الطعن رقم 1170 لسنة 38 ق – جلسة 24 /06 /1968
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثاني – السنة 19 – صـ 765
جلسة 24 من يونيه سنة 1968
برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.
الطعن رقم 1170 لسنة 38 القضائية
أسباب الإباحة. دفاع شرعي. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع. "الإخلال
بحق الدفاع. ما يوفره".
( أ ) حق الدفاع الشرعي عن المال شرع لرد كل فعل يعتبر جريمة من الجرائم الواردة في
باب انتهاك حرمة ملك الغير. المادة 246 عقوبات.
تمسك المتهمين بأنهما إنما لجأ إلى القوة لرد المجني عليهما من أرضهما حين دخلاها عنوة
لمنع انتفاعهما بها. وجوب الرد على هذا الدفاع.
(ب) الالتجاء إلى السلطة العامة للاستعانة بها في المحافظة على الحق. وجوب توفر الظروف
الزمنية وغيرها التي تسمح بالرجوع إلى هذه السلطة قبل وقوع الاعتداء بالفعل.
(ج) تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتخذ وجهة شخصية تراعي
فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان.
(د) قيام حالة الدفاع الشرعي لا يستلزم استمرار المجني عليه في الاعتداء على المتهم
أو حصول اعتداء على النفس بالفعل.
(هـ) كفاية أن يكون الفعل المتخوف منه خطراً حقيقياً في اعتقاد المتهم وتصوره.
1 – أباحت المادة 246 من قانون العقوبات حق الدفاع الشرعي عن المال لرد كل فعل يعتبر
جريمة من الجرائم الواردة في باب انتهاك حرمة ملك الغير. ولما كان الطاعنان قد تمسكا
أمام المحكمة بأنهما إنما لجأ إلى القوة لرد المجني عليهما عن أرضهما حين دخلاها عنوة
لمنع انتفاعهما بها، وكان الحكم قد أشار إلى تحقيق شيخ البلد في هذا الشأن وما أسفر
عنه من حيازة الطاعنين للأرض المتنازع عليها، كما سلم بمعاودة المجني عليهما الدخول
فيها عصراً حيث وقع الحادث، فإنه لا يكفي للرد على هذا الدفاع قول الحكم إن التحقيق
الإداري لا يقطع بحيازة الطاعنين للأرض حيازة فعلية وحقيقية إذ كان لزاماً على المحكمة
أن تبحث فيمن له الحيازة الفعلية على الأرض المتنازع عليها حتى إذا كانت للطاعنين،
وكان المجني عليهما هما اللذان دخلاها بقصد منع حيازة الطاعنين بالقوة فإنهما يكونان
قد ارتكبا الجريمة المنصوص عليها في المادة 369 من قانون العقوبات ويكون للطاعنين الحق
في استعمال القوة اللازمة طبقاً للمادة 246 من ذلك القانون. أما وهي لم تفعل فقد قام
حكمها على خطأ يعيبه.
2 – إمكان الرجوع إلى السلطة العامة للاستعانة بها في المحافظة على الحق لا يصلح على
إطلاقه سبباً لنفي قيام حالة الدفاع الشرعي بل إن الأمر في هذه الحالة يتطلب أن يكون
هناك من ظروف الزمن وغيره ما يسمح بالرجوع إلى هذه السلطة قبل وقوع الاعتداء بالفعل،
والقول بغير ذلك مؤد إلى تعطيل النص الصريح الذي يخول حق الدفاع لرد أفعال التعدي على
المال تعطيلاً تاماً.
3 – إن تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتخذ وجهة شخصية تراعي
فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا تصح معه محاسبته
على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات.
4 – لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يستمر المجني عليه في الاعتداء على المتهم
أو أن يحصل بالفعل اعتداء على النفس، ومن ثم فإن قول الحكم بأن الاعتداء على الطاعنين
لم يكن مستمراً لا يصح سبباً لنفي ما تمسك به الطاعنان من أنهما كانا في حالة دفاع
شرعي عن نفسيها إزاء اعتداء المجني عليهما ثم مطاردتهما ومحاولة اللحاق بهما.
5 – لا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك
في اعتقاد المتهم وفي تصوره، بشرط أن يكون هذا التصور وذلك الاعتقاد مبنياً على أسباب
مقبولة – وهو ما قصر الحكم في استظهاره – مما يعيبه بالقصور في الرد على الدفع بقيام
حالة الدفاع الشرعي عن النفس.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 10/ 5/ 1966 بدائرة مركز إيتاي البارود محافظة البحيرة. المتهم الأول: أحدث عمداً بمحمود عبد العزيز عطا الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الإصابات المذكورة أفضت إلى موته. المتهم الثاني: أحدث عمداً بعبد الرحمن عبد العزيز عطا الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد في العظم المقدمي لرأسه مساحته 3 × 3 سم مما تقدر معه مدى العاهة بنحو 12% اثني عشر في المائة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبة الأول بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات والثاني بالمادة 240/ 1 من القانون ذاته فقرر بذلك وادعى بحق مدني كل من الباشا عبد العزيز عطا – أخ المجني عليه محمود عبد العزيز عطا – بصفته وصياً على أولاد أخيه القصر رجب ومحمد وكريمة وأمال الشهيرة بزينب وعيده محمد حميده هلول زوجته وقمر فرج عقبة والدته وطلبوا القضاء لهم قبل المتهم الأول بمبلغ ألف جنيه، كما ادعى عبد الرحمن عبد العزيز عطا مدنياً بمبلغ 250 ج تعويضاًَ قبل المتهم الثاني. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات. (أولاً) بمعاقبة محمد محمد هلول الجهادي بالسجن لمدة ثلاث سنوات وفي الدعوى المدنية المقامة من الباشا عبد العزيز عطا بصفته وصياً على القصر رجب ومحمد وكريمة وأمال الشهيرة بزينب أولاد المرحوم محمود عبد العزيز عطا وعيده محمد حميدة هلول بصفتها زوجته وقمر فرج عقبه الأم بإلزام محمد محمد هلول الجهادي بأن بدفع إليهم خمسمائة جنيه على سبيل التعويض والمصروفات المدنية المناسبة و500 قرش أتعاباً للمحاماة (ثانياً) بمعاقبة فتحي محمد هلول الجهادي بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وإلزامه أن يدفع إلى عبد الرحمن عبد العزيز عطا مبلغ 150 ج مائة وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض، 500 قرش أتعاباً للمحاماة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض… إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه هو أنه –
إذ دان أولهما بجريمة الضرب المفضي إلى الموت وثانيهما بإحداث عاهة مستديمة – قد فسد
استدلاله وأخطأ في القانون وران عليه القصور، ذلك بأن الطاعنين دفعا بقيام حالة الدفاع
الشرعي عن المال والنفس لرد اعتداء المجني عليهما حين دخلا أرضاً لهما بقصد منع حيازتهما
بالقوة. وهو ما يوفر الجريمة المنصوص عليها في المادة 369 من قانون العقوبات، ورداً
لاعتدائهما عليهما بالضرب الذي خلف بهما إصابات إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع وتساند
في ذلك على أن المجني عليهما دخلا الأرض لحرثها بحجة أنها مؤجرة لهما من مالكها وأن
ما قام به شيخ البلد من تحقيق في هذه الواقعة لا يقطع بأن الأرض كانت في وضع يد الطاعنين
ولا في انحسار حق المجني عليهما في دخولها وإنه كان يتعين على الطاعنين الالتجاء إلى
السلطات ويقول الطاعنان إن هذا الذي ذهب إليه الحكم فضلاً عن مخالفته للقانون فإنه
لا يصلح رداً على دفاعهما وخاصة أنهما كانا قد التجأ إلى السلطات في الصباح فلم يرتدع
المجني عليهما وعاودا دخول الأرض عصراً، كما أن رده على حق الطاعنين في الدفاع عن النفس
جاء معيباً كذلك لأنه على الرغم من تسلم الحكم بمبادرة المجني عليه الأول بالاعتداء
على الطاعن الأول فإنه لم يقبل من هذا الطاعن رد التعدي بدعوى أن المجني عليه لم يكن
سادراً في ضربه، وذلك بالرغم مما حصله الحكم على لسان أحد الشهود من أن المجني عليه
المذكور كان يجري خلف الطاعن الأول الذي هرب خوفاً من بطشه، ويضيف الطاعنان أن رد الحكم
بالنسبة لموقف الطاعن الثاني جاء منطوياً كذلك على منطق غير مفهوم ولا يتفق مع أحكام
القانون. وبذلك يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل واقعة الدعوى ومؤدى الأدلة
التي تساند إليها في قضائه بإدانة الطاعنين، وأثبت ما قال به الطاعنان عن مجريات الحادث
وفحواه أن المجني عليهما كانا قد دخلا في الصباح أرضاً في حيازة الطاعنين فشكياهما
للعمدة يرتدعا وعادا عصراً فدخلاها مرة ثانية فلما أراد الطاعنين إخراجهما منها تعديا
عليهما بالضرب الذي خلف بهما إصابات مما اضطرا معه إلى رد هذا الاعتداء. وبعد أن أورد
الحكم ما تقدم وأثبت إصابات الطاعنين عرض إلى الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس
والمال ورد عليه في قوله. "بجلسة المحاكمة بلسان الدفاع عن المتهمين أثاره القول بأن
المتهمين كانا في حالة دفاع شرعي عن المال وعن النفس يجوز معه رده بالاعتداء وذلك بمقولة
إنه بخصوص الدفاع الشرعي عن المال فإن وضع يد المتهمين على الأرض ثابت من المحضر الذي
قام بتحريره شيخ الناحية بسؤال الجيران والذي أشار إلى أن الأرض في وضع يد المتهمين
وما ورد بالمعاينة من أن المجني عليهما قاما بحرث الأرض وأنه رغم تقديم الشكوى في الصباح
إلى عمدة البلدة من اعتداء المجني عليهما على الأرض الزراعية فإنهما عاودا الاعتداء
ثانية بإجراء الحرث الأمر الذي يجوز معه دفعه ورده بالحق المخول لهما وهو الدفاع الشرعي
عن المال، ولما كان يجاب على هذا الشق من الدفاع بأن المجني عليهما وقد قاما بحرث الأرض
بحجة أنها مؤجرة إليهما من المالك لها والذي تربطه بأحدهما صلة وثيقة أضف إلى ذلك أن
الإجراء الذي قام به شيخ الناحية والمتضمن قوله بسؤال جيران الحقول المجاورة وأنه استخلصه
من أقوالهم بأن الأرض في وضع يد المتهمين بأن هذا لا يقطع وحده بأن الأرض كانت في وضع
اليد الفعلي والحقيقي لكل من المتهمين أو أنه ليس للمجني عليهما أية حقوق تخول لهما
النزول إليها وإجراءات الحرث أضف إلى ذلك أنه كما ورد على لسان المتهمين من قول برؤيتهما
المجني عليهما بالحقل وطلبا منهما الخروج وتركه فكان بوسعهما الالتجاء للسلطات لإقناعهما
بالخروج من الأرض وتركها للمتهمين خاصة وأنه لم تكن هناك من ضرورة ملحة يخشى منها على
سلامة المال أو الإضرار به في التأخير في إخراج المجني عليهما من الأرض الزراعية وهي
كما ورد بالتحقيقات كانت خالية من أي زراعة نامية وأي زراعة نابتة بل كانت عبارة عن
أرض فضاء بها آثار لعملية حرث وهذه لا تضفي على الواقعة وضعاً يجوز معه إيقاع اعتداء
على المجني عليهما بمقولة إنه في سبيل الدفاع عن المال وذلك على وفق الوارد بنص المادة
247 عقوبات التي جرى نصها "وليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون في الوقت
المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العمومية ومن ثم يكون هذا الشق من الدفاع ولا سند
له من القانون ويتعين طرحه جانباً. وحيث إنه بخصوص قول الدفاع بأن المتهمين كانا كلاهما
في حالة دفاع عن النفس يجوز معه استعمال ما يكفي من القوة لرد الاعتداء فإن الثابت
من مطالعة مجرى الواقعة وعلى وفق أقوال المتهمين سوياً وهو قول المتهم فتحي محمد هلول
من أن المجني عليه عبد الرحمن عبد العزيز عطا ابتدأ بالاعتداء عليه بالضرب بفأس أصابته
بجرح رضي بفروة الرأس وأنه دفاعاً عن نفسه اعتدى بالضرب على المعتدي عليه وأحدث به
إصابة رأسه التي تخلف عنها العاهة المستديمة فإن ذلك القول لا يستقيم وضعاً لقيام حالة
الدفاع الشرعي ذلك لأن المجني عليه عبد الرحمن عطا لم يكن بدوره مستمراً في الاعتداء
ومواصلة الضرب حتى يقال بأن المتهم فتحي أراد الدفاع عن نفسه أو أنه كانت هناك مظاهر
ترجح خشية وقوع الاعتداء ذلك لأن الثابت من التحقيقات أن المجني عليه عبد الرحمن عبد
العزيز عطا سقط على الأرض فاقد الحركة على أثر الاعتداء الواقع عليه من يد المتهم فتحي
هلول وبذلك يسقط القول بأن هذا الأخير كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه من اعتداء وقع
أو يخشى وقوعه من المجني عليه عبد الرحمن عبد العزيز وأن ما وقع منه هو رد اعتداء إصابة
من يد ضاربه وهو لا يسوغ له التمسك بحق الدفاع الشرعي لانتفاء مقوماته ولا يقدح في
الأمر وجود تلك الإصابة التي برأسه والواردة بأوراق علاجه لأنها كانت سابقة على ضربه
المجني عليه عبد الرحمن عطا وأما عن إصابة الكتف وهي عبارة عن الكدم بالكتف الأيمن
فهذه لم يرد في أقوال المتهم فتحي أن الذي أحدثها هو عبد الرحمن عطا بل قرر بأنها من
يد المجني عليه محمود عبد العزيز وهو بدوره لا يسوغ له الاعتداء على شخص آخر خلاف الضارب
له والذي كان يرقد بدون حراك إثر الاعتداء الأول. وحيث إنه بخصوص قول الدفاع أن المتهم
محمد محمد هلول كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه وذلك على وفق ما ورد بأقواله بالتحقيق
من رؤيته عبد الرحمن وهو يضرب المتهم فتحي ثم قيام المجني عليه محمود عطا بضربه بالفأس
فقام هو بقذف المجني عليه محمود عطا بفأس كانت بيده فأصابت المجني عليه وأحدثت تلك
الضربة التي أودت بحياته فإن هذا التصوير لا يستقيم والقول بتوافر حالة الدفاع الشرعي
عن نفسه أو نفس زميله المتهم فتحي ذلك لأن المجني عليه الأول عبد الرحمن عبد العزيز
كان قد سقط على الأرض فاقد الحركة فأصبح لا يخشى أمره ثم كان موقف المجني عليه الثاني
محمود عطا الذي اعتدى بالضرب بالفأس فأحدث برأسه تلك الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي
وهي عبارة عن جرح رضي بفروة الرأس وشرخ بالقشرة الخارجية فإن هذه الإصابة جاءت أولاً
ثم قام هو من جانبه برد الاعتداء وضرب المجني عليه محمود عطا ولم يكن هذا الأخير لا
زال مستمراً في ضربه بل كما ورد وصفاً لحالته وعلى لسان هذا المتهم أنه اعتدى عليه
بالضرب بعد وقوع الاعتداء عليه هو وعلى وفق أقواله في التحقيقات "فراح ضاربني بالفأس
في رأسي فأنا دخت من الضربة والفأس بتاعتي كانت في إيدي فرحت حادفها فجت فيه "ثم قوله
"وأنا مكنتش أقصد حاجة بس أنا حدفته بالفأس" وهذه تؤكد أن المجني عليه محمود عطا لم
يكن مستمراً في الاعتداء عليه أو كان في حالة يتخوف معها من مواصلة الاعتداء أو يخشى
سوء العاقبة فقيامه بالاعتداء عليه بالضرب هو في حقيقة الأمر رد الاعتداء ولا يعتبر
من قبيل الدفاع الشرعي عن النفس لانتفاء شرائطه القانونية على الوجه سالف البيان".
وما أورده الحكم فيما تقدم بصدد الرد على الدفاع الشرعي بشقيه غير سديد، ذلك بأن القول
قد أباح في المادة 246 من قانون العقوبات حق الدفاع الشرعي عن المال لرد كل فعل يعتبر
جريمة من الجرائم الواردة في باب انتهاك حرمة ملك الغير. ولما كان الطاعنان قد تمسكا
أمام المحكمة بأنهما إنما لجآ إلى القوة لرد المجني عليهما عن أرضهما حين دخلاها عنوة
لمنع انتفاعهما بها، وكان الحكم قد أشار إلى تحقيق شيخ البلد في هذا الشأن وما أسفر
عنه من حيازة الطاعنين للأرض المتنازع عليها، كما سلم بمعاودة المجني عليهما الدخول
فيها عصراً حيث وقع الحادث، فإنه لا يكفي للرد على هذا الدفاع قول الحكم إن التحقيق
الإداري لا يقطع بحيازة الطاعنين للأرض حيازة فعلية وحقيقية إذ كان لزاماً على المحكمة
أن تبحث فيمن له الحيازة الفعلية على الأرض المتنازع عليها حتى إذا كانت للطاعنين وكان
المجني عليهما هما اللذان دخلاها بقصد منع حيازة الطاعنين بالقوة فإنهما يكونان قد
ارتكبا الجريمة المنصوص عليها في المادة 369 من قانون العقوبات ويكون للطاعنين الحق
في استعمال القوة اللازمة طبقاً للمادة 246 من ذلك القانون، أما وهي لم تفعل فقد قام
حكمها على خطأ يعيبه. ولا يدرأ عن الحكم هذا الخطأ أن يكون قد أشار إلى أنه كان بوسع
الطاعنين الالتجاء إلى السلطات لدفع الاعتداء، ذلك بأن إمكان الرجوع إلى السلطة العامة
للاستعانة بها في المحافظة على الحق لا يصلح على إطلاقه سبباً لنفي قيام حالة الدفاع
الشرعي بل إن الأمر في هذه الحالة يتطلب أن يكون هناك من ظروف الزمن وغيره ما يسمح
بالرجوع إلى هذه السلطة قبل وقوع الاعتداء بالفعل، والقول بغير ذلك مؤد إلى تعطيل النص
الصريح الذي يخول حق الدفاع لرد أفعال التعدي على المال تعطيلاً تاماً. وإذا كان الحكم
لم يلق بالاً للظروف التي أحاطت بالطاعنين حين لم يرتدع المجني عليهما بعد أن لجأ الأولان
إلى السلطات في الصباح بل عادا إلى التعرض من جديد في عصر اليوم ذاته، فإنه يكون قد
قام على نظر يقصر عن حمل قضائه. لما كان ذلك، وكان تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته
أمراً اعتبارياً يجب أن يتخذ وجهة شخصية تراعي فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت
بالمدافع وقت رد العدوان مما لا تصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن
تلك الملابسات. ولما كان الحكم قد سلم بحصول التعدي على الطاعنين تعديا خلف بهما إصابات
أثبتها التقرير الطبي وحصل من أقوال الشاهد محمد ناجي هلول – التي عول عليها في إدانة
الطاعنين – أن المجني عليه الأول كان يطارد الطاعنين بعد هربهما، فإن قول الحكم بأن
الاعتداء على الطاعنين لم يكن مستمراً لا يصلح سبباً لنفي ما تمسك به الطاعنان من أنهما
كانا في حالة دفاع شرعي عن نفسيهما إزاء اعتداء المجني عليهما ثم مطاردتهما ومحاولة
اللحاق بهما، ذلك لأنه لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يستمر المجني عليه في
الاعتداء على المتهم أو أن يحصل بالفعل الاعتداء على النفس بل يكفي أن يكون قد صدر
من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي،
ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك
في اعتقاد المتهم وفي تصوره بشرط أن يكون هذا التصور وذلك الاعتقاد مبنياً على أسباب
مقبولة وهو ما قصر الحكم في استظهاره مما يعيبه بالقصور في الرد على الدفع بقيام حالة
الدفاع الشرعي عن النفس. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب
نقضه والإحالة.
