الرئيسية الاقسام القوائم البحث

قاعدة رقم الطعن رقم 45 لسنة 22 قضائية “دستورية” – جلسة 13 /04 /2003 

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء العاشر
من أول أكتوبر 2001 حتى آخر أغسطس 2003 – صـ 983

جلسة 13 إبريل سنة 2003

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله والدكتور حنفي علي جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش، وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.

قاعدة رقم
القضية رقم 45 لسنة 22 قضائية "دستورية"

1 – دعوى دستورية "استبعاد الدعوى الأصلية المباشرة".
تصريح محكمة الموضوع بإقامة الدعوى الدستورية طعناً على المادتين (2 و4) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 بشأن التركات الشاغرة المعدل بالقانون رقم 31 لسنة 1971. إضافة المدعين في دعواهم الدستورية الطعن على نص المادة من ذات القانون. أثره: عدم قبول الدعوى بالنسبة لهذا النص فقط باعتباره طعناً مباشراً بعدم الدستورية، اتصل بالمحكمة بالمخالفة للأوضاع المقررة في المادة من قانونها.
2 – دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها" تطبيق.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية في الطلبات المبداة في الدعوى الموضوعية. تعلق طلب المدعين في دعواهم الموضوعية بنص الفقرة الأولى من المادة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 المعدل. أثره. تعلق مصلحتهم بالفصل في دستورية هذا النص وحده. تحديد نطاق الدعوى الدستورية به دون غيره.
3 – دستور "شريعة إسلامية. المادة الثانية" تطبيق.
المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980. مؤداها. إلزام السلطة التشريعية اعتباراً من هذا التاريخ بألا يناقض ما تقره من تشريعات مبادئ الشريعة الإسلامية. علة ذلك: اعتبار هذه المبادئ أصلاً يجب أن ترد إليه النصوص التشريعية أو تستمد منه. مصادر هذه النصوص يتعين أن تكون سابقة في وجوده عليها. مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية كمعيار لقياس الشرعية الدستورية، تفترض أن تكون النصوص التشريعية المدعي إخلالها بتلك المبادئ صادرة بعد تعديل المادة الثانية من الدستور. التشريعات الصادرة قبل التعديل لا تخضع لأحكامه. صدور نص الفقرة الأولى من المادة من القرار بقانون رقم 71 لسنة 1962 المعدل المطعون عليه قبل نفاذ التعديل المار ذكره. أثره: النعي بمخالفته للدستور غير سديد.
4، 5 – دستور "حق الملكية: حمايته طبيعته: دعوى المطالبة به".
4 – الملكية الخاصة. حرص الدستور على صونها وحمايتها. أساس ذلك: قاعدة فقهية وقضائية حددت طبيعة حق الملكية وخصائصه الجوهرية وذاتيته. عدم جواز الخروج على الأصل العام المقرر لصون هذا الحق إلا استثناءً.
5 – حق الملكية طبيعته: حق دائم لا يزول بعدم الاستعمال. دعوى المطالبة به لا تنقضي مهما طال الزمان عليها. نص الفقرة الأولى من المادة من القرار بقانون رقم 71 لسنة 1962 المعدل، إسقاطه الحق في ملكية أعيان التركة والحق في الميراث والحق في الدعوى الناشئة عنهما بعد انقضاء خمسة عشر عاماً على تاريخ نشر بيان باسم المتوفى من غير وارث ظاهر. أثره: النيل من حق الملكية. مخالفته للمادة من الدستور.
6 – دعوى الإرث "مدة سقوطها". مبدأ المساواة.
مؤدى نص المادة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمادة من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الذي حل محل اللائحة المذكورة، عدم قبول دعوى الإرث إذا كانت موجهة لغير الهيئة العامة لبنك ناصر إلا بانقضاء ثلاثة وثلاثين سنة. سقوط ذات الدعوى إذا وجهت للهيئة سالفة البيان بانقضاء خمسة عشر عاماً. تمييز النص الطعين هذه الهيئة عن غيرها من الأشخاص الطبيعية يخالف المادة من الدستور.
1 – لما كان الدفع المبدى من المدعين أمام محكمة الموضوع بعدم الدستورية قد انصب على المادتين (2، 4) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 بشان التركات الشاغرة المعدل بالقانون رقم 31 لسنة 1971، وقد قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية طعناً على هاتين المادتين وحدهما، فإن إضافة المدعين في دعواهم الدستورية، الطعن على نص المادة من ذات القانون ينحل طعناً مباشراً بعدم دستورية النص الأخير، اتصل بالمحكمة الدستورية العليا بالمخالفة للأوضاع المقررة وفقاً لحكم المادة من قانونها، بما يوجب الحكم بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.
2 – حيث إنه من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناط ذلك أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وأن يكون من شأن الحكم في المسألة الدستورية أن يؤثر فيما أبدى من طلبات في دعوى الموضوع، إذ كان ذلك، وكان المدعون في الدعوى الموضوعية يطلبون الحكم بأحقيتهم في تركة مورثتهم، واسترداد أعيان هذه التركة من بنك ناصر الاجتماعي، وكان نص الفقرة الأولى من المادة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 معدلة بالقانون رقم 31 لسنة 1971 بما تضمنه من انقضاء كل حق يتعلق بالتركة ولو كان سببه الميراث بمضي خمسة عشر عاماً يحول دون الحكم لهم بطلباتهم، فإن الفصل في دستورية هذا النص وحده يكون لازماً للفصل في الدعوى الموضوعية، وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى الدستورية ولا يمتد إلى ما عدا ذلك من أحكام شملها النص الطعين، كما لا يمتد هذا النطاق ليشمل نص المادة الرابعة من القانون المذكور، إذ تنصب أحكامها على تنظيم الإجراءات القانونية اللازمة للتحفظ على التركات الشاغرة، وإجراءات النشر عنها، ومن ثم فإنها لا تُلحق بالمدعين ضرراً، بل إن اتخاذها من قبل الجهة المنوط بها حفظ هذا التركات من شأنه تحقيق مصلحتهم، ومصلحة كل مستحق في تركة يُظن أنها شاغرة.
3 – وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين للمادة الثانية من الدستور مردود بأن حكم هذه المادة، وبعد التعديل الدستوري الذي أدخل عليها في 22 مايو سنة 1980، يدل، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة، على أن الدستور – واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل – قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن تُرد إليه هذه النصوص أو تستمد منه لضمان توافقها مع مقتضاه، وكان من المقرر أن كل مصدر تُرد إليه النصوص التشريعية أو تكون نابعة منه، يتعين بالضرورة أن يكون سابقاً في وجوده على هذه النصوص ذاتها، إذ أن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور من معايير قياس الشرعية الدستورية تفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية المدعي إخلالها بتلك المبادئ – وتراقبها فيه هذه المحكمة – صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور التي تقاس على مقتضاه، ولما كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه، تظل بمنأى عن الخضوع لأحكامه. إذ كان ذلك وكان النص الطعين صادراً قبل نفاذ التعديل الذي أُدخل على نص المادة الثانية من الدستور في 22 مايو سنة 1980، ولم يلحقه أي تعديل بعد ذلك التاريخ فإن النعي بمخالفته حكمها يكون غير سديد.
4 – الدستور حرص على صون الملكية الخاصة، وكفالة حمايتها، على قاعدة من تراث فقهي وقضائي بلغ غايته في الدقة العلمية لتحديد طبيعة حق الملكية، وللخصائص الجوهرية التي يختص بها وتشكل ذاتيته التي يستقل بها عن سائر الحقوق، ولم يجز الخروج على هذا الأصل العام صوناً وحماية لهذا الحق إلا استثناء، وفي حدود تُقَدّر بقدرها، إذ كان ذلك وكانت طبيعة حق الملكية وقوامة القانوني الدقيق، أنه حق دائم، لا يزول بعدم الاستعمال ولا تنقضي دعوى المطالبة به مهما طال الزمن عليها، ما لم يكن غير المالك الأصلي قد كسب حقاً على المال وفقاً لأحكام القانون، فإن النص الطعين إذ جاوز ذلك كله وأسقط الحق في ملكية أعيان التركة، كما أسقط الحق في الميراث، والحق في الدعوى الناشئة عنهما كأثر لانقضاء خمسة عشر عاماً على تاريخ نشر بيان باسم المتوفى من غير وارث ظاهر – على النحو المشار إليه في المادة من القانون الطعين – فإنه يكون قد نال من حق الملكية في جوهر ما يختص به من خصائص وخرج به عن طبيعته الدائمة، فصار بذلك عدواناً على هذا الحق، بما يقع مخالفاً لنص المادة من الدستور.
5 – نص المادة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 ونص المادة من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 الذي حل محل تلك اللائحة، قد جريا بحكم واحد، هو ألا تقبل دعوى الإرث عند الإنكار متى رفعت بعد مضي ثلاث وثلاثين سنة من وقت ثبوت الحق، إلا إذا قام عذر حال دون ذلك، فإن مؤدى هذا أن دعوى الإرث لا تسقط إذا كانت موجهة لغير الهيئة العامة لبنك ناصر إلا بانقضاء ثلاثة وثلاثين عاماً، وتسقط إذا وُجّهت لهذه الهيئة بانقضاء خمسة عشر عاماً. وهي مفارقة تشكل تمييزاً صارخاً في إسباغ حماية غير متكافئة على الهيئة العامة لبنك ناصر، لا يحظى بها غيرها من الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية، أكثر من ذلك، فإن أثر النص فيما قرره من انقضاء كل حق يتعلق بالتركة بانقضاء الخمسة عشر عاماً المشار إليها، هو صيرورة أعيان التركة مملوكة للهيئة العامة لبنك ناصر، ملكية تلازم زمنياً لحظة إسقاط حق الورثة في ملكية هذه الأعيان، بما مؤداه أن يد الهيئة العامة لبنك ناصر تظل حائزة لهذه الأعيان حيازة عارضة دعامتها أنها أمين عليها طوال مدة خمسة عشر عاماً، وحتى يظهر مُلاّكها من الورثة، فإذا اكتملت هذه المدة ولم يظهر ورثة، فإن النص الطعين يسقط عنهم ملكهم ولو ظهورا بعد ذلك بيوم واحد، وينقل هذه الملكية في ذات الوقت للهيئة العامة لبنك ناصر بحيث أنها تكسب مالاً مملوكاً للغير بتقادم مدته الزمنية هي العدم، وحتى لو استقام فرضاً أو جاز تجاوزاً، اعتبار مدة الخمسة عشر عاماً التي كانت فيها حائزة لأعيان التركة حيازة عارضة، هي مدة تقادم، فإن كسبها لملكية أعيان التركة استناداً لهذا الفرض، يغدو تمييزاً لها في كسب الملكية بطريق التقادم عن غيرها من أشخاص، إذ يجرى حكم الفقرة الأولى من المادة من القانون المدني، على أنه "في جميع الأحوال لا تكسب حقوق الإرث بالتقادم إلا إذا دامت الحيازة مدة ثلاثاً وثلاثين سنة"، بما مؤداه أن النص الطعين، وسواء في حكمه الواقعي بتقريره كسب هيئة بنك ناصر لملكية أعيان التركة بتقادم مدته العدم، أو في الفرض الجدلي بأن مدة الحيازة العارضة لهذه الأموال والبالغة خمسة عشر عاماً هي مدة تقادم – ودون حاجة للخوض في طبيعتي الحيازة -، يكون قد اصطنع تمييزاً بين الهيئة العامة لبنك ناصر وغيرها من أشخاص طبيعية واعتبارية لا يجوز لها تملك حقوق الإرث إلا بحيازة تدوم ثلاثاً وثلاثين سنة، وهو تمييز يخالف حكم المادة من الدستور، بما يغدو معه النص الطعين واقعاً في حمأة المخالفة الدستورية بتعارضه مع نصي المادتين (34، 40) من الدستور وهو ما يوجب القضاء بعدم دستوريته.


الإجراءات

بتاريخ 22/ 2/ 2000، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبين الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (2 و4 و11) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 بشأن التركات الشاغرة التي تتخلف عن المتوفين من غير وارث المعدل بالقانون رقم 31 لسنة 1971.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً: برفضها.
وقدمت الهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة 3/ 11/ 2002 وصرحت للهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي بتقديم مذكرة خلال أسبوعين، وخلال هذا الأجل تقدمت الهيئة المذكرة بمذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفضها، فقررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة لجلسة 15/ 12/ 2002 للرد على الدفع المبدى من الهيئة وتقديم المستندات المؤيدة له، وبالجلسة المذكورة تقدم المدعون بمذكرة ضمنوها ردهم على الدفع، وأودعوا حافظة بالمستندات المؤيدة له، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 16/ 2/ 2003، وفيها قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن السيدة/ هانم علي أحمد الخادم كانت قد توفيت بتاريخ 27/ 5/ 1963، مُخلّفة وراءها تركة من عقارات ومنقولات وإيداعات نقدية لدى البنوك. وإذ لم يظهر لها وارث شرعي آنذاك، فقد اُعتبرت تركتها شاغرة، وآلت أعيانها إلى الدولة مُمثلة في الإدارة العامة لبيت المال بوزارة الخزانة والتي ضُمت بقرار رئيس الجمهورية رقم 2937 لسنة 1971 إلى الهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي. وبتاريخ 26/ 4/ 1994 أقام السيد/ يوسف حسن الخادم والسيدة/ منى حسن الخادم الدعوى رقم 6285 لسنة 1994 مدني كلي أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد بنك ناصر الاجتماعي ووزير المالية طالبين تسليمهما أصول تركة المرحومة/ هانم علي أحمد الخادم من عقارات وأموال والريع المستحق عنها، باعتبار أنهما وارثان شرعيان لها، إذ أن والدهما المرحوم حسن محمد أحمد الخادم الذي توفى في 21/ 8/ 1967 كان ابن عم لها ووارثها الشرعي الوحيد، ومن ثم لَزِمَ أن تؤول التركة كلها إليه ومن بعده لهما لكونهما الوارثين له طبقاً لإعلام الوراثة رقم 382 لسنة 1988 الصادر عن محكمة عابدين الكلية للأحوال الشخصية بتاريخ 22/ 11/ 1988. ومن جهة أخرى كان المدعون – في الدعوى الماثلة – وغيرهم، قد أقاموا الدعوى رقم 10364 لسنة 1994 مدني كلي أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية طلباً للحكم بأحقيتهم لتركة مورثهم المرحومة/ هانم علي أحمد الخادم واستردادها من بنك ناصر الاجتماعي باعتبار أنهم وحدهم الورثة الشرعيين لها. وبعد تداول الدعويين أمام تلك المحكمة قررت بجلسة 31/ 1/ 1995 ضمهما لنظرهما معاً للارتباط. وبجلسة 2/ 12/ 1999 دفع الحاضر عن المدعين في الدعوى رقم 10364 لسنة 1994 بعدم دستورية نص المادتين (2 و4) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 بشأن التركات الشاغرة المعدل بالقانون رقم 31 لسنة 1971، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 24/ 2/ 2000 لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقام المدعون الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة والهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي دفعتا بعدم قبول هذه الدعوى لانعدام شرطي المصلحة والصفة بالنسبة للمدعين، ذلك أن النزاع الدائر بينهم وبين غيرهم ممن يدعَّون أنهم ورثة السيدة/ هانم علي أحمد الخادم وحدهم دون سواهم لم يُحسم بعد بحكم نهائي يحدِّد حصراً ورثة المتوفاة الذين لهم حق المطالبة بتركتها، ومن ثم فلا يكون لهم الحق في أن يدفعوا بعدم دستورية النصوص القانونية التي تحول دون استحقاقهم لهذه التركة.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن البّين من حافظة المستندات المقدمة من المدعين بجلسة 15/ 12/ 2002 أنها حوت صورة رسمية من الإعلام الشرعي رقم 308 لسنة 1994 الصادر من محكمة بندر الجيزة للأحوال الشخصية المتضمن أنه تحقق للمحكمة وفاة المرحومة/ هانم علي أحمد الخادم بتاريخ 27/ 5/ 1963 وانحصار إرثها الشرعي في أولاد بنت عمها زينب عيسوي أحمد الخادم وهم محمد وإبراهيم وهانم ودولت وإحسان أولاد عبد الرحمن الصباحي ويستحقون جميع تركتها لأنهم من ذوي الأرحام للذكر مثل حظ الأنثيين وذلك بعد استخراج نصيب أصحاب الوصية الواجبة إذ كان للمتوفاة بنت تدعي سنية عبد الرحمن الصباحي التي توفيت قبل والدتها زينب عيسوي أحمد الخادم بتاريخ 19/ 10/ 1943 وتركت من تستحق وصية واجبة وهي ابنتها سهير حامد عبد الرحمن الصباحي وتستحق نصيب والدتها لو كانت على قيد الحياة في حدود الثلث فقط. إذ كان ذلك، وكان المدعون من ورثة من صدر لصالحهم الإعلام الشرعي رقم 308 لسنة 1994 المشار إليه، وكان هذا الإعلام حُجةً على ما أثبته ما لم يصدر حكم نهائي على خلافه، وإذ لم يصدر مثل هذا الحكم حتى الآن، فإنه يكون للمدعين باعتبار أنهم الورثة الظاهرون للمرحومة هانم علي أحمد الخادم الحق في المطالبة بأعيان تركتها، وتكون لهم من ثم مصلحة في الطعن بعدم دستورية النصوص القانونية التي تحول دون الحكم لهم باسترداد تلك الأعيان.
وحيث إنه لما كان الدفع المبدى من المدعين أمام محكمة الموضوع بعدم الدستورية قد انصب على المادتين (2، 4) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 بشأن التركات الشاغرة المعدل بالقانون رقم 31 لسنة 1971، وقد قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية طعناً على هاتين المادتين وحدهما، فإن إضافة المدعين في دعواهم الدستورية، الطعن على نص المادة من ذات القانون ينحل طعناً مباشراً بعدم دستورية النص الأخير، اتصل بالمحكمة الدستورية العليا بالمخالفة للأوضاع المقررة وفقاً لحكم المادة من قانونها، بما يوجب الحكم بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.
وحيث إن المادة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 بشأن التركات الشاغرة التي تتخلف عن المتوفين من غير وارث معدلاً بالقانون رقم 31 لسنة 1971 تنص على أن "ينقضي كل حق يتعلق بالتركة ولو كان سببه الميراث بمضي 15 سنة تبدأ من تاريخ النشر المنصوص عليه في المادة الرابعة من هذا القانون، ما لم يتخلل هذه المدة سبب من أسباب وقف التقادم أو انقطاعه. وذلك مع عدم الإخلال بأحكام القوانين التي تقضي بمدد تقادم أقل.
وإذا كان التصرف قد تم في أصول التركة كلها أو بعضها قبل أن يتقرر حق ذوي الشأن فيها انتقل حقهم في هذه الأصول إلى صافي ثمنها.
وعلى كل من يثبت له حق التركة أن يؤدي كافة المصروفات والضرائب والرسوم المنصوص عليها في هذا القانون بنسبة النصيب الذي آل إليه.
ولا تبدأ مدة التقادم في شأن من تثبت لهم حقوق في هذه التركات بالنسبة للمصروفات والضرائب والرسوم التي يلتزمون بأدائها إلا من تاريخ ثبوت حقهم فيها".
وتنص المادة من ذات القانون على أن "على الإدارة العامة لبيت المال أن تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة للتحفظ على الأموال الظاهرة للمتوفى وأن تقوم على وجه الاستعجال بإجراء التحريات الإدارية للتثبت من صحة هذا البلاغ، فإذا ظهر من هذه التحريات أن البلاغ غير صحيح أُلغيت إجراءات التحفظ على التركة وإلا قامت بإجراء الحصر والجرد والتقييم، فإذا تبين لها أن قيمة عناصر التركة تزيد على مائتي جنيه أصدرت بياناً باسم المتوفى من غير وارث ظاهر.
ويجب نشر هذا البيان مرة في صحيفة يومية واسعة الانتشار، وإذا زادت قيمة عناصر التركة عن خمسمائة جنيه يجب نشر البيان مرتين في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار، على أن تمضي بين النشرة الأولى والنشرة الثانية مدة لا تزيد عن خمسة أيام.
وحيث إنه من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناط ذلك أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وأن يكون من شأن الحكم في المسألة الدستورية أن يؤثر فيما أبدى من طلبات في دعوى الموضوع، إذ كان ذلك، وكان المدعون في الدعوى الموضوعية يطلبون الحكم بأحقيتهم في تركة مورثهم، واسترداد أعيان هذه التركة من بنك ناصر الاجتماعي، وكان نص الفقرة الأولى من المادة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 معدلة بالقانون رقم 31 لسنة 1971 بما تضمنه من انقضاء كل حق يتعلق بالتركة ولو كان سببه الميراث بمضي خمسة عشر عاماً يحول دون الحكم لهم بطلباتهم، فإن الفصل في دستورية هذا النص وحده يكون لازماً للفصل في الدعوى الموضوعية، وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى الدستورية ولا يمتد إلى ما عدا ذلك من أحكام شملها النص الطعين، كما لا يمتد هذا النطاق ليشمل نص المادة الرابعة من القانون المذكور، إذ تنصب أحكامها على تنظيم الإجراءات القانونية اللازمة للتحفظ على التركات الشاغرة، وإجراءات النشر عنها، ومن ثم فإنها لا تُلحق بالمدعين ضرراً، بل إن اتخاذها من قبل الجهة المنوط بها حفظ هذا التركات من شأنه تحقيق مصلحتهم، ومصلحة كل مستحق في تركة يُظن أنها شاغرة.
وحيث إن المدعين ينعون على النص الطعين – محدداً نطاقاً على النحو المتقدم – مخالفته لنص المادة الثانية من الدستور والتي تقضي بأن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وذلك لمخالفته قواعد الإرث وانتقاله إلى الورثة الشرعيين، وعدم سقوط حق الإرث بمضي المدة، فضلاً عن مخالفته لحكم المادة من الدستور التي تصون الملكية الخاصة، وتكفل حق الإرث فيها.
وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين للمادة الثانية من الدستور مردود بأن حكم هذه المادة، وبعد التعديل الدستوري الذي أدخل عليها في 22 مايو سنة 1980، يدل، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة، على أن الدستور – واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل – قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقره من النصوص التشريعية بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن تُرد إليه هذه النصوص أو تستمد منه لضمان توافقها مع مقتضاه، وكان من المقرر أن كل مصدر تُرد إليه النصوص التشريعية أو تكون نابعة منه، يتعين بالضرورة أن يكون سابقاً في وجوده على هذه النصوص ذاتها، إذ أن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور من معايير قياس الشرعية الدستورية تفترض لزوماً أن تكون النصوص التشريعية المدعي إخلالها بتلك المبادئ – وتراقبها فيه هذه المحكمة – صادرة بعد نشوء قيد المادة الثانية من الدستور التي تقاس على مقتضاه، ولما كان هذا القيد هو مناط الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه، تظل بمنأى عن الخضوع لأحكامه. إذ كان ذلك وكان النص الطعين صادراً قبل نفاذ التعديل الذي أُدخل على نص المادة الثانية من الدستور في 22 مايو سنة 1980، ولم يلحقه أي تعديل بعد ذلك التاريخ فإن النعي بمخالفته حكمها يكون غير سديد.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص الطعين لحكم المادة من الدستور، فإنه نعي صحيح، ذلك أن نصها إذ يجرى على أن "الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون. وحق الإرث فيها مكفول"، فإن مؤدى ذلك أن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة، وكفالة حمايتها، على قاعدة من تراث فقهي وقضائي بلغ غايته في الدقة العلمية لتحديد طبيعة حق الملكية، وللخصائص الجوهرية التي يختص بها وتشكيل ذاتيته التي يستقل بها عن سائر الحقوق، ولم يجز الخروج على هذا الأصل العام صوناً وحماية لهذا الحق إلا استثناء، وفي حدود تُقَدّر بقدرها، إذ كان ذلك وكانت طبيعة حق الملكية وقوامة القانوني الدقيق، أنه حق دائم، لا يزول بعدم الاستعمال ولا تنقضي دعوى المطالبة به مهما طال الزمن عليها، ما لم يكن غير المالك الأصلي قد كسب حقاً على المال وفقاً لأحكام القانون، فإن النص الطعين إذ جاوز ذلك كله وأسقط الحق في ملكية أعيان التركة، كما أسقط الحق في الميراث، والحق في الدعوى الناشئة عنهما كأثر لانقضاء خمسة عشر عاماً على تاريخ نشر بيان باسم المتوفى من غير وارث ظاهر – على النحو المشار إليه في المادة من القانون الطعين – فإنه يكون قد نال من حق الملكية في جوهر ما يختص به من خصائص وخرج به عن طبيعته الدائمة، فصار بذلك عدواناً على هذا الحق، بما يقع مخالفاً لنص المادة من الدستور.
وحيث إن النص الطعين أيضاً، قد أخل بالحماية القانونية المتكافئة المنصوص عليها في المادة من الدستور ذلك أنه فضلاً عن إسقاطه الحق في الملكية على نحو ما تقدم، فإنه إذ جعل انقضاء خمسة عشر عاماً على تاريخ النشر المبين سلفاً سبباً لانقضاء كل حق يتعلق بالتركة، فإن هذه المدة تغدو هي المدة التي تسقط بها دعوى الإرث عندما تكون أعيان التركة تحت يد الهيئة العامة لبنك ناصر، وإذ كان نص المادة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 ونص المادة من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 الذي حل محل تلك اللائحة، قد جريا بحكم واحد، هو ألا تقبل دعوى الإرث عند الإنكار متى رفعت بعد مضي ثلاث وثلاثين سنة من وقت ثبوت الحق، إلا إذا قام عذر حال دون ذلك، فإن مؤدى هذا أن دعوى الإرث لا تسقط إذا كانت موجهة لغير الهيئة العامة لبنك ناصر إلا بانقضاء ثلاثة وثلاثين عاماً، وتسقط إذا وُجّهت لهذه الهيئة بانقضاء خمسة عشر عاماً. وهي مفارقة تشكل تمييزاً صارخاً في إسباغ حماية غير متكافئة على الهيئة العامة لبنك ناصر، لا يحظى بها غيرها من الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية، أكثر من ذلك، فإن أثر النص فيما قرره من انقضاء كل حق يتعلق بالتركة بانقضاء الخمسة عشر عاماً المشار إليها، هو صيرورة أعيان التركة مملوكة للهيئة العامة لبنك ناصر، ملكية تلازم زمنياً لحظة إسقاط حق الورثة في ملكية هذه الأعيان، بما مؤداه أن يد الهيئة العامة لبنك ناصر تظل حائزة لهذه الأعيان حيازة عارضة دعامتها أنها أمين عليها طوال مدة خمسة عشر عاماً، وحتى يظهر مُلاّكها من الورثة، فإذا اكتملت هذه المدة ولم يظهر ورثة، فإن النص الطعين يسقط عنهم ملكهم ولو ظهروا بعد ذلك بيوم واحد، وينقل هذه الملكية في ذات الوقت للهيئة العامة لبنك ناصر بحيث أنها تكسب مالاً مملوكاً للغير بتقادم مدته الزمنية هي العدم، وحتى لو استقام فرضاً أو جاز تجاوزاً، اعتبار مدة الخمسة عشر عاماً التي كانت فيها حائزة لأعيان التركة حيازة عارضة، هي مدة تقادم، فإن كسبها لملكية أعيان التركة استناداً لهذا الفرض، يغدو تمييزاً لها في كسب الملكية بطريق التقادم عن غيرها من أشخاص، إذ يجرى حكم الفقرة الأولى من المادة من القانون المدني، على أنه "في جميع الأحوال لا تكسب حقوق الإرث بالتقادم إلا إذا دامت الحيازة مدة ثلاثاً وثلاثين سنة"، بما مؤداه أن النص الطعين، وسواء في حكمه الواقعي بتقريره كسب هيئة بنك ناصر لملكية أعيان التركة بتقادم مدته العدم، أو في الفرض الجدلي بأن مدة الحيازة العارضة لهذه الأموال والبالغة خمسة عشر عاماً هي مدة تقادم – ودون حاجة للخوض في طبيعتي الحيازة -، يكون قد اصطنع تمييزاً بين الهيئة العامة لبنك ناصر وغيرها من أشخاص طبيعية واعتبارية لا يجوز لها تملك حقوق الإرث إلا بحيازة تدوم ثلاثاً وثلاثين سنة، وهو يخالف حكم المادة من الدستور، بما يغدو معه النص الطعين واقعاً في حمأة المخالفة الدستورية بتعرضه مع نصي المادتين (34 و40) من الدستور وهو ما يوجب القضاء بعدم دستوريته.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 71 لسنة 1962 بشأن التركات الشاغرة التي تتخلف عن المتوفين من غير وارث المعدل بالقانون رقم 31 لسنة 1971، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات