الطعن رقم 695 لسنة 33 ق – جلسة 21 /01 /1964
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 15 – صـ 77
جلسة 21 من يناير سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، ومحمد صبري، ومحمد محفوظ، وعبد المنعم حمزاوي.
الطعن رقم 695 لسنة 33 القضائية
( أ ) مسئولية مدنية. "مسئولية المتبوع عن أعمال تابعة".
مسئولية المتبوع عن أعمال تابعة. يكفي لتحقيقها: قيام علاقة سببية بين الخطأ ووظيفة
التابع. وأن يثبت أن التابع ما كان يستطيع ارتكاب الخطأ أو ما كان يفكر فيه لولا الوظيفة.
سواء تحقق ذلك عن طريق مجاوزة المتبوع لحدود وظيفته أو عن طريق الإساءة في استعمالها.
وسواء كان خطأ التابع قد أمر به المتبوع أو لم يأمر به، علم به أو لم يعلم. وسواء كان
التابع في ارتكابه للخطأ قد قصد خدمة متبوعة أو جر منفعة لنفسه.
(ب) دعوى مدنية. دعوى جنائية. إجراءات المحاكمة. حكم. "وقف تنفيذه".
خضوع الدعوى المدنية التي ترفع تبعاً لدعوى جنائية في إجراءاتها وطرق الطعن فيها لقواعد
الإجراءات الجنائية. عدم ترتيب هذه القواعد وقف التنفيذ على الطعن في الحكم إلا في
الأحوال المستثناة بنص صريح في القانون.
1 – جرى قضاء محكمة النقض على أنه يكفي لتحقق مسئولية المتبوع على ما يفيده نص الفقرة
الأولى من المادة 174 من القانون المدني، أن تكون هناك علاقة سببية قائمة بين الخطأ
ووظيفة التابع، وأن يثبت أن التابع ما كان يستطيع ارتكاب الخطأ أو ما كان يفكر فيه
لولا الوظيفة، ويستوي أن يتحقق ذلك عن طريق مجاوزة المتبوع لحدود وظيفته، أو عن طريق
الإساءة في استعمال هذه الوظيفة أو عن طريق استغلالها. ويستوي كذلك أن يكون الخطأ التابع
قد أمر به المتبوع أو لم يأمر به علم به أو لم يعلم، كما يستوي أن يكون التابع في ارتكابه
للخطأ المستوجب للمسئولية قد قصد خدمة متبوعة أو جر منفعة لنفسه.
2 – الدعاوى المدنية التي ترفع بطريق التبعية للدعاوى الجنائية تخضع في إجراءاتها وطرق
الطعن فيها لقواعد الإجراءات الجنائية التي لم ترتب وقف التنفيذ على الطعن في الحكم
إلا في الأحوال المستثناة بنص صريح في القانون.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 21 يناير سنة 1962 بدائرة مركز أرمنت محافظة قنا: قتلا منير حليم خليل عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن انتويا قتله وأعدا لهذا الغرض عصا حملها الأول وبلطة حملها الثاني وصارا يترصدان المجني عليه حاملين تلك الأسلحة في المكان الذي اعتاد المرور فيه حتى ظفرا به فضربه عدة ضربات بالعصا وانهال عليه الثاني طعناً بالبلطة في أجزاء عدة من جسمه قاصدين قتله فاحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من السيد مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. وفى أثناء نظر الدعوى ادعى والد المجني عليه بحق مدني قدره عشرة آلاف جنيه قبل المتهمين والإصلاح الزراعي بالتضامن والمصاريف والأتعاب كما ادعت كذلك زوجة المجني عليه بحق مدني قدره عشرة آلاف جنيه قبل المتهمين والإصلاح الزراعي بالتضامن والمصاريف والأتعاب. ومحكمة جنايات قنا قضت حضورياً بتاريخ 15 من مايو سنة 1963 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات: أولاً – بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة. ثانياً – بإلزام المتهمين المذكورين متضامنين وبضمان وتضامن الإصلاح الزراعي، أن يدفعوا للمدعية بالحق المدني زوجة المجني عليه مبلغ خمسة آلاف جنيه مصري على سبيل التعويض مع المصاريف المدنية المناسبة ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. فطعن المتهمان ووزارة الإصلاح الزراعي في هذا الحكم بطريق النقض… إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعنين الأول والثاني وإن قررا بالطعن في الميعاد إلا
أنهما لم يقدما أسباباً فيكون طعنهما غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعنة الثالثة – وزارة الإصلاح الزراعي – "المسئولة عن الحقوق
المدنية" قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفى تأويله حين
قضى بمسئولية الطاعنة "وزارة الإصلاح الزراعي" عن فعل تابعيها، طبقاً للمادة 174/ 1
من القانون المدني اللذين دينا في جناية قتل المجني عليه عمداً مع سبق الإصرار والترصد
مع أن هذه الجريمة لم تقع منهما في أثناء تأدية وظيفتهما أو بسببها – إذ الثابت مما
حصله الحكم أن تابعي الطعنة قتلا المجني عليه بعيداً عن مكان عملهما وفى يوم لم يتوجها
فيه إلى مقر وظيفتهما، وكان ما دفعهما إلى ارتكابها هو رفض المجني عليه أن يرفع أجرهما،
وهو سبب لا يمت إلى الوظيفة بصلة – وانتهت الطاعنة إلى طلب وقف تنفيذ الحكم بالتعويض
المقضي به عليها حتى يفصل في الطعن.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله إنها "تتحصل في أن المتهمين بكري
حسن قاسم الشهير بالأعور ومحمود أحمد دسوقي الطاعنين الأول والثاني" يعملان بالهيئة
العامة للإصلاح الزراعي بأرمنت الحيط بأجر يومي قدره عشرة قروش وقد طلبا من رئيسهما
المباشر في العمل وهو المجني عليه منير حليم خليل المهندس الزراعي بالهيئة العامة للإصلاح
الزراعي بأرمنت الحيط زيادة أجرهما أسوة بزملائهما في العمل إلا أنه لم يجبهما إلى
طلبهما فتوجه المتهم الثاني محمود أحمد دسوقي في يوم الجمعة الموافق 19 من يناير سنة
1962 إلى والد المجني عليه بمنزله إذ أنه يقيم بأرمنت ورجاه في أن يطلب من ابنه المجني
عليه أن يزيد أجره فوعده بذلك، وفى صباح اليوم التالي وهو يوم السبت الموافق 20 يناير
سنة 1962 توجه المتهم الثاني إلى المجني عليه بمكتبه فأنبه على ذهابه لوالده ومحاولته
التوسط في زيادة أجره وأخطره بخصم يوم من راتبه ونقله من مقر عمله القريب من مسكنه
إلى آخر يبعد عنه كثيراً فساء ذلك المتهم الثاني وتقابل في هذا اليوم مع زميله المتهم
الأول الذي يحقد بدوره على المجني عليه لعدم زيادة أجره واتفقا على قتل المجني عليه
وتواعدا على اللقاء لتنفيذ ما انتوياه في صباح اليوم التالي – وفى صباح يوم الحادث
الموافق 21 يناير سنة 1962 لم يذهب المتهم الثاني لعمله بل أعد سلاحه الذي انتوى به
تنفيذ جريمته وهو بلطة حادة وتوجه إلى المتهم الأول الذي كان في انتظاره يحمل عصا غليظة
من الشوم اتخذها بدوره أيضاً سلاحاً لتنفيذ ما عزم عليه وتوجها سوياً إلى طريق زراعي
ضيق تحفه زراعات القصب الكثيفة من الناحيتين وكمنا بجوار شجرة بالطريق في انتظار قدوم
المجني عليه. إذ أنهما يعلمان بحكم عملهما معه أنه لا بد وأن يمر بهذا الطريق بمناسبة
عمله وإذ أبصرا بالمجني عيه قادماً يمتطى دابة وما أن اقترب منهما حتى هبا من مكمنهما
وعاجله المتهم الثاني بأن ضربه بالبلطة على عنقه فسقط المجني عليه من الدابة على الأرض
وانهال عليه المتهمان الأول والثاني يضربانه أولهما بالعصا والثاني بالبلطة قاصدين
من ذلك قتله حتى فارق الحياة فتركاه جثة هامدة وانصرفا وفى طريقهما أعطى المتهم الثاني
البلطة للمتهم الأول لإخفائها فأخذها المتهم الأول وتوغل وسط زراعة القصب حتى وجد نخلة
فأخفى البلطة بين فروعها وعاد لزميله المتهم الثاني ثم افترقا إذ توجه كل منهما لمقر
عمله". وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة مما شهد به الشهود
وما ورد – بالمعاينة وبتقرير الصفة التشريحية ومن اعترافات المتهمين التي أدليا بها
بمحضر تحقيق النيابة وبمحضر جلسة المعارضة في أمر حبسهما – وخلص الحكم من ذلك إلى قوله:
"وحيث إن المحكمة تستخلص من ظروف الواقعة واعتراف المتهمين أنهما وقد أعماهما الحقد
على المجني عليه لعدم زيادة أجرهما ولنقله المتهم الثاني إلى مكان بعيد عن محل مسكنه
اتفقا على قتله إذ تقابلا بمنزل المتهم الأول ودبرا هذا الأمر ثم أعد لذلك عدتهما بأن
أعد المتهم الأول العصا والثاني البلطة واتفقا على اللقاء في يوم الحادث فلم يذهب أيهما
لمكان عمله بل تقابلا صباحاً وتوجها إلى المكان الذي يعلمان بمرور المجني عليه فيه
وكمنا له أسفل شجرة مترصدين قدومه حتى إذا ما ظفرا به انهالا عليه ضرباً بالبلطة والعصا
قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته".
ثم تحدث الحكم عن نية القتل وما استظهره منه في حق المتهمين "المحكوم عليهما" من العناصر
التي ساقها والمؤيدة إلى ما رتبه عليها في قوله "وحيث إن نية القتل لدى المتهمين ظاهرة
ومتوفرة من أنه أساءهما على ما تصورا أن المجني عليه لم يزد أجرهما أسوة بزملائهما
وأنه خصم يوماً من أجر المتهم الثاني ونقله إلى مكان بعيد عن محل سكناه الأمر الذي
ساءه كثيراً فصور لهما تفكيرهما القاصر أنه لا خلاص لهما ولا أمل في زيادة مرتبهما
إلا الخلاص من المجني عليه الذي يقف عقبة في سبيل ذلك على ما ظنا وأعدا لذلك سلاحاً
قاتلاً إذا ما استعمل في الاعتداء وهما البلطة والعصا الغليظة وقد انهالا عليه ضرباً
بالبلطة والعصا على وجهه ورأسه وعنقه بقصد قتله وإزهاق روحه وضرباه في أماكن قاتلة
من جسمه وكررا اعتداءهما للوصول لهذا القصد وهو قتله ولم يتركاه إلا بعد أن تم لهما
تنفيذ قصدهما بإزهاق روحه بل إنهما لم يكفا عن مواصلة الاعتداء عليه بعد أن لفظ أنفاسه
الأخيرة إذ تبين من التقرير الشرعي أن بعض الجروح التي بالمجني عليه أحدثت بعد الوفاة
كل ذلك يقطع في الدلالة على أن المتهمين قصداً قتل المجني عليه عمداً وإزهاق روحه".
كما تحدث عن ظرفي سبق الإصرار والترصد في قوله: "وحيث إن آية سبق إصرار المتهمين على
قتل المجني عليه والترصد له هي أنهما حقدا عليه كما قررا في أقوالهما لعدم زيادة أجرهما
ولنقل المتهم الثاني إلى مكان بعيد عن سكناه وأنه خصم يوماً من راتبه عندما علم أنه
توجه لوالده ليرجوه في زيادة أجره فتقابلا بمنزل المتهم الأول واتفقا على اللقاء في
اليوم التالي لقتل المجني عليه وأعد المتهم الثاني لذلك آلة قاتلة هي البطلة وأعد المتهم
الأول عصا من الشوم ولم يتوجها لعملهما بل ذهبا إلى المكان الذي أيقنا أن المجني عليه
يسير منه واختارا لذلك مكاناً يحيط به زراعات القصب من الجانبين وظلا كذلك مترصدين
المجني عليه يملأهما الحقد وتحفزهما النية التي عزما على تنفيذها وهي قتل المجني عليه
حتى إذا ما ظفرا به عاجلاه بالاعتداء، أما زعمهما بأن المجني عليه سبهما عندما استعطفاه
وبصق على المتهم الثاني وصفعه فهو قول سبق أن بينت المحكمة فساده وعدم الاطمئنان إليه
وذلك – بالإضافة إلى أن المتهمين اعترفا أن أول ضربة ضربها المتهم الثاني للمجني عليه
بالبلطة كانت على رقبته من الخلف من الناحية اليسرى مما يدل على أنهما انتظرا مروره
حتى إذا ما أوشك أن يعطيهما ظهره عاجله المتهم الثاني بالضربة التي أسقطته ثم انهالا
عليه ضرباً" وخاص الحكم بعد ذلك إلى إدانتهما بجريمة قتل المجني عليه عمداً مع سبق
الإصرار والترصد استناداً إلى الأدلة السائغة التي ساقها ثم عرض إلى مسئولية الطاعنة
عن فعل تابعيها المحكوم عليهما فقال "وحيث إنه من الثابت أن المتهمين يعملان بالهيئة
العامة للإصلاح الزراعي ومن ثم فهما تابعان لوزارة الإصلاح الزراعي وإذ كانا قد ارتكبا
جريمتهما التي ترتب عليها الضرر بالمدعيين بالحق المدني "المطعون ضدهما" بسبب تأدية
وظيفتهما فتكون وزارة الإصلاح الزراعي مسئولة أيضاً بدورها عن تعويض هذا الضرر عملاً
بالمادة 174 مدني" – لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم فيما تقدم سديداً في القانون
ذلك لأن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أنه يكفي لتحقق مسئولية المتبوع على ما يفيده
نص الفقرة الأولى من المادة 174 من القانون المدني أن تكون هناك علاقة سببية قائمة
بين الخطأ ووظيفة التابع، وأن يثبت أن التابع ما كان يستطيع ارتكاب الخطأ أو ما كان
يفكر فيه لولا الوظيفة، ويستوي أن يتحقق ذلك عن طريق مجاوزة المتبوع لحدود وظيفته،
أو عن طريق الإساءة في استعمال هذه الوظيفة أو عن طريق استغلالها. ويستوي كذلك أن يكون
خطأ التابع قد أمر به المتبوع أو لم يأمر به أو لم علم به أو لم يعلم، كما يستوي أن
يكون التابع في ارتكابه للخطأ المستوجب للمسئولية قد قصد خدمة متبوعة أو جر منفعة لنفسه
يستوي كل ذلك ما دام التابع لم يكن يستطيع ارتكاب الخطأ لولا الوظيفة. لما كان ذلك،
وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن المحكوم عليهما لم يرتكبا فعلتهما إلا
لأن المجني عليه وهو رئيسهما في العمل لم يقبل زيادة أجرهما وعاقب الثاني منهما بخصم
أجر يوم من راتبه ونقله من عمله القريب من مسكنه إلى عمل آخر يبعد عنه كثيراً لأنه
كان قد وسط والده في أمر زيادة راتبه وأن المحكوم عليهما لما ساءهما ذلك من المجني
عليه عزماً على قتله وتربصا له في الطريق الذي يعلمان بحكم عملهما – أنه سيمر منه –
وكان الحكم قد رتب على ما تقدم مسئولية الطاعنة الثالثة باعتبار أن المحكوم عليهما
تابعان لها وارتكبا جرمهما بسبب وظيفتهما. لما كان ما تقدم، فان الحكم المطعون فيه
يكون قد أصاب في استظهار رابطة السببية بين خطأ المحكوم عليهما باعتبارهما تابعين للطاعنة
الثالثة وبين وظيفتهما لديها واستخلص قيامها استخلاصاً سائغاً ومتفقاً وحكم القانون،
مما يكون معه الطعن على غير أساس متعيناً رفضه. أما بالنسبة إلى ما انتهت إليه الطاعنة
الثالثة من طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بما حكم عليها من تعويض – فإنه
فضلاً عن أنه أضحى غير ذي موضوع بعد الفصل في موضوع الطعن، فأنه مردود بأن الدعاوى
المدنية التي ترفع بطريق التبعية للدعاوى الجنائية تخضع في إجراءاتها وطرق الطعن فيها
لقواعد الإجراءات الجنائية التي لم ترتب وقف التنفيذ على الطعن في الحكم إلا في الأحوال
المستثناة بنص صريح في القانون وليس من بينها ما يندرج على الطعن الراهن – ومن ثم لا
يصح طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لعدم وجود أساس له في القانون .
