قاعدة رقم الطعن رقم 326 لسنة 23 قضائية “دستورية” – جلسة 12 /05 /2002
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء العاشر
من أول أكتوبر 2001 حتى آخر أغسطس 2003 – صـ 375
جلسة 12 مايو سنة 2002
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد فتحي نجيب – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: علي عوض محمد صالح والدكتور حنفي علي جبالي وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه وحضور السيد المستشار/ سعيد مرعي عمرو – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 326 لسنة 23 قضائية "دستورية"
1 – دعوى دستورية "نطاقها".
نطاق الدعوى الدستورية المحالة من إحدى المحاكم يتحدد بالنص التشريعي الذي تراءى لها
شبهة مخالفته للدستور.
2 – عقوبة "تفريدها".
الأصل في العقوبة هو تفريدها. مناط مشروعية العقوبة دستورياً. مباشرة كل قاضي سلطته
في مجال التدرج بها وتجزئتها في الحدود المقررة قانوناً.
3، 4 – عقوبة الغرامة "تفريدها – سلطة القاضي التقديرية" تشريع "المادة من قانون
العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981".
3 – تفريد عقوبة الغرامة يجنبها عيوبها – السلطة التقديرية للقاضي في المفاضلة بين
تنفيذ العقوبة أو إيقاف تنفيذها.
4 – النص في المادة من القانون المذكور على عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة.
مؤداه: حجب القاضي عن مباشرة سلطته التقديرية وإخلال بأهم خصائص هذه السلطة.
5 – تشريع "نص المادة الخامسة من مواد إصدار قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 وقرار وزير
الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 32 لسنة 1989".
الأغراض المالية التي استهدفها النص الطعين، لا يجوز أن تنقض حقوقاً أصلية كفلها الدستور
للسلطة القضائية كتلك التي تتعلق بتفريد العقوبة.
1 – حيث إن نطاق الدعوى الدستورية المحالة من إحدى المحاكم يتحدد بالنص التشريعي الذي
تراءى لها شبهة مخالفته للدستور، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر فيما نصت عليه
المادة المشار إليها من عدم جواز الحكم بوقف التنفيذ في العقوبات المالية، والذي
ارتأت محكمة النقض مخالفته للدستور لما اشتمل عليه من إلغاء سلطة القاضي في وقف تنفيذ
عقوبة الغرامة ما يمثل في حقيقة إلغاء لسلطته في تفريد العقوبة، وهي إحدى خصائص الوظيفة
القضائية التي لا يصح التدخل في شئونها لما ينطوي عليه ذلك من إهدار الحقوق أصلية كفلها
الدستور في المواد (41، 67، 165، 166).
2 – حيث إن – المقرر في قضاء هذه المحكمة – أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها،
ولذا فإن تقرير استثناء من هذا الأصل – أياً كانت الأغراض التي يتوخاها – مؤداه التسليم
بأن ظروف الجناة قد تماثلت بما يقتضي توحيد ما يحيق بهم من جزاء، وهو الأمر الذي يخل
بتناسب العقوبة مع قدر الجريمة وملابساتها وسمات الجاني الشخصية. وإذا كانت أهم عناصر
مشروعية العقوبة – من الناحية الدستورية – أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها
وتجزئتها في الحدود المقررة قانوناً، فإنه لا مجال لحجب القاضي عن ممارسة هذه السلطة
التقديرية وحرمانه من مباشرة حقه في الحكم بالبدائل العقابية التي يرى ملاءمتها لكل
حالة على حدة.
3 – وحيث إن السلطة التقديرية التي يباشرها القاضي في مجال تفريد العقوبة يندرج فيها
الأمر بإيقافها باعتباره أحد محاورها المبنية على مراعاة شخصية الجاني، إذ أن وطأة
العقوبة على المحكوم عليه لا ترتهن فحسب بنوعها أو مدتها، بل ترتبط كذلك بما إذا كان
وجه الردع يتحقق بتنفيذها أم بوقف تنفيذها، لما كان ذلك، وكان الأمر بوقف تنفيذ عقوبة
الغرامة يجنبها عيوبها باعتبارها أشد إصراً على من تغلب عليهم رقة الحال، ولذا فإن
تناسبها في شأن جريمة بذاتها تقديراً لواقعها وحال مرتكبها يجب أن يوكل للسلطة التقديرية
للقاضي الذي يمكنه المفاضلة – وفق أسس موضوعية – بين الأمر بتنفيذ هذه العقوبة أو إيقاف
تنفيذها.
4 – إذا كان المشرع قد حجب القاضي عن مباشرة سلطته التقديرية بالمادة من قانون
العمل سالفة الذكر، فإنه بذلك يكون قد أخل بأهم خصائص الوظيفة القضائية وهي تقدير العقوبة
التي تناسب الجريمة محل الدعوى الجنائية.
وحيث إنه لا يجوز للدولة – في مجال مباشرة سلطتها في فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعي
– أن تنال من الحد الأدنى لحق المتهم في محاكمة قانونية يطمئن خلالها إلى توافر الضمانات
المقررة بالمادة من الدستور، ومن بينها شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة وارتباطهما
بشخص الجاني ونيته والضرر الناجم عنها، حتى يرد الجزاء موافقاً لما قارفه، وكان تقدير
هذه العناصر جميعها يتولاه القاضي بمقتضى سلطته في مجال تفريد العقوبة، فإن حرمانه
من ذلك يخل بالضمانات المشار إليها ويؤدي بالغاية من النصوص العقابية.
5 – حيث إن حصيلة الغرامات المحكوم بها وإن كانت توجه وفقاً للمادة الخامسة من مواد
إصدار القانون رقم 137 لسنة 1981 وقرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 32
لسنة 1989 للصرف على المؤسسات الثقافية والاجتماعية العمالية والعاملين بمديريات القوى
العاملة والتدريب وغيرها من أوجه الرعاية الاجتماعية والثقافية، إلا أن ذلك كله لا
ينبغي أن ينقض حقوقاً أصلية كفلها الدستور للسلطة القضائية، كتلك التي تتعلق بتفريد
العقوبة، وهذه الحقوق تعلو قدراً بطبيعة الحال على الأغراض المادية التي لا يقبل أن
تكون قيداً ينال منها.
وحيث إن النص المطعون عليه – وفقاً لما تقدم – يكون قد أهدر من خلال إلغاء سلطة القاضي
في تفريد العقوبة جوهر الوظيفة القضائية، وجاء منطوياً على تدخل في صميم شئونها، نائياً
عن ضوابط المحاكمة المنصفة، فتردى بالتالي في مخالفة أحكام المواد (41، 67، 165، 166)
من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 16/ 11/ 2001 ورد إلى قلم كتاب المحكمة الحكم الصادر من
محكمة النقض (الدائرة الجنائية) بجلسة 3/ 4/ 2001 بوقف نظر الدعوى وبإحالة الأوراق
إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ما تضمنه نص المادة من قانون
العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 من عدم جواز وقف تنفيذ العقوبات المالية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة
العامة كانت قد اتهمت المطعون ضده في قضية الجنحة رقم 8735 سنة 1997 قسم العجوزة، بأنه
قبل سبعة أشهر من يوم 18 نوفمبر سنة 1993 بدائرة قسم العجوزة – مخالفة الجيزة: أ –
بدد المبلغ المبين قدراً بالأوراق والمملوك لهريدي سالم محمد أبو زيد والمسلم إليه
على سبيل الأمانة وذلك إضراراً بالمجني عليه. ب – الحق العامل المصري بالعمل بالخارج
قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة. وطلبت عقابه بالمادتين (341، 342) من
قانون العقوبات، والمادتين مكرراً، مكرراً من قانون العمل رقم 137 لسنة
1981 المستبدلتين بالقانون رقم 10 لسنة 1991، وإذ حُكِم غيابياً بحبس المتهم شهراً
مع الشغل وكفالة مائة جنية لوقف تنفيذ العقوبة عن التهمة الأولى، وتغريمه ألف جنية
عن التهمة الثانية، فقد عارض في هذا الحكم وقضى بتأييده، فأقام الاستئناف رقم 7388
لسنة 1994 أمام محكمة الجنح المستأنفة التي قضت بتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ
العقوبة لمدة ثلاث سنوات. طعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض، وبجلسة 30/
4/ 2001 قضت محكمة النقض بإيقاف نظر الدعوى وبإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية
العليا للفصل في دستورية ما تضمنه نص المادة من قانون العمل الصادر بالقانون
رقم 137 لسنة 1981 من عدم جواز وقف تنفيذ العقوبات المالية.
وحيث إن المادة (28 مكرراً) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 حظرت
في فقرتها الأولى إلحاق المصريين بالعمل في الخارج قبل الحصول على ترخيص بذلك من وزارة
القوى العاملة والتدريب. وتنص المادة مكرراً على أنه: – "يعاقب بالحبس مدة لا
تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد على
عشرين ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب إحدى الجرائم الآتية:
1 – مزاولة عمليات إلحاق المصريين بالعمل في الخارج دون الحصول على الترخيص المنصوص
عليه في المادة (28 مكرراً)، أو بترخيص صادر بناء على بيانات غير صحيحة".
كما تنص المادة المطعون عليها على أنه: – "لا يجوز الحكم بوقف التنفيذ في العقوبات
المالية أو النزول عن الحد الأدنى للعقوبة المقررة قانوناً لأسباب تقديرية".
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية المحالة من إحدى المحاكم يتحدد بالنص التشريعي الذي
تراءى لها شبهة مخالفته للدستور، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر فيما نصت عليه
المادة المشار إليها من عدم جواز الحكم بوقف التنفيذ في العقوبات المالية، والذي
ارتأت محكمة النقض مخالفته للدستور لما اشتمل عليه من إلغاء سلطة القاضي في وقف تنفيذ
عقوبة الغرامة بما يمثل في حقيقته إلغاء لسلطته في تفريد العقوبة، وهي إحدى خصائص الوظيفة
القضائية التي لا يصح التدخل في شئونها لما ينطوي عليه ذلك من إهدار لحقوق أصلية كفلها
الدستور في المواد (41، 67، 165، 166).
وحيث إن – المقرر في قضاء هذه المحكمة – أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها،
ولذا فإن تقرير استثناء من هذا الأصل – أياً كانت الأغراض التي يتوخاها – مؤداه التسليم
بأن ظروف الجناة قد تماثلت بما يقتضي توحيد ما يحيق بهم من جزاء، وهو الأمر الذي يخل
بتناسب العقوبة مع قدر الجريمة وملابساتها وسمات الجاني الشخصية. وإذا كانت أهم عناصر
مشروعية العقوبة – من الناحية الدستورية – أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها
وتجزئتها في الحدود المقررة قانوناً، فإنه لا مجال لحجب القاضي عن ممارسة هذه السلطة
التقديرية وحرمانه من مباشرة حقه في الحكم بالبدائل العقابية التي يرى ملاءمتها لكل
حالة على حدة.
وحيث إن السلطة التقديرية التي يباشرها القاضي في مجال تفريد العقوبة يندرج فيها الأمر
بإيقافها باعتباره أحد محاورها المبنية على مراعاة شخصية الجاني، إذ أن وطأة العقوبة
على المحكوم عليه لا ترتهن فحسب بنوعها أو مدتها، بل ترتبط كذلك بما إذا كان وجه الردع
يتحقق بتنفيذها أم بوقف تنفيذها، لما كان ذلك، وكان الأمر بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة
يجنبها عيوبها باعتبارها أشد إصراً على من تغلب عليهم رقة الحال، ولذا فإن تناسبها
في شأن جريمة بذاتها تقديراً لواقعها وحال مرتكبها يجب أن يوكل للسلطة التقديرية للقاضي
الذي يمكنه المفاضلة – وفق أسس موضوعية – بين الأمر بتنفيذ هذه العقوبة أو إيقاف تنفيذها.
وإذا كان المشرع قد حجب القاضي عن مباشرة هذه السلطة بالمادة من قانون العمل
سالفة الذكر، فإنه بذلك يكون قد أخل بأهم خصائص الوظيفة القضائية وهي تقدير العقوبة
التي تناسب الجريمة محل الدعوى الجنائية.
وحيث إنه لا يجوز للدولة – في مجال مباشرة سلطتها في فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعي
– أن تنال من الحد الأدنى لحق المتهم في محاكمة قانونية يطمئن خلالها إلى توافر الضمانات
المقررة بالمادة من الدستور، ومن بينها شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة وارتباطهما
بشخص الجاني ونيته والضرر الناجم عنها، حتى يرد الجزاء موافقاً لما قارفه، وكان تقدير
هذه العناصر جميعها يتولاه القاضي بمقتضى سلطته في مجال تفريد العقوبة، فإن حرمانه
من ذلك يخل بالضمانات المشار إليها ويؤدي بالغاية من النصوص العقابية.
وحيث إن حصيلة الغرامات المحكوم بها وإن كانت توجه وفقاً للمادة الخامسة من مواد إصدار
القانون رقم 137 لسنة 1981 وقرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 32 لسنة 1989
للصرف على المؤسسات الثقافية والاجتماعية العمالية والعاملين بمديريات القوى العاملة
والتدريب وغيرها من أوجه الرعاية الاجتماعية والثقافية، إلا أن ذلك كله لا ينبغي أن
ينقض حقوقاً أصيلة كفلها الدستور للسلطة القضائية، كتلك التي تتعلق بتفريد العقوبة،
وهذه الحقوق تعلو قدراً بطبيعة الحال على الأغراض المادية التي لا يقبل أن تكون قيداً
ينال منها.
وحيث إن النص المطعون عليه – وفقاً لما تقدم – يكون قد أهدر من خلال إلغاء سلطة القاضي
في تفريد العقوبة جوهر الوظيفة القضائية، وجاء منطوياً على تدخل في صميم شئونها، نائياً
عن ضوابط المحاكمة المنصفة، فتردى بالتالي في مخالفة أحكام المواد (41، 67، 165، 166)
من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما نصت عليه المادة من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 من عدم جواز الحكم بوقف التنفيذ في العقوبات المالية.
