الطعن رقم 466 سنة 27 ق – جلسة 17 /06 /1957
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثانى – السنة 8 – صـ 665
جلسة 17 من يونيه سنة 1957
برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، وفهيم يسى جندى، وأحمد زكى كامل المستشارين.
الطعن رقم 466 سنة 27 القضائية
إخفاء أشياء متحصلة عن جريمة اختلاس. متى تتحقق جريمة إخفاء الأشياء
المتحصلة من جناية أو جنحة ؟
لا تتحقق جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة إلا إذا وقع من الجانى فعل
إيجابى تدخل به متحصلات الجريمة فى حيازته، أما وجوده فى مكان الإخفاء أو فى محل دخله
المخفى وضبط فيه، فلا يكفى لاعتباره مخفيا لشئ يحوزه غيره ودون أن يصل إلى يده.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين الثلاثة – بأنهم: الأول – (أولا) بصفته سائقا حكوميا بمصلحة النقل الميكانيكى بالمنصورة اختلس كمية البنزين المبينة القدر والقيمة بالمحضر والمسلمة إليه من مصلحة النقل بسبب وظيفته لاستعمالها فى السيارة قيادته. وثانيا – بصفته سائقا حكوميا بمصلحة النقل الميكانيكى بالمنصورة، استولى بغير حق على مال للدولة. والثانى والثالث – أخفيا كمية البنزين سالفة الذكر مع علمهما باختلاس المتهم الأول لها، وطلبت النيابة من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 41/ 1 – 2 مكررة و111/ 1 و112 و113 و118 و119 من قانون العقوبات، فأجابتها إلى ذلك ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضوريا. أولا – بمعاقبة مرسى عبد ربه أحمد بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وبالعزل من وظيفته وبتغريمه خمسمائة جنيه وبإلزامه بأن يرد لمصلحة النقل الميكانيكى مبلغ اثنين وسبعين قرشا وذلك تطبيقا للمواد 112 و113 و118 و119 و32/ 1 من قانون العقوبات. وثانيا – بمعاقبة كل من السيد محمد المكاوى ونبيه محمد المكاوى بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات عملا بالمواد 112 و113 و119 و44/ 1 مكررة عقوبات فطعن المحكوم عليهم الثلاثة فى هذا الحكم بطريق النقض…. الخ.
المحكمة
…. وحيث إن الطاعن الأول يبنى طعنه على أن الحكم المطعون فيه
جاء مشوبا بالفساد فى الاستدلال والاخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم استند فى إدانة
الطاعن على ما شهد به شاهدان فى محضر ضبط الواقعة وأمام المحكمة، مع أن هذه الشهادة
تخالف ما أدليا به فى تحقيق النيابة، كذلك استند الحكم على ما شهد به، المهندس محمود
يوسف، على الرغم من أن الطاعن جرحه، كما اعتمد الحكم على تقدير المسافات الكيلو مترية
للسيارة بعد الحادث، ومقارنة هذا التقدير بما كان يرصده الطاعن قبل الحادث، ولم تحقق
بنفسها هذا التقدير، ولما أصر الطاعن على إجراء معاينة السيارة فى حضوره لاثبات وجود
ثقب بالتنك بين وجود قصدير بموضع الثقب، وهو ما لا يمكن أن يكون من عمل المتهم، لأن
المعاينة كانت فى شهر سبتمبر سنة 1955، ويد الطاعن تخلت عن السيارة قبل ذلك بأكثر من
سنتين، فلا معنى لوجود القصدير إلا أن يكون لسد ثقب قديم ومن ثم كان الاستدلال بالمعاينة
على وجود ثقب بالتنك هو استدلال فاسد، وأخيرا فإن الطاعن طلب الاستعلام من مصلحة النقل
الميكانيكى عن ماركة السيارة واستهلاكها للبنزين وخط سيرها وما صرف له من كميات البنزين
شهريا، ومقارنة ذلك بسيارتين من السيارات المعدة لنقل التلاميذ طلب الطاعن تحقيق ذلك.
فلم تجب المحكمة هذا الطلب.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجناية
اختلاس الأموال الأميرية التى دان بها الطاعن الأول، وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة
سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، ولما كان الحكم قد عول فى إدانة الطاعن
على أقوال الشاهدين المخبرين بمحضر ضبط الواقعة وكان الطاعن لا ينازع فى أن هذه الأقوال
لها أصلها الثابت فى الأوراق التى كانت مطروحة على بساط البحث أمام المحكمة، وكان لمحكمة
الموضوع أن تأخذ بقول للشاهد وتطرح قولا آخر له، مادامت قد اطمأنت إلى صدقه فيما أخذت
به دون ما اطرحته – لما كان ذلك، وكان الحكم قد اطمأن كذلك إلى أقوال المهندس محمود
يوسف وصرحت المحكمة بأنها ترى أنه فيما أبلغ وشهد به لم يكن متحاملا على المتهم، وأنه
لم يفعل إلا ما توجبه عليه وظيفته وأن التقرير الذى قدمه ثبت منه أن المتهم عطل عداد
مسافات السيارة، وكان تقدير المسافة اليومية بين 90.87 كيلو مترا، ثم تبين بعد اصلاح
هذا العداد وتسليم السيارة لسائق آخر وكانت السيارة تعمل نفس الدورات التى كانت أن
المسافة اليومية لا تتجاوز 65.6 كيلومترا تعملها فى عهد المتهم – لما كان ذلك. وكان
الحكم قد رد على دفاع الطاعن الذى ادعى فيه أن تنك السيارة كان مثقوبا، وقال فى هذا
الرد أن اللجنة الأولى قدمت تقريرا جاء فيه أنه لم يوجد فى خزان السيارة أى لحام حديث
أو قديم، فلما تظلم المتهم (الطاعن) من هذا التقرير وطالب بإعادة المعاينة أعيدت فى
يوم 4 سبتمبر سنة 1955 بحضوره، فأرشد اللجنة إلى ما يشبه لحام غير ظاهر، إلا أن المهندسين
قالا عنه إنه قصدير ملأ فجوة غير مثقوبة كانت بالخزان فأصر المتهم على أن تحت هذه الفجوة
ثقبا، وطلب خلع الخزان وفحصه، فلما رفع القصدير لم يوجد تحته ثقب أو فتح، وقد ملىء
بالبنزين – فلم ينفذ منه شئ، وهذا الرد حاسم فى تفنيد ما زعمه الطاعن فى دفاعه، ولما
كان الحكم قد تعرض كذلك لدفاع الطاعن الذى ضمنه الوجه الثانى من طعنه، وقال إن المسائل
التى يطلب تحقيقها المتهم لا صلة لها بالواقعة التى اعترف بها، وهى تسليمه صفيحة من
البنزين إلى المتهمين الثانى والثالث، ولم ينكر أن البنزين الذى بهذه الصفيحة بنزين
حكومى سلم إليه من الموظف المختص بالمديرية لاستعماله فى سيارة المدارس الحكومية ثم
انتهى الحكم بحق إلى أن تحقيق هذه المسائل غير منتج فى واقعة الدعوى – لما كان ذلك
جميعه، فإن ما يثيره الطاعن لا يكون إلا جدلا فى واقعة الدعوى وأدلة الثبوت التى اطمأنت
إليها المحكمة وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم يكون الطعن على غير
أساس متعينا رفضه موضوعا.
وحيث إن الطاعنين الثانى والثالث يبنيان طعنهما على أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور
فى بيان واقعة الاخفاء وأركانها، ذلك بأن دفاعهما قام على أنهما لا يعلمان بجريمة المتهم
الأول ولا بظروفها، ولكنها عندما تحدثت عن ركن العلم ولا سيما فيما يتعلق بالطاعن الثالث
الذى دانته المحكمة لمجرد كونه عاملا لدى المتهم الثانى، جاء حديثها قاصرا عن الالمام
بما يفند توافر هذا الركن من أركان الجريمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه العناصر القانونية لجريمة
إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة التى ارتكبها المتهم الثانى (الطاعن الثانى)
وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، وكان مما أثبته
الحكم بالنسبة لهذا الطاعن أنه فى يوم الحادث تسلم الصفيحة المملوءة بالبنزين من السيارة
التى كان يقودها المتهم الأول وضبط بها عند إدخالها لمحله، واستدل الحكم على ذلك بأقوال
الشاهدين، وباعتراف الطاعن والمتهم الأول، واستنتج الحكم فى منطق سليم من حصول التسليم
على النحو الذى تم به قيام الاتفاق بين المتهمين الأول والثانى على تسليم البنزين الحكومى
للمتهم الثانى بعد أن يختلسه المتهم الأول والتصرف فيه لمصلحتهما، وأن هذا المتهم الثانى
يعلم بمصدره، وبأنه معهود به إلى المتهم الأول بمقتضى وظيفته – لما كان ذلك، فان ما
يقوله الطاعن الثانى من أن الحكم المطعون فيه معيب بالقصور فى البيان لا يكون سديدا.
وحيث إن كل ما جاء بالحكم المطعون فيه بالنسبة للمتهم الثالث (الطاعن الثالث) نبيه
محمد المكاوى أنه عامل بالمحل وكان موجودا فيه عند ضبط المتهم الثانى بصفيحة البنزين
بعد أن تسلمها الأخير وحده عند وصول سيارة المتهم الأول – لما كان ذلك، وكانت جريمة
إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة لا تتحقق إلا إذا وقع من الجانى فعل إيجابى
تدخل به متحصلات الجريمة فى حيازته، أما وجوده فى مكان الاخفاء أو فى محل دخله المخفى،
وضبط فيه فلا يكفى لاعتباره مخفيا لشئ يحوزه غيره دون أن يصل إلى يده – لما كان ذلك،
فان اسناد جريمة الاخفاء لا تكون متوافرة قبله ولا يكون مسئولا عنها، ومن ثم يتعين
تبرئته منها.
