الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 900 لسنة 5 ق – جلسة 31 /12 /1960 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة – العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1960 إلى آخر ديسمبر سنة 1960) – صـ 432


جلسة 31 من ديسمبر سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 900 لسنة 5 القضائية

( أ ) الخدمة العسكرية – سن الإلزام بالخدمة العسكرية – الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902 بشأن فرض الخدمة العسكرية الإلزامية – تحديده بدء ملزومية الشخص بالخدمة العسكرية من السنة التي يبلغ فيها سن التاسعة عشرة – العبرة بالسنة التي يبلغ فيها المقترع هذه السن وليست باليوم الذي يبلغها فيه – حكمة ذلك – مثال.
(ب) الخدمة العسكرية – الإعفاء منها – الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902 بشأن الخدمة العسكرية الإلزامية – بيان حالات الإعفاء من الخدمة العسكرية – إعفاؤه مؤقتاً تلاميذ بعض المدارس بسبب تلقي العلوم – أساس الإعفاء أن يكون التلميذ قد بلغ سن الإلزام بالخدمة العسكرية – صيرورة الإعفاء نهائياً بحصوله على الشهادة المدرسية – إلغاء الأمر العالي سالف الذكر بصدور القانون رقم 140 في 25 من أغسطس سنة 1947 بتنظيم الخدمة العسكرية – نصه على عدم سريان أحكامه على من أعفي نهائياً من الخدمة ولا على المعفى مؤقتاً إلا إذا زال سبب الإعفاء طبقاً لنصوص القانون الذي عومل بمقتضاه – سريانه بأثر حال على كل من يبلغ سن الإلزام في ظله – التحدي بالحق المكتسب لمجرد الالتحاق بمدرسة كان يشملها الإعفاء طبقاً للأمر العالي – لا يجوز لعدم اكتساب مركز ذاتي ببلوغ سن الإلزام في ظل هذا الأمر العالي – أساس ذلك – مثال.
1 – إن قانون القرعة العسكرية المصرية بمقتضى الأمر العالي في 4 من نوفمبر سنة 1902 بشأن فرض الخدمة العسكرية الإلزامية قد نص في المادة الأولى منه على أنه "من بعد مراعاة أوجه المعافاة الواردة في أمرنا هذا تفرض الخدمة العسكرية الإلزامية بموجب النصوص الواردة فيه على كل ذكر ينطبق عليه أحد الشروط الآتية….". وحددت المادة الثانية منه المناط الزمني لبدء هذا الإلزام الوطني العام ومداه وكيفية حسابه فنصت على أنه: "تبدأ ملزومية الشخص بالخدمة العسكرية من السنة التي يبلغ فيها سن التاسعة عشرة. وللعمل بهذا الأمر العالي بحسب السن على طريقة الحساب الأفرنكي" فالعبرة إذن هي بالسنة التي يبلغ فيها المقترع سن التاسعة عشرة وليست باليوم الذي يبلغ فيه المقترع هذه السن. والحكمة من ذلك واضحة؛ لأن الدعوة إلى الاقتراع هي من صميم عمل السلطة القائمة على التجنيد، والتي تقوم بها على أساس من القواعد والضوابط الواردة في ذلك الأمر العالي. ويتضح من مراجعة نصوصه أن عملية التجنيد كانت في ظل أحكامه تتم على ثلاث مراحل هي: ( أ ) مرحلة الاقتراع وتتحصل في حصر أسماء أنفار القرعة وإدراجها في كشوف يقوم مجلس القرعة بفحصها وتصفيتها تصفية نهائية بعد سماع شكاوي أصحاب الشأن عنها، وتحرر كشوف المقترعين سنة بسنة من واقع الثابت في دفاتر مواليد كل ناحية أو شياخة لكل سنة يبلغ فيها مواليدها سن الإلزام. (ب) ومرحلة الفرز تتحصل في توقيع الكشف الطبي على الأنفار الذين وردت أسماؤهم في الكشوف النهائية، فيعفى غير اللائقين منهم، أما اللائقون فيؤخذ منهم العدد المطلوب للجيش، ويعاد الباقون إلى بلادهم ليطلبوا عند الحاجة إليهم. (جـ) ومرحلة التجنيد تتحصل في طلب العدد الذي يحتاج إليه الجيش من بين اللائقين بحسب نمر اقتراعهم ليرسلوا إلى ديوان الحربية وتبدأ خدمتهم العسكرية من اليوم الذي يصادق فيه الديوان على تجنيدهم. فتحديد سن إلزام بالسنة التي يبلغ فيها المقترع سن التاسعة عشرة مقصود به إفساح الوقت للسلطة القائمة على التجنيد لترتب أمورها، دون أن تتقيد باليوم الذي يولد فيه كل شخص في السنة التي حل دورها للاقتراع. أي أن هذا الشرط موضوع لصالح هذه السلطة، فلا يسوغ للشخص أن يحدد لنفسه وقت اقتراعه حسبما يريد ولو استند في ذلك إلى تاريخ ميلاده. ذلك لأن ملزوميته بالخدمة العسكرية لا تتوفر إلا ببلوغه هو وغيره من مواليد سنته سن التاسعة عشرة، وبإدراج اسمه في كشوف الاقتراع في الجهة التي سيتم اقتراعه فيها، وعندئذ فقط تستكمل عناصر الإلزام بالخدمة العسكرية، وتفريعاً من ذلك فإن مواليد سنة 1929 – ومنهم المدعي الذي ولد في 20 من مايو سنة 1929 – لن يدركوا سن الإلزام إلا في سنة 1948، ومن أجل هذا تم اقتراعه فعلاً سنة 1948 برقم وتخلف ثم طلب من جديد في فبراير سنة 1950. وليس في الأوراق ما يدل على صحة زعم المدعي أن اقتراعه الأول وقع في 19 من مايو سنة 1947 أي قبل صدور القانون رقم لسنة 1947 والصادر في 25 من أغسطس سنة 1947 والنافذ المفعول من تاريخ نشره في 8 من سبتمبر سنة 1947. ولا يمكن تصور صحة هذا الادعاء لأن ملزومية المدعي بالخدمة العسكرية وفقاً لحكم المادة الثانية من الأمر العالي لا يمكن أن تبدأ قبل عام 1948.
2 – إن المدعي ينعى على قرار تجنيده لمدة سنة، أنه تجاهل ما كان يتمتع به من حق الإعفاء الذي يستند إلى نص المادة من الأمر العالي الصادر سنة 1902، ويؤيده بعد إلغاء الأمر العالي نص المادة من قانون الخدمة العسكرية رقم الصادر في 25 من أغسطس سنة 1947. وقد نظم الأمر العالي حالات المعافاة من الخدمة العسكرية في القسم الثالث منه وبين أحوال المعافاة بالبدل النقدي، والمعافاة بسبب خدمة الحكومة والمعافاة لأسباب عائلية، والمعافاة لأسباب دينية، والمعافاة لأسباب تلقي العلوم. فنصت المادة منه على أنه "يعفى مؤقتاً من الملزومية بالخدمة العسكرية كل تلميذ يكون في إحدى المدارس الآتي ذكرها وهي: مدارس الحقوق، والطب، والمهندسخانة، والتوفيقية للمعلمين، والناصرية للمعلمين، والزراعة، والطب البيطري، والصنايع في بولاق، والصنايع في المنصورة، والذين تخرجوا من إحدى مدرستي المعلمين السابق ذكرهما، وبقوا بصفة معلمين تحت التجربة، ويعتبرون في تطبيق هذه المادة كأنهم باقون تلامذة في هاتين المدرستين وتعتبر المعافاة المنصوص عليها في هذه المادة نهائية عندما يتم التلميذ دروسه وينال الشهادة المدرسية (دبلومة)". ونصت المادة من الأمر العالي على أنه "يسقط الحق في المعافاة عندما تزول أسبابها إلا في الحالات التي ينص عنها ما يخالف ذلك نصاً صريحاً". وفي ظل هذا الأمر العالي لم يكن المدعي قد حصل على دبلومة مدرسة الصنايع في بولاق، حتى يمكن أن يتمتع بحق الإعفاء النهائي من الخدمة العسكرية وفقاً لأحكام هذا الأمر العالي. وإنما كان المدعي تلميذاً بتلك المدرسة كما جاء ذكر ذلك في بعض الأوراق منذ عام 1944، وكان سنه في ذلك التاريخ خمسة عشر سنة وهي دون سن الملزومية بالخدمة العسكرية التي لم تبدأ بالنسبة إليه إلا من عام 1948 حيث كان المدعي لا يزال تلميذاً بالمدرسة، ولكن الأمر العالي الذي كان يخول له هذا الإعفاء كان قد ألغي قبل أن يتم المدعي دراسته وينال دبلومة هذه المدرسة سنة 1949. فقد صدر في 25 من أغسطس سنة 1947 القانون رقم لسنة 1947 بتنظيم الخدمة العسكرية ونص في المادة منه على إلغاء الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902 كما نصت المادة من القانون الجديد على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وتم نشره في 8 من سبتمبر سنة 1947، ومن ثم يكون القانون الجديد قد أدرك المدعي قبل أن يبلغ سن الملزومية وفقاً لأحكام الأمر العالي، ومن باب أولى قبل أن يتمتع بأي إعفاء قط نصت عليه أحكام الأمر العالي الذي ألغي منذ 8 من سبتمبر سنة 1947. ويكون المدعي خاضعاً من حيث فرض الخدمة العسكرية عليه لكافة أحكام القانون رقم لسنة 1947 بأثره الحال المباشر دون أن يكون له حق الإفادة من نص المادة الواردة في باب الأحكام العامة منه والتي تنص على أنه "لا تسري أحكام هذا القانون على كل من سبق إعفاؤه نهائياً من الخدمة العسكرية لأي سبب كان. أما من سبق إعفاؤهم بصفة مؤقتة، فلا تسري عليهم أحكامه إلا إذا زالت أسباب إعفائهم طبقاً لنصوص القانون الذي عوملوا بمقتضاه". وغني عن البيان أن المدعي، وفقاً لما تقدم من بيان حالته، لم يسبق إعفاؤه نهائياً لأنه لم يحصل على دبلوم مدرسة الصنايع إلا في سنة 1949، كما أنه لم يسبق إعفاؤه بصفة مؤقتة، لأن الإعفاء ولو كان مؤقتاً، لا يمكن تصوره ما دامت الملزومية بالخدمة العسكرية لم تلحق أصلاً المدعي في ظل الأمر العالي الذي ألغي، وألغيت بإلغائه نصوص الإعفاء من الملزومية بنوعيه النهائي والمؤقت. وقد حلت أحكام القانون الجديد محل الأمر العالي القديم منذ 8 من سبتمبر سنة 1947. وهذا القانون الجديد لا يعرف الإعفاء بسبب تلقي العلوم الحديثة، سواء منه النهائي أم المؤقت. وإن استثني من فرض الخدمة العسكرية على كل مصري من الذكور أتم الثامنة عشرة من عمره، طلبة المعاهدة المعدة لتخريج ضباط للخدمة في الجيش أو في السلاح الجوي أو في سلاح الطيران أو في البوليس أو في إحدى المصالح الحكومية ذات النظام العسكري بشرط أن يستمر الطالب في دراسته إلى أن يرقى إلى رتبة ضابط.
ولا وجه لما يتحدى به المدعي من أنه كان قد اكتسب الحق في إعفائه سنة 1949 من الملزومية بالخدمة العسكرية لأنه كان تلميذاً بمدرسة الصنايع منذ عام 1944، ثم حصل على شهادتها وأن سنده في هذا الحق هي أحكام الأمر العالي الصادر سنة 1902 ويكون تطبيق أحكام القانون رقم لسنة 1947 على حالته هو في واقع الأمر – على حد قوله – نفاذاً لهذا القانون الجديد بأثر رجعي وبالتالي منطوياً على المساس بحقه المكتسب من قبل صدوره – وهو ما لا يجوز – لا وجه لذلك؛ لأنه يجب التفريق في هذا الشأن بين الأثر الرجعي والأثر الحال للقانون، فالرجعية هي تطبيق القانون الجديد على مراكز ذاتية تمت في ظل القانون القديم والمدعي ما كان قد اكتسب مثل هذا المركز الذاتي لأنه لم يكن قد بلغ سن الملزومية في ظل الأمر العالي لسنة 1902 وهذه الرجعية لا تكون إلا بنص خاص وتلك قاعدة دستورية نصت عليها المادة من دستور الجمهورية الصادر في يناير سنة 1956، كما تضمنتها المادة من دستور سنة 1923 الملغى. أما الأثر الحال فهو نفاذ القانون الجديد على ما لا يكون قد تم في ظل القانون القديم من مراكز ذاتية. ولا ريب في أن الحوادث التي تقع بعد العمل بالقانون الجديد ينطبق عليها هذا القانون إذ هي قد نشأت تحت سلطانه فيلحقها أثره.


إجراءات الطعن

في 26 من مايو سنة 1954 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة، عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض) – بجلسة 26 من إبريل سنة 1959 في الدعوى رقم لسنة 12 القضائية المقامة من حسن علي المصري ضد وزارتي الحربية والعدل، والذي قضى: "بإلزام وزارتي الحربية والبحرية، بأن تدفع للمدعي مبلغ مائة وثلاثين جنيهاً والمصاريف ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين – للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 9، 14 من يوليه سنة 1959 وإلى المطعون عليه في 11 من أغسطس سنة 1959 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 9 من أكتوبر سنة 1960 وفيها أحيل الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 12 من نوفمبر سنة 1960 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم لسنة 3 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية، بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 7 من نوفمبر سنة 1955 طلب فيها الحكم "بإلزام وزارتي الحربية والعدل متضامنتين بأن يدفعا له مبلغ جنيهاً كتعويض عن تجنيده خطأ في 6 من يونيه سنة 1950 إلى 6 من يونيه سنة 1951 والمصروفات ومقابل الأتعاب". وقال بياناً لدعواه إنه يعمل موظفاً بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق التابعة لوزارة العدل منذ سنة 1949. وفي 20 من فبراير سنة 1950 طلب إلى الخدمة العسكرية فقدم شهادة رسمية من المصلحة التي يعمل بها تثبت وظيفته ودرجته، وأنه يحمل دبلوم المدارس الصناعية سنة 1949، وأنه التحق بهذه المدارس سنة 1944 وبناء على هذه الشهادة أعفي من الخدمة العسكرية وسرح فعاد إلى وظيفته، وفي 30 من مايو سنة 1950 أخطرت المصلحة التي يعمل بها من قسم بوليس عابدين بكتاب رقم بطلب تكليفه بالحضور أمام مكتب التجنيد بالقسم يوم 5 من يونيه سنة 1950 لترحيله إلى إدارة التجنيد العام بالعباسية كطلبها، ومن ثم توجه إلى المكتب المذكور ورحل إلى إدارة التجنيد حيث جند لمدة سنة قضاها بمركز تدريب سلاح الصيانة ابتداء من 6 من يونيه سنة 1950 إلى 6 من يونيه سنة 1951 وأضاف أن تجنيده كان بدون مسوغ قانوني، إذا أنه ممن ينطبق عليهم قانون القرعة الصادر سنة 1902 الذي قضى في المادة منه بمعافاة أمثاله من خريجي المدارس الصناعية من الخدمة العسكرية، هذا الإعفاء الذي أكدته المادة من القانون رقم لسنة 1947 التي نصت على استمرار سريان حكم المادة من قانون سنة 1902. ولما كان قد التحق بمدرسة الصناعات الميكانيكية قبل صدور القانون رقم لسنة 1947 فمن ثم لا تسري عليه أحكامه من حيث التجنيد، وإنما يستفيد من نص المادة من قانون سنة 1902 والمادة من القانون رقم لسنة 1947. وقال المدعي إن وزارة الحربية استفتت مجلس الدولة في هذا الشأن فأفتى قسم الرأي مجتمعاً في 23 من يونيه سنة 1949 بأن من التحق بإحدى المدارس المنصوص عليها في المادة من قانون سنة 1902 قبل صدور القانون رقم لسنة 1947 يعفى مؤقتاً من الخدمة العسكرية ثم يصبح إعفاؤه نهائياً إذا استمر في دراسته بدون انقطاع متى حصل على شهادته الدراسية، ولو تم ذلك في ظل القانون رقم لسنة 1947 وذلك لأن المادة من هذا القانون أبقت سريان المادة من قانون سنة 1902، وهذا الإعفاء النهائي يتحقق بحصول الشخص على شهادة الدراسة دون النظر إلى أي اعتبار آخر، وأضاف المدعي أنه من مواليد 20 من مايو سنة 1929 ودخل مدرسة الصناعات الميكانيكية ببولاق سنة 1944 أي قبل صدور القانون رقم لسنة 1947 وتخرج فيها عام 1949 بعد خمس سنوات دراسية متصلة، وقد وقع اقتراعه الأول في 19 من مايو سنة 1947 أي قبل صدور القانون رقم لسنة 1947 ومن هذا يتضح أنه يعفى مؤقتاً بمجرد دخوله المدرسة سواء وصل إلى سن الاقتراع في ظل القانون الجديد أو قبله.
وقد أفتى قسم الرأي في ظل الحالة المعروضة في أول مارس سنة 1953 بأنه يتعين على وزارة الحربية أن تعوض من يجند خطأ بأن تعطيهم ما يعادل مرتباتهم عن فترة تجنيدهم. ولقد طلبت وزارة الحربية في 28 من يناير سنة 1953 من وزارة المالية صرف التعويضات في مثل هذه الحالة من الجهة التي يتبعها المجند، وهذا ما أقره ديوان الموظفين في كتابه الموجه إلى وزارة العدل بناء على استفتائها إياه في شأن المدعي ثم خلص إلى أنه وقد أخطر إدارة التجنيد بخطئها في تجنيده دون جدوى فمن ثم يكون من حقه رفع هذه الدعوى للمطالبة بما يعادل مرتبه عن مدة تجنيده التي بلغت سنة واحدة من 6 من يونيه سنة 1950 إلى 6 من يونيه سنة 1951 وقدره جنيهاً بواقع الشهر الواحد (12.834) جنيهاً مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد ردت وزارة الحربية على الدعوى بأن المدعي من مواليد 14 من مايو سنة 1929 فهو يخضع أصلاً للقانون رقم لسنة 1947 بصرف النظر عن تاريخ اقتراعه، وكونه جاء سابقاً على صدور القانون هذا، لأن هذه المواعيد إنما هي إجراءات شكلية تحددها القواعد التنظيمية بهذه الإدارة، وأن العادة جرت على أن يبدأ اقتراع كل شخص في السنة التي يبلغ فيها سن التاسعة عشرة أي يدرج اسمه برقم اقتراع خاص حتى إذا حل دور تجنيده أمكن طلبه. ولما كان دور تجنيد المدعي يبدأ من أول عام 1950 فيكون قول المدعي بأنه اقترع في تاريخ سابق على صدور القانون رقم لسنة 1947 غير صحيح إذ أنه اقترع فعلاً عام 1948 برقم وتخلف عن طلب سنة 1950 ثم طلب في 19 من فبراير سنة 1950 فوجد لائقاً وأخلى سبيله تحت الطلب، باعتباره من ذوي المؤهلات، وهؤلاء لا يجوز تجنيدهم إلا في شهر يونيه من كل عام. وعلى هذا جند المدعي في 6 من يونيه سنة 1950 ومن ثم يكون ادعاؤه بأنه حضر في 19 من فبراير سنة 1950 وأعفي من الخدمة ادعاء يخالف الحقيقة التي سلف ذكرها. أما ما يطلبه المدعي من وجوب معاملته وفقاً لفتوى مجلس الدولة المشار إليها في عريضة دعواه، وما قدمه من مستندات، فإنها كلها تختص بمواليد سنة 1928 وما قبلها ولا تخص المدعي في شيء إطلاقاً. وإذا كان المدعي يشير إلى حالات أخرى في مثل سنه فإنها ترتب على فتوى صدرت في 2 من مارس سنة 1953 وعومل بمقتضاها ومن لم يكن قد جند بعد، وذلك بخلاف وضع المدعي الذي كان قد أمضى مدة خدمته وعاد إلى وظيفته قبل صدور الفتوى المشار إليها بما يزيد على العام، ومن ثم لا يحق له التمسك بها. وانتهت وزارة الحربية إلى أن دعوى المدعي لا تستند إلى أساس سليم من القانون.
وبجلسة 6 من إبريل سنة 1958 قررت المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية إحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص بالتطبيق لأحكام المواد 8، 13، 14 من القانون رقم لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة وقد أرسل ملف الدعوى إلى سكرتيرية تلك المحكمة في 15 من إبريل سنة 1958 وقيدت برقم لسنة 12 القضائية وأمام محكمة القضاء الإداري قدمت وزارة الحربية الكتاب رقم (70/ 51/ 13 في 10 من مارس سنة 1959) متضمناً أنه لا توجد للمدعي أوراق تجنيد لأن أوراق تجنيد مواليد سنة 1930 وما قبلها قد أعدمت وأن البيانات الخاصة بتجنيد المدعي سبق إيضاحها في مذكرة الوزارة المؤرخة 28 من ديسمبر سنة 1958.
وبجلسة 26 من إبريل سنة 1959 أصدرت محكمة القضاء الإداري – هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض – حكمها في الدعوى "بإلزام وزارة الحربية والبحرية بأن تدفع للمدعي مبلغ مائة وثلاثين جنيهاً والمصاريف ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي التحق بمدرسة الصنايع سنة 1944 في ظل الأمر العالي الخاص بالقرعة العسكرية والصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902. وقد استخلصت المحكمة من مقارنة نص المادة من الأمر العالي بالمادة من القانون رقم لسنة 1947، أن حق الإعفاء المنصوص عليه في المادة المذكورة إنما هو حق مصدره القانون، وأنه لا يشترط لاستحقاقه صدور قرار به، وأن صاحبه يتمتع به بمجرد توافر الشروط القانونية فيه. وما القرار الصادر بالإعفاء من إدارة التجنيد إلا قرار تنفيذي لا ينشئ الحق في الإعفاء وإنما يقرره ويتعين على الجهة المختصة أن تصدره متى توافرت في صاحب الشأن الشروط التي نص عليها القانون. وقالت المحكمة أنه يتضح مما تقدم من أسباب حكمها أن المدعي كان يتمتع بالإعفاء المؤقت طبقاً لأحكام الأمر العالي، عقب صدور قانون الخدمة العسكرية رقم لسنة 1947 لأنه كان في ذلك الوقت ما زال تلميذاً بمدرسة الصنايع، وقد استمر محتفظاً بهذا الإعفاء المؤقت إلى أن أصبح نهائياً بحصوله على دبلوم المدرسة في سنة 1949، ومن ثم فإن المادة من القانون رقم لسنة 1947 تنطبق على حالته ويكون تجنيده في سنة 1950 قد وقع مخالفاً للقانون. وقالت المحكمة إنه ليس بالذي يعتد به ما تقول به الوزارة من أن ما يقرره المدعي من أنه اقترع في تاريخ سابق على صدور القانون رقم لسنة 1947 غير صحيح، وأنه لم يقترع إلا في سنة 1948 تحت رقم بعد صدور القانون وتخلف المدعي عن طلب سنة 1950 ثم طلب في 19 من فبراير سنة 1950 فوجد لائقاً للخدمة العسكرية، وأخلى سبيله تحت الطلب، تقول المحكمة أنه لا اعتداد، في نظرها، بهذا القول، لأنه من التسليم بأن المدعي لم يقترع إلا في سنة 1948 بعد صدور القانون المذكور إلا إنه عند اقتراعه كان متمتعاً بحالة الإعفاء المؤقت منذ التحاقه بالمدرسة في سنة 1944. وآية ذلك أن الإعفاء المؤقت المنصوص عليه في المادة من الأمر العالي، حق يحصل عليه التلميذ الذي يلتحق بإحدى المدارس المنصوص عليها في تلك المادة بمجرد التحاقه بالمدرسة حتى ولو لم يكن قد بلغ سن الاقتراع، وهذا الحق لا يسقط عنه إلا بتركه المدرسة قبل حصوله على الشهادة، ويصبح نهائياً بحصوله عليها. وعلى هذا الأساس فإن الأمر يستوي بين ما إذا كان المدعي اقترع قبل أو بعد صدور القانون رقم لسنة 1947. والمدعي إذ يطالب بمرتبه عن مدة التجنيد فإنه في حقيقة الأمر إنما يطالب بتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء القرار الصادر بتجنيده بالمخالفة للقانون. وهو يقدر تعويض هذا الضرر بالمرتب الذي حرم منه بسبب هذا التجنيد. وكان مرتب المدعي عند تجنيده (12.500) جنيهاً شهرياً في وظيفته بمصلحة الشهر العقاري. وتقدر المحكمة تعويضه عن الضرر الذي لحقه بمبلغ مائة وثلاثين جنيهاً مراعية في هذا التقدير أن المدعي كان يتقاضى من وزارة الحربية أثناء تجنيده مرتباً بوصفه جندياً بالجيش. وأن الجهة المسئولة عن هذا التعويض هي وزارة الحربية وحدها لأن القرار المخالف للقانون صادر من إدارة التجنيد التابعة لها فيتعين إلزامها بالتعويض أما وزارة العدل فإنها لم تسهم في إصدار القرار المعيب ولا شأن لها به ولا وجه لمطالبتها بالتعويض الذي تتحمله الحربية وحدها.
ومن حيث إن طعن هيئة المفوضين يتجه إلى أن مفاد النصين: من الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902، من القانون رقم لسنة 1947 هو أن من أعفي مؤقتاً من الخدمة العسكرية بسبب التحاقه بإحدى المدارس المبينة في المادة ثم حصل على الشهادة الدراسية فإن الإعفاء المؤقت يصير إعفاء نهائياً ولو كان الحصول على الشهادة قد تم بعد نفاذ القانون الجديد. ولكن الذي يشترط لتحقق هذا الأثر هو أن يكون الشخص قد عومل فعلاً وفقاً لأحكام القانون القديم الصادر سنة 1902 وذلك بأن يكون قد بلغ سن الإلزام في ظله، وقبل صدور القانون الجديد ذلك لأن الإعفاء بفرعيه سواء أكان مؤقتاً أم إعفاء نهائياً لا يكون إلا من بعد قيام الالتزام بالخدمة العسكرية وهذا الالتزام لا يبدأ إلا ببلوغ الشخص سن التاسعة عشرة طبقاً لما جاء في المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في سنة 1902 أما إذا بلغ الشخص سن الإلزام في ظل القانون رقم لسنة 1947 الذي ألغى القانون القديم وحل محله وقضى بجعل التجنيد إجبارياً بالنسبة لذوي المؤهلات الدراسية، فإن القانون الجديد يكون هو الواجب التطبيق ويمتنع الإعفاء من الخدمة العسكرية. ولما كان المدعي من مواليد 20 مايو سنة 1929 أي أنه لم يبلغ سن الإلزام إلا بعد نفاذ القانون رقم لسنة 1947 فمن ثم لا يستفيد من أحكام المادة من الأمر العالي الصادر سنة 1902 الخاصة بالإعفاء من الخدمة العسكرية بسبب الدراسة، ولا من الأحكام الانتقالية المنصوص عليها في المادة من قانون سنة 1947 وإنما يسري عليه هذا القانون الأخير بأثره المباشر، ويكون القرار الصادر بتجنيده بالتطبيق لأحكام هذا القانون قد صدر صحيحاً وبالتالي لم يقع من الجهة الإدارية خطأ يجوز أن يعوض عن الضرر الذي تولد عنه، المدعي. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً وقضى بإلزام وزارة الحربية بالتعويض على أساس أن قرار التجنيد صدر مخالفاً للقانون، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً الطعن فيه بالإلغاء والحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي ومن الأوراق والمستندات المودعة ملف الطعن أن المدعي من مواليد شياخة العتريس في 20 من مايو سنة 1929 قسم السيدة زينب بالقاهرة قرعة سنة 1948 برقم وتخلف ثم طلب في 19 من فبراير سنة 1950 وبعد أن كشف عليه طبياً ووجد لائقاً قدم ما يفيد أنه من ذوي المؤهلات ولذلك أخلي سبيله تحت الطلب مع أمثاله من ذوي المؤهلات في شهر يونيه سنة 1950 ثم طلب في 6 من يونيه سنة 1950 حيث التحق بالخدمة العسكرية لمدة سنة واحدة لأنه من ذوي المؤهلات. والمدعي حاصل على دبلوم المدارس الصناعية في صناعة سبك المعادن سنة 1949. والتحق بخدمة مصلحة الشهر العقاري في 28 من ديسمبر سنة 1949 وظل يعمل بها حتى جند في يونيه سنة 1950 وعاد إلى عمله بعد تسريحه من الجيش في 6 من يونيه سنة 1951 وقدم طلباً بصرف ماهيته عن مدة تجنيده لمدة عام واحد بمقولة إن هذا التجنيد وقع خطأ وبالمخالفة لأحكام الأمر العالي الصادر في سنة 1902 الذي خوله حق الإعفاء من الخدمة العسكرية لأسباب تلقي العلوم بالتطبيق لنص المادة من الأمر العالي المذكور والمادة من القانون رقم لسنة 1947.
ومن حيث إن القانون الذي يؤسس المدعي على أحكامه دعواه هو قانون القرعة العسكرية المصرية الصادر بمقتضى الأمر العالي في 4 من نوفمبر سنة 1902 بشأن فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، قد نص في المادة الأولى منه على أنه "من بعد مراعاة أوجه المعافاة الواردة في أمرنا هذا، تفرض الخدمة العسكرية الإلزامية بموجب النصوص الواردة فيه على كل ذكر ينطبق عليه أحد الشروط الآتية…". وحددت المادة الثانية منه المناط الزمني لبدء هذا الإلزام الوطني العام ومداه وكيفية حسابه فنصت على أنه: "تبدأ ملزومية الشخص بالخدمة العسكرية من السنة التي يبلغ فيها سن التاسعة عشرة. وللعمل بهذا الأمر العالي يحسب السن على طريقة الحساب الأفرنكي". فالعبرة إذن هي بالسنة التي يبلغ فيها المقترع سن التاسعة عشرة وليست باليوم الذي يبلغ فيه المقترع هذه السن، والحكمة من ذلك واضحة، لأن الدعوة إلى الاقتراع هي من صميم عمل السلطة القائمة على التجنيد، والتي تقوم بها على أساس من القواعد والضوابط الواردة في ذلك الأمر العالي. ويتضح من مراجعة نصوصه أن عملية التجنيد كانت في ظل أحكامه تتم على ثلاث مراحل هي: ( أ ) مرحلة الاقتراع وتتحصل في حصر أسماء أنفار القرعة وإدراجها في كشوف يقوم مجلس القرعة بفحصها وتصفيتها تصفية نهائية بعد سماع شكاوى أصحاب الشأن عنها. وتحرر كشوف المقترعين سنة بسنة من واقع الثابت في دفاتر مواليد كل ناحية أو شياخة لكل سنة يبلغ فيها مواليدها سن الإلزام. (ب) ومرحلة الفرز تتحصل في توقيع الكشف الطبي على الأنفار الذين وردت أسماؤهم في الكشوف النهائية، فيعفى غير اللائقين منهم، أما اللائقون فيؤخذ منهم العدد المطلوب للجيش، ويعاد الباقون إلى بلادهم ليطلبوا عند الحاجة إليهم. (جـ) ومرحلة التجنيد تتحصل في طلب العدد الذي يحتاج إليه الجيش من بين اللائقين بحسب نمر اقتراعهم ليرسلوا إلى ديوان الحربية وتبدأ خدمتهم العسكرية من اليوم الذي يصادق فيه الديوان على تجنيدهم. فتحديد سن الإلزام بالسنة التي يبلغ فيها المقترع سن التاسعة عشرة مقصود به إفساح الوقت للسلطة القائمة على التجنيد لترتب أمورها، دون أن تتقيد باليوم الذي يولد فيه كل شخص في السنة التي حل دورها للاقتراع. أي أن هذا الشرط موضوع لصالح هذه السلطة، فلا يسوغ للشخص أن يحدد لنفسه وقت اقتراعه حسبما يريد ولو استند في ذلك إلى تاريخ ميلاده. ذلك لأن ملزوميته بالخدمة العسكرية لا تتوفر إلا ببلوغه هو وغيره من مواليد سنته، سن التاسعة عشرة وبإدراج اسمه في كشوف الاقتراع في الجهة التي سيتم اقتراعه فيها، وعندئذ فقط تستكمل عناصر الإلزام بالخدمة العسكرية. وتفريعاً من ذلك فإن مواليد سنة 1929 – ومنهم المدعي الذي ولد في 20 من مايو سنة 1929 – لن يدركوا سن الإلزام إلا في سنة 1948، ومن أجل هذا تم اقتراعه فعلاً سنة 1948 برقم وتخلف ثم طلب من جديد في فبراير سنة 1950. وليس في الأوراق ما يدل على صحة زعم المدعي أن اقتراعه الأول وقع في 19 من مايو سنة 1947 أي قبل صدور القانون رقم لسنة 1947 والصادر في 25 من أغسطس سنة 1947 والنافذ المفعول من تاريخ نشره في 8 من سبتمبر سنة 1947. ولا يمكن تصور صحة هذا الادعاء لأن ملزومية المدعي بالخدمة العسكرية وفقاً لحكم المادة الثانية من الأمر العالي لا يمكن أن تبدأ قبل عام 1948.
ومن حيث إن المدعي ينعى على قرار تجنيده لمدة سنة، أنه تجاهل ما كان يتمتع به من حق الإعفاء الذي يستند إلى نص المادة من الأمر العالي الصادر سنة 1902، ويؤيده بعد إلغاء الأمر العالي نص المادة من قانون الخدمة العسكرية رقم الصادر في 25 من أغسطس سنة 1947. وقد نظم الأمر العالي حالات المعافاة من الخدمة العسكرية في القسم الثالث منه وبين أحوال المعافاة بالبدل النقدي، والمعافاة بسبب خدمة الحكومة والمعافاة لأسباب عائلية والمعافاة لأسباب دينية والمعافاة لأسباب تلقي العلوم. فنصت المادة منه على أنه "يعفى مؤقتاً من الملزومية بالخدمة العسكرية كل تلميذ يكون في إحدى المدارس الآتي ذكرها وهي: مدارس الحقوق، والطب، والمهندسخانة، والتوفيقية للمعلمين، والناصرية للمعلمين، والزراعة والطب البيطري. والصنايع في بولاق، والصنايع في المنصورة. والذين تخرجوا من إحدى مدرستي المعلمين السابق ذكرهما، وبقوا بصفة معلمين تحت التجربة. ويعتبرون في تطبيق هذه المادة كأنهم باقون تلامذة في هاتين المدرستين وتعتبر المعافاة المنصوص عنها في هذه المادة نهائية عندما يتم التلميذ دروسه وينال الشهادة المدرسية (دبلومة)". ونصت المادة من الأمر العالي على أنه "يسقط الحق في المعافاة عندما تزول أسبابها إلا في الحالات التي ينص عنها ما يخالف ذلك نصاً صريحاً". وفي ظل هذا الأمر العالي لم يكن المدعي قد حصل على دبلومة مدرسة الصنايع في بولاق حتى يمكن أن يتمتع بحق الإعفاء النهائي من الخدمة العسكرية وفقاً لأحكام هذا الأمر العالي. وإنما كان المدعي تلميذاً بتلك المدرسة كما جاء ذكر ذلك في بعض الأوراق منذ عام سنة 1944 وكان سنه في ذلك التاريخ خمس عشرة سنة وهي دون سن "الملزومية" بالخدمة العسكرية التي لم تبدأ بالنسبة إليه إلا من عام 1948 حيث كان المدعي لا يزال تلميذاً بالمدرسة ولكن الأمر العالي الذي كان يخول له هذا الإعفاء كان قد ألغي قبل أن يتم المدعي دراسته وينال دبلومة هذه المدرسة سنة 1949. فقد صدر في 25 من أغسطس سنة 1947 القانون رقم لسنة 1947 بتنظيم الخدمة العسكرية ونص في المادة منه على إلغاء الأمر العالي الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1902 كما نصت المادة من القانون الجديد على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وتم نشره في 8 من سبتمبر سنة 1947 ومن ثم يكون القانون الجديد قد أدرك المدعي قبل أن يبلغ سن الملزومية وفقاً لأحكام الأمر العالي ومن باب أولى قبل أن يتمتع بأي إعفاء مما نص عليه أحكام الأمر العالي الذي ألغي منذ 8 من سبتمبر سنة 1947. ويكون المدعي خاضعاً من حيث فرض الخدمة العسكرية عليه لكافة أحكام القانون رقم لسنة 1947 بأثره الحال المباشر دون أن يكون له حق الإفادة من نص المادة الواردة في باب الأحكام العامة منه والتي تنص على أنه "لا تسري أحكام هذا القانون على كل من سبق إعفاؤه نهائياً من الخدمة العسكرية لأي سبب كان. أما من سبق إعفاؤهم بصفة مؤقتة، فلا تسري عليهم أحكامه إلا إذا زالت أسباب إعفائهم طبقاً لنصوص القانون الذي عوملوا بمقتضاه". وغني عن البيان أن المدعي، وفقاً لما تقدم من بيان حالته، لم يسبق إعفاؤه نهائياً لأنه لم يحصل على دبلوم مدرسة الصنايع إلا في سنة 1949 كما أنه لم يسبق إعفاؤه بصفة مؤقتة، لأن الإعفاء ولو كان مؤقتاً، لا يمكن تصوره ما دامت الملزومية بالخدمة العسكرية لم تلحق أصلاً المدعي في ظل الأمر العالي الذي ألغي، وألغيت بإلغائه نصوص الإعفاء من الملزومية بنوعيه النهائي والمؤقت. وقد حلت أحكام القانون الجديد محل الأمر العالي القديم منذ 8 من سبتمبر سنة 1947. وهذا القانون الجديد لا يعرف الإعفاء بسبب تلقي العلوم الحديثة، سواء منه النهائي أم المؤقت. وإن استثنى من فرض الخدمة العسكرية على كل مصري من الذكور أتم الثامنة عشرة من عمره، طلبة المعاهدة المعدة لتخريج ضباط للخدمة في الجيش أو في السلاح البحري أو في سلاح الطيران أو في البوليس أو في إحدى المصالح الحكومية ذات النظام العسكري بشرط أن يستمر الطالب في دراسته إلى أن يرقى إلى رتبة ضابط.
ولا وجه لما يتحدى به المدعي من أنه كان قد اكتسب الحق في إعفائه من الملزومية بالخدمة العسكرية لأنه كان تلميذاً بمدرسة الصنايع منذ عام 1944 ثم حصل على شهادتها سنة 1949 وأن سنده في هذا الحق هي أحكام الأمر العالي الصادر سنة 1902 ويكون تطبيق أحكام القانون رقم لسنة 1947 على حالته هو في واقع الأمر – على حد قوله – نفاذاً لهذا القانون الجديد بأثر رجعي وبالتالي منطوياً على المساس بحقه المكتسب من قبل صدوره – وهو ما لا يجوز – لا وجه لذلك؛ لأنه يجب التفريق في هذا الشأن بين الأثر الرجعي والأثر الحال للقانون، فالرجعية هي تطبيق القانون الجديد على مراكز ذاتية تمت في ظل القانون القديم والمدعي ما كان قد اكتسب مثل هذا المركز الذاتي لأنه لم يكن قد بلغ سن الملزومية في ظل الأمر العالي لسنة 1902 وهذه الرجعية لا تكون إلا بنص خاص وتلك قاعدة دستورية نصت عليها المادة من دستور الجمهورية الصادر في يناير سنة 1956، كما تضمنتها المادة من دستور سنة 1923 الملغي. أما الأثر الحال فهو نفاذ القانون الجديد على ما لا يكون قد تم في ظل القانون القديم من مراكز ذاتية. ولا ريب في أن الحوادث التي تقع بعد العمل بالقانون الجديد ينطبق عليها هذا القانون إذ هي قد نشأت تحت سلطانه فيلحقها أثره.
ومن حيث إن القانون الجديد رقم 140 لسنة 1947 وإن كان قد نص في المادة منه على أن مدة الخدمة في الجيش أو في البحرية أو في سلاح الطيران ثلاث سنوات إلا أنه حرص على مجرد تخفيض هذه المدة، دون الإعفاء من الخدمة العسكرية بالنسبة إلى بعض الطلبة. فنصت المادة منه على أنه "تخفض المدة المنصوص عليها في المادة السابقة إلى سنة واحدة بالنسبة إلى الطلبة الآتي ذكرهم: "أولاً – طلبة الكليات في الجامعات المصرية وكذلك أي كلية في مصر أو في الخارج تعتبرها إحدى الجامعات المصرية معادلة لكلياتها. ثانياً – طلبة كليات الجامع الأزهر. ثالثاً – طلبة المدارس العليا والمدارس الأخرى التي تعتبرها وزارة المعارف العمومية معادلة لها. رابعاً – الطلبة الذين قضوا ثلاث سنوات على الأقل في المدارس الثانوية التابعة لوزارة المعارف العمومية، والمدارس الأخرى التي تعتبرها الوزارة المذكورة معادلة لها الأقسام الثانوية بالجامع الأزهر المدارس الخصوصية التي يعينها وزير المعارف العمومية بالاتفاق مع وزير الدفاع الوطني ويسري التخفيض سواء أكان الطالب قد بلغ سن الإلزام بالخدمة العسكرية وهو ملتحق بإحدى الكليات أو المدارس المذكورة أم كان قد بلغها بعد تركها لأي سبب كان. وينظم وزير الدفاع الوطني بقرار منه الطريقة التي يؤدي بها هؤلاء الطلبة الخدمة العسكرية" وفي 18 من يوليه سنة 1948 أصدر السيد وزير المعارف العمومية القرار الوزاري رقم في شأن المدارس التي تعتبر معادلة للمدارس الثانوية التابعة لوزارة المعارف العمومية في تطبيق المادة من القانون رقم لسنة 1947 وجاء بالجدول رقم اسم مدرسة الصناعات الميكانيكية بالقاهرة. وهي المدرسة التي كان المدعي تلميذاً بها منذ عام 1944 حتى تخرج منها سنة 1949 وحصل على شهادتها في ظل هذا القانون الجديد الذي عومل في تجنيده على مقتضاه فأدى الخدمة العسكرية لمدة سنة واحدة بدلاً من ثلاث سنوات.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون تجنيد المدعي لمدة سنة واحدة قد تم صحيحاً وفقاً لأحكام القانون الذي تدخل حال المدعي في مجال تطبيقه وحده. وتكون دعوى المدعي بالمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء تجنيده خطأ، قد قامت على غير أساس سليم من القانون، ويتعين القضاء برفضها. وإذ استجاب الحكم المطعون فيه لطلبات المدعي يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات