الطعن رقم 144 لسنة 34 ق – جلسة 20 /04 /1964
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثاني – السنة 15 – صـ 329
جلسة 20 من أبريل سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول.
الطعن رقم 144 لسنة 34 القضائية
( أ ) محكمة الجنايات. إجراءات المحاكمة. ارتباط. دفاع. "الإخلال
بحق الدفاع". مالا يوفره".
لمحكمة الجنايات إذا أحيلت إليها جنحة مرتبطة بجناية ورأت قبل تحقيقها أن لا وجه لهذا
الارتباط أن تفصل الجنحة وتحيلها إلى محكمة الجنح المختصة. تقدير قيام هذا الارتباط
من الأمور الموضوعية التي تخضع لتقدير المحكمة. لا تأثير لذلك على المتهم في دفاعه.
المادة 383 من قانون الاجراءات الجنائية.
(ب) مسئولية جنائية. أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
محكمة الموضوع.
تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي. لمحكمة
الموضوع الفصل فيه بلا معقب عليها. ما دام استدلالها سائغاً.
(ج) نقض. "أسباب الطعن". "مالا يقبل منها".
تعييب التحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة. لا يصلح سبباً للطعن على
الحكم بالنقض.
(د) نقض. "أسباب الطعن". "مالا يقبل منها". دفوع. "الدفع ببطلان التفتيش".
الدفع ببطلان التفتيش. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
1 – تجيز المادة 383 من قانون الإجراءات الجنائية لمحكمة الجنايات إذا أحيلت إليها
جنحة مرتبطة بجناية ورأت قبل تحقيقها أن لا وجه لهذا الارتباط أن تفصل الجنحة وتحيلها
إلى محكمة الجنح المختصة. وارتباط الجنحة بالجناية المحالة إلى محكمة الجنايات أو عدم
ارتباطها من الأمور الموضوعية التي تخضع لتقدير المحكمة. ولا تأثير لذلك على المتهم
في دفاعه ما دام له أن يناقش أمام محكمة الجنايات أدلة الدعوى برمتها بما في ذلك ما
هو متعلق منها بتلك الجنحة.
2 – من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها
متعلق بموضوع الدعوى – لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب عليها ما دام استدلالها سليماً
يؤدي إلى ما انتهى إليه.
3 – تعييب التحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصلح أن يكون سبباً
للطعن على الحكم بالنقض.
4 – من المقرر أنه لا يجوز إثارة بطلان التفتيش أمام محكمة النقض طالما أن المتهم لم
يدفع به أمام محكمة الموضوع.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم 5/ 8/ 1961 بناحية دوره مركز أشمون محافظة المنوفية: المتهم الأول: أولاً – قتل محمود محمد أبو السعود عمداً بأن طعنه بمطواة عدة طعنات قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وثانياً – أحدث عمداً بمحمد علي محمد وعبد المنعم عبد الحليم شريف ودرويش عبد الهادي درويش الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً. والمتهم الثانى: أولاً – شرع في قتل صلاح عبد الله يوسف المتهم الأول عمداً بأن طعنه بمطواة عدة طعنات قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو إسعاف المجني عليه بالعلاج. وثانياً – تعدى على أحد رجال الضبط وهو الشرطي محمد كمال أمين أثناء تأدية وظيفته وبسببها وذلك بأن طعنه بمطواة عندما حاول منعه من الاستمرار في جريمته سالفة الذكر فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً للمواد 234/ 1 و242/ 1 ع من قانون العقوبات للأول و45 و46 و234/ 1 و136 و137/ 1 ع للثانى. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً بتاريخ 10 فبراير سنة 1962 عملاً بمادتي الاتهام بالنسبة إلى المتهم الأول (الطاعن) والمواد 45 و46 و242/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الثاني مع تطبيق المادتين 17 و32 منه بالنسبة إلى المتهمين معاً بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً ومصادرة السلاح المضبوط وبمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة ومصادرة السلاح المضبوط. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض… إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو الإخلال بحق الدفاع، ذلك أن
المحكمة قررت فصل الجناية المسندة إلى الطاعن عن الجنح المسندة إلى باقي المتهمين وأحالتها
إلى محكمة الجنح المختصة دون أن تسمع دفاع الطاعن في هذا الخصوص ولو أنها نظرت تلك
الجنح وسمعت دفاعه لتبين لها أن الحادث عبارة عن مشاجرة بين فريقي الطاعن وفريق المتهمين
في تلك الجنح الذي بدأ العدوان مما كان يتعذر معه إسناد جناية قتل المجني عليه إلى
شخص بعينه فتكون تهمة قتله شائعة بين مجهولين كما أن تحقيق تلك الجنح هو في حد ذاته
تحقيق للركن المادي لجناية القتل لمعرفة إن كان الطاعن قد ارتكبها أو غيره وما إذا
كانت وفاة المجني عليه نتيجة قتل عمد أو ضرب أفضى إلى موت.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه بينما كان عبد المنعم عبد
الحكيم شريف ودرويش عبد الهادي ومحمود محمد أبو السعود (المجني عليه في جناية القتل)
سائرين في طريقهم شاهدوا مهدي عبد الله يوسف ومحمد علي محمد يتشاجران ولما هموا بالتدخل
بينهم أقبل على صوت المشاجرة صلاح عبد الله يوسف المتهم الأول (الطاعن) ومعه أنور محمد
كشك وهجم صلاح عبد الله يوسف على محمد علي محمد، وضربه بمطواة في ظهره ولما أراد درويش
عبد الهادي منعه من مواصلة الاعتداء ضربه هو أيضاً بالمطواة في رقبته، كما ضرب أيضاً
عبد المنعم عبد الحكيم بالمطواة في رقبته. وقد خاف المجني عليه محمود محمد أبو السعود
أن يعتدي عليه المتهم الأول كما اعتدى على غيره. فجرى محاولاً الهرب ولكنه تعثر ووقع
على الأرض ولحق به المتهم الأول صلاح عبد الله يوسف وجثم فوقه وأخذ يطعنه بمطواة عدة
طعنات قاصداً قتله ثم فر هارباً… إلخ". واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال كل
من عبد المنعم عبد الحكيم شريف ودرويش عبد الهادي درويش ومحمد علي محمد وتقرير الصفة
التشريحية. لما كان ذلك، وكانت المادة 383 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز لمحكمة
الجنايات إذا أحيلت إليها جنحة مرتبطة بجناية ورأت قبل تحقيقها أن لا وجه لهذا الارتباط
أن تفصل الجنحة وتحيلها إلى محكمة الجنح المختصة وكان ارتباط الجنحة بالجناية المحالة
إلى محكمة الجنايات أو عدم ارتباطها من الأمور الموضوعية التي تخضع لتقدير المحكمة
ولا تأثير لذلك على المتهم في دفاعه ما دام له أن يناقش أمام محكمة الجنايات أدلة الدعوى
برمتها بما في ذلك ما هو متعلق منها بتلك الجنحة. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم
المطعون فيه أنه حصل دفاع الطاعن عن شيوع التهمة ورد عليه في قوله "إن الحاضر عن المتهم
الأول قال بجلسة المرافعة إن الحادث وليد مشاجرة قامت بين أفراد من أسرة المتهم وآخرين
من أسرة المجني عليه محمود محمد أبو السعود اعتدى فيها كل فريق على الآخر بالضرب وأن
المتهم الأول لم يقصد قتل المجني عليه وإنما كان يدفع عن نفسه الاعتداء وانتهى إلى
أن المحكمة لا تعول على مجرد إنكار المتهم التهمة المسندة إليه إزاء ما أجمع عليه الشهود
من اعتدائه عليهم بالمطواة ومن طعنه المجني عليه محمود محمد أبو السعود عدة طعنات مما
أودت بحياته." وهو رد سائغ يكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها الحكم. لما كان ما تقدم،
فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه يكون في غير محله.
وحيث إن مبنى الأوجه الثاني والثالث والرابع هو القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال
ومخالفة الثابت بالأوراق. فقد تمسك الدفاع عن الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن
نفسه وعن نفس شقيقه بدلالة إصابته في الحادث وأن الفريق الآخر هو الذي بدأ بالعدوان
ولكن الحكم أطرح هذا الدفاع بقوله إن الشهود أجمعوا على أن الطاعن وحده كان حاملاً
سلاحاً نارياً وأنه جرى خلف القتيل حتى تعثر ووقع فجثم فوقه وانهال عليه طعناً بمطواة
وأن ذلك يدل على أنه كان مهاجماً للمجني عليه وهو ما لا أصل له في الأوراق إذ أن الثابت
فيها أن الشاهدين عبد المنعم شريف ودرويش عبد الهادي اختلفا حول وجود المجني عليه في
مكان الحادث وقت وقوعه فقرر أولهما بأن المجني عليه كان موجوداً معهما أما ثانيهما
فقد ذكر في أقواله الأولى أن المجني عليه لم يكن موجوداً ولما واجهته النيابة بأقوال
زميله عدل عن روايته الأولى وصادق الأخير على ما قاله من أن المجني عليه كان موجوداً
معهما وإزاء هذا الخلاف طلبت النيابة من الطبيب الشرعي تحديد موقف الضارب من المضروب
عند حدوث الطعنات التي وجدت بالقتيل ولكنه لم يرد على هذا الطلب ولم تعن المحكمة بتحقيقه
مع أهميته إذ لو ثبت أن هذه الضربات لا تصدر من شخص جاثم فوق المجني عليه لانهارت بذلك
الواقعة المادية التي أسست المحكمة عليها نفي حالة الدفاع الشرعي فإذا أضيف إلى ذلك
أن الطعنات التي أصابت القتيل عامة ولا سيما الطعنة التي أدت إلى وفاته وكان الجرح
الذي أصاب يسار الصدر عبارة عن جرح قطعي مستعرض لبان أنه لا يمكن حدوثه من جان جاثم
فوق المجني عليه ومن ثم يكون الحكم قد نفى حالة الدفاع الشرعي بدليل فاسد كذلك فقد
اعتمد الحكم في الإدانة على دليل باطل هو ضبط مطواة ملوثة بالدماء في غرفة نومه ذلك
لأن من قام بالعثور عليها هو ضابط المباحث الذي فتش منزل الطاعن بدون إذن من النيابة
وفى غيبته كما أن الحكم لم يدلل على نفي حالة الدفاع الشرعي التي تمسك بها الطاعن وذلك
بالنسبة لجنحة الضرب على الرغم من تأثير ذلك على النتيجة التي انتهى إليها.
وحيث إنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة تقدير الدليل فلها أن تأخذ بما تطمئن إليه
من أقوال الشهود في أي مرحلة من مراحل التحقيق وتطرح ما عداه مما لا تطمئن إليه ما
دام تقديرها سائغاً وما دام الطاعن لا يجحد أن ما أسنده الحكم إلى شاهدي الإثبات قد
أدليا به في مرحلة من مراحل التحقيق المختلفة فلا محل لما ينعاه في هذا الصدد. لما
كان ذلك، وكان الحكم إذ عرض إلى حالة الدفاع الشرعي نفاها في قوله "إنه عما دفع به
الحاضر مع المتهم الأول (الطاعن) من أنه لم يقصد قتل المجني عليه وأنه إنما كان في
موقف المدافع عن نفسه. فإن ذلك مردود بما أجمع عليه شهود الحادث في شهادتهم من أن المتهم
الأول، هو وحده الذي كان يحمل سلاحاً وما شهدوا به من أنه جرى خلف المجني عليه حتى
تعثر ووقع وجثم فوقه وانهال عليه طعناً بالمطواة قاصداً قتله حتى أزهق روحه مما يدل
على أن هذا المتهم كان هو المهاجم للمجني عليه وأنه كان يقصد الاعتداء عليه ومن ثم
لا يمكن الأخذ بأنه كان في موقف الدفاع الشرعي". لما كان ما تقدم، وكان من المقرر أن
تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع
الدعوى – لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب عليها ما دام استدلالها سليماً يؤدي إلى
ما انتهى إليه كما هو الحال في الدعوى وكانت المحكمة فضلاً عن أنها لا تلتزم بأن تتبع
الدفاع في كل شبهة يثيرها أو استنتاج يستنتجه وأن ترد عليه على استقلال طالما أن الرد
يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن ما ينعاه الطاعن من عدم
تحقيق النيابة طلب الاستعلام من الطبيب الشرعي عن تحديد موقف الضارب من المضروب إنما
يتجه إلى تعييب التحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة وهو ما لا يصلح أن
يكون سبباً للطعن على الحكم وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب من
المحكمة استيفاء هذا النقض الذي يقول به. ولما كان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع
ببطلان التفتيش الذي أسفر عن ضبط المطواة فلا محل لإثارته أمام محكمة النقض، ولا جدوى
مما يثيره من دعوى القصور في التدليل على نفي حالة الدفاع الشرعي بالنسبة لتهمة الجنحة
بعد أن أنكر الحكم على الطاعن أنه كان في حالة دفاع عن النفس كما تقدم وما دام قد أعمل
في حقه المادة 32 من قانون العقوبات ودانه بالعقوبة ودانه بالعقوبة المقررة للجريمة
الأشد وهي جناية القتل العمد ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن في هذه الأوجه في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
