الطعن رقم 47 سنة 26 ق – جلسة 19 /03 /1956
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 7 – صـ 390
جلسة 19 من مارس سنة 1956
برياسة السيد مصطفى فاضل – وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل ومحمد محمد حسنين، وفهيم يسى الجندي – المستشارين.
القضية رقم 47 سنة 26 القضائية
حكم. تسبيبه بوجه عام. قضاء المحكمة الاستئنافية بالبراءة. متى
يكون سليماً؟
يكفي لسلامة الحكم الاستئنافي بالبراءة أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم
وأن يتضمن ما يدل على عدم اقتناعها بالإدانة السابق القضاء بها ما دام الظاهر من الحكم
أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة صالح عبده بأنه: تسبب من غير قصد ولا تعمد
في قتل محمد ناجي سيد أحمد وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم تحرزه بأن قاد تراماً ولم
يقفه عند مرور عربة على الشريط فاحتك بها السلم وسقط منه المجني عليه تحت العجلات فأصيب
بما هو مبين بالمحضر مما أدى إلى وفاته. وطلبت عقابه بالمادة 238 من قانون العقوبات.
وقد ادعى سيد أحمد الحارثي والد المجني عليه بحق مدني قدره 5000 جنيه على سبيل التعويض
قبل المتهم ومدير شركة ترام القاهرة بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية بالتضامن ومحكمة
الأزبكية الجزئية بعد أن أتمت سماع هذه الدعوى قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس
المتهم شهراً واحداً مع الشغل وكفالة 200 قرش لوقف التنفيذ وألزمته بأن يدفع متضامناً
مع المسئول بالحقوق المدنية مدير شركة ترام القاهرة للمدعي بالحق المدني سيد أحمد الحارثي
بصفته والد المجني عليه مبلغ خمسمائة جنيه مصري كتعويض والمصروفات المدنية المناسبة
ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف المتهم هذا
الحكم في 12 مارس سنة 1955 كما استأنفه المدعي بالحقوق المدنية في 16 من الشهر المذكور
وقيد هذا الاستئناف برقم 1946 سنة 1955. ومحكمة مصر الابتدائية بعد أن أتمت سماعه قضت
حضورياً بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم ورفض الدعوى
المدنية وإلزام المدعي المدني بالمصروفات المدنية عن الدرجتين وبلا مصروفات جنائية.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض… الخ.
المحكمة
… وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في الإسناد
وخالف القانون وشاب أسبابه الغموض والاضطراب ذلك بأنه أورد مؤدي أقوال الشهود بما يتغاير
ومضمونها الثابت في الأوراق في نقطة جوهرية هي أن الحكم استخلص من أقوالهم أن عربة
النقل مرت بتمامها أمام الترام عندما بدأ الترام في السير مع أنهم قرروا في محضر ضبط
الواقعة أن العربة لم تكن قد مرت بتمامها وقت أن استأنف الترام سيره وقد بني الحكم
الابتدائي على ثبوت هذه المخالفة في حق المتهم – وكان الأمر يقتضي من محكمة ثاني درجة.
وهي تقضي بإلغاء الحكم المستأنف أن ترد على ذلك ولكنها اكتفت بأن تنقل من أقوال الشهود
ما يفيد أن العربة مرت دون إشارة إلى أن مرورها كان كاملاً – ثم أن الدفاع عن الطاعن
طلب أمام محكمة ثاني درجة استبعاد الرسم الكروكي لمحل الحادث لعدم إثباته الانحناء
في شريط الترام الذي أثبته محضر المعاينة التي أجرتها محكمة أول درجة ولكن المحكمة
الاستئنافية اتخذت من هذا الرسم أساساً لقضائها بالبراءة وأخطأ خطأ ملحوظاً في خصوص
المكان الذي حسبت أن الحادث وقع فيه بقولها "إنه بالرجوع إلى محضر المعاينة ثبت أن
بروز الترام ينتهي قبل المحطة بنحو 17 متراً مع مخالفة ذلك لما هو ثابت بالأوراق –
هذا وقد شاب الحكم غموض واضطراب في أسبابه إذ استند في قضائه بالبراءة ورفض الدعوى
المدنية إلى أقوال كل من العسكري يوسف حلمي والمهندس محمد إبراهيم بالجلسة من أن الحصان
الذي كان يجر العربة قد جفل ورجع إلى الخلف فكانت الحادثة مع مخالفة ذلك لأقوالهما
بالتحقيقات الأولى – وقد قال الطاعن إن أقوالهما ملفقة ثم إن المحكمة أدمجت أقوالهما
في التحقيق مع أقوالهما في الجلسة مع ما بينهما من خلاف ملحوظ بحيث لو فطنت إلى ذلك
لما انتهت إلى الحكم بالبراءة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء الحكم الصادر من محكمة أول درجة ورفض الدعوى
المدنية – قد أورد أقوال الشهود في محضر ضبط الواقعة – وفي تحقيق النيابة وأمام محكمة
أول درجة وما أسفرت عنها المعاينة التي أجراها المحقق والمعاينة التي قامت بها محكمة
أول درجة وقال "ثبت من المعاينة التي أجرتها محكمة أول درجة عند انتقالها إلى مكان
الحادث أن انحناء شريط الترام عند دخوله بشارع كامل صدقي والذي ينجم عنه بروز الترام
بدأ بعيداً عن محطة الترام بحوالي خمسة وثلاثين متراً وينتهي قبل محطة الترام بحوالي
سبعة عشر متراً مما لا يستقيم معه القول بأن الحادث وقع نتيجة لعدم وقوف المتهم بالترام
تماماً حتى تمر العربة الكارو إذ الثابت من المعاينة ومن أقوال الشهود جميعاً أن العربة
الكارو عدت شريط الترام ومرت من أمام الترام دون أن يصطدم بها وإنما الاصطدام حدث بعد
أن انحرف الحوذي بعربته يساراً واصطدم بعربة الترام الملحقة بالقاطرة والتي كان يقف
على سلمها المجني عليه كما ثبت ذلك من أقوال الشهود ومن وجود كسر بسلم هذه العربة وأن
ما أسفرت عنه المعاينة التي أجرتها محكمة أول درجة من انحناء شريط الترام ينتهي قبل
مكان الحادث يدحض تصوير المدعي بالحق المدني للحادث من أن اصطدام العربة الكارو بالعربة
الخلفية للترام كانت نتيجة لبروزها عن القاطرة بسبب انحناء قضيب الترام. وحيث إنه يبين
مما تقدم أن ليس ثمة خطأ يمكن نسبته إلى المتهم نشأ عنه الحادث". لما كان ذلك – وكان
الحكم قد أورد مؤدي أقوال الشهود في كافة مراحل الدعوى وكان يبين من محضر جلسة محكمة
أول درجة أن ما جاء بأقوال الشاهدين العسكري يوسف حلمي والمهندس محمد إبراهيم مطابق
تماماً لما أورده الحكم المطعون فيه – وكان للمحكمة أن تكون عقيدتها في الدعوى من أي
دليل تطمئن إليه وأن تأخذ أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى وتلتفت عن قوله
في غيرها كما أن لها أن تأخذ ببعض قوله في مرحلة بعينها وتطرح ما عداه – إذ مرجع الأمر
في ذلك إليها وحدها. دون أن تكون ملزمة ببيان العلة في ذلك. وقد اطمأنت المحكمة إلى
المعاينة التي أجراها المحقق وإلى المعاينة التي أجرتها محكمة أول درجة فاستندت إليهما
في حكمها ولم تستند إلى الرسم الكروكي – على خلاف ما يدعيه الطاعن في طعنه – لما كان
ذلك وكان يكفي لسلامة الحكم بالبراءة أن تشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم
وأن يتضمن ما يدل على عدم اقتناعها بالإدانة السابق القضاء بها – ما دام الظاهر من
الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
