1964:
وحيث إن الطعن في الحكم الصادر في 11 مايو سنة 1964 قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن هذا الطعن يقوم على تسعة أسباب حاصل أولهما الإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة الدرجة الأولى التي أيد الحكم المطعون فيه قضاءها اقتنعت بعد أن اطلعت على تقرير خبير قسم أبحاث التزييف والتزوير المنتدب والتقرير الاستشاري المقدم من الطاعن بوجود خلاف فني بين هذين التقريرين ورأت ضرورة تعيين خبير مرجح للفصل في المسائل المختلف عليها وكان يتعين عليها أن تختار للترجيح خبيراً محايداً لا يمت بصلة إلى أي من واضعي التقريرين المتعارضين ولكنها لن تتنبه إلى ذلك وندبت كبير خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير مع أنه بحكم كونه مديراً للقسم المذكور والرئيس المباشر للخبير الذي قدم أحد التقريرين المتعارضين ومسئولاً معه عن هذا التقرير لا تتوافر فيه الحيدة اللازمة للترجيح بل إن كل ذلك يجعل منه خصماً وحكماً في الفصل في الخلاف القائم بين التقريرين المتعارضين وهو أمر يخالف أبسط قواعد العدالة وفيه إخلال بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي بهذا السبب غير مقبول ذلك أنه إذا بدا لأحد خصوم الدعوى اعتراض على شخص الخبير أو عمله فعليه أن يثبت هذا الاعتراض عند مباشرة الخبير عمله فإذا فاته ذلك فعليه أن يبدي اعتراضاته لدى محكمة الموضوع فإن فاته ذلك أيضاً فإن طعنه على ذلك أمام محكمة النقض يكون سبباً جديداً وبالتالي غير مقبول ولما كان يبين من سرد الوقائع على التفصيل المتقدم ذكره أن محكمة الدرجة الأولى هي التي قضت بندب كبير خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير للترجيح بين التقريرين المتعارضين وليس في أوراق الدعوى ما يفيد أن الطاعن اعترض على ندب هذا الخبير للترجيح عند مباشرة عمله – أو أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بل إن الثابت من صحيفة استئناف الطاعن أنه كان يعيب على محكمة الدرجة الأولى عدم استدعائها الخبراء المنتدب منهم والاستشاري ومناقشتهم حتى يستقر الرأي السليم وطلب من محكمة الاستئناف أن تندب خبيراً آخر مرجحاً سواء من أساتذة الجامعة أو من رجال قسم أبحاث التزييف والتزوير مما يفيد أن الطاعن قد ارتضى أن يكون اختيار الخبير المرجح من بين خبراء القسم المذكور لما كان ذلك فإن اعتراض الطاعن لأول مرة أمام محكمة النقض على اختيار محكمة الموضوع للخبير المرجح لا يكون مقبولاً.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الثاني والثالث الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب والتناقض وفساد الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إنه قدم تقريراً استشارياً تكميلياً من الأستاذ أحمد العزيزي حوى حججاً وأسانيد قوية فصلها الطاعن في تقريره وقال إنها تتضمن رداً على تقرير كبير خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير ولم تعرض محكمة الدرجة الأولى لهذا التقرير التكميلي كما أن محكمة الاستئناف لم تناقشه على الرغم مما ورد به من تعييب لتقرير كبير خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير بالقصور والتحريف وابتنائه على وقائع غير صحيحة واكتفت محكمة الاستئناف في الرد على دفاع الطاعن المستند على هذا التقرير التكميلي الاستشاري بأن تقرير الخبراء قد تضمن الرد سلفاً على كل ما أثير فيه وأنه بان لها من إجراء المضاهاة بالعين المجردة أن التوقيع صحيح ويرى الطاعن أن هذا الذي قررته محكمة الاستئناف لا يصلح رداً إذ لا يعقل أن يكون كبير الخبراء قد تنبأ سلفاً بما ورد في التقرير الاستشاري قبل تقديمه – كما أن قول الحكم المطعون فيه أنه يبدو من إجراء المضاهاة بالعين المجردة أن التوقيع صحيح يناقض ما سبق أن قررته محكمة الموضوع بدرجتيها من أن هذه المأمورية فنية دقيقة تتطلب الاستعانة برأي الخبراء الفنيين وهو تناقض يعيب الحكم ويبطله هذا إلى أن هذا القول ينطوي على فساد في الاستدلال لأن المنطق يأبى الاستدلال بنظر العين المجردة على حقيقة ما احتدم فيه الجدل بين الخبراء الفنيين.
وحيث إن النعي بهذين السببين غير سديد ذلك بأن الحكم المطعون فيه قرر في هذا الخصوص ما يأتي "وبما أن هذه المحكمة ترى بدورها أن الأسانيد التي قام عليها تقرير مدير قسم أبحاث التزييف والتزوير صحيحة وكافية لحمل النتيجة التي وصل إليها وأنه قد تضمن الرد سلفاً على كل ما أثير بالتقرير التالي للسيد/ أحمد العزيزي الخبير الاستشاري الذي قدمه للرد على تقريره ومن ثم فإنها تعتمد في الرد على التقرير الاستشاري الملحق على كل ما أورده مدير قسم الأبحاث بتقريره وتعتبره مكملاً لأسبابها خاصة وأنه يبدو من إجراء المضاهاة بالعين المجردة ومطابقة التوقيع المطعون عليه بتوقيعات المضاهاة أن التوقيع الأول صحيح وله كله أو بعضه نظائر بالتوقيعات الأخيرة" وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه يفيد أن محكمة الاستئناف قد استعرضت التقارير المتعارضة المقدمة في الدعوى ووازنت بينها في حدود سلطتها في تقدير الأدلة واستعانت في ذلك بالمضاهاة التي أجرتها بنفسها واقتنعت بصحة رأي مدير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذي انتهى إلى أن السند المدعي بتزويره صحيح ولما كان تقدير عمل أهل الخبرة والموازنة بين آرائهم فيما يختلفون عليه هو مما يستقل به قاضي الموضوع ولا تثريب عليه إذا استعان في ذلك بالمضاهاة التي يجريها بنفسه ولا يمنع من إجرائه لها أن يكون قد رأى من قبل ندب خبير أو أكثر للقيام بها لأن القاضي هو الخبير الأعلى فيما يتعلق بوقائع الدعوى المطروحة عليه وله أن يسعى بنفسه لجلاء وجه الحق فيما اختلف فيه الخبراء لأن تقاريرهم لا تعدو أن تكون من عناصر الإثبات التي تخضع لتقديره. لما كان ذلك وكان ما قررته محكمة الاستئناف في حكمها المطعون فيه من أنها ترى أن تقرير مدير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذي أخذت به واعتبرته مكملاً لأسباب حكمها قد تضمن الرد على كل ما أثير بالتقرير الاستشاري التكميلي يفيد أن المحكمة لم تر فيما ورد بهذا التقرير ما يغير رأيها في التقرير الأول وكان ما استند إليه التقرير المذكور الذي اعتبرته المحكمة جزءاً متمماً لحكمها سائغاً ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ويصلح رداً على ما جاء في التقرير الاستشاري التكميلي – مما يستأهل رداً فإن النعي بهذين السببين في جميع ما تضمنه يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه شابه القصور والفساد في الاستدلال ذلك أنه سلم بقيام الجفوة بين الطرفين ولم يقم دليل من الأوراق على زوال هذه الجفوة فلا يتصور حصول تعامل من الطاعن والمطعون ضده بعد ذلك وإن جاز حصول هذا التعامل فيكون مقترناً بمنتهى الحذر والحيطة فيحرص كل منهما على إثبات حقوقه قبل الآخر بالكتابة فلا يعقل بعد ذلك أن يورد المطعون ضده للطاعن غلالاً قيمتها 7000 ج تقريباً قبل تاريخ تحرير السند المدعي بتزويره دون أن يحصل منه على دليل كتابي بما يورده خلال مدة التوريد ودون أن يقبض شيئاً من ثمن هذه الغلال خلال تلك المدة لكن الحكم المطعون فيه أهدر هذه الدلالة اليقينية وتلك النتيجة المنطقية استناداً إلى القول بأنه لا يوجد ما يمنع من عودة المودة والصفاء بين الطرفين في غضون السنة التالية حتى تاريخ تحرير السند، دون أن يورد الحكم أي دليل على عودة هذا الصفاء بين الطرفين واكتفى بمجرد احتمال عودته وهو من الحكم الاستدلال فاسد ومخالف للثابت في الأوراق.
وحيث إن النعي بهذا السبب غير سديد ذلك أن القرينة التي ساقها الطاعن للتدليل على تزوير السند المدعي بتزويره والمستمدة من قيام الجفوة وفقدان الثقة بين الطرفين في فترة سابقة على تاريخ تحرير هذا السند غير قاطعة فيما أريد الاستدلال بها عليه لأن قيام الجفوة وفقدان الثقة بين الطرفين في وقت معين لا يقتضي حتماً كما قرر الحكم المطعون فيه بحق استمرار هذه الجفوة بعد هذا الوقت ولا يمنع من عودة المودة والصفاء بينهما فيما بعد. ولما كان قاضي الموضوع حراً في تقدير قيمة ما يقدم إليه من القرائن القضائية ولا رقيب عليه فيما يحصله منها ما دام تحصيله سائغاً – وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أسباب سائغة كافية لحمله فإن النعي عليه بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً في مسألة موضوعية يستقل بتقريرها قاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه منها.
وحيث إن حاصل السبب الخامس الإخلال بدفاع جوهري وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه ذكر في تقرير الادعاء بالتزوير أنه يبني طعنه على أن صلب السند غير صحيح في جملته وتفصيله ولم تقع معاملة بينه وبين المطعون ضده عن البضاعة الواردة في السند وساق للتدليل على ذلك شواهد عديدة – كما قدم تقريراً استشارياً من الدكتور هواويني – إلا أن الأمر التبس على محكمة الدرجة الأولى ولم تتبين أن الطعن ينطوي على تزوير معنوي أي تزوير صلب السند فأطرحت هذا الدفاع تأسيساً على أن الطعن لم يتناول صلب السند. وقد تمسك الطاعن في صحيفة الاستئناف بهذا الدفاع الجوهري لكن محكمة الاستئناف وإن استظهرته في أسبابها الواقعية إلا أنها أغفلت بحثه أو الرد عليه مما يعتبر إخلالاً منها بدفاع جوهري.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه أنه وإن كان قد قرر "أنه لا محل لما أثاره المتظلم (الطاعن) بتقرير الدكتور هواويني من تزوير صلب عبارات السند لأن الطعن بالتزوير لم يتناول هذا الصلب" وهو ما يخالف الثابت بتقرير الادعاء بالتزوير من أن الطعن بالتزوير تناول التوقيع وصلب السند معاً إلا أن هذه المخالفة لا تأثير لها على صحة ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه ذلك أن الحكم الابتدائي بعد أن أورد تلك العبارة عاد مباشرة وتعرض لدفاع الطاعن في هذا الشأن وقرر أن تقرير مدير قسم أبحاث التزييف والتزوير قد تناول تفنيد أسانيد تقرير الدكتور هواويني وأوضح سلامة مبنى عبارات الصلب من التحشير والإضافة أو التعديل وأن كافة العبارات بخط واحد وبقلم واحد بما في ذلك عبارة "المقر بما فيه" وأن موضع التوقيع طبيعي وأن المحكمة تطمئن إلى ما انتهى إليه مدير قسم أبحاث التزييف والتزوير وتراه واضحاً من ظاهر السند ومتفقاً مع رأيها فيه – كما أن الحكم قرر في موضع آخر "أن المحكمة لا ترى فيما ساقه الطاعن من قرائن ما يدعو إلى القول بتزوير السند إذ أن الطاعن معترف بسبق تعامله مع المطعون ضده" وهذا الذي قرره الحكم الابتدائي وأخذ به الحكم المطعون فيه سائغ ويتضمن الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص وبالتالي يكون النعي على الحكم المطعون فيه بالإخلال بهذا الدفاع على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب السادس أن الحكم المطعون فيه شابه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه استدل على صحة السند المدعي بتزويره بما شهد به شاهد المطعون ضده من أنه حضر المحاسبة بين الطرفين والتي انتهت إلى تحرير السند المذكور مع أن هذه الشهادة يكذبها ما قرره المطعون ضده شخصياً في محضر تحقيق الطعن رقم 27 سنة 1959 المقدمة صورته الرسمية بالحافظة رقم 29 من الملف الابتدائي – من أن أحداً لم يحضر وقت تحرير هذا السند مما يجعل استلال الحكم بأقوال هذا الشاهد استدلالاً فاسداً يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن يبين من الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه أنه اعتمد بصفة أساسية في قضائه بصحة السند على تقريري خبيري قسم أبحاث التزييف والتزوير وعلى المضاهاة التي أجرتها المحكمة بنفسها وأن ما ساقه الحكم بعد ذلك بشأن ما أثاره الطاعن عن ثرائه وفقر المطعون ضده وما شهد به شاهده كان زائداً عن حاجة الدعوى ويستقيم الحكم بدونه وبالتالي فإن النعي على الحكم بهذا السبب بفرض صحته يكون عديم الجدوى.
وحيث إن حاصل السبب السابع أن الحكم المطعون فيه أخطأ في الإسناد وخالف الثابت في الأوراق وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه قدم تقريراً استشارياً من الدكتور هواويني عن فحصه صلب السند المدعي بتزويره انتهى فيه إلى أن صلب السند مزور وأنه كتب بعد كتابة التوقيع المنسوب للطاعن أسفل الورقة وأن عبارة "المقر بما فيه" الواردة فوق الإمضاء ظهرت صغيرة الحروف حجماً ومحشرة الكلمات وضعاً وأن قوة ضغط يد كاتبها تختلف عن درجة ضغط القلم في كتابة الصلب مما يقطع بأنه عند التوقيع على الصلب لم تكن هذه العبارة موجودة وقد اتفق كبير خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير مع الدكتور هواويني في أن هذه العبارة محشرة بين الصلب والتوقيع – وقد أغفل الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه – كلية الإشارة إلى ما ورد في هذا التقرير خاصاً بتحشير عبارة "المقر بما فيه" مع ما لتحشير هذه العبارة من أهمية بالغة في النتيجة التي انتهى إليها الدكتور هواويني في تقريره وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما يخالف الثابت بالأوراق بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه وإن كان الحكم لم يشر إلى ما ورد بتقرير كبير خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير خاصاً بتحشير عبارة "المقر بما فيه" المذيل بها السند المدعي بتزويره إلا أنه لم ينف ما جاء بالتقرير المذكور في هذا الصدد وأخذ بما انتهى إليه من صحة السند صلباً وتوقيعاً للأسباب الواردة بهذا التقرير وأطرح تقرير الدكتور هواويني وذلك بما لمحكمة الموضوع من سلطة في تقدير الأدلة والموازنة بينها والأخذ بما تقتنع به منها. لما كان ذلك وكان تحشير تلك العبارة وتدوينها بعد تحرير السند بفرض حصول ذلك غير منتج في إثبات تزوير السند بعد أن أثبت الحكم المطعون فيه صحة توقيع الطاعن تحت هذه العبارة لأن هذا التوقيع يفيد بذاته إقراره بما جاء في السند بغير حاجة إلى تدوين تلك العبارة.
وحيث إن حاصل السبب الثامن الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب من وجهين ويقول الطاعن في بيان الوجه الأول منهما أنه كان أمام محكمة الموضوع تقريران متعارضان أحدهما استشاري وضعه الدكتور هواويني انتهى فيه إلى تزوير صلب السند والثاني وضعه كبير خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير وانتهى فيه إلى صحة السند صلباً وتوقيعاً وإزاء هذا التعارض طلب الطاعن تعيين خبير مرجح أو استدعاء الخبيرين لمناقشتهما وقد أغفل الحكم المطعون فيه هذا الطلب فأخل بحقه في الدفاع وشابه القصور ويقول الطاعن في الوجه الثاني أنه ساق لمحكمة الموضوع العديد من القرائن القوية التي تشكك في صحة الدعوى وتثبت تزوير السند المدعي بتزويره منها أنه ثري يداين المطعون ضده في مبلغ 149 ج وأن الأخير ادعى كذباً الوفاء له بهذا المبلغ وطالبه برد سند هذا الدين فقامت الجفوة بينهما لهذا السبب وانقطع التعامل بينهما كما أن المطعون ضده وهو فقير لا يملك إلا محلاً صغيراً ولا يعقل أن يورد له غلالاً قيمتها 7000 ج دون أن يحصل على دليل كتابي يثبت هذا التوريد قبل تحرير السند كما أنه عجز عن تقديم أي دليل على قيامه بتوريد هذه الغلال أو جزء منها وأن اسمه قد شطب من السجل التجاري وطلب الطاعن من محكمة الموضوع استجواب المطعون ضده في هذه الأمور وفي الشروط القاسية التي وردت في السند المدعي بتزويره وقد رفضت المحكمة هذا الطلب تأسيساً على أن الاستجواب غير منتج لأنه من اليسير على المطعون ضده أن يحصل على مثل هذه الكمية من الغلال من صغار المزارعين وبيعها للطاعن بثمن أعلى ثم يقوم بالوفاء لهم بالثمن بعد ذلك ويرى الطاعن أن هذا التسبيب غير سائغ ولا يصلح لحمل قضاء الحكم برفض طلب الاستجواب لأنه مبني على الافتراض والتخمين.
و حيث إن الوجه الأول من هذا النعي مردود بأن إجابة طلب الخصم مناقشة الخبراء ليست حقاً له يتحتم على المحكمة إجابته إليه بل هي صاحبة السلطة في تقدير ما إذا كان هذا الإجراء منتجاً أو غير منتج في الدعوى. ولما كانت محكمة الاستئناف قد رأت ألا حاجة إلى مناقشة الخبراء للأسباب السائغة التي ذكرتها واستندت إليها في القول بصحة السند فهذا حقها الذي لا رقيب عليها فيه والنعي مردود في الوجه الثاني بأن المادة 168 من قانون المرافعات لا تلزم المحكمة بإجابة طلب استجواب الخصم إذا وجدت أن الدعوى ليست في حاجة إليه ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بصحة السند المدعي بتزويره على ما سبق بيانه في الرد علي أوجه الطعن السابقة على أسباب سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهت إليه وكانت المحكمة قد رأت في تقريري الخبيرين اللذين استندت إليهما وفي المضاهاة التي أجرتها بنفسها ما يكفي لتكوين عقيدتها ويغنيها عن استجواب المطعون ضده فإنه لا عليها إن هي رفضت طلب الطاعن استجواب خصمه.
وحيث إن حاصل السبب التاسع الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة الدرجة الأولى بعد أن قضت بندب قسم أبحاث التزييف والتزوير لإجراء المضاهاة قامت باستكتاب الطاعن اسمه وقد تم هذا الاستكتاب في غيبة الخبير المنتدب بالمخالفة لنصوص المواد 264 و265 و266 من قانون المرافعات التي توجب أن يتم الاستكتاب أمام القاضي بإشراف الخبير المنتدب وبذلك وقع هذا الاستكتاب باطلاً مما يترتب عليه بطلان المضاهاة التي تمت على أساسه وقد تمسك الطاعن بهذا الدفاع الجوهري واستظهره الحكم المطعون فيه في أسبابه الواقعية ولكنه أغفل بحثه أو الرد عليه وهو من الحكم قصور وإخلال بدفاع جوهري.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه ليس في نصوص المواد 264 و265 و266 من قانون المرافعات التي يستند إليها الطاعن ما يوجب حصول الاستكتاب بحضور الخبير المنتدب لإجراء المضاهاة وإلا كان الاستكتاب باطلاً بل إن نص المادة 269/ 3 من قانون المرافعات صريح في أن الخط أو الإمضاء أو بصمة الإصبع الذي يكتب أمام القاضي يقبل للمضاهاة في حالة عدم اتفاق الخصوم ولم تشترط هذه المادة حضور الخبير إجراء هذا الاستكتاب ولما كان استكتاب الطاعن الذي أجريت عليه المضاهاة قد تم أمام القاضي فإنه يكون صالحاً للمضاهاة وتكون المضاهاة التي تمت على أساسه صحيحة ويكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن على الحكم الصادر بتاريخ 11مايو سنة 1964 غير سديد ويتعين رفضه.
وحيث إنه وقد انتهت هذه المحكمة إلى رفض الطعن في الحكم الصادر في 11 مايو سنة 1964 في الموضوع فإن الطعن في الحكم الصادر بتاريخ 30 يونيه سنة 1963 برفض طلب وقف النفاذ يصبح ولا محل لبحثه.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات