الطعن رقم 1616 لسنة 42 ق – جلسة 25 /02 /1973
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الأول – السنة 24 – صـ 243
جلسة 25 من فبراير سنة 1973
برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين حسن عزام، وحسن أبو الفتوح الشربينى، ومحمود كامل عطيفة، ومحمد عبد المجيد سلامة.
الطعن رقم 1616 لسنة 42 القضائية
حكم. "ما لا يعيب الحكم فى نطاق التدليل". محكمة الموضوع. "سلطتها
فى تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفنى على الحقيقة بجميع تفاصيلها. ليس بلازم. كفاية
أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة
والتوفيق. مثال لتسبيب سائغ فى مواءمة الحكم بين أقوال الشاهد وبين التقرير الفنى فى
شأن عدد الأعيرة التى أطلقت على المجنى عليها.
إثبات. "بوجه عام". "معاينة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه.
تسبيب غير معيب".
طلبات إجراء تجربة رؤية وضم قضية ومعاينة لا تتجه إلى نفى الفعل بل لإثارة الشبهة فى
أدلة الثبوت. إعراض المحكمة عنها والتفاتها عن إجابتها. لا يعيب الحكم.
دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وجوب سماع دفاع المتهم وتحقيقه. للمحكمة الاعراض عنه إذا كان الأمر المطلوب تحقيقه
غير منتج فى الدعوى بشرط بيان العلة.
رابطة السببية. قتل عمد. جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ على توافر رابطة السببية بين الإصابات المحدثة للوفاة وسببها.
1- ليس بلازم أن تتطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفنى على الحقيقة التى وصلت إليها
المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض
مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق. وإذ كان الحكم – وهو فى مقام
الملاءمة بين أقوال الشاهد وبين التقرير الفنى فى شأن تحديد عدد الأعيرة النارية التى
أطلقت على المجنى عليها – قد علل الخلاف بينهما بأن "قول الشاهد بأنه لم يطلق على المجنى
عليها سوى عيارين لا يمنع من أن عيارا ثالثا قد أطلق على المجنى عليها لم يتنبه له
الشاهد فى الحالة التى كان عليها والمتهم يحاول إبعاده عن شقيقته ليقتلها والأخيرة
محتمية بظهره وهو يحاول جاهدا منع المتهم من ارتكاب جرمه" فإن هذا الذى أورده لا يعد
تدخلا فى رواية الشاهد أو أخذها على وجه يخالف صريح عبارتها وإنما هو استنتاج سائغ
أجرته المحكمة – وهى بسبيل استخلاص الحقيقة من كل ما تقدم إليها من أدلة – واءمت به
بين ما قاله الشاهد وما كشف عنه التقرير الطبى. ولا تثريب عليها فى ذلك ما دام أن تقدير
الدليل موكول إلى اقتناعها واطمئنانها إليه وحدها، وما دامت قد استقرت عقيدتها على
أن الطاعن أطلق النار على المجنى عليها. ولا يعد ما قالت به من احتمال عدم تنبه الشاهد
للعيار الثالث اقتراضا مؤثرا على سلامة حكمها، ذلك بأن ما يخرجه من هذا القبيل هو أنه
لم يكن منصبا على دليل الإدانة بل على الظروف التى وقعت فيها الجريمة بما ينتفى معه
قول الطاعن بأن الحكم قد قضى على غير مقتضى الجزم واليقين.
2- لما كان طلب إجراء تجربة رؤية للشاهد مع ما يرتبط به من طلب ضم قضية وطلب معاينة
مكان الحادث هى طلبات لا تتجه مباشرة إلى نفى الفعل المكون للجريمة بل لإثارة الشبهة
فى أدلة الثبوت التى اطمأنت إليها المحكمة فلا عليها إن هى أعرضت عنها والتفتت عن إجابتها،
وما يثيره الطاعن فى شأنها ينحل فى حقيقته إلى جدل فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة
الموضوع بغير معقب.
3- إنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أن
للمحكمة إذا كانت الدعوى قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فيها
أن تعرض عنه بشرط أن تبين علة رفضها لهذا الطلب.
4- إذا كان الحكم قد نقل عن التقرير الطبى الشرعى وصف إصابات المجنى عليها وأن وفاتها
تعزى إلى إصاباتها النارية مجتمعة بما أحدثته من كسور وتهتك نزيف فى مواضع حددها، فإنه
يكون بذلك قد دلل على توافر رابطة السببية بين إصابات المجنى عليها وسببها بما ينفى
عنه قالة القصور فى التسبيب.
الوقائع
إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 28/ 12/ 1971 بدائرة مركز البدارى محافظة أسيوط: (أولا) قتل …… عمدا مع سبق الاصرار والترصد وذلك بأن انتوى قتلها وصمم عليه وترصد لها فى الطريق الذى يعلم أنها ستسير فيه حاملا بندقية أعدها معمرة حتى مرت عليه فأطلق عليها أعيرة نارية قاصدا قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها (ثانيا) أحرز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا بندقية (ثالثا) أحرز ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة النارية دون أن يكون مرخصا له فى حيازة وإحراز سلاحها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 230، 231 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 2 – 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمى 546 لسنة 1954 لسنة 1958 والبند ب من القسم الأول من الجدول رقم 3، فقرر بذلك، ومحكمة جنايات أسيوط بعد أن استبعدت ظرفى سبق الاصرار والترصد قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات ومواد قانون الأسلحة والذخائر المذكورة مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض… الخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة
القتل العمد قد شابه الفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب والاخلال بحق الدفاع،
ذلك بأنه عول فى قضائه على الدليلين القولى والفنى مع تناقضهما فى شأن عدد الأعيرة
التى أطلقت على المجنى عليها. أما ما أورده الحكم – وهو فى مجال رفع هذا التناقض –
من احتمال إطلاق عيار ثالث لم يتنبه له الشاهد فإنه ينطوى على تدخل فى روايته وأخذها
على وجه يخالف صريح عبارتها كما أنه يقوم على افتراض لا سند له من أقوال شاهدى الاثبات
كما بسطها الحكم. وقام دفاع الطاعن على أن الحادث وقع فى الظلام وأن المصابيح الكهربائية
التى أثبت وكيل النيابة وجودها فى مكان الحادث قد وضعت بعد وقوعه بمناسبة انتقال المحقق
للمعاينة لسبق صدور أمر رئيس مجلس القرية بنزعها وعدم إضاءتها لكثرة سرقتها الأمر الثابت
فى تحقيقات الجناية رقم 1851 سنة 1966 البدارى والتى طلب الدفاع ضمها، فضلا عن أنه
بفرض وجود إضاءة فى مكان الحادث فإنه لم تكن كافية للرؤية بالنسبة للشاهد الأول لضعف
بصره، وطلب الدفاع انتقال المحكمة للمعاينة ولإجراء تجربة رؤية. ومع تعلق هذه الطلبات
بتحقيق دفاع جوهرى فقد التفتت عنها المحكمة وردت عليها بما يعد منها قضاء مسبقا فى
دليل لم يطرح عليها. هذا إلى أن الحكم لم يتحدث عن علاقة السببية بين إصابات المجنى
عليها ووفاتها، كما لم تحقق المحكمة ما أورده الطبيب الشرعى فى تقريره عن وصف غشاء
بكارة المجنى عليها ومدلول هذا الوصف رغم طلب الدفاع وتصميه عليه بالجلسة.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية
لجريمة القتل العمد التى دان الطاعن بها، وأقام عليها فى حقه أدلة مستقاة من أقوال
شهود الإثبات ومن معاينة مكان الحادث ومن التقرير الطبى الشرعى وهى أدلة سائغة تؤدى
إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على ما أثاره
الدفاع من قيام تعارض الدليلين القولى والفنى بقوله: أنه بالنسبة لما أثاره الدفاع،
من أن هناك تناقضا بين أقوال الشاهد الأول ….. وتقرير الصفة التشريحية بشأن إصابة
المجنى عليها بثلاثة أعيرة نارية حسبما جاء بالتقرير السالف وقول الشاهد أن المتهم
أطلق على المجنى عليها عيارين ناريين فقط – فإن المحكمة لا ترى ثمة تناقضا فى الأمر
يدعو إلى التشكك فى الدليل المستمد من أقوال الشاهد المذكور مع تسليمها بأن إصابات
المجنى عليها حدثت من ثلاث أعيرة كما جاء بتقرير الصفة التشريحية وما قرره الطبيب الشرعي
بالجلسة، ذلك أن قول الشاهد بأنه لم يطلق على المجنى عليها سوى عيارين ناريين لا يمنع
من أن عيارا ثالثا قد أطلق على المجنى عليها لم يتنبه له الشاهد فى الحالة التى كان
عليها والمتهم يحاول إبعاده عن شقيقته ليقتلها والأخيرة تمسك به محتمية بظهره وهو يحاول
جاهدا منع المتهم من ارتكاب جرمه – وطالما قد توافرت القناعة لدى المحكمة على أن الشاهد
سالف الذكر كان موجودا مع المجنى عليها وقت الاعتداء عليها وأنه شاهد المتهم يطلق عليها
النار من السلاح الذى كان يحمله، فإن ما ورد بأقواله من خلاف مع تقرير الطبيب الشرعى
حول تحديد عدد الأعيرة التى أطلقت على المجنى عليها لا يعتبر خلافا جوهريا يفقد أقواله
قوتها ويباعد من شهادته وواقع الحال". فإن هذا الذى أورده الحكم وعلل به الخلاف الظاهرى
بين أقوال الشاهد وبين التقرير الفنى سائغ فى العقل ويستقيم مع منطق الأمور. وليس بلازم
أن تتطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفنى على الحقيقة التى وصلت إليها المحكمة بجميع
تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى
تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق. وإذ كان الحكم – وهو فى مقام المواءمة بين أقوال
الشاهد وبين التقرير الفنى فى شأن تحديد عدة الأعيرة النارية التى أطلقت على المجنى
عليها قد علل الخلاف بنيهما بأن "قول الشاهد بأنه لم يطلق على المجنى عليها سوى عيارين
ناريين لا يمنع من أن عيارا ثالثا قد أطلق على المجني عليها لم يتنبه له الشاهد فى
الحالة التى كان عليها والمتهم يحاول إبعاده عن شقيقته ليقتلها والأخيرة محتمية بظهره
وهو يحاول جاهدا منع المتهم من ارتكاب جرمه" فإن هذا الذى أورده لا يعد تدخلا فى رواية
الشاهد أو أخذها على وجه يخالف صريح عبارتها، وإنما هو استنتاج سائغ أجرته المحكمة
– وهى بسبيل استخلاص الحقيقة من كل ما تقدم إليها من أدلة – واءمت به بين ما قاله الشاهد
وما كشف عنه التقرير الطبى. ولا تثريب عليها فى ذلك ما دام أن تقدير الدليل موكول إلى
اقتناعها واطمئنانها إليه وحدها، وما دام قد استقرت عقيدتها على أن الطاعن أطلق النار
على المجنى عليها. ولا يعد ما قالت به من احتمال عدم تنبه الشاهد للعيار الثالث إفتراضا
مؤثرا على سلامة حكمها، ذلك بأن ما يخرجه عن هذا القبيل، هو أنه لم يكن منصبا على دليل
بذاته، بل على الظروف التى وقعت فيها الجريمة بما ينتفى معه قول الطاعن بأن الحكم قد
قضى على غير مقتضى الجزم واليقين. لما كان ذلك، وكان طلب إجراء تجربة رؤية للشاهد الأول
مع ما يرتبط به من طلب ضم قضية الجناية رقم 1851 لسنة 1966 البدارى، وطلب معاينة مكان
الحادث لتحديد موقع المسجد الذى كان به الشاهد الثانى وقت سماعه الأعيرة النارية –
فضلا عن أن الحكم قد رد عليها بما يبرر إطراحها – هى طلبات لا تتجه مباشرة إلى نفى
الفعل المكون للجريمة بل لإثارة الشبهة فى أدلة الثبوت التى اطمأنت إليها المحكمة،
فلا عليها إن هى أعرضت عنها والتفتت عن إجابتها، وما يثيره الطاعن فى شانها ينحل فى
حقيقته إلى جدل فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. لما كان ذلك،
وكان القانون وإن أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أن للمحكمة
إذا كانت الدعوى قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فيها – أن تعرض
عنه بشرط أن تبين علة رفضها لهذا الطلب. وإذ رد الحكم على طلب مناقشة الطبيب الشرعي
في شأن ما أورده في تقريره عن غشاء بكارة المجنى عليها بأن الغشاء وجد خاليا من التمزقات
الحديثة أو القديمة الكاملة، وبأن المحكمة استدعت بالفعل الطبيب الشرعي وناقشته على
النحو الثابت بمحضر الجلسة وفى حضور الدفاع الذي لم يناقشه فيما أثاره، فإن النعى على
الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون مقبولا. لما كان ذلك، وكان الحكم قد نقل عن
التقرير الطبى الشرعى وصف إصابات المجنى عليها وأن وفاتها تعزى إلى إصاباتها النارية
مجتمعة بما أحدثته من كسور بالعمود الفقرى والفك العلوى والعظم الوجنى وتهتك بالرحم
والأمعاء والأوعية الدموية والعنق والعضد الأيمن ومن نزيف دموي، فإنه يكون بذلك قد
دلل على توافر رابطة السببية بما ينفى عنه قالة القصور فى التسبيب. لما كان ما تقدم،
فإن الطعن برمته يكون غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
