الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1443 لسنة 2 ق – جلسة 10 /11 /1956 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية – العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) – صـ 69


جلسة 10 من نوفمبر سنة 1956

برياسة السيد/ السيد علي السيد – رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل – المستشارين.

القضية رقم 1443 لسنة 2 القضائية

( أ ) ترقية – المناط في الترقية بالاختيار – كانت الأقدمية هي مناط المفاضلة بين المشتركين في الحصول على درجة جيد، ثم أصبح المناط هو ترتيب درجات الكفاية وحدها وقوامها الأرقام الحسابية – المادة 40 من قانون نظام موظفي الدولة قبل وبعد تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953.
(ب) ترقية – مناط المفاضلة عند الترقية بالاختيار هو رجحان الكفاية – تقرير ذلك من إطلاقات الإدارة التي لا يحدها إلا عيب إساءة استعمال السلطة.
(جـ) رقابة القضاء الإداري – خروج الإدارة على الأسس أو الضوابط المحددة للمفاضلة بين المرشحين للترقية بالاختيار – مخالفة قرارها للقانون – سلطة القضاء في الرقابة على السبب الذي أدى إلى إصدار القرار من حيث قيام هذا السبب وصحته ومطابقته للقانون – تقدير أهمية السبب، وخطورته، من إطلاقات الإدارة.
(د) ترقية – نص المشرع على أن العبرة في الترقية بالاختيار بترتيب درجات الكفاية – أدنى فرق في الرقم الحسابي لهذه الدرجات مهما كان ضئيلاً يكون عنصراً حاسماً للترجيح.
(هـ) موظف – تقدير كفايته – تقديرات الرئيس المباشر أو المدير المحلي أو رئيس المصلحة أو لجنة شئون الموظفين لا رقابة للقضاء عليها لتعلقها بصميم اختصاص الإدارة الذي ليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها فيه.
1- إن الفقرة الثانية من المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة كانت تنص على أنه "أما النسبة المخصصة للترقية بالاختيار فلا يرقى إليها إلا الحائزون على درجة جيد في العامين الأخريين من مدة وجودهم في الدرجة التي يرقون منها وتكون ترقيتهم أيضاً بالأقدمية فيما بينهم"، ثم عدلت بالقانون رقم 579 لسنة 1953 الصادر في 30 في نوفمبر سنة 1953 فأصبح نصهاً "أما النسبة المخصصة للترقية بالاختيار فتكون الترقية إليها حسب ترتيب درجات الكفاية في العامين الأخريين". ويخلص مما تقدم – ومما ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون الأخير – أن المشرع كان يأخذ في بادئ الأمر، في مجال الترقية بالاختيار، بمعيار تقديري فضفاض غير منضبط الحدود؛ إذ يتسع نطاق درجة "جيد" التي اتخذها أساساً لهذا المعيار لأن تنطوي فيها عدة مراتب متدرجة تتفاوت فيما بينها وإن انتظمتها جميعاً هذه الصفة؛ ومن أجل هذا الاعتبار جعل الأقدمية هي مناط المفاضلة بين المشتركين في الحصول على درجة جيد. ثم رأى أن الأرقام الحسابية أكثر دقة في تحديد درجة الكفاية، وأدنى إلى إحكام التقدير في شتى عناصره من سلوك ومواظبة واجتهاد وما إلى ذلك، وأبلغ في تيسير المفاضلة عندما يدق التمييز، وأهدى سبيلاً في الترجيح، فعدل عن المعيار الأول وأطرح الاعتداد بالأقدمية وعول على ترتيب درجات الكفاية وحدها وقوامها أرقام حسابية حاسمة الدلالة، ومتى حدد المشرع ضابط المفاضلة بين المرشحين للترقية في النسبة المخصصة للترقية بالاختيار على هذا النحو من الوضوح فلا مجال للاجتهاد والتأويل خروجاً على النص الصريح.
2- إن مناط المفاضلة عند الترقية بالاختيار هو رجحان الكفاية، وتقرير ذلك ملاءمة تقديرية ترجع إلى مطلق اختصاص الإدارة بحسب ما تراه محققاً لصالح العمل، ولا يحدها إلا عيب إساءة استعمال السلطة إذا قام الدليل عليه، فإذا برأت من هذا العيب فلا سلطان للقضاء على تقدير الإدارة في هذا الشأن، ولا تدخل له في وزن هذه المفاضلة أو الحكم عليها، وإلا جاوز حدود سلطته.
3- إذا رسم المشرع ضوابط محددة ووضع أسساً معلومة للمفاضلة بين المرشحين للترقية بالاختيار فإن الانحراف عن هذه الضوابط والأسس يصم القرار بعيب مخالفة القانون، ويسيغ للقضاء تسليط رقابته على السبب الذي أدى إلى إصدار القرار من حيث قيام هذا السبب وصحته ومطابقته للقانون، أما تقدير أهمية السبب وخطورته فمن إطلاقات الإدارة المتروكة لمحض تقديرها واقتناعها حسبما تستقر عليه عقيدتها.
4- إذا جعل المشرع العبرة في الترقية بالاختيار بترتيب درجات الكفاية فإن أي فرق في الرقم الحسابي لهذه الدرجات أياً كان مبلغه يكون عنصراً حاسماً للترجيح.
5- إذا كان الثابت من الأوراق أن ترقية الأحدث بالاختيار للكفاية قد تمت بالقرار المطعون فيه في ظل سريان القانون رقم 579 لسنة 1953، وأنه حصل على مائة درجة في كل من العامين الأخيرين، بينما لم يحصل الأقدم إلا على 94 درجة و95 على التوالي، بحسب النتيجة العامة النهائية وعلى أساس التقديرات التي تمت سواء من الرئيس المباشر أو المدير المحلي أو رئيس المصلحة أو لجنة شئون الموظفين، وهي تقديرات لا رقابة للقضاء عليها ولا سبيل له إلى مناقشتها لتعلقها بصميم اختصاص الإدارة الذي ليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها فيه، فإنه لما كان ثمة فارق فعلي في الدرجات المقدرة ينهض عنصراً مرجحاً لكفة المطعون في ترقيته على زميله في مجال الاختيار للترقية على أساس الكفاية كما أثبتت ذلك في محضرها بحق لجنة شئون الموظفين صاحبة الاختصاص في التعقيب نهائياً على تقديرات الرؤساء المحليين طبقاً لنص المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951، فإن قيام هذا الفارق يشهد بصحة التطبيق القانوني وينفي إساءة استعمال السلطة.


إجراءات الطعن

في 9 من مايو سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 15 من مارس سنة 1956 في الدعوى رقم 8495 لسنة 8 القضائية المقامة من الدكتور فهيم ميخائيل مينا ضد وزارة الزراعة ومصلحة الطب البيطري، القاضي: "بإلغاء قرار وزير الزراعة رقم 810 بتاريخ 18 من إبريل سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة الفنية، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الزراعة ومصلحة الطب البيطري في 14 من يوليه سنة 1956 وإلى المطعون عليه في 26 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 20 من أكتوبر سنة 1956، وأبلغ الطرفان في 11 من سبتمبر سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، وبالجلسة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 8495 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزارة الزراعة ومصلحة الطب البيطري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 9 من يونيه سنة 1954 ذكر فيها أنه يشغل وظيفة مفتش بيطري بمصلحة الطب البيطري بوزارة الزراعة، وأن مبدأ تعيينه الفرضي في الدرجة السادسة الفنية هو 17 من يوليه سنة 1942، وأنه في 18 من إبريل سنة 1954 صدر القرار الوزاري رقم 810 بإجراء ترقيات إلى الدرجة الخامسة. وقد شملت هذه الحركة جميع من يسبقونه في الدور ثم تخطته إلى من يليه مباشرة وهو الدكتور محمد عبد العزيز البرعي. فلما تظلم من هذا التخطي ردت عليه المصلحة بأن الأقدمية المطلقة لم تدركه وأن من يليه في ترتيب الأقدمية إنما رقي بالاختيار في النسبة المخصصة لذلك. ونعي على القرار الصادر بهذه الترقية خطأه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة الفنية سواء بالأقدمية أو بالاختيار؛ وذلك لأنه أقدم من زميله الذي تخطاه ويفوقه في الكفاية؛ إذ أن درجة كفايته هي 100% كما يتضح من التقارير المقدمة عنه ومن ملف خدمته في حين أن زميله المذكور هو أدنى منه، ومن ثم فإن ترقية هذا الأخير بالاختيار تكون مشوبة بإساءة استعمال السلطة. وانتهى من هذا إلى طلب الحكم بإلغاء قرار الترقية المشار إليه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة الفنية، مع تقرير أحقيته لهذه الدرجة من تاريخ صدور القرار في 18 من إبريل سنة 1954، وإلزام الحكومة بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة، وحفظ كافة الحقوق الأخرى. وقد ردت وزارة الزراعة على هذه الدعوى بأنه ولئن كان المدعي أقدم في الدرجة السادسة من المطعون في ترقيته؛ إذ حصل على هذه الدرجة في 17 من يوليه سنة 1942 بينما نالها هذا الأخير في 2 من أكتوبر سنة 1942، إلا أن الترقية المطعون فيها قد تمت في النسب المقررة قانوناً للترقية بالاختيار، وقد حصل الأول على 94 درجة في التقدير السري عام 1953/ 1954 في حين أن الثاني حصل على 100 درجة في العام ذاته، أما في عام 1952/ 1953 فقد كان تقديرهما بدرجة جيد، ومن ثم رقى الثاني إلى الدرجة الخامسة الفنية بالاختيار؛ لأن مجموع درجاته أكبر من مجموع درجات الأول، وذلك بالتطبيق لحكم المادة 39 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 94 لسنة 1953 التي تقضي بأن الترقية في النسبة المخصصة للاختيار تكون بحسب ترتيب درجة الكفاية في العامين الأخيرين. وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى؛ لأنها لم تتخط المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة. وقد أيدها مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الإداري في طلب رفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات. وبجلسة 15 من مارس سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) في هذه الدعوى "بإلغاء قرار وزير الزراعة رقم 810 بتاريخ 18 من إبريل سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة الفنية، وألزمت الحكومة بالمصروفات"؛ وأقامت قضاءها على أنه يتعين للمفاضلة بين كل من المدعي والمطعون في ترقيته في مجال الترقية بالاختيار وفقاً لحكم المادتين 40 فقرة ثانية و30 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الرجوع إلى التقرير السنوي الخاص بكل منهما عن سنة 1953. ويبين من هذا التقرير أن رئيس المدعي المباشر قدر له درجات جملتها 94 درجة، وأن كلاً من المدير المحلي ورئيس المصلحة قد أقر هذا التقدير، غير أنه لم يؤشر على التقرير بما يفيد عرضه على لجنة شئون الموظفين، أما التقرير الخاص بالمطعون في ترقيته فقد تضمن أن المدير المحلي قدر له درجات مجموعها 100 درجة، وأن رئيس المصلحة أقر ذلك، إلا أن التقرير خلو من تقدير الرئيس المباشر ومن التأشير بعرضه على لجنة شئون الموظفين. ولما كان لا ينبغي في مجال الترقية بالاختيار تخطى صاحب الأقدمية إلا بمن هو ظاهر الامتياز، وكان بلوغ المدعي والمطعون في ترقيته الدرجات المقدرة لهما يرتفع بهما إلى مستوى واحد تقريباً، فإن المفاضلة بينهما تدق ويشق القول بأن ثانيهما ظاهر الامتياز على أولهما على نحو يطوع إهدار أقدميته وتخطيه في الاختيار، ولاسيما أنهما قدرا في سنة 1952 بدرجة واحدة هي درجة هي درجة جيد، وأن الفرق بين ما انتهى إليه تقدير كل منهما في سنة 1954 أهون شأناً وأضعف دلالة من أن يكون آية تفاوت في الكفاية بما لا يسوغ معه تخطي المدعي عند الترقية بالاختيار، خاصة وأنه أقدم في التخرج من المطعون في ترقيته. وقد طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 9 من مايو 1956 مؤسساً طعنه على أن المشرع إنما أراد بالفقرة الثانية من المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بعد تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 أن يضرب صفحاً عن ترتيب الأقدمية بأن يجعل الأرقام الحسابية التي تحدد بها الكفاية هي المعيار الوحيد للمفاضلة بين المرشحين للترقية في النسبة المخصصة للترقية بالاختيار، ومتى كان قصد المشرع واضحاً على هذا النحو فليس ثمة مجال للاجتهاد في التفسير والتأويل. ولما كان الثابت أن المدعي لم يحصل في عام 1953/ 1954 إلا على 94 درجة من درجات الكفاية في حين أن المطعون في ترقيته قد نال 100 درجة فإن وزارة الزراعية إذ رقت هذا الأخير بالاختيار دون المدعي تكون قد التزمت نص القانون، ويكون الحكم المطعون فيه إذ ألغي قرار الوزارة في هذا الشأن قد وقع مخالفاً للقانون. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات".
ومن حيث إن الفقرة الثانية من المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة كانت قبل تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 الصادر في 30 من نوفمبر سنة 1953 تنص على أنه "أما النسبة المخصصة للترقية بالاختيار فلا يرقى إليها إلا الحائزون على درجة جيد في العامين الأخيرين من مدة وجودهم في الدرجة التي يرقون منها وتكون ترقيتهم أيضاً بالأقدمية فيما بينهم"، ثم عدلت بالقانون المذكور فأصبح نصها "أما النسبة المخصصة للترقية بالاختيار فتكون الترقية إليها حسب ترتيب درجات الكفاية في العامين الأخيرين". وقد ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه "رؤى من العدالة ولإحكام تقدير درجة كفاية الموظف أن يكون أساس التقدير ما يحصل عليه الموظف من الدرجات في سلوكه ومواظبته واجتهاده وغير ذلك من عناصر التقدير التي تؤهل الموظف للقيام بأعباء الوظيفة على الوجه الأكمل باعتبار النهاية القصوى مائة درجة؛ إذ الأرقام الحسابية أكثر دقة في تحديد الكفاية -… ولما كانت درجات الكفاية حسب النظام الجديد بالأرقام الحسابية لن يعمل بها إلا في التقارير التي ستعد في فبراير سنة 1954 فإن التقارير السنوية الحالية يظل العمل بها وبنظامها الحالي حتى آخر فبراير سنة 1954. واعتباراً من أول مارس يسري العمل في الترقية بالاختيار بالتقارير السرية السنوية التي تعد بالأرقام الحسابية وفقاً للنظام الجديد، ويكتفي بتقرير واحد طيلة العام الأول لهذه التقارير، وبعد ذلك تكون ترقية الموظفين حسب ترتيب درجات الكفاية الحاصلين عليها في العامين الأخيرين من مدة وجود الموظف في الدرجة المرقى منها، وذلك إعمالاً للقاعدة العامة الواردة في الفقرة الثانية من المادة 40".
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن المشرع كان يأخذ في بادئ الأمر في مجال الترقية بالاختيار بمعيار تقديري فضفاض غير منضبط الحدود؛ إذ يتسع نطاق درجة "جيد" التي اتخذها أساساً لهذا المعيار لأن تنطوي فيها عدة مراتب متدرجة تتفاوت فيما بينها وإن انتظمتها جمعياً هذه الصفة. ومن أجل هذا الاعتبار جعل الأقدمية هي مناط المفاضلة بين المشتركين في الحصول على درجة جيد. ثم رأى أن الأرقام الحسابية أكثر دقة في تحديد درجة الكفاية، وأدنى إلى إحكام التقدير في شتى عناصره من سلوك ومواظبة واجتهاد وما إلى ذلك، وأبلغ في تيسير المفاضلة عندما يدق التمييز، وأهدى سبيلاً في الترجيح، فعدل عن المعيار الأول وأطرح الاعتداد بالأقدمية وعول على ترتيب درجات الكفاية وحدها وقوامها أرقام حسابية حاسمة الدلالة، ومتى حدد المشرع ضابط المفاضلة بين المرشحين للترقية في النسبة المخصصة للترقية بالاختيار على هذا النحو من الوضوح فلا مجال للاجتهاد والتأويل خروجاً على النص الصريح.
ومن حيث إن مناط المفاضلة عند الترقية بالاختيار هو رجحان الكفاية، وتقرير ذلك ملاءمة تقديرية ترجع إلى مطلق اختصاص الإدارة بحسب ما تراه محققاً لصالح العمل، ولا يحدها إلا عيب إساءة استعمال السلطة إذا قام الدليل عليه، فإذا برأت من هذا العيب فلا سلطان للقضاء على تقدير الإدارة في هذا الشأن ولا تدخل له في وزن هذه المفاضلة أو الحكم عليها وإلا جاوز حدود سلطته. وإذا رسم المشرع ضوابط محددة ووضع أسساً معلومة للمفاضلة بين المرشحين للترقية بالاختيار فإن الانحراف عن هذه الضوابط والأسس يصم القرار بعيب مخالفة القانون، ويسيغ للقضاء تسليط رقابته على السبب الذي أدى إلى إصدار القرار من حيث قيام هذا السبب وصحته ومطابقته للقانون، أما تقدير أهمية السبب وخطورته فمن إطلاقات الإدارة المتروكة لمحض تقديرها واقتناعها حسبما تستقر عليه عقيدتها. فإذا جعل المشرع العبرة في الترقية بالاختيار بترتيب درجات الكفاية فإن أي فرق في الرقم الحسابي لهذه الدرجات أياً كان مبلغه يكون عنصراً حاسماً للترجيح.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه ولئن كان المطعون عليه أسبق في التخرج وفي أقدمية الدرجة السادسة الفنية من المطعون في ترقيته؛ إذ حصل أولهما على بكالوريوس الطب البيطري في سنة 1940 وردت أقدميته الاعتبارية في الدرجة السادسة الفنية إلى 17 من يوليه سنة 1942، بينما نال الثاني هذا المؤهل في سنة 1942 واعتبرت أقدميته في الدرجة المذكورة راجعة إلى 6 من أكتوبر سنة 1942. إلا أن الدرجة الخامسة الفنية المتنازع عليها قد تمت الترقية إليها بالقرار المطعون فيه في النسب المقررة قانوناً للترقية بالاختيار للكفاية في ظل سريان حكم المادة 40 فقرة 2 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وبعد تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 وذلك كما جاء بمحضر لجنة شئون الموظفين المنعقدة في 1، 4، 8، 11، 12 من أبريل سنة 1954 "لحصوله على درجة 100 في التقرير السري وليس بين من يسبقونه في الأقدمية ممن لم تتناولهم الترقية من حصل على هذه الدرجة". وثابت من التقرير السنوي السري لكل من المطعون عليه والمطعون في ترقيته في عام 1953 أن الأول لم يحصل إلا على 94 درجة من المجموع الكلي للدرجات، بينما نال الثاني مائة درجة وهي النهاية القصوى كما نال هذه النهاية ذاتها في عام 1954 بينما لم يحصل المطعون عليه إلا على 95 درجة في العام المذكور، وذلك بحسب النتيجة العامة النهائية وعلى أساس التقديرات التي تمت سواء من الرئيس المباشر أو المدير المحلي أو رئيس المصلحة أو لجنة شئون الموظفين، وهي تقديرات لا رقابة للقضاء عليها ولا سبيل له إلى مناقشتها؛ لتعلقها بصميم اختصاص الإدارة الذي ليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها فيه، ولما كان ثمة فارق فعلي في الدرجات المقدرة ينهض عنصراً مرجحاً لكفة المطعون في ترقيته على زميله في مجال الاختيار للترقية على أساس الكفاية – كما أثبتت ذلك في محضرها بحق لجنة شئون الموظفين صاحبة الاختصاص في التعقيب نهائياً على تقديرات الرؤساء المحليين طبقاً لنص المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 – فإن قيام هذا الفارق يشهد بصحة التطبيق القانوني وينفي إساءة استعمال السلطة؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر سليماً مطابقاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء هذا القرار قد جانب الصواب، ويتعين الحكم بإلغائه برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات