الطعن رقم 2938 لسنة 32 ق – جلسة 20 /05 /1963
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثاني – السنة 14 – صـ 424
جلسة 20 من مايو سنة 1963
برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد حلمي خاطر، وعبد الحليم البيطاش، ومختار مصطفى رضوان، ومحمد صبري.
الطعن رقم 2938 لسنة 32 القضائية
حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة الموضوع.
( أ ) متى يحق لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة: إذا تشككت في صحة إسناد التهمة، أو
لعدم كفاية أدلة الثبوت عليها. شرط ذلك: اشتمال حكمها على ما يفيد تمحيصها الدعوى وإحاطتها
بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة، والموازنة بينها وبين
أدلة النفي. عدم تعرض الحكم لأدلة الثبوت وإبداء الرأي فيها. عيب.
(ب) وجوب ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام، يتعذر معه تبين مدى صحته من فساده
في التطبيق القانوني على واقعة الدعوى. مثال.
1- إنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة أو
لعدم كفاية أدلة الثبوت عليها، غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها
محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت
بينها وبين أدلة النفي، فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات.
فإذا كان الحكم لم يعرض لأدلة الثبوت ولم تدل المحكمة برأيها في هذه الأدلة مما ينبئ
بأنها أصدرت حكمها دون أن تحيط بها وتمحصها فإن حكمها يكون معيباً.
2 – من المقرر أنه ينبغي ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبين
مدى صحة الحكم من فساده في التطبيق القانوني على واقعة الدعوى، وهو يكون كذلك كلما
جاءت أسبابه مجملة أو غامضة فيما أثبتته أو نفته من وقائع سواء كانت متعلقة ببيان توافر
أركان الجريمة أو ظروفها، أم كانت بصدد الرد على أوجه الدفاع الهامة أو الدفوع الجوهرية،
أم كانت متصلة بعناصر الإدانة على وجه العموم، أو كانت أسبابه يشوبها الاضطراب الذي
ينبئ عن إخلال فكرته من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة، مما لا يمكن معه
استخلاص مقوماته سواء ما تعلق منها بواقعة الدعوى أو بالتطبيق القانوني، ويعجز بالتالي
محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما في يوم 9/ 7/ 1961 بدائرة بندر المنيا: أولاً – المتهمة الأولى: – 1 – أدارت مسكنها للدعارة السرية. – 2 – حرضت المتهمة الثانية على الفجور. ثانياً – المتهمة الثانية: اعتادت ممارسة الدعارة السرية. وطلبت عقابهما بالمواد 1 و8 و9/ 3 و10 و11 و15 من القانون رقم 10 لسنة 1961 ومحكمة المنيا الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 7 أغسطس سنة 1961 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهمة الأولى: أولاً – بحبس المتهمة الأولى سنة مع الشغل والنفاذ وتغريمها مائة جنيه وأمرت بإغلاق المحل وبمصادرة الأمتعة والأثاث الموجودة فيه. ثانياً – بحبس المتهمة الثانية ثلاثة أشهر مع الشغل والنفاذ. فاستأنفت المتهمتان هذا الحكم ومحكمة المنيا الابتدائية – بهيئة إستئنافية – قضت حضورياً بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1961 عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمتين. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض…. الخ.
المحكمة
حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه فساد الاستدلال والخطأ
في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفى بيان ذلك تقول – إن الحكم ذهب خطأ إلى أن
محكمة أول درجة أقامت قضاءها بتوافر ركن الاعتياد على أن أقوال المتهمة بمحضر الضبط،
وفضلاً عن أن الحكم المطعون فيه لم يبين من هي المتهمة التي يعنيها وهل هي الأولى أم
الثانية فإن الثابت أن محكمة أول درجة عولت في إثبات ركن العادة على شهادة نبيل شحاتة
التي أدلى بها في محضر جمع الاستدلالات وبالجلسة وكذا على شهادة ضابط مكتب الآداب وتحرياته
ومراقبته – وأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بتبرئة المتهمتين على ما ذكره من أن الدفاع
عنهما قد نفى ركن العادة وهذا القول مردود بأنه فضلاً عن أن ركن العادة ثابت ثبوتاً
كافياً من شهادة نبيل شحاتة وضابط مكتب الآداب ومن التحريات وفضلاً عن أن الدفاع لم
يهدم كل ذلك – فإن ركن العادة وإن كان لازماً لتهمة إدارة منزل للدعارة فإنه غير لازم
لتوافر تهمة التحريض وهى إحدى التهمتين المنسوبتين للمتهمة الأولى – يضاف إلى ذلك أن
الحكم المطعون فيه لم يبين أدلة النعي التي عول عليها فيما أورده من أن الدفاع عن المتهمتين
قد نفى ركن العادة حتى يمكن مراقبة سلامة استدلاله كما لم يحدد قصده من عبارة عدم صحة
ما جاء بمحضر الضبط – كما أن الحكم مشوب بالغموض فيما أورده من أن المحكمة لم تطمئن
إلى ما أثير إزاء المتهمتين دون أن يبين أسباب عدم اطمئنانه إلى الأدلة التي حملت الاتهام
وأقيم عليها قضاء محكمة أول درجة.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم الابتدائي – الذي ألغاه الحكم المطعون فيه – أنه حصل
واقعة الدعوى في قوله "إن الملازم أول حسين الشريف رئيس مكتب حماية الآداب أثبت بمحضره
المؤرخ 9/ 7/ 1961 أن تحرياته قد دلت على أن المتهمة الأولى – فتحية مرسى – المطعون
ضدها الأولى تدير منزلها للدعارة السرية فاستصدر إذناً من النيابة بتفتيش مسكنها ثم
انتقل ومعه قوة من رجال البوليس إلى هذا المسكن فشاهد المتهمة المذكورة جالسة على باب
المنزل الخارجي وبجوارها شخص يدعى فهيم عبد الشهيد عبد الملك الشهير بهندي ثم أثبت
رئيس مكتب الآداب أن المتهمة الأولى حاولت دخول المنزل بسرعة كما حاول فهيم عبد الشهيد
عرقلة دخول رجال البوليس إلى هذا المسكن فقبض عليهما واقتحمت القوة مسكن المتهمة الأولى
فوجدت ابنتها المتهمة الثانية فاطمة عبد الرازق "المطعون ضدها الثانية" نائمة على سرير
يسار الداخل وفى حالة جماع مع من يدعى نبيل نجيب شحاتة….. وأورد الحكم الابتدائي
على ثبوت هذه الواقعة أدلة من أقوال الشاهد نبيل نجيب شحاتة ورئيس مكتب الآداب وما
قررته المتهمة الثانية في محضر الضبط وقد حصل أقوال الشاهد نبيل نجيب شحاتة في محضر
بما مؤداه "أنه تعرف بفهيم عبد الشهد منذ حوالي شهرين سابقين على ضبط الواقعة ودعاه
لزيارة منزل المتهمتين وبعد أن تناولوا الشاي عرض عليه فهيم عبد الشهيد مواقعة المتهمة
الثانية لقاء مبلغ قدره خمسة وعشرون قرشاً ودفع له هذا المبلغ وناوله فهيم إلى المتهمة
الأولى التي انصرفت بعد ذلك ثم طلب منه فهيم عبد الشهيد عشرة قروش وتركه وانصرف هو
الآخر ثم واقع المتهمة الثانية بعد ذلك واستطرد الشاهد قائلاً إنه لم بواقع سوى المتهمة
الثانية وأنه تردد عليها حوالي خمس أو ست مرات لهذا الغرض". كما أورد الحكم ما ذكرته
المتهمة الثانية في محضر الضبط من أنها أخطأت ولن تعود إلى ارتكاب الفحشاء مستقبلاً.
وذكر أيضاً أنه بمناقشة رئيس مكتب الآداب ونبيل نجيب شحاتة بجلسة 17/ 7/ 1961 رددا
أقوالهما الثانية في محضر ضبط الواقعة. ثم عرض الحكم الابتدائي لدفاع المتهمين ورد
عليه بقوله "ومن حيث إن المتهمتين أنكرتا ما نسب إليهما وقررتا أن التهمة ملفقة وأشهدتا
فهيم عبد الشهيد الشهير بهندي والذي روى أنه بينما كان في مسكنه سمع صياحاً صادراً
من مسكن المتهمتين المجاور لمسكنه فاتجه إلى هناك فوجد رجال المباحث قابضين على المتهمتين
وأخبرته المتهمة الأولى أن رجال البوليس هم الذين أحضروا نبيل نجيب شحاتة لمواقعة المتهمة
الثانية بالقوة. وحيث إنه باستقراء الوقائع سالفة الذكر يتضح أن ما ساقته المتهمتان
من دفاع لم يقم عليه أي دليل معقول يمكن التعويل عليه ولا تلتفت المحكمة إلى أقوال
الشاهد فيهم عبد الشهد وهو شخص حامت حوله الشبهات وتعرض لأفراد القوة التي ضبطت الواقعة".
وخلص الحكم مما تقدم إلى القضاء بإدانة المتهمتين على أساس أن المحكمة قد أطمأنت إلى
أقوال رئيس مكتب الآداب والشاهد نبيل شحاتة وتحريات الشاهد الأول ومراقبته التي أكدت
أن المتهمة الأولى تدير مسكنها للدعارة وضبط المتهمة الثانية تمارس الدعارة في هذا
المسكن وأن هذه الأخيرة لم تنكر ذلك في محضر ضبط الواقعة.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمتين
بقوله "حيث إن محكمة أول درجة أدانت المتهمتين وأسست قضاءها على ركن العادة من أقوال
المتهمة بمحضر الضبط – وحيث إن الدفاع عن المتهمتين نفى ركن العادة وعدم صحة ما جاء
بمحضر الضبط.
ومن حيث إن المحكمة لم تستظهر ركن العادة من محضر الضبط وأقوال المتهمة به كما أنها
لم تطمئن إلى ما أثير إزاء المتهمتين ومن ثم يتعين براءتهما من الاتهام المسند إزائهما
عملاً بالمادة 304/ أ إجراءات جنائية".
وحيث إنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة أو
لعدم كفاية أدلة الثبوت عليهما غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها
محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت
بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات فإذا
كان الحكم لم يعرض لأدلة الثبوت ولم تدل المحكمة برأيها في هذه الأدلة مما ينبئ بأنها
أصدرت حكمها دون أن تحيط بها وتمحصها فإن حكمها يكون معيباً – لما كان ذلك، وكان من
المقرر أنه ينبغي ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبين مدى صحة
الحكم من فساده في التطبيق القانوني على واقعة الدعوى وهو يكون كذلك كلما جاءت أسبابه
مجملة أو غامضة فيما أثبتته أو نفته من وقائع سواء كانت متعلقة ببيان توافر أركان الجريمة
أو ظروفها أم كانت بصدد الرد على أوجه الدفاع الهامة أو الدفوع الجوهرية أم كانت متصلة
بعناصر الإدانة على وجه العموم أو كانت أسبابه يشويها الاضطراب الذي ينبئ عن إخلال
فكرته من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة مما لا يمكن معه استخلاص مقوماته
سواء ما تعلق منها بواقعة الدعوى أو بالتطبيق القانوني ويعجز بالتالي محكمة النقض عن
إعمال رقابتها على الوجه الصحيح – وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه لم يعرض لأدلة
الثبوت التي أوردها الحكم الابتدائي وأسس عليها قضاءه بإدانة المطعون ضدهما ولم تدل
المحكمة برأيها في هذه الأدلة واقتصرت في حكمها على الإشارة بعبارة مبهمة إلى أن محكمة
أول درجة أسست قضاءها على ركن العادة من أقوال المتهمة بمحضر الضبط وأنها – أي محكمة
ثاني درجة – لم تستظهر ركن العادة من محضر الضبط وأقوال المتهمة به وذلك دون تحديد
أي من المتهمتين قصدت كما عرض الحكم المطعون فيه لدفاع المتهمتين في عبارة غامضة بقوله
– إنه نفى ركن العادة وعدم صحة ما جاء بمحضر الضبط – وهى عبارة غامضة ليس لها مدلول
واضح محدد أرسلها الحكم المطعون فيه دون أن يبين كيف نفى الدفاع ذلك، واكتفى الحكم
في التدليل على عدم اقتناع المحكمة بالإدانة السابق القضاء بها ابتدائياً بقوله – إنها
لم تطمئن إلى ما أثير إزاء المتهمتين وذلك دون أن يورد ما يفيد أن المحكمة قد محصت
الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت
بينها وبين أدلة النفي بما يؤدى إلى الشك في صحة عناصر الإثبات – لما كان ما تقدم،
فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بقصور يعيبه ويستوجب نقضه.
