الطعن رقم 1412 سنة 25 ق – جلسة 17 /04 /1956
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثاني – السنة 7 – صـ 596
جلسة 17 من إبريل سنة 1956
برياسة السيد وكيل المحكمة مصطفى فاضل، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمد محمد حسنين – المستشارين.
القضية رقم 1412 سنة 25 القضائية
( أ ) مسئولية مدنية. قبض بدون وجه حق. القضاء بالبراءة لعدم العقاب
على هذه الواقعة. عدم انتفاء المسئولية المدنية حتماً في هذه الحالة. جواز أن تكون
الواقعة مكونة لفعل ضار خاطئ مستوجب للمسئولية المدنية.
(ب) دعوى مدنية. اختصاص. حكم صادر بالبراءة في الدعوى الجنائية. دعوى مدنية مرفوعة
تبعاً للدعوى الجنائية ولم تر المحكمة الجنائية أن الفصل في موضوعها يستلزم إجراء تحقيق
خاص تتعطل به الدعوى الجنائية. التزام المحكمة الجنائية بالفصل في موضوع الدعوى المدنية
في الحكم الصادر بالبراءة.
1 – القضاء بالبراءة لعدم العقاب على واقعة القبض بدون وجه حق لا يؤدي حتماً إلى انتفاء
المسئولية المدنية ولا يمنع أن تكون نفس هذه الواقعة فعلاً خاطئاً ضاراً يوجب ملزومية
فاعله بتعويض الضرر.
2 – يتعين على المحكمة الجنائية أن تفصل في موضوع الدعوى المدنية في الحكم الذي أصدرته
بالبراءة في الدعوى الجنائية المتبوعة ما دامت لم تر أن الفصل في التعويضات – موضوع
الدعوى المدنية – كان يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه تعطيل الفصل في الدعوى العمومية.
الوقائع
أقام السيد عبد الرحمن الماريه "المدعي بالحقوق المدنية" دعوى الجنحة
المباشرة رقم 1064 لسنة 1953 أمام محكمة كفر الشيخ الوطنية على كل من الأستاذ أحمد
سليمان محمد مدير الفؤادية سابقاً واليوزباشي مصطفى عبد الستار معاون بوليس مركز كفر
الشيخ اتهمهما فيها بأنهما بدائرة بندر كفر الشيخ الأول أمر بالقبض على الطالب (المدعي
بالحقوق المدنية) بدون وجه حق ودون أن يكون مختصاً بذلك. والثاني قبض على الطالب وأودعه
السجن بدون وجه حق وطلب معاقبتهما بالمادة 280 من قانون العقوبات مع إلزامهما بالتضامن
مع وزير الداخلية بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية بأن يدفعا إليه مبلغ 51 جنيهاً على
سبيل التعويض المؤقت مع المصروفات وأتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت
سماع هذه الدعوى قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة
للمتهمين. أولاً: ببراءة المتهمين من التهمة المسندة إليهما بلا مصروفات. وثانياً:
بإلزامهما مع السيد وزير الداخلية بالتضامن فيما بينهم بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني
مبلغ 51 جنيهاً مع المصروفات المدنية و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف هذا الحكم
كل من المتهم الأول بتوكيل والثاني والأستاذ محمد أنور فؤاد محامي الحكومة نائباً عن
السيد وزير الداخلية. وفي أثناء نظر هذا الاستئناف أمام محكمة كفر الشيخ الابتدائية
دفع المستأنفون بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية والمحكمة المذكورة
بعد أن أتمت سماعه قضت حضورياً. أولاً: برفض الدفع المبدي بعدم اختصاص المحكمة الجنائية
بنظر دعوى التعويض وباختصاصها. وثانياً: بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وبتأييد
الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصاريف ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن
الطاعن الأول في هذا الحكم الأخير بطريق النقض… الخ.
كما طعن فيه أيضاً بطريق النقض الأستاذ سعيد رشدي المحامي بإدارة قضايا الحكومة نائباً
عن السيد وزير الداخلية.
المحكمة
… وحيث إن الطاعن الأول يعيب على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ
في تطبيق القانون وأن أسبابه قد شابها التناقض وفساد الاستدلال والخطأ في الإسناد ذلك
بأن الحكم المطعون فيه اعتبر القبض الصادر من معاون البوليس فعلاً خاطئاً مستوجباً
للمسئولية المدنية مع أنه إنما صدر من موظف مختص بإصداره وفي إحدى الحالات التي يصرح
فيها القانون بالقبض على ذوي الشبهة مما يجعل منه عملاً مشروعاً لا يمكن معه أن يوصف
بأنه انحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي ومع أن الحكم قد سلم بأن الطاعن لم يوعز
إلى سكرتير المجلس البلدي بتقديم شكواه التي تقرر فيها بالقبض على المدعي بالحق المدني
وأنه على فرض وجود خصومة بين الطاعن وبين المدعي بالحق المدني فلم يكن يسع الطاعن إذا
ما قدمت إليه شكوى إلا أن يأمر بتحقيقها وانتهى إلى أن الطاعن ومعاون البوليس فيما
وقع منهما من الأمر بالقبض على المدعي المدني لم يخالفا قانون العقوبات فيما أمر به
أو نهى عنه مع ما سلم به الحكم من ذلك فإنه ذهب إلى أن القبض تتوافر معه المسئولية
المدنية بمقولة إنه تم في غير حالة التلبس وعلى أساس اتهام ليس عليه من دليل سوى أقوال
المبلغ التي يتطرق إليها الشك والتي تستند إلى حديث تليفوني يدق فيه أمر تمييز الأصوات
وأن المدعي المدني عضو بالمجلس البلدي وله صفته العامة وأن ذلك كله يفيد أن الاتهام
كان بلا دليل وهذه الأسباب لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم لأن المادة
34 إجراءات لا تشترط للقبض قيام حالة التلبس وهي تجيزه في حالة التعدي الشديد ولأن
تقدير موجبات القبض يرجع فيه لرجل الضبطية القضائية كما أن عضوية المجلس البلدي لا
تضفي على صاحبها حصانة ضد القبض – وينعي الطاعن على الحكم أنه رد على ما دفع به معاون
البوليس من أنه إنما استعمل حقاً يحميه القانون فلا يسأل عما يسببه استعمال هذا الحق
من ضرر بقوله إن استعمال الحق قد يلابسه الخطأ بالمعنى السابق بيانه وقد يتخذ الحق
وسيلة للكيد أو أداة لإيقاع الضرر بالغير، وقال الحكم ذلك مع أنه نفى عن الطاعن الذي
اعتبر شريكاً لمعاون البوليس مظنة الرغبة في الكيد أو إيقاع الضرر بالمدعي المدني مما
يشوب الأسباب بالتناقض، كما أخذ الحكم مما أشر به الطاعن على الشكوى من ندبه "لليوزباشي
مصطفى عبد الستار للتحقيق والعرض وإجراء اللازم قانوناً" دليلاً على أن هذه الإشارة
تضمنت أمراً ضمنياً بالقبض على المدعي وهو ما فهمه منها اليوزباشي نفسه وإذ انتهى الحكم
إلى ذلك يكون قد حمل هذه الإشارة فوق ما تحمل ولا يغير من ذلك أن الضابط قد فهمها على
هذا الوجه إذ لا سبيل إلى تحميل الطاعن مسئولية هذا الفهم وخاصة مع ما صرح به الضابط
من أن تصرفه لم يكن بوحي من أحد وأخيراً قال الحكم المطعون فيه إن الحكم الابتدائي
صحيح لأسبابه وللأسباب الأخرى التي بني عليها فيما لا يتعارض مع هذا الحكم ومع أن من
بين الأسباب التي لا تتعارض مع أسباب الحكم المطعون فيه ما أورده الحكم الابتدائي من
أن "معاون البوليس كان أداة طيعة في يد المتهم الأول (الطاعن) بوصفه رئيساً له بأن
نفذ أمره الصادر إليه تليفونياً بإلغاء القبض على المدعي" ومع أن أحداً لم يقل بأن
الطاعن أصدر أمراً تليفونياً بالقبض على المدعي المدني فتكون هذه الواقعة بغير سند
مما يعتبر خطأ في الإسناد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن نفى عن واقعة القبض صبغة الجريمة لما ذهب إليه من
أن مخالفة ما لما يأمر به قانون العقوبات أو لما ينهي عنه لم تقع إبان أن الجريمة المدعاة
لم يكن متلبساً بها وأنه لم يكن من دليل عليها سوى أقوال المبلغ التي يتطرق إليها الشك
من كل جانب وخاصة إذا ما لوحظ أنه قيل بوقوع التعدي في حديث تليفوني قد يدق فيه أمر
تمييز الأصوات فضلاً عن أن المتهم عضو بالمجلس البلدي له صفته العامة ومركزه الأدبي،
ثم أثبت الحكم على لسان المحقق في تبرير سبب الإفراج عن المتهم "المدعي المدني" بعد
القبض عليه أن الأدلة لم تكن متوافرة قبله وأنه عضو بالمجلس البلدي وخلص من ذلك إلى
أن هذا القبض قد انطوى على خطأ مما يتحقق به الخروج عن مقتضى العقل والحرص المفروضين
في رجل ذي بصر بالعواقب وقال إنه لا يغير من ذلك ما دافع به الطاعن من أنه جرى على
القبض في مثل هذه الحالة لأن العبرة في الخطأ لا تقاس بالمعيار الشخصي وإنما تؤخذ بالقياس
إلى أعمال الرجل العاقل الحازم المتبصر ولا يغير من ذلك أيضاً ما يقوله المحقق من أنه
إنما استعمل حقاً يحميه القانون لأن استعمال الحق قد يلابسه الخطأ بالمعنى السابق ومتى
كان هذا الخطأ قد ثبت في حق الضابط الذي أمر بالقبض فهو ثابت كذلك في حق رئيسه وشريكه
في الفعل "الطاعن الأول" وكان مما أورده الحكم تدليلاً على هذا الاشتراك أن ما أشر
به المدير على البلاغ من ندب الضابط للتحقيق والعرض واتخاذ اللازم قانوناً يحمل معنى
الأمر الضمني بالقبض على المدعي وهو عين ما فهمه المحقق وصرح به وأنه بعد أن أشر بذلك
غادر محل عمله إلى مكان لم يعلم حتى لا يسهل الاتصال به وأنه كشف لمن سعوا لديه بغية
الإفراج عن المدعي عما اتجهت إليه نيته من حبسه وأن الإفراج لم يتم إلا بتدخل نقيب
المحامين لديه – لما كان ذلك وكان ما خلص إليه الحكم من عدم قيام المسئولية الجنائية
– مهما تكن الأسباب التي استند إليها والنتيجة التي انتهى إليها في ذلك – فإن القضاء
بالبراءة لعدم العقاب على هذه الواقعة لا يؤدي حتماً إلى انتفاء المسئولية المدنية
ولا يمنع أن تكون نفس هذه الواقعة فعلاً خاطئاً ضاراً يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر
ولما كان الحكم قد أثبت أن الطاعن أتى فعلاً خاطئاً ضاراً توفرت مقوماته بالانحراف
عن السلوك المألوف للشخص العادي فإنه يكون قد أصاب فيما قضى به من تعويض. لما كان ما
تقدم وكان ما رد به الحكم على دفاع الضابط بأنه استعمل حقاً يحميه القانون فلا تصح
مساءلته عما يسببه استعمال هذا الحق من ضرر ما رد به الحكم على ذلك بقوله إن استعمال
الحق قد يلابسه الخطأ بالمعنى السابق بيانه وأن الحق قد يتخذ وسيلة للكيد أو أداة لإيقاع
الضرر بالغير مع أن الحكم سبق أن نفى عن الطاعن مظنة الرغبة بالكيد أو إيقاع الضرر
بالمدعي – ما ذكره الحكم من ذلك إنما هو مجرد استطراد لم يقصد به نقض ما سبق إثباته
ولم يرد به أنه يخرج عما التزمه من حدود وقد انحصر الرد على هذا الدفاع كما يبين من
السياق فيما ذكره الحكم من أن استعمال الحق قد يلابسه الخطأ على الوجه الذي سبق بيانه
مما لا محل معه للقول بتناقض الأسباب ولما كان ما أورده الحكم من أن إشارة الطاعن الأول
بندب الضابط للتحقيق والعرض تتضمن أمراً ضمنياً بالقبض ليس مما ينبو عن الفهم الصحيح
بحيث تتعذر الملاءمة بينهما إذا ما قيس بظروف الواقعة وبما ساقه الحكم من قرائن على
اشتراك الطاعن فيها ومتى لوحظ أن المدير وهو رئيس إداري قد أشر بالتحقيق والعرض فقد
أراد أن يكون العرض عليه لا على النيابة صاحبة الاختصاص فكان خليقاً بالمحقق أن يفهم
أن هذه الإشارة إنما أريد بها عرض المتهم مع المحضر على الطاعن فأشر بهذا المعنى في
نهاية محضره وصرح به في أقواله وكان سائغاً من الحكم أن يشاطره هذا الفهم لما كان ذلك
وكان الحكم المطعون فيه قد أورد أدلة على اشتراك الطاعن في الواقعة وليس منها ما جاء
بالحكم المستأنف من أن الطاعن أصدر أمراً تليفونياً بالقبض على المدعي وكان الحكم المطعون
فيه قد نص على أن الحكم المستأنف صحيح لهذه الأسباب وللأسباب الأخرى التي بني عليها
فيما لا يتعارض مع هذا الحكم فإن هذا يدل على أن الحكم المطعون فيه إن لم يكن قد أطرح
دعوى الأمر التليفوني بالقبض فلا أقل من أنه لم يتخذ منها دليلاً ولم يعول عليها فيما
انتهى إليه من نتيجة مما لا محل معه للقول بوجود خطأ في الإسناد، لما كان كل ما تقدم
فإن طعن الطاعن الأول يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن الطاعن الثاني يأخذ على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون حين قضى
برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بالفصل في الدعوى المدنية بعد الحكم فيها
بالبراءة مؤسساً قضاءه على أن نص المادة 309 إجراءات نص عام يستوي فيه أن يصدر الحكم
في الدعوى الجنائية بالإدانة أو بالبراءة ومستنداً إلى حكم أصدرته محكمة النقض مؤداه
عدم جواز الحكم بعدم الاختصاص مع البراءة والصحيح أن يقضي في موضوع الدعوى أو أن تحيلها
إلى المحكمة المختصة وهذا الذي انتهى إليه الحكم خطأ كما يقول الطاعن بالنظر إلى أن
اختصاص المحاكم الجنائية بالفصل في الدعوى المدنية هو اختصاص استثنائي علته وحدة المصدر
بين الدعويين الجنائية المدنية بحيث إذا لم يثبت وقوع الجريمة ونسبتها إلى المتهم وأن
التعويض المطالب به إنما هو عن نفس الفعل فإنه يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى أو عدم
الاختصاص بنظرها كما أنه ليس في نص المادة 309 إجراءات ما يحول دون الحكم بعدم الاختصاص
في الأحوال التي لا تتوافر فيها شبهة الجريمة هذا إلى أن قانون تحقيق الجنايات كان
يجيز للمحاكم أن تفصل في الدعوى المدنية رغم الحكم في الدعوى الجنائية بالبراءة لأن
الفعل غير معاقب عليه أو لسقوط الدعوى العمومية قبل رفعها وقد أغفل قانون الإجراءات
الجنائية النص على ذلك بقصد تضييق اختصاص المحاكم الجنائية في المسائل المدنية بحيث
أصبح الاستثناء قاصراً على تعويض المتهم في الحالة المنصوص عليها في "المادة 267 إجراءات"
وفي حالة سقوط الدعوى العمومية بعد رفعها وفقاً "للمادة 259 إجراءات" وأخيراً فإنه
لا يحق للمحكمة الجنائية أن تقضي بالتعويض في حالة الحكم بالبراءة إلا في الدعوى التي
التبست حقيقتها فاشتبهت فيها الجريمة ولم تتميز ولم يظهر وجه الحق فيها إلا بعد المرافعة
وكذلك في حالة ما إذا أحيلت عليها الدعوى بقرار من قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام لانتفاء
شبهة العبث وإذ كانت الجريمة قد انعدمت في هذه الدعوى فقد أصبح الأمر متعلقاً بدعوى
مدنية بحتة مبناها الخطأ وسوء استعمال الحق أو التعسف في استعماله مما لا يتصور معه
إمكان الفصل في هذه الدعوى مستقلة عن الفعل الجنائي هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد
نفى المسئولية الجنائية ثم عاد فتناقض ونسب إلى الطاعن الأول والضابط سوء استعمال الحق
بقصد تحقيق مصالح غير مشروعة كما نسب إليهما في قول آخر فعلاً خاطئاً بمقولة إن الخطأ
مهما قل مستوجب للمسئولية على أن ما ذهب إليه الحكم من التفرقة بين أحوال الخطأ الموجب
للمسئولية الجنائية وذلك الموجب للمسئولية المدنية فيه خطأ في القانون وربما كان الأقرب
إلى الصواب الأخذ بوحدة الخطأ مما لا يتصور معه انتفاء وصف الخطأ الجنائي عن فعل معين
وبقاء وصف الخطأ المدني عالقاً به وإذا كان الحكم قد نفى الجريمة فمعنى ذلك أن القبض
قد تم في حدود السلطة المخولة في القانون بينما أن سوء استعمال الحق معناه قيام الجريمة
وتوفر أركانها مما يعيب الحكم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه برفض الدفع بعدم الاختصاص على نص المادة 309 إجراءات
وعلى أن إغفال قانون الإجراءات الجنائية النص على ما يقابل أحكام المادتين 147، 282
من قانون تحقيق الجنايات لا يؤثر في مدلول المادة 309 إجراءات سالفة الذكر لما كان
ذلك وكانت هذه المادة تنص في صراحة على أن كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب
أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية أو المتهم وذلك ما لم تر
المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل
في الدعوى الجنائية فعندئذ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف ولما
كان القضاء بالبراءة هو حكم صادر في موضوع الدعوى الجنائية في مدلول هذه المادة وكان
ما تضمنه نصها من أن المحكمة الجنائية تفصل في التعويضات التي يطلبها "المدعي بالحقوق
المدنية أو المتهم" لا يتفق مع ما ذهب إليه الطاعن من أن اختصاص المحاكم الجنائية بالفصل
في المسائل المدنية عند الحكم بالبراءة محدود في ظل قانون الإجراءات الجنائية في نطاق
المادتين 259 و267 منه لما كان كل ذلك فإنه كان متعيناً على المحكمة أن تفصل في موضوع
الدعوى المدنية في الحكم الذي أصدرته بالبراءة في الدعوى الجنائية ما دامت لم تر أن
الفصل في التعويضات كان يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه تعطيل الفصل في الدعوى العمومية.
لما كان ما تقدم وكانت الدعوى قد رفعت على وجهها الصحيح ولم يتميز وجه الحق في الدعوى
الجنائية المتبوعة إلا بعد المرافعة ولما كان الفعل قد ثبت وقوعه ونسبته للطاعن وكان
التعويض المطالب به إنما هو عن الضرر الناتج عن نفس هذا الفعل الخاطئ فإن الحكم يكون
قد أصاب برفضه الدفع بعدم اختصاص المحكمة بالفصل في الدعوى المدنية هذا ولما كان ما
قيل من خطأ الحكم في تطبيق القانون قد سبق الرد عليه عند تناول طعن الطاعن الأول بالرد
بما يفيد سلامة ما انتهى إليه الحكم في ذلك لما كان كل ما تقدم فإن هذا الطعن يكون
على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
